الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَي الْمَسْجِدَيْنِ الذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَالَ: فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ، ثُمَّ قَالَ: «هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا» (لِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ)؛ رواه مسلم.
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم حديث (1398)، وانفرد به.
شرح ألفاظ الحديث:
• (( مِنْ حَصْبَاءَ )): بالمد وهي الحصى الصغار؛ [ انظر النهاية مادة ( حصب ) ].
• (( فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ )): أراد بهذا الضرب المبالغة في الإيضاح بالفعل مع القول بأن المسجد الذي أسِّس على التقوى هو مسجده - صلى الله عليه وسلم.
من فوائد الحديث:
- الفائدة الأولى: الحديث دليل على أن المسجد الذي أسِّس على التقوى المقصود به مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
والقول الثاني:أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء لما جاء في سنن أبي داود من حديث أبي هريرة.
والقول الثالث: أن كلاهما دل الدليل على أنهما أسِّسا على التقوى، وأما الآية ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى ﴾ [التوبة: 108]، فالمقصود بها مسجد قباء، واختاره ابن حجر وابن كثير رحمهما الله، وهو الأظهر والله أعلم.
قال ابن حجر - رحمه الله -: "والحق أن كلًّا منهما أسِّس على التقوى، وقوله تعالى في بقية الآية: ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108] في أهل قباء، وعند أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نزلت: ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ في أهل قباء))، وعلى هذا فالسر في جوابه - صلى الله عليه وسلم - بأن المسجد الذي أسس على التقوى مسجده، رفع توهُّم أن ذلك خاص بمسجد قباء والله أعلم؛ [انظر الفتح " كتاب مناقب الأنصار"، "باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة"، حديث ( 3906 )].
وقال ابن كثير - رحمه الله -: "وقد ورد في الحديث الصحيح أن مسجد رسول الله الذي هو في جوف المدينة، هو المسجد الذي أسِّس على التقوى، وهذا صحيح، ولا منافاة بين الآية وبين هذا؛ لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسِّس على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله بطريق الأولى والأحرى"؛ [ انظر تفسير ابن كثير ( 4 / 214 ) آية ( 108 ) من سورة التوبة ].
التعليقات