عناصر الخطبة
1/رمضان ضيف كريم 2/حال الناس في استقبال رمضان 3/استقبال السلف الصالح لرمضان 4/من فضائل ونفحات رمضاناقتباس
هل تذكرون رمضان الماضي؟! كان الناس في حجر, ويصلون في بيوتهم, وكان الناس يتمنون أن يسمعوا صوت الإمام في الصلاة, والآن رجع الناس لمساجدهم ولله الحمد, وحصلت الأمنيات, فلا تكن ممن وعد فأخلف, وممن ذاق حر الفقد ثم نكث...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نحْمَدُه ونَسْتَعينُه ونَسْتَغْفِرُه، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وسيِّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عَلَيْه وعَلَى آلِه وأصحَابِهِ، ومَنْ سارَ على نهجِه، واقْتَفى أثَرَهُ إِلَى يومِ الدِّينِ، وسلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بعْدُ: فاتَّقُوا الله -أيُّهَا المسْلِمون-؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5].
فيا أيها الناس: بعد أيام سيحل بنا ضيف كريم -بإذن الله-، ضيف يمر بنا كل عام وهو محمل بالعطايا والخيرات من رب الأرض والسموات, من أدرك هذا الضيف وربح مما فيه من الخيرات؛ فقد ربح خيرا كثيرا, إنه يمر بالعالم الإسلامي بأسره, إنه شهر التائبين, شهر المتصدقين, شهر الفقراء والمساكين, شهر المنفقين والباذلين, شهر التالين والمصلين, شهر لكل من أراد الخير؛ ولهذا ينادى فيه: يا باغي الخير أقبل, ويا باغي الشر أقصر!.
وحري بالمؤمن الفطن أن يتفكر في نفسه, ويستعد لهذا الشهر؛ حتى لا يفوته الخير, ويكون من المحرومين, والعياذ بالله!.
عباد الله: بعد أحد عشر شهرا خلت, مر فيها على المسلم فتن وشهوات ونكبات ومحن, ثم يجيء رمضان ليمسح عنا كدر الحياة, ولتقلب صحائفنا بيضاء نقية؛ رحمةً من الله, فلنقدر لهذا الشهر قدره, ولنتعرف على ما فيه من الخيرات لنتعرض له, ولنجاهد أنفسنا فيه قدر المستطاع؛ فهو كما قال -سبحانه-: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)[البقرة: 184].
أيها المؤمنون: كيف نستقبل موسما بهذه الصفة والمكانة؟.
يجب على المؤمن أن يجلس مع نفسه جلسة صادقة, يرتب فيه أوراقه وملفات حياته, وما هي مشاريعه الخيرية في رمضان؟.
وليقرأ في سيرة السلف؛ كيف كانوا يستقبلون رمضان؟, وكيف يعدون العدة له؟, لم يكونوا يستقبلونه بالمأكولات ولا بالمشروبات, ولا بالزينة والفوانيس, ولا بالأغاني والأناشيد؛ فكل هذه كانت من ترهات العوام الذين لا يقدرون للشهر قدره, أما أهل العلم وأهل العبادة فقد كانت نظرتهم لهذا الشهر نظرة أخرى؛ كانوا يرونه فرصة لا تعوض أبدا, ولربما كانوا يرون أنهم لن يدركوه العام القادم, فكانوا يستغلون كل دقيقة فيه, وكانوا يهذبون أنفسهم, ويطهرونها من أدران الذنوب, التي ربما صدتهم أو أخرتهم عن المسابقة في الخيرات في شهر رمضان، وكانوا يتمنون لو كان رمضان السنة كلها.
قال عمر بن عبد العزيز: "كان المسلمون يقولون عند حضور شهر رمضان: اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر؛ فسلمه لنا وسلمنا له, وارزقنا صيامه وقيامه, وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والنشاط, وأعذنا فيه من الفتن", وقال معلى بن الفضل: "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم", وقال يحيى بن أبي كثير: "كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان, وتسلمه مني متقبلا".
وكان بعضهم يترك العمل والكسب إلا ما يتقوت به, ويتفرغ للعبادة, وكان كثير من أهل العلم يتوقفون عن دروس العلم ويشتغلون بالقرآن, ويقولون: "شهر رمضان هو شهر القرآن".
وكانوا يتلمسون أهل الحاجة والفقر؛ ليغنوهم في رمضان, ويبدؤون بالأقارب, ثم الجيران, ثم بقية المسلمين.
اللهم بلغنا رمضان, وارزقنا فيه الصيام والقيام وصالح الأعمال, أقول ما سمعتم, وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدي ولوالديكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على نبيه, وعلى آله وصحبه ومن تبعه, وبعد:
فيا أيها الناس: ها هي نسائم رمضان لاحت في الأفق, بدأ يشمها أهل المسابقة للخيرات, الذين يخشون فوات كل لحظة منه بلا استغلال.
رمضان ميدان للعمل والمثابرة, ميدان للمسابقة والتشمير, ينبغي على العبد أن يسعى فيه بكل قوته على تحصيل الخير, والفوز مع الفائزين, وأن يطهر قلبه ونفسه من الأدران, ومن ظلمات الشهوات والشبه؛ ليخرج من رمضان نقيا من الذنوب, سليم القلب, نقي الصحائف, قد تخلص من أخلاق السوء, وازداد من الأخلاق الفاضلة التي تُدرس في رمضان, وإن هذا ليسهل على من استعد لرمضان فروض نفسه على فعل الخير؛ من تلاوة للقرآن, ومكث في المسجد, وإخراج صدقات, وكثرة ذكر لله؛ حتى تصفو نفسه, ويطهر قلبه, وتسهل عليه العبادات في رمضان فيسابق إليها.
معاشر المسلمين: ها قد جاء شهر التوبة والمصالحة, فكم سوفنا في التوبة, والتماس المعاذير!, والآن قد مد الله في أجلك, وبلغت رمضان؛ فلا تفوت على نفسك التوبة من كل إثم وخطيئة, وفعل سيئٍ وقبيح؛ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة: 222].
هل تذكرون رمضان الماضي؟! كان الناس في حجر, ويصلون في بيوتهم, وكان الناس يتمنون أن يسمعوا صوت الإمام في الصلاة, والآن رجع الناس لمساجدهم ولله الحمد, وحصلت الأمنيات, فلا تكن ممن وعد فأخلف, وممن ذاق حر الفقد ثم نكث!.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم أدم علينا أمننا وعافيتنا, وارفع عنا وعن المسلمين البلاء والمرض, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
التعليقات