عناصر الخطبة
1/نعمة اللباس وأنواع الألبسة وأهميتها 2/اختصاص الله بإباحة الألبسة وتحريمها 3/الأصل في الألبسة الإباحة 4/بعض الصور المحرمةاهداف الخطبة
اقتباس
اللباس مما خلق الله لنا في الأرض، فهو حل لنا حتى يقوم دليل على تحريمه، ولهذا كان الحل من اللباس أكثر بكثير من المحرم. وأما المحرم، فهو قليل بالنسبة إليه؛ لأن عطاء الله -سبحانه- أوسع من منعه، ولا يمنع إلا لحكمة بالغة اقتضت المنع. فمن المحرم: لباس...
الخطبة الأولى:
عن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما.
أما بعد:
فقد قال الله -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[الأعراف: 26].
في هذه الآية الكريمة: بين الله -تعالى- ما من به على عباده حيث أنزل عليهم ثلاثة أنواع من الألبسة: نوعان حسيان، ونوع معنوي.
فأما النوعان الحسيان، فهما: لباس ضروري يواري الإنسان به عورته، يكسو به بدنه، لا بد له منه.
ولباس ريش، ويقال: رياش، وهو لباس الجمال والزينة الزائد عن اللباس الضروري.
وأما النوع المعنوي، فهو: لباس التقوى، تقوى الله -عز وجل-، بامتثال أمره واجتناب نهيه.
وهذا اللباس خير من النوعين الحسيين ذلك؛ لأنه يواري سوأة الإنسان في الدنيا والآخرة: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا * وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 2 - 5].
إن هذا اللباس هو الزينة التي أخرج الله لعباده، وأحلها لهم، وأنكر على من يحرمها بدون برهان: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[الأعراف: 32].
إن في إضافة هذه الزينة إلى الله ووصفها بأنه الذي أخرجها لهم لأكبر برهان على أنه ليس من حقنا أن نتحكم بهذه الزينة في تحليل أو تحريم، وإنما حكمها إلى الله وحده؛ لأنه الذي أخرجها لعباده وحده، وليس من حقنا كذلك أن نستعملها كما نشاء، وإنما نستعملها على الوجه الذي حدد لنا بدون تعد: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[البقرة: 229].
لقد حدد الله لنا استعمال هذا اللباس نوعا، وكيفا حلا وحرمة لئلا نتجاوز بها إلى حد لا يليق بنا أما الحل، فإن الحلال من هذا اللباس هو الأصل؛ لأن الله يقول: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)[البقرة: 29].
واللباس مما خلق الله لنا في الأرض، فهو حل لنا حتى يقوم دليل على تحريمه، ولهذا كان الحل من اللباس أكثر بكثير من المحرم.
وأما المحرم، فهو قليل بالنسبة إليه؛ لأن عطاء الله -سبحانه- أوسع من منعه، ولا يمنع إلا لحكمة بالغة اقتضت المنع.
فمن المحرم: لباس الصور، ولباس ما فيه صورة؛ لأن عائشة -رضي الله عنها- اشترت نمرقة، والنمرقة الوسادة أو المخدة، وكان فيها تصاوير، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما رآها قام على الباب، ولم يدخل، قالت: فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما بال هذه النمرقة؟" فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها، وتوسدها، فقـال رسـول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أصحـاب هذه الصـور يعذبون يوم القيامة، فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم" ثم قال: "إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة"[البخاري(4886) مسلم (2107) أحمد (6/246) مالك (1803)].
النبي -صلى الله عليه وسلم- قام على الباب، ولم يدخل؛ لأن في البيت مخدة فيها صورة ظهرت كراهية ذلك على ملامح وجهه، حتى أعلنت أم المؤمنين عائشة التوبة من أجل ما رأت في وجهه.
ومن أمة محمد ومن المؤمنين من يصطحبون الصور في ملابسهم فيلبسون الصور، أو يلبسون ما فيه الصور.
نعم، لقد غزانا أعداء الإسلام بفتنة هذه الصور، فأتونا بها من كل فج، ورمونا بها من كل ناحية، وضعوا هذه الصور في ملابسنا، فكان في بعض الأقمشة صور الحيوانات الكبيرة أو الصغيرة بالتلوين تارة، وبوضع قصاصات أو مطاط على صورة حيوان تارة، وتجدون ذلك ظاهرا في الألبسة الجاهزة، وصنعوا لنا حليا من الذهب أو غيره على صورة الحيوانات على صورة فراشة أو سمكة لتلبسه، فتفارقنا الملائكة بلبسه، صنعوا لنا ذلك كله، وأكثروا علينا ليهون علينا أمره، وننسى أمر الله ورسوله فيه، أو نتهـاون في أمر الله ورسوله، وإن لبـاس هذه المصورات محرم بيعها وشراؤها مـحرم؛ لأنه إعـانة على الإثم، وقد قـال الله -تعالى-: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة: 2].
وكما لا يجوز للمسلم: أن يلبس الصورة، أو ما فيه صورة، فإنه لا يجوز له أن يلبسها صبيه الصغير ذكرا أم أنثى.
والخلاص من ذلك إذا كانت عند الإنسان الآن أن يقطع رأسها إن كانت حليا، أما إن كانت في قماش، فإن كانت ملصقة إلصاقا قلعها، أو قلع رأسها، وإن كانت مرسومة باللون وضع على الرأس لونا يطمسه.
وفي صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال له: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته"[مسلم(969) الترمذي (1049) النسائي (2031) أبو داود (3218) أحمد (1/96)].
ومن المحرم أيضا ما يحرم على الرجال خاصة، وهو لبس ما نزل عن الكعبين من سراويل أو قميص أو مشلح أو غيرها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أسفل من الكعبين من إزار ففي النار"[البخاري (5450) النسائي (5331) أحمد (2/461)].
وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الإزار فهو في القميص".
فلا يحل للرجل أن ينزل شيئا من ثيابه أسفل من الكعبين؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- توعد على ذلك بالنار، ولا وعيد إلا على فعل محرم.
ولقد ظن بعض الناس أن هذا الحديث فيمن نزل ثيابه خيلاء.
والخيلاء أن يتخيل الشخص لنفسه منزلة عالية، فيتعاظم في نفسه، ويعجب بها، ظن أن هذا الحديث، فيمن نزل ثيابه خيلاء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه"[البخاري (3465) مسلم (2085) الترمذي (1731) النسائي (5335) أبو داود (4085) ابن ماجة (3569) أحمد (2/147) مالك (1696)].
فأراد أن يحمل ذاك المطلق على هذا القيد، ولكن هذا ليس بصحيح، فإن الوعيد فيهما مختلف وسببه مختلف، الوعيد فيمن جر ثوبه خيلاء أن الله لا ينظر إليه، والوعيد فيمن نزل ثوبه عن كعبيه أن ما نزل في النار، فالعقوبة جزئية، والعقوبة الأولى: أن الله لا ينظر إليه، وهو أعظم من تعذيب جزء من بدنه بالنار.
وأما السبب، فمختلف أيضا، فأحدهما: أنزله إلى أسفل من الكعبين، والثاني: جره خيلاء، وهذا أعظم، ولذلك كانت عقوبته أعظم.
وقد قال علماء أصول الفقه: إنه إذا اختلف السبب والحكم في الدليلين لم يحمل أحدهما على الآخر.
فلا يحل للرجل أن ينزل شيئا من ثيابه تحت الكعبين سواء كان ذلك سراويل أم قميصا أم مشلحا أم غيرها، فإن فعل فعقوبته أن يعذب موضع النازل بالنار، ولا يحل له أن يجر شيئا من ذلك خيلاء، فإن فعل فعقوبته أن لا ينظر الله إليه، بل في صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم" قالها ثلاثا، فقال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: "المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"[مسلم(106) الترمذي (1211) النسائي (2563) أبو داود (4087) ابن ماجة (2208) أحمد (5/178) الدارمي (2605)].
ودخل شاب من الأنصار على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يثني عليه مع الناس حين طعن -رضي الله عنه- فلما أدبره إذا إزاره يمس الأرض، فقال: "ردوا علي الغلام، فردوه عليه، فقال: يا ابن أخي ارفع ثوبك، فإنه أبقى لثوبك، وأتقى لربك".
فائدتان في رفع الثوب ينبه عليهما أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-: بقاء الثوب، حيث لا تتلف الأرض أسفله.
وتقوى الله -عز وجل-: (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)[الأعراف: 26].
قد يقول متهور: أنا لا أبالي إذا أتلف أسفل ثوبي وجوابنا، فهل لا تبالي أيضا إذا أضعت تقوى الله، واستعنت بنعمه على معاصيه، فانقلبت النعم نقما والمتعة ألما؟
فاتقوا الله -عباد الله-: واستعينوا بنعمه على طاعته، واحفظوا حدوده، وأقيموا فرائضه، واعبدوه حق عبادته ما استطعتم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ... الخ ...
التعليقات