عناصر الخطبة
1/خصائص مكة 2/بعض فضائل مكة 3/تحريم الإلحاد في حرم مكةاهداف الخطبة
اقتباس
بهذه الكلمات الرقيقة الصادقة، وبجميل الذكر، وعد المحامد؛ ودع الحبيب -صلى الله عليه وسلم- محبوبته مكة؛ وها هو ينظر إلى فجاجها وأبنيتها من فوق ذلك التل، ولوعة الشوق في قلبه إليها قبل مغادرتها، بل أراه يتجرع مرارة الفراق قبل فراقها، ويَبُثُ إليها تباريح الجفاء من أهله وعشيرته التي كانت سبب فراقها معتذرا إليها، وكأنها...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
أيها الإخوة: لما أَذنَ اللهُ لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة، وقف رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْحَزْوَرَةِ، يَقُولُ: "وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ".
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَكَّةَ: "مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ"[رواهما الترمذي وابن ماجة، وصححهما الألباني].
بهذه الكلمات الرقيقة الصادقة، وبجميل الذكر، وعد المحامد؛ ودع الحبيب -صلى الله عليه وسلم- محبوبته مكة؛ وها هو ينظر إلى فجاجها وأبنيتها من فوق ذلك التل، ولوعة الشوق في قلبه إليها قبل مغادرتها، بل أراه يتجرع مرارة الفراق قبل فراقها، ويَبُثُ إليها تباريح الجفاء من أهله وعشيرته التي كانت سبب فراقها معتذرا إليها، وكأنها تسمعه: "لولا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ".
نعم -أيها الإخوة-: إنها مكة، البلد الأمين، البلد الحرام، أم القرى، وغيرها كثير، فقد ذكر لها أهل المعاجم ما يزيد على ثلاثين اسما، وتعدد الأسماء تشريفاً للمسمى.
ولقد اختص الله هذه البلدة التي حرمها بخصائص لم يجعلها لغيرها من البلاد؛ نشير إلى شيء منها:
حرمة مكة، بلد الله الحرام، وذلك أن الله -عز وجل- اصطفى هذه البقعة وحرمها منذ خلق السماوات والأرض، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [النمل: 91].
ودل على ذلك أيضاً حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ؛ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
أيها الأحبة: وقبل ذلك أعلن خليل الله إبراهيم -عليه السلام- حرمة مكة، وبنى فيها بيت الله الكعبة وطهره، وأذن في الناس بالحج؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا"[رواه البخاري ومسلم].
ومن ذلك قول الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)[إبراهيم: 35].
وقوله: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم: 37].
وقال: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة: 129].
ومما اختصها الله به: تحريمَ القتال، وسفك الدماء بمكة، وإيذاء قاطنيها، وهي مسألة عظيمة، بل هي أهم مقتضيات حرمة البلد الحرام؛ فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ، أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الغَدَ يَوْمَ الفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنْ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، لاَ يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيهَا، فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ" فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَاذَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الحَرَمَ لاَ يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ، وَلاَ فَارًّا بِخَرْبَةٍ. والخَرْبَةُ: البَلِيَّةُ[رواه البخاري ومسلم].
قال ابن حجر: "وقد تشدّق عمرو في الجواب، وأتى بكلام ظاهره حقّ، لكن أراد به الباطل، فإنّ الصحابي أنكر عليه نصب الحرب على مكة، فأجابه بأنها لا تمنع من إقامة القصاص، وهو صحيح، إلا أن ابن الزبير لم يرتكب أمرا يجب عليه فيه شيء من ذلك، ولا شك أن فعل عمرو بن سعيد كان خطأ، قال الله -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت: 67].
وقال. (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)[التين: 1-3].
وقال القرطبي: "بأَنَّ مَكَّةَ لَمْ تَزَلْ حَرَمًا مِنَ الْجَبَابِرَةِ الْمُسَلَّطِينَ، وَمِنَ الْخُسُوفِ وَالزَّلَازِلِ، وَسَائِرِ الْمَثُلَاتِ الَّتِي تَحِلُّ بِالْبِلَادِ، وَجَعَلَ فِي النُّفُوسِ الْمُتَمَرِّدَةِ مِنْ تَعْظِيمِهَا وَالْهَيْبَةِ لَهَا مَا صَارَ بِهِ أَهْلُهَا مُتَمَيِّزِينَ بِالْأَمْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى" أ. هـ.
ولذلك نُهي عن حمل السلاح بمكة لغير ضرورة ولا حاجة؛ فعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ"[رواه مسلم].
ومن فضائلها: أنه لا يدخلها الدجال؛ فلقد كرم الله -عز وجل- بلده الأمين مكة وبلد رسوله -صلى الله عليه وسلم- المدينة بأن لا يدخلهما الدجال، وهيّأ لهما من ملائكته من يحميهما منه، فلا يتمكن الدجال، من دخول مكة حرمُ الله وبلدُه الآمن، ولا طيبة مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدل على ذلك؛ ما رواه البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ".
وفي صحيح مسلم: عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، من حديث لها طويل ترويه عن رسول، وفيه: "... أَنَا الْمَسِيحُ وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ؛ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا" فنعوذ بالله من فتنة الدجال.
ومن فضائل مكة -حرسها الله-: أنها مأرز الإيمان؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ: عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ، كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا" "يأرز" أي ينضم ويجتمع[رواه مسلم].
قال النووي: أي مسجدي مكة والمدينة.
ومن فضائلها: مضاعفة أجر الصلاة في المسجد الحرام؛ ذلك أنه لما كان أول بيت وضع للناس، أكرم الله -تعالى- المصلين فيه بمضاعفة الصلوات فيه إلى أضعاف كثيرة.
وهذا فضل عظيم لهذا البيت الكريم من الله الرءوف الرحيم لعباده المؤمنين المصلين؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ"[رواه البخاري ومسلم].
وعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ"[رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني].
أيها الإخوة: وهنا سؤال: هل هذه المضاعفة والفضل للصلاة في المسجد الحرام المحيط بالكعبة فقط أم يشمل الحرم كله؟
فيه خلاف بين أهل العلم، فمن مُخصص هذه المضاعفة بالمسجد المحيط بالكعبة فقط، ومن معمم هذا الفضل في الحرم كله، وقد رجح كثير من العلماء: أن مضاعفة الصلاة يشمل الحرم كله، وممن قال به الإمام بن القيم، وله فيه بحث نفيس، وهو رأي الجمهور، ورجحه من المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-.
ولا شك أن الصلاة في المسجد الحرام المحيط بالكعبة أفضل، وتبعث في النفس الطمأنينة، وانشراح الصدر، وفضل كثرة الجَمْع، وقدم المسجد والقرب من الكعبة.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى مضاعفة الحسنات عموماً في البلد الحرام، وهو قول الإمام أحمد واختيار النووي.
وقال القاضي وابن الجوزي: وتضاعف السيئة بمكان أو زمان فاضل.
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
أيها الإخوة: ومن خصائص مكة: تحريم الإلحاد في حرمها، وقد حرمه الله -تعالى- في كتابه، وتوعَّد من فعله بالعذاب الأليم، والخزي العظيم، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الحج: 25].
والأظهر –والله تعالى أعلم-: أن الإلحاد يعم كلَ معصية لله -عز وجل-، قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "وكلمة: "إلحاد" تعم كل ميل إلى باطل؛ سواء كان في العقيدة أو غيرها؛ لأن الله -تعالى- قال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ) أي: يَهُمّ فيه، ونكر الجميع، فإذا أَلْحَدَ أَحَدٌ، أَيَ إِلْحَادٍ فإنه متوعد بهذا الوعيد، وقد أكد النبي -عليه الصلاة والسلام- تحريم للإلحاد في حرم الله -تعالى-، وبين أن فاعلَه من أبغضِ الناسِ عند الله -تعالى-؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ" [رواه البخاري].
ومعنى: "ملحد" أي: ظالم مائل عن الحق والعدل بارتكاب المعصية.
أيها الإخوة: ومن الملاحظ أن المتوعد عليه بالعذاب الأليم في الآية إرادة الإلحاد، وهو الهمُّ، وإن لم يفعل ما أراد، فيكف بمن فعل؛ ولذا قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لو أن رجلاً همَّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبْين؛ لأذاقه الله -عز وجل- عذاباً أليماً".
قال ابن كثير: قال بعض أهل العلم: "من همَّ أن يعمل سيئة في مكة أذاقه الله العذاب الأليم بسبب همه بذلك، وإن لم يفعلها، بخلاف غير الحرم المكي من البقاع، فلا يعاقب فيه بالهم".
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "ومما يدل على شدة الوعيد في سيئات الحرم، وأن سيئة الحرم عظمية وشديدة قول الله -تعالى-: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
فهذا يدل على أن السيئة في الحرم عظيمة، حتى الهم بها فيه؛ فِيْهِ هذا الوعيد,
وإذا كان من هم بالإلحاد في الحرم متوعداً بالعذاب الأليم؛ فكيف بحال من فعل في الحرم الإلحاد بالسيئات والمنكرات، فإن إثمه يكون أكبر من مجرد الهم، وهذا كله يدلنا على أن السيئة في الحرم لها شأن خطير.
ألا فلينتبه من أكرمه الله بسكنى هذا البلد، ومن أنعم الله عليه، ويسر له القدوم إليه.
اللهم ارزقنا حسن الجوار لبيتك وحرمك.
التعليقات