عناصر الخطبة
1/ ربّانيون لا رمضانيون 2/ الاهتمام بإتقان العمل وقبوله 3/ إحسان الظن بالله 4/ ثمرات المداومة على الطاعات 5/ مجالات للطاعات 6/ ما يجبر النقص في العبادات 7/ الجد والتشميراهداف الخطبة
اقتباس
لقد اعتادت النفوس في مواسم الخير والمغفرة الإقبال على الطاعة، والمسارعة إلى الخير، ولكن الذي يُؤسف أن نرى بأم أعيننا أمةً من المسلمين بمجرد انتهاء الموسم تتنكبُ الطريق، وتَضلُّ السبيل، وتنحرفُ عن الصراط المستقيم، وتنتقلُ من الطاعاتِ والقُرُباتِ إلى المعاصي والشهوات، وتسارعُ للانغماسِ في الملاهي والملذات. إن هذا الفعل ليس من بشائر الخير، ولا من علامات القبول، نسأل الله السلامة والعافية، فقد ذم السلف هذا الصنفَ فقالوا: "بئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان!". فالمؤمن مطالب...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الشكر على ما أولى وأعطى وأنعم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينكم، وأطيعوا الله ورسوله لعلكم تفلحون.
أيها الأحباب: لقد عشنا شهراً ليس كالشهور، اقتربت فيه القلوب من العلي الكريم، وتوجهت فيه الأنفس طمعاً في جنات النعيم، فتنافس المتنافسون، واجتهد المؤمنون، وروضوا النفوس على الطاعة، والتزموا الفضائل، وترفعوا عن الخطايا والرذائل.
مَا كَانَ أَحْسَنَنَا وَالشَّمْلُ مُجْتَمِعٌ *** مِنَّا المُصَلِّي وَمِنَّا القَانِتُ القَارِي
فَابْكُوا عَلَى مَا مَضَى في الشَّهْرِ وَاغْتَنِمُوا *** مَا قَدْ بَقِي لكمُ مِنْ فَضْلِ أَعْمَار
عباد الله: لقد اعتادت النفوس في مواسم الخير والمغفرة الإقبال على الطاعة، والمسارعة إلى الخير، ولكن الذي يُؤسف أن نرى بأم أعيننا أمةً من المسلمين بمجرد انتهاء الموسم تتنكبُ الطريق، وتَضلُّ السبيل، وتنحرفُ عن الصراط المستقيم، وتنتقلُ من الطاعاتِ والقُرُباتِ إلى المعاصي والشهوات، وتسارعُ للانغماسِ في الملاهي والملذات.
إن هذا الفعل ليس من بشائر الخير، ولا من علامات القبول، نسأل الله السلامة والعافية، فقد ذم السلف هذا الصنفَ فقالوا: "بئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان!". فالمؤمن مطالب بالعمل والاجتهاد ولزوم الطاعة أيام العمر كله.
فيا أخي الحبيب: أوصيك ونفسي بأن نكون ربَّانييِّن لا رمضَانييِّن.
إنَّ رَبَّ شعبان ورمضان هو رب الشهور كلها، فليس للطاعة زمن محدد، وليس للتقوى موسم مخصص، فعبادةُ الله لا تنتهي بموسم، فالعبد مأمور بالعمل حتى الممات؛ قال -تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].
وسئلت أُمُّنَا عائشةُ -رضي الله عنها-: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخصُّ شيئًا من الأيام؟ فقالت: "لا، بل كان عمله دِيمةً". فكان -صلى الله عليه وسلم- يداوم على العبادة ويواظب على الطاعة.
واعلموا -عباد الله- أنَّ من علامة توفيق الله -عز وجل- للعبد وقبولِهِ عَمَلَهُ أن يوفقه لإتْبَاعِ الحسنةِ حسنةً بعدها، ويوفقه أيضاً للاستمرار والمداومة على فعل الخير، يقول الله -تعالى-: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) [الشورى:23].
عباد الله: إنَّ التكاسل عن الطاعات بعد انقضاءِ الشهر الكريم، وتضيِيِع الفرائضِ والواجبات، والتساهل في الذنوب والسيئات، من تبديل نعمة الله كفرًا، وفاعِلُهُ يصدُقُ عليه قول الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) [إبراهيم:28].
يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "لقد كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده وإبطاله".
ويقول علي -رضي الله عنه-: "كونوا لقبول العمل أشدّ اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله -عز وجل- يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60].
وسألت أمُّنَا عائشةُ رضي الله عنها رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)، أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟، قال:"لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ! وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ".
فأحسِنوا الظنَّ بالله -عز وجل-، فإنه غفور رحيم جواد كريم، يقبل اليسير؛ ويمنح الجزيل، يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ -عز وجل-".
اسأل الله -عز وجل- أن يمن علينا بالقبول، وأن يثبِّتنا بقوله الثابت في الدنيا والآخرة؛ إنه جواد كريم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وإنعامِه، فله الحمد حتى يرضى، وله الحمد إذا رضي، وله الحمد بعد الرضا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...
أما بعد عباد الله: فاتقوا الله حق التقوى...
أيها المسلمون: لقد تذوقنا طعمَ العبادة، وحلاوةَ الطاعة، ولذةَ المناجاة، فلم نجد ألذَّ منها على القلوب، ولا أنفَعَ منها للنفوس، ولا أشرَحَ للصدور، فهي من المكاسب العظيمة للعبد في الحياة الدنيا، وما أسعده بها يوم يلقى الله!.
فواجبنا أن نحافظ عليها؛ فهي أعزُّ ما نملك؛ بها تزكُو النفوسُ، وترِقُّ القلوبُ، وترتبطُ بعلام الغيوب.
والصيامُ والقيامُ والصدقة والإحسان والذكر وتلاوةُ القرآن والدعاءُ واللجوءُ إلى الله والتضرعُ إليه، ليست مقصورات على رمضان، فمِنَ الأعمالِ والعباداتِ والطاعاتِ ما هو سبب لمضاعفةِ الحسنات وتكفيرِ السيئات ورفعِ الدرجات، ونحن عنها غافلون وفيها مفرِّطون، قال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الصَّلاَةُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ".
وفي الجمعةِ ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مسلم يسألُ الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وأرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر، و(يُستحب الصيامُ في) يومي الاثنين والخميس.
والصدقةُ والإحسانُ والذكر والتلاوة، مشروعات في كلِّ وقت، وفي كل حين.
فعليك أخي الحبيب بالعزيمةِ الصادقة، والإرادةِ الجازمة، والنيةِ الخالصة على مواصلة العبادةِ، والاستمرارِ على الطاعة، والمداومةِ على الأعمال الصالحة، والاستفادةِ من هذه الغنائم الباردة، والفضائلِ المتعددةِ والمتنوعة.
وعليكم بكثرةِ الاستغفار؛ فإنه يجبُرُ الخلَلَ والتقصيرَ في العبادة، قال -تعالى-: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:199].
ومما يُكمِلُ النقص في العبادة ويجبُرُهُ أداءُ النوافل، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلاَةُ، قَالَ: يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلاَئِكَتِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ: انْظُرُوا فِي صَلاَةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ".
فاتقوا الله، وجِدُّوا في العمل، فالفُرَصُ تَفُوتُ، والأجَلُ موقُوت، والإقامةُ محدودة، والأيامُ معدودة، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
هذا وصلوا وسلموا على المبعوثِ رحمةً للعالمين، وحُجَّةً على الخلقِ أجمعين، فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين، فقال -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]...
التعليقات