عناصر الخطبة
1/بشرى وطمأنينة للمؤمنين الصادقين 2/درجات استقامة المسلماقتباس
ما أحسَنَ أن يتذكرَ المسلمُ هذه الآياتِ العظيمةَ بعدَ أن يقوم بصالحات الأعمال راغبًا راجيًا لله -تعالى-، راهبًا خائفًا من ربه ليرحَمَه ويُجيره من عذابه، ويُعيذه من خزي الآخرة، والمسلمون بالعمل بالاستقامة درجاتٌ، فأعلاهم درجةً وأحسنًهم حالًا هُمُ الذين يُتبِعُونَ الحسناتِ بالحسناتِ، ويتركون المحرماتِ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الرحمن الرحيم، الحكيم العليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، أحمد ربي وأشكره على نعمه التي لا يحصيها غيره، مما نعلم وممَّا لا نعلم، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، العلي العظيم، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، المفضَّل بكل خلق كريم، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، الذين كانوا على الهدي المستقيم.
أما بعدُ: فاتقوا الله حقَّ التقوى، تفوزوا بالخيرات، وتنجوا من الشرور والمهلكات.
عبادَ اللهِ: ما أعظمَ البُشرى للمؤمنين، مِنَ الربِّ الرحيمِ، ذي الكلمات التامَّات، الذي لا يُخلِف الميعادَ، وتتحقَّق البشرى إذا تحقَّقت شروطُها فاستبشِروا بوعد العظيم الجليل القائل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)[فُصِّلَتْ:30-32]، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)، تمامُ الكلامِ: (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ)، وقولُ المؤمنينَ: (رَبُّنَا اللَّهُ)، إقرارٌ باللسان واعتقادٌ بالقلب؛ وهو الجَنانُ، كما قال -تعالى-: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا)[آلِ عِمْرَانَ:193]، ومع القولِ والاعتقادِ؛ استقامةُ عملٍ صالحٍ؛ (ثُمَّ اسْتَقَامُوا)؛ فالإيمان قولٌ واعتقادٌ وعملٌ، والاستقامةُ أمرٌ عظيمٌ، وأعلاها هي القيام بالفرائض والواجبات والمستحبَّات، ومجانَبة المحرَّمات والمكروهات، والثبات على ذلك، كما أمَر اللهُ بذلك رسولَه بقوله: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[هُودٍ:112]، والمؤمنون في الاستقامة درجات، كما قال -تعالى-: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)[فَاطِرٍ:32-33]، وقولُ الملائكةِ: (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا)وقتُ قولِهم ذلك عندَ انقطاع الدنيا والدخول في الآخرة، تقول للمؤمنين جزاءً لهم على الاستقامة: (لَا تَخَافُوا)، والخوف لا يكون إلا مِنْ مُستقبلٍ؛ أَيْ: لا تخافوا على مَنْ خلفتُم وراءكم من الذرية؛ فالله يتولَّاهم وهو يتولَّى الصالحينَ؛ (وَلَا تَحْزَنُوا)؛ والحزنُ لا يكون إلا على الماضي؛ أَيْ: لا تحزنوا على ما مضى فقد انتهى الحزن ولن يعود، وهذه بُشرى على الاستقامة بالأمن من المستقبل، وأن الحُزن لن يعود؛ وتقول لهم الملائكة: (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)[آلِ عِمْرَانَ:9]، والجنة فيها ما لا عينٌ رَأَتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلب بشر.(رواه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-).
(نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)؛ فالملائكةُ أولياءُ المؤمنينَ في الدنيا بالنُّصرة والتأييد، قال -تعالى-: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا)[الْأَنْفَالِ:12]، والملائكةُ تُطَمْئِنُ المؤمنَ ليُصَدِّقَ بوعدِ اللهِ وتَطْرُدُ وساوسَ الشيطان عن المسلم، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن للشَّيطانِ لَلَمَّةً بِابْنِ آدمَ، ولِلْمَلَكِ لَمَّةٌ، فأمَّا لَمَّةُ الشَّيطانِ فإيعادٌ بالشَّرِّ، وتَكْذيبٌ بالحقِّ، وأَمَّا لَمَّةُ الملَكِ فإيعادٌ بالخيرِ وتصديقٌ بالحقِّ".
والملائكةُ أولياءُ المؤمنينَ بالحفظ في الدنيا من الشياطين، قال -تعالى-: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)[الرَّعْدِ:11]، والملائكةُ أولياءُ المؤمنينَ في الدنيا بالصحبة الدائمة بكلِّ خيرٍ وبِرٍّ، والملائكةُ أولياءُ المؤمنينَ في الآخرة، قال الله -تعالى-: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرَّعْدِ:23-24]، والبشائر من الملائكة للمؤمنينَ بأمرِ اللهِ تتوالى، وكلُّ بشارةٍ أعظمُ من الأخرى، وآخِرُ بشارةٍ لهم في هذه الآية قولهم: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)[فُصِّلَتْ:31]، لكم في الجنة كلُّ ما تتمنَّوْن وفوقَ الأمانيِّ، ولكم كلُّ طلب تَدعُون به، نُزُلًا من غفور للذنوب، ورحيم بالمؤمنين رحمة خاصَّة، والنُّزُل في لغة العرب ما يُعَدّ للضيف، وهذا كقول الله -تعالى- : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الْأَحْقَافِ:13-14].
ومِنْ أعظمِ وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- التي تَجمَع الدِّينَ كُلَّه، قوله -عليه الصلاة والسلام- لسفيان بن عبد الله -رضي الله عنه-: "قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ"(رواه مسلم).
وما أحسَنَ أن يتذكرَ المسلمُ هذه الآياتِ العظيمةَ بعدَ أن يقوم بصالحات الأعمال راغبًا راجيًا لله -تعالى-، راهبًا خائفًا من ربه ليرحَمَه ويُجيره من عذابه، ويُعيذه من خزي الآخرة، والمسلمون بالعمل بالاستقامة درجاتٌ، فأعلاهم درجةً وأحسنًهم حالًا هُمُ الذين يُتبِعُونَ الحسناتِ بالحسناتِ، ويتركون المحرماتِ، فأولئك السابقون، قال -تعالى-: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * في جَنَّاتِ النَّعِيمِ)[الْوَاقِعَةِ:10-12].
ودُونَ هذه الدرجةِ درجةُ قومٍ عملوا الحسناتِ، وقارفوا بعضَ السيئات، وأَتْبَعُوا السيئاتِ الحسناتِ، قال -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هُودٍ:114].
وإذا نزَل المسلمُ عن هذه الدرجة الثانية خلَط عملًا صالحًا وآخَرَ سيئًا، وهو لِمَا غلَب عليه منهما، وهو تحتَ مشيئة الله ورحمته، قال -تعالى-: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)[الزُّمَرِ:54].
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر اللهَ لي ولكم فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله معز من اتقى، ومذل من اتبع الهوى، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المصطفى، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه النُّجَبا.
أما بعدُ: فاتقوا الله بالعمل بمرضاته، ومجانَبة محرماته، تفوزوا برضوانه وجناته، قال -تعالى-: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْأَنْعَامِ:160]، وتُفِيد هذه الآيةُ أنَّ مَنْ جاء بالحسنة محافظًا عليها من المبطِلات فلَه عشرُ أمثالها وأضعاف ذلك، فاعمل الخيراتِ وجانِبِ المحرماتِ، واعمَلْ بوصية الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ"(رواه أحمد والترمذي).
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56]، فصلُّوا وسلِّمُوا على سيِّد الأولينَ والآخِرينَ وإمامِ المرسلينَ، اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وسلم تسليمًا كثيرًا، اللهمَّ وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة الطيبين أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، وأَذِلَّ الكفرَ والكافرينَ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ.
اللهمَّ اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنتَ أعلمُ به منا، اللهُمَّ أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهُمَّ أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخيرها آخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك.
اللهمَّ إنَّا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهُمَّ أبطل خطط أعداء الإسلام، التي يكيدون بها الإسلام، اللهُمَّ أعذنا وذرياتنا من شياطين الجن والإنس يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ اشف مرضانا، ومرضى المسلمين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهُمَّ احفظ هذه البلاد المباركة، اللهُمَّ احفظ منافذ هذه البلاد المباركة، اللهُمَّ احفظ ثغور هذه البلاد المباركة، اللهُمَّ هذه البلاد المباركة، بحدودها، وجنودها، ووفق قادتها لما فيه عز الإسلام والمسلمين، اللهمَّ وفق خادم الحرمين الشريفين لكل عمل يرضيك، وأَعِنْهُ على كل خير ورشد وصلاح، ووفق ولي عهده لما تحب وترضى، وأَعِنْهُ على كل خير، وأَعِنْهُ على العمل الرشيد والرأي السديد، اللهُمَّ اكشف الكربات عن المسلمين، واكشف الكربات عن فلسطين، والشدائد يا ربَّ العالمينَ، إنَّكَ على كل شيء قديرٌ يا أرحم الراحمين.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ:90]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات