عناصر الخطبة
1/ البشارة برمضان 2/ منزلة وفضل شهر رمضان 3/ فضل الصوم 4/ استغلال رمضان في التوبة والأوبة والإصلاح العام 5/ إضاعة المفرطين لشهر الصيام 6/ التحذير من المفسدين سُرّاق رمضان .اهداف الخطبة
اقتباس
بشراكم أهل الإسلام! رمضان هَلّتْ أنواره، وأبدرت أقماره، وأشرقت شمسه. رمضان حطت ركائبه، ورست سفينته. رمضان رست سفينته الماخرة، وحلت أيامه الطاهرة. رمضان غردت أطياره، وتدفقت أنهاره.
الخطبة الأولى:
... بشراكم أهل الإسلام! رمضان هَلّتْ أنواره، وأبدرت أقماره، وأشرقت شمسه. رمضان حطت ركائبه، ورست سفينته. رمضان رست سفينته الماخرة، وحلت أيامه الطاهرة. رمضان غردت أطياره، وتدفقت أنهاره.
بشراكم أهل الإسلام! رمضان هبت رياحه، ولاح صباحه. رمضان ظهر سناه، وفاح شذاه. بشراكم أهل الإسلام! شهر الخيرات حل، وزمن المكرمات أطل، ليالي الرحمة حلت بوادينا، وأيام العفو والصفح تنادينا.
بشراكم أهل الإسلام! فاليوم تعمر المساجد، ويكثر الراكع والساجد. اليوم تتلى آيات الكتاب، وتخشع القلوب لكلام رب الأرباب؛ فيا قلوب المؤمنين افرحي، ويا عيون المتقين ادمعي، ويا جوارح الصالحين اخشعي لربك واسجدي واركعي.
أهل الإسلام، دموعكم أرسلوها، وعبراتكم أسبلوها؛ فقد حل الشهر المعظم، والزمان المكرم.
أهل الإسلام، رمضان جاء لتفتح أبواب الجنان للعاملين المخلصين, وتغلق أبواب النيران عن الهاربين الشاردين, قال -عليه الصلاة والسلام-: "إذا كان أول ليلة من رمضان صُفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة" رواه الترمذي عن أبي هريرة، وصححه الألباني.
جاء رمضان، الشهر الذي افترض الله عليكم صيامه بقوله -تعالى-: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة:185].
وبيّن -عليه الصلاة والسلام- أن صيامه ركن من أركان الإسلام بقوله: "بُنِيَ الإسلام على خمسٍ"، وذكر منها: "صوم رمضان".
جاء شهر الصيام، ومغفرة الذنوب والآثام, قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
ولقد أعد الله للصائمين بابا من أبواب الجنة الثمانية كرامة لهم، يقال له الريان، لا يدخل منه إلا الصائمون, فقد ظمئوا في الدنيا، وجاء اليوم الذي فيه يرتوون؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد" متفق عليه عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-، واللفظ للبخاري.
بل جعل الله أجر الصائمين إليه وحده، فإنه هو الذي يجازيهم على صبرهم عن اللذات, ففي الصحيحين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -عليه الصلاة والسلام-: "كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله -تعالى-: إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه".
عباد الله: جاء رمضان شهر القيام والتهجد، والنسك والتعبد, قال -عليه الصلاة والسلام-: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-.
ومن عظيم فضل الله أنّ من قام مع الإمام حتى ينتهي من الصلاة كتب له أجر قيام ليلة، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
رمضان الشهر الذي أنزل فيه القرآن، قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185]؛ فيا لذة القلوب والأسماع وهي تعيش مع كلام الله! الآن تلهج الألسن بكلام الله تالية, وتنصت الآذان لكلام الله خاشعة, وتقشعرّ الجلود والقلوب من كلام الله خائفة راجية, وتدمع العيون من كلام الله باكية, فقد طال هجرها للقرآن, (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) [الفرقان:30].
فاليوم تسعد بالقرآن، فما أنزل القرآن ليشقى أهل الإيمان، (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) [طه:1-2].
عباد الله: لقد استقبلنا شهرا عظيما، متفضلا كريما، جعله الله لذنوبنا تطهيرا، ولسيئاتنا تكفيرا.
شهر عمارات القلوب، وكفارات الذنوب. شهر فيه المساجد تعمر، والمصابيح تزهر، والآيات تذكر، والقلوب تجبر.
شهر تشرق فيه المساجد بالأنوار، وتكثر الملائكة للصوام من الاستغفار. شهر تنزل فيه البركات، وتعظم الصدقات، وتكفر السيئات، وتقال العثرات، وتنادي الحور من الجنات؛ فهنيئاً لكم يا معشر الصائمين والصائمات، والقائمين والقائمات، بما أعد الله لكم من الخيرات.
عباد الله: رمضان فرصة العام، من حُرم خيره فهو المحروم. رمضان فرصة لأن نتغير ونغير، فالقلوب مقبلة على الله. رمضان فرصة لنغسل بدموع التوبة والندم ظلمة المعاصي التي علت وجوهنا, فلنرفع الأكف في الأسحار، إلى الرحيم الغفار، وننادي بلسان الاعتذار.
أجلّ ذنبي عند عفوك سيدي *** حقيرٌ وإن كانت ذنوبي عظائما
فما زلتَ غفّارا ومازلتَ راحما *** ومازلتَ ستّارا عليّ الجرائما
لئن كنت قد تابعت جهلي في الهوى *** وقضيت أوتار البطالة هائما
فها أنا قد أقررت يا رب بالذي *** جنيت وقد أصبحت حيران نادما
فتب واعف عني يا إلهي تكرما *** وكن بي يا رب البرية راحما
فيا باغي الخير أقبل؛ فقد وصلت أيام المصالحة, وأقبلت أيام التجارة الرابحة. يا باغي الجنة، هذا زمان المتاب, وهذا زمان الإياب, فتدارك ما مضى من عمرك؛ فهذا زمان التدارك.
عباد الله: إنه مما يجرح الفؤاد، ويدمي القلب، أن رمضان بعد أن كان موسماً للطاعات، أصبح موسماً للمعاصي والمنكرات، أصبح شهراً للقنوات، للاستراحات، للمباريات، تضيع أيامه ولياليه في المباحات، وربما في المحرمات؛ بل من الناس من يحسن في النهار ويسئ بالليل، يطيع بالنهار ويعصي بالليل، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً!.
بل منهم من لا يعرف لرمضان حرمة، لا يعرف إلا أن يمسك عن الطعام والشراب؛ لذا تراه مضيعا للصلاة، زاهدا في المستحبات، مطلقا سمعه وبصره ولسانه بالمحرمات.
أحبتي في الله: إنها دعوة ونحن على أعتاب شهرنا المعظم -نسأل الله البلوغ والتمام- إلى إصلاحٍ عام: إصلاح للنفس، وإصلاح للبيت، وإصلاح للمجتمع؛ فإذا لم نربح في رمضان، فمتى نربح؟.
فاجتهدوا في الشهر بفعل الخيرات، واستكثروا من الباقيات الصالحات، اعمروا نهاره بالقرآن والصيام، وليله بالتسبيح والقيام.
واحمدوا الله على بلوغ أيامه, وسلوه المعونة على صيامه وقيامه، وأن يبلغكم تمامه, وبادروا لياليه وأيامه، قبل أن يرحل أو ترحلوا, فكم من إنسان كان يؤمل بلوغ أيامه فإذا به يساكن اللحود، ويجاور الهوام والدود!.
وإذا وجد أحدكم من نفسه ضعفا أو فتورا فليقل: لعله آخر رمضان في حياتي!.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: شهرٌ فاضلٌ، وزمان مباركٌ، وأيام ليست كباقي الأيام؛ فأحسنوا استغلالها، ولا تضيعوا الفرصة؛ فقد لا تدركونها عاما قادما.
اجعلوا شهر رمضان بداية لحياة جديدة وعلاقة جديدة مع الله, يكفي ما ضاع من عمر في غير مرضاة الله. اجعلوا شهركم نقطة البداية لحياة ملؤها الإيمان، والبعد عن العصيان. اجعلوه فرصة للمحافظة على الصلوات، وفعل المستحبات, وتجديد العهد مع كتاب الله, والحرص على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
اجعلوه فرصة لعلاقة جديدة مع الأقارب والجيران, سامحوا المخطئ, وتجاوزوا عن المسيء، وقابلوا الإساءة بالإحسان.
اتركوا الماضي خلفكم، ولا تفتحوا السجلات القديمة، لا تفتشوا عن شيء مضى؛ لأنكم بذلك تنغصون على أنفسكم، وتفقدون جزءا من سعادتكم، فأسعد الناس من حمل بين جنبيه قلبا سليما.
اجعلوا رمضان شهرا تودعون فيه الذنوب، وتهجرون الفسوق والعصيان. اجعلوا رمضان شهرا تطهرون فيه بيوتكم من قنوات الشر والفساد؛ فهي تهدم الدين، وتدمر الأخلاق، وتدعو للفاحشة، وتحارب الفضيلة بالليل والنهار.
بالله عليكم! غاروا لحرمات الله! فإن الله يغار إذا انتهكت محارمه، غاروا للدين والفضيلة, غاروا على أعراضكم ومحارمكم.
والله! إنها حسرة أن ننصرف عن رمضان إلى المباحات، فكيف بمن يضيع شهره خلف شاشات الغناء والرقص والأفلام والمسلسلات؟.
فيا عباد الله، احفظوا شهركم، واحذروا أن يُسرق منكم؛ فإنه أيام سرعان ما تنقضي، حينها يفرح المجتهدون، ويندم المفرطون.
اللهم سلمنا لرمضان، وسلم رمضان لنا، واجعلنا فيه من المقبولين المرحومين.
هذا وصلوا وسلموا على خير الورى، محمد المصطفى، صلى الله عليه وسلم تسليما.
التعليقات