عناصر الخطبة
1/ظاهرة كثرة الطلاق 2/تأملات في أسباب الطلاق 3/خطورة التخبيب والإفساد بين الزوجين 4/ الطلاق حد من حدود الله 5/حكم طلاق الغضبان.اقتباس
كذلك بعض الرِّجَال؛ ينشغل الواحد منهم مع شِلته في الاستراحات ومجامع النَّاس، ولا يعرف بيته إِلَّا عند نوم أو عند طعام، عندئذٍ انتهى المجال وصار الفراغ للمرأة تتابع عبر وسائل التواصل، وعبر الجوال، وعبر النت، ما يُفسد عليها دينها أولاً، ثُمَّ بيتها وأهلها وزوجها ثانيًا...
الخطبةُ الأولَى:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)[الأنعام: 1]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عليه وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومَن سار عَلَى نهجهم واقتفى أثرهم إِلَى يَومِ الدِّيْنِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا.
أَمَّا بَعْدُ -عباد الله- فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إِلَّا وأنتم مسلمون.
أَيُّهَا المؤمنون: ثمة ظاهرةٌ فظيعة أقضت مضاجع الأُسَر، وأقضت مضاجع المجتمع وشتَّتت شمله، إنها ظاهرة انتشار الطَّلَاق، هذَا الطَّلَاق الَّذِي ما زلنا نسمع كل لحظة من أخباره وأحواله ما ينزعج له الحلماء والعقلاء.
وَالطَّلَاق -يا عباد الله- مَن نظر في أسبابه، وجد أنَّ جُلّها، إن لم يكن كلها، أسباب تافهة لا قيمة لها، ولهذا أسرع ما يندم المطلِّق والمطلَّقة، وقد مرَّ عَلَى أصحاب الفضيلة في جهات الإفتاء أنه يطلق في اللَّيْل، ثُمَّ في النَّهَار يُشغِل المشايخ يبحث عن فتوى، لِمَ؟ لأنه أوقع طلاقه من غير تعقُّل، ومن غير بصيرة، ومن غير نظر في مآلات الأمور وتوابعها وما يلحق بها.
الطَّلَاق -يا عباد الله- مطية الشيطان إِلَى إفساد الأسر، وإفساد المجتمعات، ولهذا إذا جاء الشيطان إِلَى أبيهم إبليس، قَالَ: ما زلت معه حَتَّى شرب الخمر. قَالَ: ليس أنت. ثُمَّ يأتي الآخر قَالَ: ما زلت معه حَتَّى زنى. ثُمَّ يأتي الْثَّالِث فيقول: ما زلت معه حَتَّى طلَّق زوجته؛ فيُدنيه منه ويقرِّبه.
وإنَّ بعض أسباب الطَّلَاق -يا عباد الله- مرجعها إِلَى خفة عقل، وتعجُّل في الحكم، وَإِلَى استفزاز غير مبَّرر من المرأة لزوجها، يُخبِّبها صويحباتها على زوجها. ويفوت البعض أن وسائل التواصل الاجتماعي كُرِّست في هذَا الباب تكريسًا عظيمًا لإفساد النساء عَلَى الرِّجَال، وكذلك يستخدمها أصحاب السوء الَّذِين يُخبِّبون
الرِّجَال عَلَى زوجاتهم.
وبين يدي ذلك -يا عباد الله- قول النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ليس منَّا مَن خبَّب امرأةً عَلَى زوجها، وليس منَّا مَن خبَّب زوجًا عَلَى امرأته"(رواه أحمد وأبو داود).
والتَّخْبِيب -يا عباد الله- له وسائل كثيرة: بالقول، وبالفعل، وبالمغايرة؛ تنظر المرأة إِلَى صويحباتها وقريباتها وما هيَّأ لهن أزواجهن، ثُمَّ تذهب تقارن بينهن وبين نفسها، وبين أزواجهن وزوجها، إِلَى أن تُثار في نفسها نيران الغيرة، ثُمَّ تُكلّف زوجها ما لا يستطيع.
كذلك بعض الرِّجَال؛ ينشغل الواحد منهم مع شِلته في الاستراحات ومجامع النَّاس، ولا يعرف بيته إِلَّا عند نوم أو عند طعام، عندئذٍ انتهى المجال وصار الفراغ للمرأة تتابع عبر وسائل التواصل، وعبر الجوال، وعبر النت، ما يُفسد عليها دينها أولاً، ثُمَّ بيتها وأهلها وزوجها ثانيًا.
فاحذوا جميعًا -عباد الله- من أسباب هذَا النزاع وأسباب هذَا الشِّقاق، واعلموا أنَّ الطَّلَاق إِنَّمَا شرعه الله -جَلَّ وَعَلَا- عند عدم تمكُّن الموافقة بين الرجل وامرأته، ثُمَّ إذا حصل هذَا بينهم في مدة طويلة وحصل بينهم أولاد، فالواجب عَلَى الرجل وعَلَى المرأة الصَّبْر؛ الصَّبْر كما صبروا عَلَى بعضهم مدةً طويلة، ولا يُستثارون عند أدنى ثائرة، ثُمَّ بعد ذلك الضحية من الطَّلَاق: المرأة أولاً، ثُمَّ أولادها ثانيًا، ثُمَّ أنت -أَيُّهَا الزوج والأب- ثالثًا.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[البقرة: 229]، (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)[البقرة: 230].
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)[الأعراف: 43]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إِلَّا وأنتم مسلمون.
عباد الله: إنَّ الطَّلَاق حدٌّ من حدود الله، لا يصلح فيه اللعب والهزل، ولا يصلح فيه المزاح ولا الضحِك، وَإِنَّمَا هو حدٌّ، وفي الحديث: "ثلاثٌ جدهن جِد، وهزلهن جِد: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، والرجعة"(رواه أبو داود والترمذي وغيرهما).
واعلموا -عباد الله-؛ أنَّ جُلّ أعذار المطلِّقين إذا اعتذروا لطلاقهم؛ بأنَّ الطَّلَاق وقع في حالة غضب، واعلموا -عباد الله- أنَّ الغضب عضبان:
غضبٌ لا يدري الإنسان معه شعوره، ولا ما يخرج مِن فِيه ومن لسانه، فَهذَا هو الإغلاق، وَهذَا لا يقع طلاقه؛ لقول النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا طلاق في إغلاق"(أخرجه أحمد وابن ماجه).
والحالة الثانية، وهي الأكثر والأشهر: أنه يغضب، تستفزّه المرأة أو يستفزه أصحابه أو يستفزه ويستثيره ولده أو جاره أو عدوه، فيذهب يطلق، ثُمَّ يأتي معتذرًا إِلَى المستفتين، يقول: أنا إنَّمَا طلقت بغضب، فكل غضب معه شعوره، وإحساسك وما يخرج منك، فإنَّ هذَا الغضب يقع طلاقه في قول عامة أهل العلم.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللهم عزًّا تعز به أولياءك، وذلًّا تذل به أعداءك، اللهم أبرم لهذِه الأُمَّة أمر رشد يُعَز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيها أهل معصيتك، ويُؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، وفي ديننا وأعراضنا وفي أموالنا وأهلينا وديارنا، اللهم كن لولاة أمورنا مؤيدًا ونصيرًا، اللهم خذ بنواصيهم للبر وَالتَّقْوَى، واجعلهم عزًّا للإسلام وأهله، وكفًّا للمسلمين، وذلًّا ونصرةً عَلَى أعدائنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارفع ما أصاب إخواننا من اللأواء والبأساء، اللهم ارحم موتاهم واكتبهم شهداء، اللهم عافِ مبتلاهم، اللهم صب عَلَى أعدائنا وأعدائهم من هؤلاء الصهاينة، صُبّ عليهم العذاب صبًّا، اللهم اجعلهم عليهم سنين كسني يوسف.
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العظيم الحليم، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رب العرش الكريم، نعوذ بك اللهم من شرور أعدائنا، وندرأ بك اللهم في نحورهم، اللهم مَن أراد بنا أو بولاتنا وعلمائنا أو بمجتمعاتنا أو بالمسلمين سوءًا، اللهم فاجعل تدبيره تدميرًا عليه، اللهم اكفنا شره بما شئت، واحفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك وعنايتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم وارض عنا رضاءً لا تسخط علينا معه أبدًا، لنا ولكم ولوالدينا ووالدينا ومشايخنا وولاتنا وذرارينا وجميع المسلمين.
سُبْحَانَ رَبِّنَا رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
التعليقات