عناصر الخطبة
1/الترحيب برمضان2/رمضان فرصة للتوبة 3/رمضان فرصة لتربية النفوس 4/رمضان فرصة للدعوة إلى الله -تعالى- 5/مقارنة بين حال السلف في رمضان وحالنااهداف الخطبة
اقتباس
مَنْ لم يتبْ ويرقَّ قلبُه في رمضان فمتى يتوب؟! مَرَدَةُ الشياطين قد صُفِّدت، والشر قد اجتمع على نفسه فهو لا يطيق انتشارًا، وسحائب الإيمان أطلت وأظلت، و بيوت المسلمين قد لهجت بالدعاء وصلَّت. ما أحسن حال من التجأ إلى رب الأرباب! وما أطيب مآل من انتمى إلى كل صالح أواب! ما ألذَّ حديث التائبين! وما أنفع بكاء المحزونين! وما أعذب مناجاة القائمين! وما أمرَّ عيش المحجوبين! وأعظم حسرة الغافلين! وأشنع...
الخطبة الأولى:
ما أجمل نسيم هذا اليوم، وما أروع شذاه، فحين انشق هذا الفجر عن ميلاد هذا الشهر ازدانت الدنيا، وأشرقت أنوارها، وهبت رياح الإيمان تنساب بين أرجائها.
روى الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله -عز وجل- عليكم صيامه، تُفْتَح فيه أبواب السماء، وتُغْلَق فيه أبواب الجحيم، تُغَلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حرم".
مرحبًا بك يا رمضان، حبيبًا جئت على فاقة، جئت بعد عام كامل، مات فيه قوم ووُلِدَ آخرون، واغتنى قوم وافتقر آخرون، وسَعِدَ قوم وشقي آخرون، واهتدى قوم وضلَّ آخرون.
جئتنا بعد عام كامل وكأَنّ في ردائك كتابًا تقول فيه لكل مسلم: إذا أنت أدركتني هذه السنة فقد لا تُتِمّني، وإن أتممتني فقد لا تلقاني بعد عامي هذا، فالبِداَر البِدارَ قبل فَوَات الفُرَص وذهاب الأعمار.
رمضان أقبل قم بنا يا صاح *** هذا أوان تبتّل وصلاح
الكون مِعطار بطيب قدومه *** روح ريحان ونفـح أقاحي
صفو أتيح فخذ لنفسك قسطها *** فالصفو ليس على المدى بمُتاح
واغنم ثواب صيامه وقيامه *** تسعد بخيرٍ دائم وفلاح
روى الطبراني في الكبير بسند حسن عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "افعلوا الخير دهرَكم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده"[حسنه الألباني].
وها هي رياح الإيمان قد هبَّت، ومواسم الخير قد أقبلت فاغتنمها.
أيها المسلمون: رمضان فرص وحظوات، صيام وصلوات، جهاد ودعوات، ذكر وصدقات، رمضان فرص لا تعوض وأوقات لا تهدر، فهل من مدّكر؟!
رمضان فرصة للتوبة، فالله قد فتح أبوابه، وأجزل ثوابه: "يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها" [رواه مسلم].
يفرح بتوبة عبده وليس أحدٌ أشدَّ فرحًا من الله بها: "لله أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلَتَت منه وعليها طعامُه وشرابه، فأيِسَ منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيِسَ من راحلته، فبينا هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخِطامِها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" [رواه مسلم].
وإذا فرح الله بك يوم تتوب فأيّ خير ستلقاه؟! وأي شر ستوقاه؟!
أيها العاصي المُفَرِّط وكلنا ذلك الرجل، يا من نسي أبواب المساجد، وعكف على الملاهي، واقترف المناهي، أما آن لك أن تنتهي؟! أما ملّت نفسك هذا الطريق؟!
مَنْ لم يتبْ ويرقَّ قلبُه في رمضان فمتى يتوب؟!
مَرَدَةُ الشياطين قد صُفِّدت، والشر قد اجتمع على نفسه فهو لا يطيق انتشارًا، وسحائب الإيمان أطلت وأظلت، و بيوت المسلمين قد لهجت بالدعاء وصلَّت.
والحُر من حذر الهوان *** يزايل الأمر الجسيما
والعاجز المأفون *** أبعدُ ما يكون إذا أقيما؟!
ما أحسن حال من التجأ إلى رب الأرباب! وما أطيب مآل من انتمى إلى كل صالح أواب! ما ألذَّ حديث التائبين! وما أنفع بكاء المحزونين! وما أعذب مناجاة القائمين! وما أمرَّ عيش المحجوبين! وأعظم حسرة الغافلين! وأشنع عيش المطرودين!.
رمضان فرصة لتربية الرحمة في النفوس، حتى تعيش الجسد الواحد الذي يؤلم بعضَه ألمُ بعض، إنه من سنن الحياة أن الرحمة تظهر عند الإحساس بالألم، وأن الطغيان ينشأ عند الغفلة مع الأمن والغنى: (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّءاهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 6-7].
وهذا بعض السر الاجتماعي في الصوم، إذ يبالغ المسلم أشد المبالغة ويدقق كل التدقيق في منع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدةً آخرها آخر الطاقة، وهي طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس، ولا طريق غيرها إلا النكبات والكوارث التي تحل بالناس: "الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة، ويحض على الصدقة، ويسن خِلال البر، حتى إذا جاع من أَلف الشبع وعرف المترف أسباب المتع عرف الحرمان كيف يقع، وألم الجوع إذا لذع".
اسأل نفسك: كيف سيكون صيام المشردين؟!
وهل سيصومون أم سيفطرون؟!
وعلى أي شيء سيفطرون؟!
وفي الحديث: "لا تُنزع الرحمة إلا من شقي" [رواه أبو داود وصححه الألباني].
رمضان فرصة لتربية النفوس وتقوية الإرادة فيها والارتفاع بها إلى سماء المجد ودرجات العز والروح.
إن رؤية هلال الصيام في السماء لهو إشارة بالغة لبدء معركة الإرادة وجولة العزيمة، فالصوم يدرب المسلم على أن يمتنع باختياره عن شهواته وملذاته، في إرادة قوية ثابتة، لا يَضِيرُها كيد الشيطان، ولا تعدو عليها عوادي الشهوة، فانظر أي قانون من القوانين يحقق ذلك؟! وأي أمة من الأمم تجد ثلاثين يومًا من كل سنة قد فُرضت فرضًا لتربية إرادة شعبها ومزاولة فكرة نفسية واحدة؟!
ألا ما أعظم الإسلام، وما أروع الصيام، لو قيل لبعض الناس: دعوا عنكم الدخان لاستصعبوه وأحسوا العنت بفقده، فما بالهم اليوم دون أي نداء ودون إلحاح قد تركوه.
إن هذه الإرادة وهذه التربية الرمضانية يجب أن لا تذهب أدراج الرياح، بل الواجب أن ترسخ في النفوس، وأن تكون جزءًا لا يتجزأ من كيانها، حتى إذا انتهى الشهر وودَّع بقيت آثار هذه الإرادة وهذه التربية في النفوس، فلا يكون ذهابها إلا حين تروح الروح: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99].
رمضان فرصة للدعوة إلى الله، وتذكير الغافلين، وإرشاد التائهين، فلئن كان الناس يجتهدون في إفطار الصائم ليتحصلوا على مثل أجر صيامه، فإن من يهتدي بسببه إنسان له مثل أجر صيامه وصلاته وحجه وزكاته، وكل عمل صالح يعمله: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا يَنقُص من أجورهم شيئًا"[رواه مسلم].
فرمضان فرصة ذهبية للدعوة، فالنفوس فيه قد مالت إلى الخير، وخفّ ضغط الشيطان عليها، والواقع يشهد بذلك. فاعرضْ بضاعتك أيها الداعية، ولا يكن أهل الدنيا أكثر منك جدًا وأعظم سعيًا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد الله وفَّق مَنْ شاء لطاعته، ويضلّ سبحانه من يشاء فهو مشغول بمعصيته، أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-.
إن مما يشحذ الهمم ويقوِّي العزائم ويبعث على الجدِّ في العمل النظر في حال السابقين وخبر الصالحين، ثم الاقتداء بهم والسير على طريقتهم واستقبال رمضان بالجد والنشاط.
ذكر الأصفهاني قال: قال عبد العزيز بن مروان: كان المسلمون يقولون عند حضور شهر رمضان: "اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر، فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا منه الجد والاجتهاد والقوة والنشاط، وأعذنا فيه من الفتن".
ابتاع قوم من السلف جارية، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم عن ذلك، فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان؟! لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان، رُدوني إليهم.
لقد كان رمضان الذي يجيء إلى السلف رمضانًا حقيقيًا، وما أدري أمات وجاء غيره، أم شاخ وعجز أن يطوف في جميع البلاد فاكتفى ببعضها وببعض البيوتات دون بعض.
إن من الناس من يدخل عليه رمضان ويخرج دون أن يشعر به، أو يحس له بأثر، فتضيع عليه أوقاته فيما لا ينفع، وقد قال السلف: "من علامة المقت إضاعة الوقت".
بل إن منهم من يزداد غِيّه، ويعظم شرُّه في هذا الشهر، فلا يحرم نفسه الأجر فقط بل يرصدُ فيه مزيدًا من الوزر.
يا ساهيًا لاهيًا عما يراد به *** آن الرحيل وما قدمت من زاد
ترجو البقاء صحيحًا سلمًا أبدًا *** هيهات إن غدًا فيمن غدا غاد
(قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الزمر:15].
التعليقات