عناصر الخطبة
1/رحلة الدفن والقبر 2/أحوال الناس في القبور 3/شدة خوف الصالحين من فتنة القبر 4/تفاصيل عذاب القبر على بعض الذنوب 5/التحذير من الديون 6/التعوذ من عذاب القبر وفتنته 7/من أسباب النجاة من فتنة القبر.اقتباس
حَفَرُوا لَكَ، ثُمَّ وَضَعُوكَ فِي أَضْيَقِ مَكَانٍ دَخَلْتَهُ قَطُّ، ثُمَّ هَا هُمْ يُهِيلُونَ التُّرَابَ عَلَيْكَ.. ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْكَ، بَلْ انْصَرَفَتْ عَنْكَ الدُّنْيَا بِكُلِّ مَا فِيهَا عَدَا شَيْءٍ وَاحِدٍ،.. وَيَتْرُكُونَكَ وَحْدَكَ فِي هَذَا الْعَالَمِ، لَا أَنِيسَ مِنْهُمْ وَلَا جَلِيسَ.. وَتَبْدَأُ أَنْتَ رِحْلَتُكَ الْخَاصَّةُ فِي ذَلِكَ الْعَالَمِ...
الخطبةُ الأولَى:
أَمَّا بَعْد:
عَالَمٌ جَدِيدٌ نَحْنُ مُقْبِلُونَ عَلَيْهِ!
قَدْ قُضِيَ عَلَيْنَا دُخُولُهُ كِتَابًا مَوْقُوتًا، سَنَمْكُثُ فِيهِ أَيَّامًا عَدِيدَةً وَأَعْوَامًا مَدِيدَةً، إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا..
إِنَّهُ عَالَمُ الْقَبْرِ يَا عِبَادَ اللَّهِ! فَهَلْ سَمِعْتُمْ عَنْ قِصَّتِهِ وَأَحْدَاثِهِ؟!
أَمَا الْمَكَانُ فَفِي حُفْرَةٍ ضَيِّقَةٍ مُوحِشَةٍ تَحْتَ التُّرَابِ، وَأَمَّا الزَّمَانُ فَمَا هُوَ إِلَّا أَجَلٌ مُسَمًّى سَيَأْتِي عَلَيْكَ بَعْدَ أَيَّامٍ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهَا إِلَّا اللَّهُ.
الْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً *** وَالْقَبْرُ صُنْدُوق الْعَمَلِ
بِدَايَةُ قِصَّةِ هَذَا الْعَالَمِ عِنْدَمَا يَحْمِلُكَ أَهْلُكَ وَأَحْبَابُكَ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، يَتَسَابَقُونَ بِكَ إِلَيْهِ، الْكُلُّ يُرِيدُ أَنْ يَنَالَ مِنْ حَمْلِكَ إِلَى الْحُفْرَةِ نَصِيبًا، لِيُوصِّلُوكَ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الْمُوحِشِ، وَأَمَّا أَنْتَ حِينُهَا فَحَالُكَ بَيْنَ حَالَيْنِ، يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ، وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً، قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ، قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا! أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟! يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ"، فَيَا سَعْدَ الْأَخْيَارِ! وَيَا وَيْلَ الْأَشْرَارِ!
هَا هُمْ قَدْ وَصَلُوا بِكَ، ثُمَّ حَفَرُوا لَكَ، ثُمَّ وَضَعُوكَ فِي أَضْيَقِ مَكَانٍ دَخَلْتَهُ قَطُّ، ثُمَّ هَا هُمْ يُهِيلُونَ التُّرَابَ عَلَيْكَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا هُمْ أُنْسُكَ وَسَلْوَتُكَ، الْيَوْمَ هُمْ مَنْ يَتَوَلَّى حَثْوَ التُّرَابِ عَلَيْكَ وَدَفْنَكَ تَحْتَ الْأَرْضِ (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ)[عبس:17-21].
فَهَلْ عَرَفْتَ قَدْرَكَ يَا ابْنَ آدَمَ؟!
انْتَهَوْا مِنْ هَذِهِ الْمَهَمَّةِ، جَلَسُوا قَلِيلاً يَدْعُونَ لَكَ، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْكَ، بَلْ انْصَرَفَتْ عَنْكَ الدُّنْيَا بِكُلِّ مَا فِيهَا عَدَا شَيْءٍ وَاحِدٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اِثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ؛ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ".
وَيَتْرُكُونَكَ وَحْدَكَ فِي هَذَا الْعَالَمِ، لَا أَنِيسَ مِنْهُمْ وَلَا جَلِيسَ.. وَتَبْدَأُ أَنْتَ رِحْلَتُكَ الْخَاصَّةُ فِي ذَلِكَ الْعَالَمِ.
يَحْكِي أَحْدَاثَ هَذِهِ الرِّحْلَةِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ يَقُولُ عَنِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ: "فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّي اللَّهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِي الْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ، رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ".
وَيَقُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ حَالِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ: "وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهَا لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا دِينُكَ؟، فَيَقُولُ: هَاهَا لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهَ هَاهَ لَا أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، حَتَّى تَخْتَلِفَ عَلَيْهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيَهُ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، وَقَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتُ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ".
فَيَمْكُثُ أَهْلُ الْقُبُور فِي أَحَدِ مَكَانَيْنِ؛ إِمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ.
يَقُولُ هَانِئ مَوْلَى عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عفَّانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلَ الْآخِرَةِ؛ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ". قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ".
وَمِمَّا وَرَدَ فِي هَذَا الشَّأْنِ تَفَاصِيلُ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ لِبَعْضِ أَهْلِ الذُّنُوبِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي عَدَمِ التَّنَزُّهِ مِنَ الْبَوْلِ وَالنَّمِيمَةِ؛ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لِيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا، مَا لَمْ يَيْبَسَا".
وَمِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي يُعَذَّبُ صَاحِبُهَا فِي الْقَبْرِ: الْغُلُولُ، وَالَّذِي يَكْذِبُ الْكِذْبَة فَتَبْلُغُ الْآفَاقَ، وَالزُّنَاةُ وَآكِلُو الرِّبَا، وَالَّذِي يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، فَكُلُّ هَذِهِ الذُّنُوبِ وَرَدَ فِيهَا أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ.
وَمِمَّا يَضُرُّ الْمَيِّتَ فِي قَبْرِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ، فَعَنْ سَعْدِ بْنِ الْأَطْوَلِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ أَخَاهُ مَاتَ وَتَرَكَ ثَلَاثمِائَة دِرْهَمٍ، وَتَرَكَ عِيَالاً، قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أُنْفِقَهَا عَلَى عِيَالِهِ، قَالَ: فَقَالَ لِي نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَخَاكَ مَحْبُوسٌ بِدَيْنِهِ، فَاذْهَبْ فَاقْضِ عَنْهُ"، فَذَهَبْتُ فَقَضَيْتُ عَنْهُ.
وَهَذَا يُبَيِّنُ خَطَرَ الدَّيْنِ وَضَرُورَةَ أَدَائِهِ قَبْلَ أَنْ يُبَاغِتَ الْمَوْتُ الْإِنْسَانَ فَيُحْبَسُ عَنِ الْجَنَّةِ بِدَيْنِهِ..
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَنَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَبَارَكَ اللَّه لِي وَلَكُمْ...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
أَمَّا بَعْد: مُعَاشِر الْمُسْلِمِينَ.. لَمَّا أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ النَّاسَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ، كَانَ حَالُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَالَ الْخَائِفِ لَا الْآمِنُ، تَقُولُ عَائِشَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ".
فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيَخَافُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، كَمَا كَانَ يَخَافُ وَقَدْ دَلَّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْعَدِيدِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُنَجِّي مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ.
فَمِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ: الدُّعَاءُ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ التَّعَوُّذَ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ؛ فَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاةِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا، وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ). وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ يَدْعُو بِذَلِكَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وَهُوَ مَوْطِنُ دُعَاءٍ.
وَجَاءَ فِي فَضْلِ سُورَةِ الْمُلْكِ أَنَّهَا مُنَجِّيَةٌ مَانِعَةٌ، تُنَجِّي مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "مَنْ قَرَأَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ كُلَّ لَيْلَةٍ مَنَعَهُ اللَّهُ بِهَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَكُنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُسَمِّيهَا الْمَانِعَةَ".
وَالشَّهَادَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -تَعَالَى- سَبَبٌ لِلْأَمْنِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ لِلشَّهِيدِ خِصَالاً عِنْدَ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَذَكَرَ مِنْهَا: "وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيُؤَمَّنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ".
وَالْمَوْتُ بِدَاءٍ فِي الْبَطْنِ سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَى الْمَرْضَى; فَإِنَّ أَمْرَاضَ الْبَطْنِ كَثِيرَةٌ وَمُؤْلِمَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ يَقْتُلُهُ بَطْنُهُ؛ فَلَنْ يُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ".
وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةَِ فَفِي الْحَدِيثِ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ -تَعَالَى- فِتْنَةَ الْقَبْرِ".
فَإِذَا أَتَى الْعَبْدُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُنَجِّيَةِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتِهِ كَانَ حَرِيًّا أَنْ يُنَجِّيَهُ اللَّهُ –تَعَالَى- مِنْ عَذَابِ الْقَبْر وَفِتْنَتِهِ، وَإِذَا قَصَّرَ فِي الْمُنَجِّيَاتِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَتَى بِأَسْبَابِ الْعَذَابِ فَيُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُجَانِبَ مَا يُوبِقُهُ، وَيَجْتَهِدَ فِيمَا يُنَجِّيهِ.
التعليقات