عناصر الخطبة
1/قصة وعبرة 2/من يغالب الله يغلب 3/صفات اليهود في القرآن العظيم 4/قتلة الأنبياء والمصلحين 5/قوم غدر ومكر 6/نقض العهود والمواثيق 7/النصر مع الصبر والمستقبل للإسلام.اقتباس
إن النصرَ مع الصبر، وإن الفرجَ مع الكرب، ومهما تفاقُمت المحن، واشتدت الفِتن، فإن في طيِّ كلِّ محنةٍ مِنْحة، ومع كلِّ بليةٍ عطية، ولا تخلو رزيةٌ من مزية.. والإسلامُ لا يتألقُ إلا في أجواء التحدي، والمسلمون لا يعودون إلى دينهم إلا إذا أحسوا بالخطر....
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله الوليُّ الحميد، فلا وليَّ من دونه ولا واق.. الغنيُّ الوهابُ، فلا تنفدُ خزائنهُ على كثرة الإنفاق.. القويُّ الغلاب، فلا يُعجزهُ شيءٌ على الإطلاق.. البديعُ الخلاق، (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ)[غافر: 15].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الكريمُ الرزاق.. (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ)[الإسراء: 100].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ومصطفاهُ وخليله؛ بعثه الله -جل وعلا- ليتمم مكارم الأخلاق، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته الموفون بالعهد والميثاق، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم التلاق، وسلَّم تسليماً كثيراً..
أما بعد فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله حقَّ التقوى.. ويا أيها المسلم، ثِق بربك ثقةً تامة، فما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أمرضك إلا ليشفيك.. (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف: 96].
معاشر المؤمنين الكرام: جاء في السِّيَرة العطرة، عن أمنا صفيةُ بنتِ حُيي -رضي الله عنها-، زوج النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وابنةُ زعيمِ اليهودِ حُيي بنِ أخطب، قالت: كنتُ قبل الإسلامِ أحبَّ ولدِ أبي إليهِ وإلى عمّي أبي ياسر، تقولُ: لم ألقهما قطُّ مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دُونهم، فلما قدمَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ونزلَ قُباء.. غدا عليه أبي؛ حييُ بنُ أخطب وعمّي أبو ياسر بنُ أخطب مُغلّسَين أي: مُبكرين مع الفجر، قالت: فلم يرجعا إلا مع غروب الشمس، كالَّين ساقطين يمشيان الهُوينى.
تقول: فهشَشت إليهما كما كنتُ أصنع، فوالله ما التفت إليّ أحدٌ منهما لما بهما من الغمِّ.. قالت: وسمعتُ عمي أبا ياسر يقولُ لأبي حُيي: أهو هو؟ قال: هو هو.. قال: أعرفته وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته واللهِ ما بقيت.
وفعلاً، فقد ظلَّ هذا اليهودي الخبيث يُضمرُ العداوةَ الشديدةَ للإسلام والمسلمين، ويكيدُ لهم المؤامرات، ويتربّصُ بهم الدوائر.. وكان هو العنصرُ الفعَّالُ في تجميع الأحزابِ ضدَّ المسلمين في معركة الخندق.. ولما جيء به بعد المعركةِ لتضربَ عُنقهُ.. التفتَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا محمد أما واللهِ ما لمتُ نفسي في عداوتك قطُّ، ولكنهُ شيءٌ كتبهُ اللهُ على بني إسرائيل، ومن يُغالبِ الله يُغْلَب.
فانظروا -يا عباد الله- إلى هذا الخذلانِ العجيب، واحمدوا الله على نعمةِ التوفيق للإسلام.. فهذا الخبيثُ يعلمُ أنهُ يُغالبُ اللهَ -تعالى-، وأن من يُغالبِ اللهِ فسيغلبُه الله لا محالة، ومع ذلك يُصرُّ على السير في طريق الهلاك والبوار.. وهذا هو طريق المغضوبِ عليهم الذي يستعيذُ منه المسلُم في صلاته كل يومٍ مراتٍ عديدة.. والمتتبعُ لصفات اليهودِ في القرآن العظيمِ، وما ذا قالَ عنهم يرى أموراً لا ينقضي منها العجب ..
فاليهودُ في كتاب الله.. هم أشدُّ الناسِ عداوةً للمؤمنين: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)[المائدة: 82].
واليهودُ في كتاب الله: هم الأشرُّ مثوبةً عند الله.. فقد اجتمعَ فيهم من السوء والشرِّ ما لم يجتمع في غيرهم من الأمم: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)[المائدة: 60].
واليهودُ في كتاب الله.. قومٌ حسَّاد، قد مُلئت قُلوبهم غِلاً وحقداً فلا يرونَ لغيرهم حقًّا في أي شيء، فهم يدّعون أنهم شعبُ الله المختار، وهم أبناءُ اللهِ وأحباؤه، وكُل من سِواهُم فمخلوقٌ لخدمتهم، (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[البقرة: 111]، وقال -تعالى- عنهم: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)[البقرة: 109].
واليهودُ في كتاب الله: قومٌ بُهت، (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)[المائدة: 40]، يكتمون الحق، و(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)[المائدة:41]، مردوا على الكذب والبهتان، ويتبجحون (بِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا)[النساء: 156]، (وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران: 75]... و(قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ)[آل عمران: 181]... (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا)[المائدة: 64].
واليهودُ في كتاب الله: قومٌ عُصاةٌ كفَّار، قساة القلوب: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ)[البقرة: 88]... عُرضت عليهم التوراة فلم يقبلوها، وعبدوا العِجل، قال لهم الله: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[البقرة: 93]... (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا)[النساء: 155].
فأمر الله جبريل -عليه السلام-، فقلع جبلاً هائلاً من أصله، ثم رفعه فوق رؤوسهم، وقيل لهم: إن لم تقبلوها ألقيناه عليكم، فقبلوها كُرهاً، قال -تعالى-: (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا ءاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأعراف: 171]، فهذا طبع متجذر فيهم؛ لا يقبلون إلا مكرهين مرغمين، وفي قصة ذبح البقرة شاهدٌ آخر: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)[البقرة: 71].
واليهودُ في كتاب الله: قومٌ مجرمون سفاحون: (يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ)[آل عمران: 21]، روى ابن كثير أنهم قتلوا في يومٍ واحدٍ أكثر من ثلاثين نبياً، وممن قتلوا زكريا ويحيى ودانيال وآرميا وأشعيا، وحاولوا قتل عيسى -عليه السلام- فرفعه الله، وتآمروا على قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- مراراً، فسعوا لإلقاء حجرٍ كبير عليه، وأهدوا إليه شاة مسمومة، وصنعوا لها أسحارا فنجاه الله منهم، فهم قتلةٌ للأنبياء والمصلحين، وأهلُ هوىً فاسدين: (كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ)[المائدة: 70].
واليهودُ في كتاب الله: قومُ غدرٍ ومكرٍ، ونقضٍ للعهودِ والمواثيق، (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[البقرة: 100].
واليهود في كتاب الله: قومٌ يسارعون في الإثم والعدوان، يستمرؤون الربا، ويأكلون أموال الناس بالباطل، (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)[النساء: 161].
واليهودُ في كتاب الله: قومٌ فاسدون مفسدون، يُشعلون الفتن، ويوقدون الحروب، ويثيرون الأحقاد والعدوات: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[المائدة: 64].
واليهودُ في كتاب الله قومٌ ملعونون: لعنهم الله في كتابه العظيم مراتٍ عِدة: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)[المائدة: 13]... ملعونون حتى على ألسنة أنبيائهم: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)[المائدة: 78].
ومهما قلنا فلن نُحصي قبائِحهم، فقد نزلت في حقِّهم مئاتُ الآيات، ولا عجبَ أن يأمرنا الله بالاستعاذة من طريقهم في أعظم سورِ القرآنِ وأكثرها قراءةً..
وأعجبُ ما في الأمر أن يقولوا بعد كلِّ ذلك عن أنفسهم أنهم شعبُ اللهِ المختار، وأنهم أبناءُ اللهِ وأحباؤه.. زُينَ لهم سوءُ أعمالهم وصُدوا عن السبيل، ويحسبون أنهم مهتدون..
وبعد أيها الكرام: فأمَّة ملعونةٌ مغضوبٌ عليها.. وتلك بعضُ أوصافها، ما كان لهم والله أن يتفوقوا ويعلوا على أمة الاسلام، إلا لأننا نحنُ الذين نزلنا عن مستوانا العالي إلى ما هو أدني منهم، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 139]، فمتى ما عدنا إلى مكانتِنا، عادوا إلى مكانتهم، فقد (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ)[البقرة: 61].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الاْمُورِ)[آل عمران: 186].
بارك الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ عزَّ ربنا فارتفع، وذلَّ كلُّ شيء لعظمته وخضع، لا رادَّ لحكمهُ ولا مُعقِّبَ لما صنع.. وأشهدُ أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام.. الملك القدوس العزيز السلام.. وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله....
معاشر المؤمنين الكرام: ولا نزالُ مع كتاب ربنا العظيم، وما قاله عن صفات اليهود وجرائمهم ..
فاليهود في كتاب الله كانوا وما زالوا أذلةً صاغرين: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)[آل عمران: 112].
واليهودُ في كتاب الله: قومٌ خوَّارون، سُرعان ما ينهارون وينهزمون: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ)[آل عمران: 111]... (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)[الحشر: 14].
ثم إن عاقبةَ الصراع بيننا وبينهم -بإذن الله- نصرٌ حاسمٌ للمسلمين، ففي صحيح البخاري ومسلم: "لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ، فيقتلُهم المسلمون، حتى يختبئ اليهوديُّ من وراءِ الحجرِ والشجرِ، فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ، يا عبدَ اللهِ، هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقْتلْه".
وبعد أيها المسلمون، فإن النصرَ مع الصبر، وإن الفرجَ مع الكرب، ومهما تفاقُمت المحن، واشتدت الفِتن، فإن في طيِّ كلِّ محنةٍ مِنْحة، ومع كلِّ بليةٍ عطية، ولا تخلو رزيةٌ من مزية.. والإسلامُ لا يتألقُ إلا في أجواء التحدي، والمسلمون لا يعودون إلى دينهم إلا إذا أحسوا بالخطر، فـ(لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)[النور: 11]، (سَيَجْعَلُ اللهُ بعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)[الطلاق: 7].
(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 216]، و(مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)[آل عمران: 179]، (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)[آل عمران: 146]،(وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[آل عمران: 120]...
و(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[يوسف: 90]... و(قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التوبة: 51]، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يوسف: 21]، وعلى الله قصدُ السبيل، وهو نعمَ المولي ونعمَ النصير.. ورضي الله عن فاروق الأمة المُلهَم، القائل: "نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات