عناصر الخطبة
1/ قبح فاحشة الزنا 2/ دواعي وأسباب الزنا 3/ مضاره الدنيوية والأخروية 4/ دعوة للإنابة والتوبةاهداف الخطبة
اقتباس
يجب الحذَر من أسباب الزنا والبعد عن دواعيه؛ فإن المحافظة على السلامة من الكسر أولى وأوجب عند جميع العقلاء من تجبير الكسور. كما يجب في الوقت نفسه المحافظة على التقوى والعفة والشرف، وتذكُّر ما أعده الله لأهل التقوى والعفاف. فقد مدح الله المؤمنين بقوله: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صَلَّى اللهُ عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الطيبين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليما كثيرا مَزيدا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أيها الناس: قد وقع في هذا الزمان ما أخبر به رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- من ظهور الزنا، حيث قال: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتُشْرَبَ الْخَمْرُ" رواه البخاري.
والزنا فاحشة قبيحة، تفسد الدنيا والدين، وتقتل الحياء، وتكسر العفة، وتجر إلى كل قبيح، وتعقب كل خبيث. قال الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء:32].
فنهى الله في هذه الآية عن أسباب الزنا بقوله: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى)، وبيَّن حقيقة الزنا بقوله الزاجر: (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً )، وحذر من عواقبه المدمرة بقوله: (وَسَاء سَبِيلاً). فكيف يقبل عاقل لنفسه التدنس برجس هذه الفاحشة القذرة، بعد هذه البيان الرباني المحذر المنذر؟!.
ففاحشة الزنا تُغضب الله، وتسبب عذابه؛ فعَنْ عَائِشَةَ -في حديث طويل- قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَر مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِىَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ! يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً! أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟" متفق عليه.
وعن سَمُرَةَ بْنُ جُنْدَبٍ -رضي الله عنه- قَالَ في حديثٍ طويلٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ أتاني اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِى، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ. وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌـٌ وَأَصْوَاتٌ -قَالَ- فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا -قَالَ- قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاَءِ؟ قالا: إِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي" رواه البخاري.
ومن أدلة قبح هذه الفاحشة النكراء أنها قُرنت بجريمتي الردة والقتل، فعَنْ عبدِ الله بن مَسعودٍ -رضي الله عنه- قالَ: قالَ رَسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ إلاَّ بِإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفسُ بالنَّفسِ، والتَّارِكُ لِدينِهِ المُفارِقُ لِلجماعَةِ" رواهُ جميعُ الأئمةُ.
فالأمر خطير -يا عباد الله- فقد ورد في حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ" رواه جميع الأئمة.
وجريمة الزنا من الرجل الكبير أقبح وأشنع منها من الصغير، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ" رواه أحمد ومسلم.
وعن أَبِى ذَرٍّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ثَلاَثَةٌ يَبْغَضُهُمُ اللَّهُ: الشَّيْخُ الزَّانِي، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ، وَالْغَنِىُّ الظَّلُومُ" رواه أحمد والنسائي والترمذي.
والزنا بالجارة أعظم عدوانا، وأشدُّ جرما، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِىَ حَلِيلَةَ جَارِكَ" رواه البخاري ومسلم.
وعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَصْحَابِهِ: "مَا تَقُولُونَ فِى الزِّنَا؟" قَالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَصْحَابِهِ: "لِأَنْ يَزْنِىَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِىَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ". قَالَ: فَقَالَ: "مَا تَقُولُونَ فِى السَّرِقَةِ؟". قَالُوا: حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهِىَ حَرَامٌ. قَالَ: "لأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ" رواه أحمد. والزنا بالمحارم أقبح من ذلك.
أيها المؤمنون: قد سمعتم بعضا مما ورد من الأدلة لبيان قبح فاحشة الزنا، وخطر عواقبها، فما هي دواعي الزنا، والأسباب الموقعة فيه؟.
1/ التبرج والسفور، والتهاون في الحجاب الشرعي: قال الله تعالى: (وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) [الأحزاب:33]، فنهاهُنَّ اللهُ عن تبرجِ الجاهلية، وهو إظهار الزينة والمحاسن، كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراع والساق، ونحو ذلك من الزينة؛ لما في ذلك من الفساد العظيم، والفتنة الكبيرة، وتحريك قلوبِ الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا. ويدخل في التبرج مشية التبختر والتكسر، والتغنج، التي تفعلها بعض النساء قليلات الحياء.
2/ من دواعي الفاحشة الخضوع بالقول، فإنه يفتح أبواب الفتنة: قال الله تعالى: ( يَانِسَاءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) [32].
وهذا نهيٌ لنساء النبي الطاهرات عن القول الليِّن والمرخَّم والرخيص؛ حتى لا يطمع الذي في قلبه شهوة الزنا. فأين من تخاطِب مرضى الشهوات عبر الهاتف أو غيره من هذه الآية؟! وأين الغزليون من هذا النهي الرباني؟ لماذا يزيدون مرضهم مرضا، ويتداوون بالتي هي الداء؟!.
4/ من أسباب الزنا الخلوة بالأجانب، وسفر المرأة بدون محرم: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ". فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَاكْتُتِبْتُ فِى غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: "ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ" أخرجه البخاري ومسلم.
قال ابن حجر: فيه منع الخلوة بالأجنبية، وهو إجماع. فتح الباري (4/92).
وعَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا" رواه أحمد.
4/ ومن أسباب الزنا النظر إلى النساء أو إلى صورهن: قال تعالي: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:30-31]. وقدم غض البصر على حفظ الفرج لأن النظر بريد الزنا، ورائد الفجور، والبلوى فيه أشد وأكثر.
5/ ومن دواعي الزنا مخالطة الرجال للنساء في الأسواق والعمل والتعليم والحفلات والمناسبات وغيرها، فقد منعَ الرسولُ مخالطةَ النساءِ للرجالِ في المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله، وفي الصلاة التي هي عمود الإسلام، فغيرها بالمنع أولى.
ومن ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا" أخرجه مسلم.
وقد جاء النهي عن الاختلاط عام في قول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53]. وهذا قيل للصحابة وأمهات المؤمنين. فمَن يزعُم أنه اطهرُ منهم؟!.
وجاء التحذير من الدخول على النساء لغير المحارم: فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ!" فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟. قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ" أخرجه البخاري ومسلم. والمراد بالحمو أقارب الزوج من غير المحارم، كالأخ والعم والخال وأبنائهم.
وقوله: "الحمو الموت" أي: لقاؤه الهلاك؛ لأن دخوله أخطر من دخول الأجنبي، وأقرب إلى وقوع الجريمة؛ لأن الناس يتساهلون بخلطة الرجل بزوجة أخيه والخلوة بها فيدخل بدون نَكير، فيكون الشر منه أكثر، والفتنة به أمكن.
6/ ومن دواعي الزنا ما يحصل من النساء لإثارة الرجال: فقد جاءَ النهيُ الزاجرُ عن كلِ ما يثيرُ الرجالَ، حيثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِىَ زَانِيَةٌ" رواه النسائي وأحمد.
7/ ومن أسباب الزنا زنا الجوارح: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-: "زِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ". فالعين لا تنظر بها إلى الحرام، والأذن لا تسمع بها الأغاني والحرام، واللسان لا تتكلم به في الحرام؛ فإن هذا من زنا الجوارح.
ومن أكثر الأسباب المشجعة على الزنا المعاكسات، وإثارة العواطف، والتلاعب بالمشاعر. فاهجروا الأغاني وآلات الملاهي؛ فإنها رائدة الفجور، وشَرَك الشيطان، ورُقية الزنا.
8/ ومن أقوى دواعي الزنا وأهم أسبابه مشاهدة القنوات الفاسدة المفسدة التي تبث ما يربي الناس على ثقافة الزنا، وتنشر ما يثير الغرائز ويحرك النفوس لفعل الفاحشة، وتقدم مادة الزنا للمشاهِد بكل احتراف ماكر، وجذب خائن خادع .
فهي تعرض الصورة الفاتنة الداعرة التي يمثلها جيش من العاريات الكاسيات، وتبث الأغاني التي هي بريد الزنا ورقيته، وتكثر فيها المقاطع التي تدعو للفاحشة بصراحة ووضوح.
وما مثَل مَن يستقبل رسالة هذه القنوات الفاجرة التي هي المدارس المخصصة في إشاعة الفاحشة في بيته إلا كما قال الشاعر:
ألقاهُ في اليَمِّ مكتُوفاً وقَالَ لَهُ *** إياكَ إياكَ أنْ تبتلَّ بالماءِ!
أيها الناس: يجب الحذَر من أسباب الزنا والبعد عن دواعيه؛ فإن المحافظة على السلامة من الكسر أولى وأوجب عند جميع العقلاء من تجبير الكسور. كما يجب في الوقت نفسه المحافظة على التقوى والعفة والشرف، وتذكُّر ما أعده الله لأهل التقوى والعفاف. فقد مدح الله المؤمنين بقوله: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون:1]، وعَدَّدَ من صفاتهم: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [5-7].
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ"، وذكر منهم: "شَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ اللَّهِ... وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ" رواه البخاري.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ يَضْمَنْ لِى مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ" رواه البخاري.
وما أعده الله لأهل كرامته، أهل التقوى والعفاف، من النعيم المقيم في جنات النعيم، وما فيها من الحور العين الطاهرات الحسان في تلك الجنان، فكيف يليق بالعاقل أن يبيع هذه الدرر الباقية بالبعر الفاني؟!.
(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان:68-70].
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا أَنْ يُحْمَدَ وَيَنْبَغِي لَهُ، وأصلي وأسلم على نبي الرحمة والملحمة.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، فاتقوا الله وخافوه وأطيعوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].
أيها الناس: إن للزنا عواقبَ مُشينةً، ومضارَّاً قبيحة في الدنيا والآخرة، منها:
(1) الزّنا يجمعُ خلالَ الشّرّ كلّها، من قلّة الدّين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلّة الغيرة.
(2) في الزّنا غضب الرّبّ تبارك وتعالى بانتهاك حُرَمِه، وإفسادِ خَلقه.
(3) من أضرار الزّنا خبث النّفس، وإذهاب الحياء، ورفع الحشمة.
(4) سواد وجه الزّاني، وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الّذي يبدو عليه للنّاظرين.
(5) ظلمة القلب وطمس نوره.
(6) الفقرُ اللّازمُ؛ لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- مُفْقِرُ الزُّناة.
(7) الزّنا يُذهِب حرمة فاعله، ويعرّضه للحدّ في الدّنيا، والعذاب الأليم في الآخرة.
(8) الزّنا يسلب الزّاني أحسن الأسماء، وهي العفّة والبرّ والأمانة، ويعطيه أضدادها، كالفاجر والفاسق والزّاني والخائن.
(9) يفارق الزّاني وصف (الطّيّب) الّذي يتّسم به أهل العفاف، ويتبدّل به بـ (الخبيث) الّذي يتّصف به الزّناة، وقد حرّم اللّه الجنّة على كلّ خبيث، وجعلها مأوَى للطّيّبين.
(10) من أضرار الزّنا على المجتمع اختلاط الأنساب واشتباهها، ويؤدّي إلى ضيق في الأرزاق، وخراب في الدّيار، وإيقاع الوحشة بين أبناء المجتمع، ويشعل نار العداوات، ويقوي الفرقة والتقاطع والأحقاد.
(11) يسبّب الزّنا ظهور أمراض وبلايا لا يعلمها إلّا اللّه -عزّ وجلّ-، ومنها مرض فقد المناعة (الإيدز)، ومرض السيلان، والزهري، وغيرها من الأمراض الّتي شاعت في المجتمعات الفاجرة هذه الأيّام.
فيا عباد الله توبوا إلى الله واتقوه، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، واعلموا: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222]، و (مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) [الفرقان:70]، و( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82]، و"التائبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنبَ لَهُ".
( وَالذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران:135-136].
ونختم بقول الله تعالى: (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [إبراهيم:52]، وقوله: (بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) [الأحقاف:35].
التعليقات