عناصر الخطبة
1/نعمة الأوطان 2/محبة الوطن 3/محبة المسلمين لبلاد الحرمين 4/لزوم الجماعة والسمع والطاعة 5/وحدة الكلمة واجتماع الصف.اقتباس
فالإنسان بلا وطنٍ غريبٌ تائهٌ، مهما اكتسب في غير داره، ومهما تجاوز غيره في حنكته وعلمه ودهائه، فللوطن في القلب حنين ولو بعد حين...
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله منَّ على عباده بالأوطان، أحمده -سبحانه- وأشكره على نعمة الأمن والأمان، وأستعينه -تعالى- وأستهديه، وأطلبه العفو والغفران.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اعتقادًا بقلب وقولاً بلسان وعملاً بجوارح وأركان، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، أسَّس أُمَّة الإسلام، وهدى الناس إلى الإيمان، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، ما تعاقبت الأزمان.
ثم أما بعد: فأوصيكم أهل الإسلام ونفسي المقصرة بتقوى الله ذي العزة والملكوت، والقوة والجبروت، الحي الذي لا يموت، قولاً وعملاً، والحرص على ذلك قبل الفوات، فما هذه الحياة الدنيا إلا مدة، وقد أفلح من أعدَّ لآخرته فيها العدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
أيها الناس: إن النفس البشرية بطبعها وفطرتها، كغيرها مما خلق الله، لا بد لها من مقر ومأوى تأوي إليه، لتنعم بالأمن وتطمئن فيه، ولذلك كان التغريب والتيه نوعًا من أنواع العقوبة، ومنه ما قاله -سبحانه- (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)[المائدة: 26].
ومن هنا عرف للأوطان قيمتها وأهميتها؛ فالإنسان بلا وطنٍ غريبٌ تائهٌ، مهما اكتسب في غير داره، ومهما تجاوز غيره في حنكته وعلمه ودهائه، فللوطن في القلب حنين ولو بعد حين.
أيها الأحبة: لا شك أن كل إنسان يُكِنّ لوطنه وأرضه كلّ محبّة، ولكنها خاصة، إلا هذا الوطن "المملكة العربية السعودية"؛ فمحبته في قلوب المسلمين عامة؛ لأن فيه بيت الله الحرام، وقِبْلة الإسلام، ومنه وفيه سيد الأنام -عليه الصلاة والسلام-، وإليه تُشَد الرحال من كل مكان.
والله أقسم بما فيه في القرآن، فقال وهو الرحيم الرحمن: (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ)[البلد: 1-2]، وأنه مكان أمين، قال رب العالمين: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)[التين: 1-3].
وضمن -سبحانه- الأمان في حرمه للداخلين (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا)[آل عمران: 97]، وغير ذلك مما يجبى إليه من الثمرات والأرزاق، لمن أتاه، ولمن فيه من المقيمين.
وقد قيَّض الله لهذا كله، ولاة أمر في هذه البلاد، أرخصوا الغالي والنفيس؛ لخدمة الحرمين الشريفين، ولخدمة ضيوف رب العالمين من الحجاج والمعتمرين، وغيرهم من الزائرين، وهم لقيادة هذه البلاد نحسبهم والله حسيبهم صالحين، فما فعلوه ويفعلوه ليس بالأمر الهيّن ولا اليسير. نسأل الله لهم العون والتوفيق لكل خير.
فأهل هذا الوطن، ولله الحمد والمنة، في أمن وأمان، وطمأنينة وعيشة رضية، رغم ما هو كائن فيما جاورهم من أوطان، والله المستعان.
والمقام ليس مقام سرد مناقب، ولا لما فعله ويفعله لهذه الأرض المباركة قادتها والحكام، وإنما المقام مقام وعظ بلزوم الجماعة والسمع والطاعة، والمحافظة على جمع الكلمة، واللُّحمة، ووحدة الصف، طاعة لله -جل وعلا-، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وامتثالاً لما كان عليه السلف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النساء: ٥٩].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "مَن أطَاعَنِي فقَدْ أطَاعَ اللهَ، ومَن عَصَانِي فقَدْ عَصَى اللهَ، ومَن يُطِعِ الأمِيرَ فقَدْ أطَاعَنِي، ومَن يَعْصِ الأمِيرَ فقَدْ عَصَانِي، وإنّما الإمَامُ جُنّةٌ يُقَاتَلُ مِن ورَائِهِ ويُتّقَى به، فإنْ أمَرَ بتَقْوَى اللَّهِ وعَدَلَ، فإنَّ له بذلكَ أجْرًا وإنْ قالَ بغَيْرِهِ فإنّ عليه منه"(رواه البخاري).
وهذا هو الحق، الذي مخالفته لا تحق، نعوذ بالله من الداعين للفُرقة ومن أهل الزيغ والضلال والفسق، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آل عمران: 102- 103].
بارك الله لي ولكم فيما أقول ويُسمع، وجمعني بكم في مقام أعلى وأرفع، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب كنا له نجمع، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله جعل الأوطان لأهلها سكنًا، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأساله صرف الشرور والمحن، وأشهد أنه الإله الحق وحده، بيده سائر المنن، وأن محمدًا عبده ورسوله، أوصى أُمته باتباع السنن، صلى الله وسلم عليه ما دامت الأرض للخلق وطن.
وبعدُ: يا من هو للحق أُذن، اتَّقِ الله، فمن اتَّقى الله وقاه؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2- 3].
عباد الله: من المؤسف والمؤلم، أن ترى شعبًا يخرجون على ولي أمرهم الذي اختاره الله لهم، فيُضيِّعون أمنهم، ويُدمّرون وطنهم، وينتهكون أعراض بعضهم، ويسلبون أموال أهلهم.
والدليل أمامكم، فكل شعب انقلب على ولي أمره في وطن، قد ضاع أمنه، واشتد فقره، وتشرّد أهله، وأصبحوا يتمنون مَن انقلبوا عليه، وأن يعود عهده، فاحذروا يا أبناء دولة التوحيد، خسارة الخير المجيد، كونوا صفًّا واحدًا يفل بقوته الحديد.
وكونوا لولي أمركم -خادم الحرمين الشريفين- نِعْم العون والعضيد، وإن أصابت شدة، فقد ضربت العالم كله، وتذكروا ما كان لهذه الدولة يوم العسرة، من كرامة ووقفة.
والرزق بيد الله وحده، ولا يملكه خلقه، فأحسنوا الظن فيمن ولاهم ربكم، وأطيعوه فيما أمركم، وما أوصاكم به نبيكم؛ إذ قال لكم: "وعليكم بالطاعة، وإن عبدًا حبشيًّا؛ فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قِيدَ انقاد".
تم كلامي في مقامي والمراد، ثم صلاة الله دومًا في ازدياد، على شفيع الخلق في يوم التناد.
اللهم صلِّ وسلم على رسولك محمد....
التعليقات