عناصر الخطبة
1/أهمية تعلم الكتاب والحكمة والعمل به 2/ المقصد من تعلم العلم 3/ أثر العلم النافع على القلب 4/ حكم طلب العلم 5/ فضل طلب العلماهداف الخطبة
اقتباس
.. تعلموه واعملوا به، فإنه نور يهتدي به في الظلمات، وسبب مبارك يتوصل به إلى الخيرات، وتُنال به المنازل العالية في الجنات، به يعرف حق الله على عباده، ويبشر التقي بما له عند ربه يوم معاده، وبه تُعرف الأحكام، ويُفرق بين الحلال والحرام، وبه توصل الأرحام، وتتقى المكاره والآثام، وهو نعم الباعث على الإخلاص والخشية لله -عز وجل- ..
الحمد لله يفَقّه من أراد به خيراً في الدين، ويرفع درجات المؤمنين والعلماء العاملين في الدارين، فجعلهم شهداء على وحدانيته في ألوهيته، وهداة لعباده إلى رضوانه وجنته، وشفعاء يوم القيامة بين يديه فيمن رضي قوله وعمله من بريته لما صبروا وكانوا بآياته يوقنون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العلاّم، الذي فصّل الآيات وبين الأحكام، وبين الحلال والحرام، وبشر بالجنة من قال ربي الله ثم استقام.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي أنزل الله عليه الكتاب والحكمة، وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيماً. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه، وسلم تسليماً.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى يعلِّمكم الله، ويجعل لكم فرقاناً ونوراً تمشون به، ويجعل لكم مخرجاً، ويرزقكم من حيث لا تحتسبون، ويجعل لكم من أمركم يسراً، ويكفر عنكم سيئاتكم، ويُعْظِم لكم أجراً، ويجعلكم أولياءه في الدارين، ويغفر لكم ذنوبكم، والله ذو الفضل المبين.
أيها المسلمون: تعلموا ما أنزل الله عليكم من الكتاب والحكمة، وتفقهوا فيهما، واعملوا بهما؛ فإنهما قد اشتملا على العلم النافع المثمر لكل عمل صالح، والدال على درء المفاسد، وتحصيل عظيم المصالح، والمبشر لمن طلبه ابتغاء وجه الله بكل خير في العاجلة والآجلة، والموصل إلى رضوانه وجنته ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [المائدة:15-16].
أيها المسلمون: تعلموا العلم الشرعي الموروث عن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه هو الهدى ودين الحق اللذان أرسله الله بهما، واعملوا به وعلِّموه أهليكم وذويكم وجيرانكم وإخوانكم؛ فإن حاجة الجميع إليه شديدة وضرورتهم إليه عظيمة، أعظم من الضرورة إلى الشراب والغذاء والهواء والدواء.
تعلموا هذا العلم واطلبوا مظانه، وخذوه عن أهله، وأفنوا في تحصيله الأعمار، واسترخصوا فيه تحصيله النفيس من الدرهم والدينار، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عن جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة.
تعلموه واعملوا به، فإنه نور يهتدي به في الظلمات، وسبب مبارك يتوصل به إلى الخيرات، وتُنال به المنازل العالية في الجنات، به يعرف حق الله على عباده، ويبشر التقي بما له عند ربه يوم معاده، وبه تُعرف الأحكام، ويُفرق بين الحلال والحرام، وبه توصل الأرحام، وتتقى المكاره والآثام، وهو نعم الباعث على الإخلاص والخشية لله عز وجل، والمرشد إلى وجوه الإحسان في القول والعمل، وهو أفضل مكتسب، وأشرف منتسب، وأنفس ذخيرة تقتنى، وأطيب ثمرة تجتنى، وأعظم وسيلة للفضائل، وأقوى سبب يلحق المتأخر بالسابقين الأوائل.
أيها المسلمون: اطلبوا هذا العلم، وابتغوا وجه الله تعالى فيه، تكونوا لربكم متقين، ولنبيكم صلى الله عليه وسلم وارثين، وبأشرف الأسباب وأوفر الحظوظ آخذين، ولطريق الجنة سالكين.
وإنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، فمن عَلِمَ الله فيه خيراً سمعه، ومن اتقى الله تعالى كان معه، فإنه سبحانه يسمع من يشاء ويهدي لنوره من يشاء، ويؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب.
أيها المسلمون: إنما يراد من العلم خشية الله؛ فكل علم لا يورث صاحبه خشية الله فهو تعب على طالبه، وحجة يوم القيامة على صاحبه. فاطلبوا من العلم ما يعظم في صدوركم تقوى الله، ويورثكم خشية الله، ولن تجدوا ذلك إلا في الكتاب والسنة إذا طلبتم علمهما وعملتم بهما ابتغاء الفوز برضوان الله ووراثة الجنة.
أيها المسلمون: إن العلم النافع نور يقذفه الله في قلب العبد إذا سلك سبيله، ورغب تحصيله، وأخلص لله في طلب قصده، وبذل فيه جهده، وأخذه عن أهله، ولم يبخل في بذله، فإذا استقر ذلك النور في القلب استنار به، فصلح وانشرح له الصدر، وانفسح وزكت به النفس، وعظم به الأنس، فطابت به الأقوال، وصلحت به الأعمال، وزانت به الأحوال، فإنه إذا صلحت السريرة جملت السيرة، فأضحى به صاحبه وارثاً للنبوة، سالكاً لطريق الجنة، إماماً تقتدي به الأمة، يسير الناس على هديه ما بقي علمه أبد الدهر، فلا يعلم إلا الله ما له من الأجر: ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) [الحديد:21].
أيها المؤمنون: تنافسوا في طلب العلم النافع تنالوا به جليل المنافع وعظيم المطامع، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من تفقه في دين الله كفاه الله همه ورزقه من حيث لا يحتسب " وروي عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه قال: " من غدا في طلب العلم أظلت عليه الملائكة، وبورك له في معيشته، ولم ينقص من رزقه، وكان عليه مباركاً " وفي الترمذي قال صلى الله عليه وسلم: " ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً مما فرض الله عليه فيتعلمهن إلا دخل الجنة " وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها ".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) [التوبة:122].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الرب الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم. أحمده سبحانه هو الرحيم الرحمن الذي علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم الحكيم، الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي أنزل الله عليه الكتاب والحكمة، وعلّمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيماً، صلى الله وسلم عليه وعلى آله.
أما بعد:
فيا أيها الناس! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، وتنافسوا في طلب العلم وجِدُّوا في تحصيله، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، والناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا؛ فخيار الناس من طلب العلم ابتغاء وجه الله وتقرّب إلى الله في تعليم الناس ذكره وهداه.
وهكذا كان السلف الصالح من هذه الأمة؛ تنافسوا في تحصيل هذا العلم والعمل به وبذله، حتى كان الرجلان من الصحابة يبقى أحدهما في مزرعته وخدمة أهل جاره، وجاره ينزل إلى المدينة لأخذ العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رجع بلَّغ جاره بما سمع، وبقي هو اليوم الآخر مشتغلاً في دنياه وراعياً لشئون جاره، وجاره ينزل لأخذ العلم، وهكذا؛ لمعرفتهم بفضل العلم وحسن عاقبته على أهله في العاجلة والآجلة.
فإن الله تعالى يرفع بهذا العلم أقواماً فيجعلهم أئمة يهتدى بهم في الخير، وتؤثر عنهم السنن، ويظهر بهم الهدى، ويقمع بهم أهل البدع والأهواء، فهم أئمة أحياء ولو كانوا تحت الثرى.
والعلماء باقون بعلمهم ما بقي الدهر، ولو كانوا في دار البلى، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، فنعم العلم خليل المؤمن يكسبه الطاعة لربه وفي جميل الأحدوثة بعد وفاته، واستغفار الخلق له، وترحمهم عليه، فإن العالم ليستغفر له كل شيء حتى الحوت في جوف البحر، وإن الله وملائكته حتى النملة في جحرها ليصلون على معلم الناس الخير، وما تصدق متصدق بمثل علم ينشر، وما طلبت النجاة من الفتن بمثل علم يؤثر، ونعم العطية كلمة حق تسمعها ثم تحملها إلى أخ لك مسلم فتعلمه إيّاها.
وفي الحديث: " من علم علماً فله مثل أجر من عمل به " وكان من هدي السلف تهادى العلم فيما بينهم كما يتهادى الناس التحف. فسلوا الله أيها المؤمنون العلم النافع؛ فإنه زيادة في الهدى، وكفارة لما مضى، وبه تُنال في الجنة الدرجات العُلى. فاطلبوه تجدوه، واعملوا به.
أيها المؤمنون: اشكروا الله تعالى على عظم نعمه، واسألوه المزيد من جوده وكرمه، واغتنموا حياتكم في طلب العلم، والعمل به، فإن الله قد هيّأ لكم في هذا الزمان وسائله، وذلل لكم سبله، فقد شاع العلم وذاع في سائر الأقطار، وطار في الآفاق حتى بلغ ما بلغ الليل والنهار، يسير في الأثير فوق الرياح، ويسمع بواسطة المذياع وغيره بالغدو والرواح، يدخل خفي البيوت سائر الأوقات، ويسرح مع الرعاة في الفلوات، فلقد والله اتضحت للقاصد المحجة، وقامت على القاعدين الحجة.
فاستعملوا نعم الله في طاعته، ولا تجعلوها وسيلة لمخالفته ومشاقته، واطلبوا هدى الله ولا تعرضوا عن ذكره، واقتدوا بنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ولا تخالفوا عن أمره، بل اتقوا واتبعوا هداه وتفقهوا في دينه، وأنذروا قومكم لعلهم يحذرون ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) [البقرة:281].
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله! ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [النحل:90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات