عناصر الخطبة
1/ السعادة مطلب عظيم لا تحصل إلا بشرع الله 2/الزواج من أعظم أسباب السعادة 3/المبادرة للزواج أفضل من نوافل العبادات 4/مخاطر تفشي ظاهرة تأخر الشباب في الزواج 5/ فوائد الزواج المبكر 6/عوائق الزواج المبكر.اهداف الخطبة
اقتباس
ومما تميزت المجتمعات الإسلامية ظاهرة الزواج المبكر، وقد جنت ثمار هذا عفافاً وصلاحاً والتزاماً وتكاثراً، إلا أنه مع المتغيرات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها العديد من الدول الإسلامية؛ جعلت الكثير من الشباب يتأخر في الزواج, حيث ارتفع معدل سن الزواج في عالمنا الإسلامي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله خلقنا من نفس واحدة, وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثير ونساء, أحمد -سبحانه- وأشكره على نعمة الإسلام والإحصان فهو الكريم المفضال, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولدا, فهو فرد صمد واحدٌ أحد, وأشهد أن محمد عبده ورسوله, خير من صلى وحث على النكاح وحرم السفاح, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه, وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي -أيها الناس- بتقوى الله -عز وجل- فهي الحصين المكين والملاذ الأمين, ووصية أحكم الحاكمين, (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها السلمون: السعادة في هذه الحياة مطلب عظيم، ومقصد جليل، يسعى إليها كل حي، وينشدها بكل وسيلة، ويطلبها في كل سبيل، غير أن السعادة والطمأنينة في هذه الحياة لا تحصل إلا بما شرع الله -عز وجل- لعباده، وما أرشدهم إليه من طاعته ومرضاته، والأخذ بما وضع الحق من سنن، وما شرع من أسباب.
وإن مما شرع الله -عز وجل- من أسباب السعادة وجبل النفوس عليها الارتباط برباط الزوجية، فإنه من أعظم أسباب السعادة في هذه الحياة، وحصول الطمأنينة والسكينة، وهدوء البال وراحة النفس، متى ما تحقق الوئام بين الزوجين، وكُتب التوفيق لهما.
أيها المؤمنون: الزواج نعمة من رب العالمين على عباده، وقد أمتن الله تعالى على عباده بهذه النعمة، فقال -عز وجل-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21], ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) [النحل: 72].
والزواج من سنن الأنبياء والمرسلين, كما رغب فيه سيد المرسلين بفعله، وحث عليه بقوله: "وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني", ووجه شباب الأمة إلى المبادرة بالزواج حين يجد أحدهم القدرة على تحمل المسؤولية، والقيام بشؤون الحياة الزوجية فقال: "يا معشر الشباب: من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". [متفق عليه]. فالمبادرة للزواج أفضل من نوافل العبادات.
أيها الأحبة: ومما تميزت المجتمعات الإسلامية ظاهرة الزواج المبكر، وقد جنت ثمار هذا عفافاً وصلاحاً والتزاماً وتكاثراً، إلا أنه مع المتغيرات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها العديد من الدول الإسلامية؛ جعلت الكثير من الشباب يتأخر في الزواج, حيث ارتفع معدل سن الزواج في عالمنا الإسلامي إلى (36) سنة للشباب و(32) سنة للفتيات, وفقاً لما جاء في تقارير نشرت في أكثر من بلد إسلامي.
ففي دولة الإمارات: تشير الإحصائيات إلى ارتفاع نسبة العزوبة بين الجنسين إذ تصل إلى (80%), وفي دولة مصر أظهرت الإحصائيات أن هناك نسبة متزايدة لغير المتزوجين تصل إلى (37% ), وقد جاء في الدراسة أن عدد الشباب والشابات العوانس وصل إلى (9ملايين).
وفي المملكة العربية السعودية تشير الإحصائيات أن عدد النساء اللاتي فاتهن قطار الزواج بلغ نحواً من مليون ونصف مليون امرأة, وقد أبرزت الإحصائيات مؤخراً ارتفاع ظاهرة تأخر الزواج بين الشباب والشابات بالمملكة لتصل إلى (20%).
وهذه الإحصائيات والأرقام مؤشر خطير يستحق البحث والمراجعة.
إخوة العقيدة: إن تفشي ظاهرة تأخر الشباب في الزواج خطر يهدد مجتمعاتنا الإسلامية، وينذر بظهور العديد من المشكلات والأمراض الاجتماعية والنفسية والأمنية الخطيرة، ومن أهمها ما يلي:
1- وقوع الشباب من الجنسين فيما حرم الله تعالى من الفواحش؛ إشباعاً للغريزة الفطرية الموجودة لديهم، التي لم تشبع عن طريق الزواج المبكر، وفي نفس الوقت قامت وسائل الإعلام من قنوات فضائية، وشبكة إنترنت، وقصص داعرة، وأشعار ماجنة، بإثارتها وتأجيجها؛ مما جعل العفة أمراً صعباً على كثير من الشباب، وهذا نذير بفوضى جنسية تهدد المجتمع كله.
2- الإصابة بالأمراض النفسية نتيجة انفراد الأعزب في حالات كثيرة بنفسه, دون أن يجد من يشكو له همومه، ويبث له أحزانه، ويساعده في تفريج كروبه، فيصاب بالأمراض النفسية.
3- عدم التمتع بالصحة الكاملة, فقد ذكرت وكالة [قدس برس] أن الباحثين في الجامعات البريطانية وجدوا أن الرجال والنساء المتزوجين يتمتعون بصحة أفضل من نظرائهم الذين لم يتزوجوا, ويعتقدون أن السبب في ذلك يرجع جزئياً إلى الدعم العاطفي والاجتماعي لوجود زوج أو زوجة, ولذا ينصحون بالزواج في أقرب وقت ممكن لإزالة,خطر هذه الأمراض.
4- ضعف النسل؛ فإن الشاب إذا تزوج متأخراً لا تكون لديه القدرة الكافية للإنجاب مثل الذي يتزوج مبكراً.
5-عدم القدرة على تربية أولاده التربية التي ينشدها، ويطمح إليها؛ لأن الرجل إذا كبر صار أكثر انشغالاً في صحته ورزقه، فهناك الكثير من المشكلات التي تستحوذ على ذهنه، بحيث ينشغل عن مهنة مهمة جداً ألا وهي تربية أولاده التربية الصالحة.
أيها الإخوة: لنعلم أن للزواج المبكر فوائد عظيمة جليلة:
1- إحصان الفرج: يقول الرسول: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج". فإذا تزوج الشاب مبكراً فإن هذا أحفظ لفرجه من الفواحش.
وحفظ الفرج له فوائد متعددة من أهمها: أنه من أسباب دخول الجنة كما قال النبي: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فرجيه أضمن له الجنة". [أخرجه البخاري]. ويقول الله عز وجل: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ثم ذكر -سبحانه- صفاتهم ومنها ما جاء في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) [المؤمنون: 5], ثم ذكر -سبحانه- جزاءهم فقال -جل وعلا-: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون: 10، 11].
2– استقرار صحة المتزوج: إذا كان الزواج المبكر أحصن للفرج، وأبعد للإنسان عن ارتكاب الفواحش؛ فإنه يترتب على هذا الفائدة الثانية، وهي استقرار صحة المتزوج مبكراً؛ فإنه يسلم غالباً من الأمراض التي تنتج عن الفواحش ويسلم أيضا من الأمراض النفسية .
3- غض البصر: المؤمن مطالب بغض بصره يقول الله, -عز وجل-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ) [النور: 30], ومن فوائد الزواج المبكر غض البصر يقول -عليه الصلاة والسلام-: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر". [بمتفق عليه].
4- كثرة الذرية: كلما تزوج الشاب ذكراً كان أو أنثى مبكراً كان ذلك سبباً في إنجاب الذرية الكثيرة.
وفي ذلك فوائد: منها تكثير أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-, يقول -عليه الصلاة والسلام-: "تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم". [أخرجه أبو داود وصححه الألباني]. ومن الفوائد: أن هذه الذرية تعينه إذا بلغ من الكبر عتياً.
أيها المؤمنون: لقد وضع كثير من شبابنا من الجنسين أمام الزواج المبكر حواجز وهمية، ومطالب مثالية؛ كالمال والدراسة والسن, ساهمت في إقناعهم بها وسائل الإعلام في ظل غفلة أو تغافل من الوالدين عن المعالجة الحاسمة والمصارحة مع أبنائهم لإزالة هذه الحواجز من أذهانهم.
ومن تلك الحواجز:
1- حاجز المال: يقال للشاب الذي يريد الزواج مبكراً: لا تجعل المال عقبة في طريقك، فقد تكفل رب البشر وليس البشر بإعانتك يقول النبي: "ثلاثة حق على الله تعالى عونهم.. -وذكر منهم- والناكح الذي يريد العفاف". [رواه الترمذي والنسائي].
بل أن الزواج من أسباب الغنى يقول الله -عز وجل-: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [النور: 32].
2- حاجز الدراسة: لنعلم أن الدراسة ليست عائقاً عن الزواج أبداً، ولم يقل بهذا عاقل مدرك، بل إن الشاب إذا تزوج هدأت نفسه، ووجد من تساعده، فإذا تحقق له الاستقرار النفسي، فإنه سيجد بإذن الله خيراً كثيراً مباركاً، وتكون له عوناً على طاعة الله -عز وجل- وعلى الدراسة والفتاة كذلك.
3- حاجز السن: قبل حوالي ثلاثين سنة تقريباً يندر أن تجد فتاة قد تعدت سن الثامنة عشرة ولم تتزوج، وهذه سنة مضت منذ بداية ظهور دين الإسلام, فقد تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- ولها من العمر تسع سنوات، وكذلك تزوج الصحابة -رضوان الله عليهم- بزوجاتهم وهن صغار في السن، ولم يكن ذلك سبباً في فشل الحياة الزوجية كما تصور ذلك وسائل الإعلام.
بل أن لزواج الفتاة وهي في سن مبكرة فوائد عدة, منها:
1- إحصان الفتاة في سن مبكرة؛ لوقوع الزواج في فترة المراهقة، وعنفوان الشهوة.
2- القضاء على وقت الفراغ لديها؛ مما يحميها من الوقوع في شراك المعاكسات التي هي بوابة الوقوع في الفواحش.
3- القضاء على ظاهرة العنوسة بل وأدها في مهدها.
4- يكون فارق السن بينها وبين بناتها قليلاً؛ مما يساعدها على تربيتهن وتوجيههن وتقويمهن, ومعرفة كيفية تفكيرهن وتطلعاتهن.
5- إن زواجها في سن مبكرة يعنى -في الغالب- كثرة ذريتها؛ وفي هذا تحقيق لتوجيه الرسول الكريم بتكثير أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
الله أسال أن يوفق المسلمين للعمل برضاه، واتباع سنة نبيه محمد.
التعليقات