عناصر الخطبة
1/وقفات على أبواب وداع رمضان 2/المقبول والمحروم بعد رمضان 3/أهمية المداومة على العمل الصالح 4/آثار الاستمرار على العمل الصالح بعد رمضان 5/عوامل مساعدة للإنسان على الاستمرار في الطاعة 6/المعينات على التخلص من الفتور والكسل 7/أحكام المفطرين بعذر في رمضان.اقتباس
أيها الناس! لقد كان رمضان كوكب إشعاع عمَّ ضياؤه وهناؤه، ومورد خير لا تُحْصَى فضائله وخيراته، فطوبى لمن شمله خيرُه وأدركه فضله، واستمر معه أثره الحسن في استقامة النفس وصلاحها؛ فرمضان - عند ذوي الهدى - شحنة إيمانية مدَّخَرَة لما بعد رمضان تملأ الحياة نوراً واستبصاراً، ومن ذاق طعم الإيمان ووصل شغاف قلبه صعبت عليه مفارقته.
الخطبة الأولى:
الحمد لله المعبود الحق في كل زمان ومكان، والشكر له على مِنَّتِه بإكمال عدة رمضان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أنزل عليه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان؛ نبي الشريعة الدائمة، والرسالة الخاتمة، فصلاة ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحابه أجمعين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: أولُ القول حمدٌ جزيل لله -تعالى- على نعمة رمضان التي أنعم بها علينا فصمنا الشهر كاملاً، نسأل الله -تعالى- أن يتقبل منا ما عملنا فيه من الخير، ويعفو عنا ما تجاوزنا فيه حدوده، فاللهم آمين.
عباد الله: لم يدم رمضان بيننا طويلاً، بل ارتحل عنا سريعاً ومعه أعمالنا؛ صالحها وطالحها شاهداً بها على أهلها لدى خالقنا، فمن أساء فإساءته كبيرة، ومن أحسن فلا يدري أَقُبِلَ منه عمله أم رُدَّ عليه، ولكنا نسأل الله أن يعفو عنا وأن يتقبل منا صالح العمل.
فليست العبرة - معشر المسلمين - أن العامل عمل، ولكن العبرة كيف عمل العامل؛ فالله -تعالى- يقول: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[الملك: 2]، وأحسن العمل: أخلصه وأصوبه، كما قال بعض العلماء.
كان بعض الصالحين يقفون على أبواب وداع رمضان ومعالم الحزن على وجوههم بادية، وعلى ألسنتهم ناطقة، مع أنهم كانوا يجتهدون اجتهاداً قد لا نستطيعه. فهمُّهم الأكبر في إتمام العمل وإتقانه، ورجاء قبوله وخشية ردّه.
روي عن عليٍّ -رضي الله عنه- أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: "يا ليت شِعْري مَن هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه؟"، وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه كان يقول: "من هذا المقبول منا فنهنيه، ومن هذا المحروم منا فنعزيه؟ أيها المقبول، هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك".
وقال علي -رضي الله عنه-: "كونوا بقبول العمل أشد اهتماماً من العمل، ألم تسمعوا قول الله -عز وجل-: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[المائدة: 27]".
وقال فضالة بن عبيد: "لأن أكون أعلم أن الله قد تقبَّل مني مثقال حبة من خردل أحب إليَّ من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[المائدة: 27]".
وقال بعضهم: "أدركتهم يجتهدون في العمل فإذا فعلوه وقع عليهم الهمّ أيقبل منهم أم لا؟!".
ورأى وهب بن الورد قوماً يعبثون حراماً بعد رمضان، فقال: "إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين!".
أيها الناس، لقد كان رمضان كوكب إشعاع عم ضياؤه وهناؤه، ومورد خير لا تُحْصى فضائله وخيراته، فطوبى لمن شمله خيرُه وأدركه فضله، واستمر معه أثره الحسن في استقامة النفس وصلاحها؛ فرمضان - عند ذوي الهدى - شحنة إيمانية مدَّخَرَة لما بعد رمضان تملأ الحياة نوراً واستبصاراً، ومن ذاق طعم الإيمان ووصل شغاف قلبه صعبت عليه مفارقته.
أيها المسلمون: إذا اكتمل عقل الإنسان، وبلغ بدأ تكليف الله له بفرائض يعملها ومحارم يتركها، ويبقى على هذا التكليف حتى يأتيه اليقين أي: الموت، قال -تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99].
ولا يخرج عن هذا التكليف إلا بفقد ما أدخله فيه وهو ذهاب العقل والتمييز للأمور.
ليتبين بعد هذا أن فرائض الله -تعالى- على عباده إنما فُرضت على الدوام، فإن أخصبت بعض المواسم الزمانية أو المكانية بمزيد المضاعفة وكثرة الطاعة، فلا يعني ذلك انحصار تلك القرب في تلك الأزمنة والأمكنة الفاضلة.
إن المداومة على العمل الصالح دليل العبودية الصادقة، سواء كان ذلك العمل الصالح فرضاً أم نفلاً، وهذا هو هدي نبينا -عليه الصلاة والسلام-، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملاً أثبته -يعني: جعله ثابتًا غير متروك- وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة"(رواه مسلم).
وهذه دعوة إلى أهمية الاستمرار على العمل الصالح، ولو كان قليلاً، فقليل دائم خير من كثير منقطع، كما قالت عائشة -رضي الله عنها-: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"(متفق عليه).
وكان للمداومة هذه المكانة عند الله -تعالى-؛ لما للعمل الصالح المداوم عليه من الآثار الطيبة على المسلم بحيث يبقى متصلاً بالعبادة التي يصلح الروحَ استمرارها، ولعل الأجل يأتيه وهو فيه فيقبض على عمل صالح؛ فمن مات على شيء بُعِثَ عليه، كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-؛ (رواه أحمد وأبو يعلى والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي).
فالصلاة لا تنهى عن الفحشاء والمنكر إلا بالمواظبة عليها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله، إن فلانًا يصلي الليل كله، فإذا أصبح سرق؟ قال: "سينهاه ما تقول"(رواه أحمد وابن حبان والبيهقي، وهو صحيح).
والتوبة لا ينال صاحبها محبة الله -تعالى- إلا إذا استمر عليها التائب، قال -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة: 222]. فالتواب كثير التوبة.
والمسلم إذا كان كثير الدعاء في كل الأحوال؛ في السراء والضراء كان أقرب إلى الإجابة من غيره، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكُرَب فليكثر الدعاء في الرخاء"(رواه الترمذي وأبو يعلى، وهو حسن).
أيها الأحبة الفضلاء: مما لا شك فيه أن المداومة على العمل الصالح ثقيلة على النفس، خاصة إذا هجم عليها صاحبها دون ترقٍّ وتدرُّج؛ لأن النفس تحب الراحة والميل إلى الدعة؛ ولذلك كان على المسلم الذي يريد المواظبة على الطاعة أن يجاهد نفسه ويتدرج معها شيئاً فشيئاً حتى تألف العمل ويصبح لها سجية بعد ذلك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خذوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإنَّ الله لن يمل حتى تملوا"(رواه مسلم).
والجد والعزيمة الصادقة، وبُعْد الهدف وسموُّه، والنظر إلى ما عند الله -تعالى-، ومعرفة حقيقة النفس ومجاهدتُها، عوامل مساعدة للإنسان على الاستمرار.
أيها المسلمون: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لبلال رضي الله عنه: "يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت خشف نعليك -أي: تحريك نعليك- بين يدي في الجنة". قال: "ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي"(متفق عليه)، فالمداومة من بلال على هذا العمل جعله عنده أرجى أعماله -رضي الله عنه-.
وعائشة -رضي الله عنها- كانت تصلي الضحى ثماني ركعات وتداوم عليها، وتقول: "لو نُشِرَ لي أبواي على تركها ما تركتها"؛ هكذا حب المداومة على العمل الصالح يصنع في نفس صاحبه.
عباد الله: ما أحسن ما كان، وما أقل ما خلف! غصت في رمضان المساجد، وكثر الراكع والساجد، والباكي والتالي، والذاكر والباذل ماله في الخير، فما لهذا الجمع بدأ يتصدع ويقل من بيوت الله -تعالى- ومن هذه الأعمال؟! أفبهذا أمرهم رمضان إذا أفل، أهكذا تظهر آثار رمضان؟!
ما لهذا جاء رمضان، وما على هذا أحب أن يفارق، أين عمار المساجد وأهل الجماعة، أين قراء القرآن، وأين الممسكون لألسنتهم وأهوائهم، لماذا تغيرت الحال وانقلب الواقع؟
لقد شكت بيوت الله - هذه الأيام - فراغها وقلة ارتيادها، وشكت المصاحف هجرانها، وضعف الإقبال عليها، فأين ذلك الإقبال المشهود في رمضان؟
من أمر بالصلاة -معشر المسلمين- في رمضان أمر بها بعد رمضان وقبل رمضان أيضاً.
ومن أمر بقراءة القرآن في رمضان أمر به في غير رمضان أيضًا، ومن نهى عن محظورات الأعمال والأقوال في رمضان هو من نهى عنها في غيره.
نعم نحن لا ننكر أن لرمضان مزاياه وخصوصياته في النشاط والجد؛ بسبب الجو العام للطاعة، ولعدد الأيام المحدد من عمر السنة، ويظهر هذا خصوصاً في بداية رمضان، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لكل عمل شرَّة، ولكل شرَّة فترة"(رواه أحمد وابن حبان والطبراني، وهو صحيح).
ولكن تلك الخصوصية لا تعني أبداً الترك بالكلية للطاعات والإقبال بالنفس على المعاصي بعد تولي شهر الخير.
ولا ريب أنه يحصل فتور ويعتري الإنسان خمول وقلة عمل، ولكن تلك الأحوال لا يجوز أن تصل بصاحبها إلى ترك الفرائض وركوب المحرمات؛ ولذلك يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نهاية الحديث السابق: "فمن كانت فترته إلى سُنَّتِي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك". وفي رواية لأحمد والبزار: "فمن كانت فترته إلى اقتصاد فلا يلام، أو فلا لوم عليه، ومن كانت فترته إلى المعاصي فأولئك هم الهالكون".
فالثباتَ الثباتَ - عباد الله - وإياكم الفتورَ المؤدِّي إلى ترك ما وجب وفعل ما حرُم. فمن هجم عليه الفتور والكسل في بعض المستحبات والنوافل فيرجى له حسن العودة، وأما من شرع في مساخط الله ومحارمه فالفطام عسر، والذنوب ودود ولود يجر بعضها بعضًا.
أيها المسلمون: من فاته فضل رمضان وخيراته لتقصيره أو تفريطه، وإضاعة لحظاته الغالية فيما لا ينفع أو فيما يضر فالخسارة كبيرة عليه.
غير أن ذلك لا يغلق أمامه أبواب الخير، فكم لله من باب مفتوح لا يوصد، ولا يعمِّي عليه طرق القربات ومسالكها، فكم من سبيل إلى الخير والقربة مشرع، ولا يقنطه ضياعه في رمضان من وجود فرص متاحة للاستغلال والاستدراك، ولا ييأس من رحمة الله وكرمه ويظن أن خسارته لا تُعوَّض، وأن توبته لا تُقبل، وأنه من الهالكين، لكن عليه أن يستأنف ويعزم ويبدأ بطرق باب الله بالندم والتوبة والعزيمة الماضية على المسابقة في مضمار الخيرات، والله ذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون.
وأما من أحسن فعليه أن لا يغتر بإحسانه، ولا ينظر إلى ما قدم بعين الرضا، ولكن لينظر كيف قدم. فمن نظر إلى نفسه وعمله بعين العجب فتر ودل بما فعل، وقد يؤول به الأمر إلى الترك والانقطاع، والإنسان لا يأمن على نفسه؛ فالقلوب بيد الله فقد ينقلب حاله إلى ما لا يحمد. والجوارح عرضة للخمول والفتور.
والغريب عن بعض المجتهدين في رمضان أن يفتر ذلك النشاط، ويذبل ذلك الجد لديهم، بل قد يصل الأمر ببعضهم إلى أن يتحول من طاعة إلى معصية، ومن قرب من الله إلى بُعْد عنه، وحال كهذه أسوأ ممن خسر رمضان واستأنف بعد مضيه أوبة ورجوعاً، وولدت له حياة معمورة بالندم وسرعة المبادرة إلى الخير.
فلا أحسن - يا عباد الله - من أن نستقل ما قدمنا وندعو بقبول ما عملنا، ونستغفر على ما فرطنا واقترفنا، ونواظب على ما وجب علينا فعله، وترك ما فرض علينا تركه، والله يثبت الذين آمنوا، ويوفق مَن صدقوا إلى لزوم الصراط المستقيم.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أيها المسلمون: ليس كل من شهد الصيام يجب عليه الصيام فورًا؛ فقد يكون عنده عذر دائم كالهرِم والمريض مرضاً لا يُرجى شفاؤه، أو يكون عنده عذر طارئ كالحائض والنفساء والمريض مرضاً يُرجى شفاؤه، وكذا المسافر.
فهؤلاء قد يفطرون رمضان كله أو بعضه، ومن تيسير الله -تعالى- أن جعل رخصة في الفطر ومهلة للقضاء لذوي الأعذار.
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 183-185].
عباد الله: من أفطر بهرم أو عجز دائم عن الصيام، أو به مرض لا يرجى شفاؤه ولا يستطيع معه الصوم، فهؤلاء ليس عليهم صيام، ولكن تجب عليهم الفدية، وهي إطعام كل واحد منهم مسكيناً عن كل يوم أفطروه من رمضان، ولا يشترط أن يكون الإطعام في رمضان، بل يجوز بعد رمضان، وإن كان الإطعام في رمضان أولى؛ براءة للذمة بتقديم حق الله -تعالى-، ولمضاعفة الأجر في رمضان.
إلا أن الهرِم الذي قد بلغ به كبر السن حد الخرف وعدم التمييز للأشياء فهذا قد خرج عن عهدة التكليف، وعليه فلا صيام في حقه ولا إطعام.
عباد الله: ومن أفطر بعذر يمكن زواله في رمضان أو بعده كالمسافر والحائض والنفساء والحامل والمرضع والمريض مرضاً يرجى شفاؤه فهؤلاء يجب عليهم قضاء ما أفطروه بعد رمضان.
ومن فاته صيام رمضان ومات قبل أن يتمكن من القضاء بأن مات وعذره قائم كالنفساء أو المريض الذي استمر مرضه وقبض عليه أو مات في رمضان فهذا ليس عليه شيء وليس على أقاربه قضاء عنه ولا إطعام. أما إن أفطر في رمضان بعذر شرعي وقدر على القضاء بعد رمضان ولم يقض فقد شُرع لأوليائه الصيام عنه أو الإطعام عن كل يوم أفطره مسكينًا.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه"(متفق عليه).
أيها المسلمون: أما من أفطر في رمضان من غير عذر بالطعام أو الشراب أو الجماع أو الاستمناء فقد ارتكب إثماً كبيراً، ولكن لا يعني حصول الإثم ترك قضاء ما أفطره.
بل عليه أن يتوب إلى الله -تعالى- ويستغفره، ويقضي الأيام التي أفطرها، ولعل بذلك محو سيئة إفطاره وتعديه حرمة رمضان، والله أعلم.
التعليقات