عناصر الخطبة
1/طعن أهل البدع في معاوية 2/من فضائل ومناقب معاوية 3/ثناء السلف على معاوية 4/من أبرز صفات معاويةاقتباس
فإن أبرز صفة اشتهرت عن معاوية -رضي اللهُ عنهُ وعن أبيه- أنه صاحبُ حلم عظيم، وهو القائلُ: "لا أضعُ سيفي حيثُ يكفيني سوطي، ولا أضعُ سوطي حيثُ يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت"، قيل: وكيف ذاك؟...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ لله، نحمدُه حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، متصلا بلا انفصال، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ، عالمُ الغيب والشهادة الكبيرُ المتعالُ، وأشهدُ أن محمدا عبدُه ورسولُه الذي هدى به من الضلال، فصلى اللهُ وسلم عليه وعلى آله خير آل، وعلى أصحابه الذين انطمست بهم أعلامُ الضلال.
أما بعدُ: إنه ملكٌ عظيمٌ، هو بين الملوك أفضلُهم وأولُهم، ملكٌ "سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ وَرَأْيِهِ"(قاله الذهبي في السير)، إنه الصحابيُ الجليلُ والملك الصالحُ معاويةُ بنُ أبي سفيان -رضي اللهُ عنهما-، الذي انبرى أهلُ البدع بالطعن فيه زورًا وبهتاناً.
فما فضائلُ ومناقبُ هذا الملك؟ أما في شبابه زمن أبي بكر وعمر وعثمان فقد صار أميرًا على الشَّامِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، ثم بعدهم ملكًا عِشْرِيْنَ سَنَةً، قال ابنُ عباسٍ: "مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَخْلَقَ لِلمُلْكِ مِنْ مُعَاوِيَةَ"(رواه عبد الرزاق في المصنف، إسناده صحيح).
وأما في شيخوخته: ففي الصحيحين قال الرسولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ يَزَالُ الإِسْلاَمُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَي عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ"(رواه البخاري ومسلم)، ومعاويةُ داخلٌ في هذه العزة؛ فهو قرشيٌ تولى الملك، والدينُ في زمنه عزيزٌ منيعٌ، ويكفي معاوية أنه حاز الجائزة العظيمة التي قال عنها-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا"(رواهُ البخاريُ).
ومن فضائل معاوية: أَنَّ الرَسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: "اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ"، قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ، ثُمَّ قَالَ لِيَ: "اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ"، فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ، فَقَالَ: "لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ"(رواه مسلم)، وهذا ليس من مثالبِه، بل يُعتبرُ من مناقبِه؛ لأن النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا، وقُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ القِيَامَةِ"(متفقٌ عليه).
وسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: مَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمْدَهُ، فَقَالَ خَلْفَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ؟! فَقِيلَ لَهُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ، هُوَ أَمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَ: لَتُرَابٌ فِي مِنْخَرَيْ مُعَاوِيَةَ مَعَ الرَسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْرٌ وَأَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وذَكَرُوا عِنْدَ الْأَعْمَشِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَدْلَهُ، فَقَالَ: فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكْتُمْ مُعَاوِيَةَ؟ قَالُوا: يَعْنِي فِي حِلْمِهِ؟! قَالَ: لَا وَاللَّهِ، بَلْ فِي عَدْلِهِ، وَقَالَ أَبُو تَوْبَةَ الْحَلَبِيُّ: مُعَاوِيَةُ سِتْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا كَشَفَ الرَّجُلُ السِّتْرَ اجْتَرَأَ عَلَى مَا وَرَاءَهُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى.
أما بعدُ: فإن أبرز صفة اشتهرت عن معاوية -رضي اللهُ عنهُ وعن أبيه- أنه صاحبُ حلم عظيم، وهو القائلُ: "لا أضعُ سيفي حيثُ يكفيني سوطي، ولا أضعُ سوطي حيثُ يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت"، قيل: وكيف ذاك؟ قال: "كنتُ إذا مدُّوها أرخيتُها، وإذا أرخوها مددتُها"(عيون الأخبار والعقد الفريد).
ومن قصصه العجيبة أنه كان لعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- أرضٌ وفيها عمالُه، وبجانبها أرضٌ لمعاوية وفيها عمالُه، فدخل عمالُ معاوية في أرض ابن الزبير، فكتب كتابا إلى معاوية، يقولُ له فيه: "أما بعدُ: يا معاويةُ، إن عمالك قد دخلُوا في أرضي، فانههم عن ذلك وإلا كان لي ولك شأنٌ، والسلامُ"، فقرأهُ معاويةُ ودفعه إلى ولده يزيد، وقال: "يا بُني، ما ترى"، قال: "أرى أن تبعث إليه جيشا، يكون أولُه عنده وآخرُه عندك، يأتونك برأسه"، فقال: "بل غيرُ ذلك خيرٌ منه"، ثم أخذ ورقة وكتب فيها: "أما بعدُ: فقد وقفتُ على كتاب ولد حواري رسول الله، وساءني ما ساءك، والدنيا بأسرها هينةٌ عندي في جنب رضاك، نزلتُ لك عن أرضي، فأضفها إلى أرضك، بما فيها من العمال والأموال، والسلامُ"، فلما قرأه ابنُ الزبير كتب إليه: "قد وقفتُ على كتاب أمير المؤمنين -أطال اللهُ بقاءه-، ولا أعدمه الرأي الذي أحله من قريش هذا المحل، والسلام"، فلما قرأه معاوية رمى به إلى ابنه يزيد، وقال: "يا بني، من عفا ساد، ومن حلم عظم، فإذا ابتليت بشيء من هذه الأدواء، فداوِه بهذا الدواء"(طيب المذاق من ثمرات الأوراق)، فاللهم ارض عن معاوية وابن الزبير.
ألا فلنتعلم من حكمة وحلم معاوية، في تعاملنا مع أولادنا، وأزواجنا، وجيراننا، وذوي رحمنا، ومع زملائنا، وشركائنا، وأجرائنا، بل وبعضِ أعدائِنا.
فاللهم كما حسنت خَلْقنا فحسن أخلاقنا، اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين، واحشرنا في زمرة علي ومعاوية والباقين، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، اللهم احفظ علينا دينَنا وجنودَنا وحدودَنا وثمراتِنا وثرواتِنا، وانصرْ إخوانَنا بأكنافِ بيتِ المقدسِ، واهزم إخوانَ القردةِ والخنازيرِ، اللهم احفظْ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ، اللهم أيدْ بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِه، اللهم ارزقهمْ بطانةَ الصلاحِ والفلاحِ.
اللهم لكَ الحمدُ يا مَن هو للحمدِ أهلٌ، لكَ الحمدُ على ما أنزلتَ من خيراتِ السحابِ، وأجريتَ من الوديانِ والشِعابِ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا رَبِيعَهَا، وَارْزُقْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمَ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ.
التعليقات