عناصر الخطبة
1/الدعوى بأن مشكلة المسلمين الإسلام دعوى باطلة 2/بطلان هذه الدعوى من ناحية تاريخية وواقعية وشرعية 3/شواهد واقعية على أن الخلل في المسلين لا في الإسلام 4/ضرورة التمسك بالديناقتباس
بعض الناس حينما يقارن بين العرب والغرب، أو بين المسلمين في البلدان الإسلامية وبين الكفار، يجد فرقاً شاسعاً في التعامل والأخلاق واحترام النظم بين هؤلاء وهؤلاء؛ فيدّعون أن هذا سببه الإسلام نفسه، وأن أخلاق المسلمين ما ساءت ومعاملاتهم ما زاغت إلا بسبب منهج الإسلام....
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي تفرد بالعظمة بالجلال, والعز والكبرياء والجمال، وأشكره شكر عبد معترف بالتقصير عن شكر بعض ما أوليه من الإنعام والإفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: يظن كثير من الغربيين ومن غير المسلمين بل ومن بعض المسلمين؛ أن سبب تخلف المسلمين وفقرهم وضعفهم وتأخرهم هو الإسلام، ويرون أنه ما من بلد وجد فيه المسلمون إلا كان حالهم يرثى له.
فالمسلمون في البلاد العربية في شتات وفرقة وضيعة وتخلف، والأقليات المسلمة في معظم الدولة تعيش في قهر وخيبة واضطهاد، والسبب في نظرهم هو الإسلام هو الذي جعلهم بهذه الحالة المزرية.
إن هذه نظرية فاسدة ونظرة خائرة لا تقوم على أسس صحيحة، وليس لها أدلة علمية وحجج دامغة، لا من ناحية تاريخية، ولا من ناحية واقعية، ولا من ناحية شرعية.
أما الناحية التاريخية فالمسلمون باعتراف الجميع كانوا أعزّ أمة وأرقاها، وبلغت الحضارة الإسلامية مبلغاً عظيماً لم تبلغه حضارة من الحضارات، وهذا تراثهم يشهد، وكتبهم التي كتبوها في كل الفنون تشهد، وهذه قصورهم الشامخة ومبانيهم العالية تشهد، وهذه فتوحاتهم ومعاركهم التي سجلها التاريخ تشهد، وإزالتهم لأعظم إمبراطوريتين في ذلك الزمان يشهد.
أما من الناحية الواقعية فالمسلمون -بفضل الله- وإن كانوا يعيشون من الناحية المادية في ضعف وتخلف لأسباب كثيرة معروفة، إلا أنهم من الناحية المعنوية والأخلاقية يعدون أرقى الأمم وأعلاها وأفضلها.
ولو تمت المقارنة بين شعب مسلم وشعب غير مسلم لوجدنا أن الجرائم المروعة والمصائب الكبيرة الصادرة من قبل غير المسلمين أكثر بكثير من الجرائم الصادرة عن المسلمين، وكلما كان المسلمون في بلد ما متمسكون بدينهم أكثر كلما كانت المصائب بينهم أقل.
أما من الناحية الشرعية فلو تأملنا في كتاب الله -جل وعلا- لوجدنا أن هذا القول ليس حديثاً وإنما قال به أناس من قبل، وأدّعى هذه الدعوى أقوام من السابقين؛ ادعوا أنهم إذا تمسكوا بالدين والتزموا به فإنهم سيتعرضون للبلاء والتخلف وفقد الهيبة والسلطان، فقالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا)[القصص:57]، إذا اتبعناك وصدقنا بك ودخلنا معك في الإسلام فإننا سنتعرض للبلايا والرزايا، وسترمينا القبائل كلها عن قوس واحدة، وبالتالي فإننا سنفقد كل شيء من مصالحنا ومكانتنا ونرجع إلى الوراء.
"إنها النظرة السطحية القريبة, والتصور الأرضي المحدود, هو الذي أوحى لقريش وهو الذي يوحي للناس أن اتباع هدى الله يعرضهم للمخافة, ويغري بهم الأعداء, ويفقدهم العون والنصير, ويعود عليهم بالفقر والبوار.
فهم لا ينكرون أنه الهدى, ولكنهم يخافون أن يتخطفهم الناس وهم ينسون الله, وينسون أنه وحده الحافظ, وأنه وحده الحامي, وأن قوى الأرض كلها لا تملك أن تتخطفهم وهم في حمى الله، وأن قوى الأرض كلها لا تملك أن تنصرهم إذا خذلهم الله, ذلك أن الإيمان لم يخالط قلوبهم, ولو خالطها لتبدلت نظرتهم للقوة, ولاختلف تقديرهم للأمور, ولعلموا أن الأمن لا يكون إلا في جوار الله, وأن الخوف لا يكون إلا في البعد عن هداه"(في ظلال القرآن).
انهزم المسلمون في غزوة أحد، وشج رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكسرت رباعيته، وسقط -بأبي هو وأمي- في الحفرة، وقتل سبعون من خيرة أصحابه، وحصل للمسلمين ما حصل، بعد أن كانوا قد اقتربوا من إلحاق الهزيمة بأعدائهم، وبعد أن ظنوا أنهم قد انتصروا، فخرج الرماة من أعلى الجبل لجمع الغنائم، وقد أمرهم رسولهم -صلى الله عليه وسلم- قبل المعركة ألا يخرجوا إلا بعد أن يأذن لهم بذلك.
تفاجأ المسلمون بما حصل، وتعجبوا مما حدث، واستغربوا كيف وقعت هذه الهزيمة المفاجئة بعد أن شارفوا على النصر؟ وأخذوا يتساءلون ما هذا؟ وكيف حدث هذا؟ فجاءهم الجواب من رب الأرباب يبين لهم أن المشكلة صادرة عنهم، وأن الخلل ليس في منهج الإسلام، ولا في اتباع أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا في النصر، وإنما الخلل منهم وفيهم، فقال لهم: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران:165].
يقول الله -سبحانه وتعالى- تتعجبون مما حصل لكم، وتقولون من أين أصابنا ما أصابنا؟ ولماذا هزمنا؟ (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)، فالمشكلة فيكم حين خالفتم أمر رسولكم -صلى الله عليه وسلم- بالخروج من الجبل فخرجتم، وقد أمركم أن لا تخرجوا حتى يأذن لكم فاستعجلتم وخرجتم.
أيها المسلمون: المشكلة فينا وليست في الإسلام، والخلل عندنا وليس في المنهج، وتعالوا بنا نفتش في أنفسنا لنعلم أين الخلل؛ كلنا نصلي والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر - كما أخبر الله-، ولكن كم منا يصلي وهو يقع في أفحش الفواحش وأوبق الموبقات؛ فهل معنى هذا أن الصلاة لا تنهى عن الفحشاء والمنكر؟!.
إن الجواب لا قطعاً؛ لأن هذا فيه تكذيب للقرآن الذي أخبر بذلك، وفيه تكذيب للواقع؛ فهناك أمم من الصالحين والأتقياء والأخيار نهتهم صلاتهم عن الوقوع في الفحشاء والمنكر؛ فلماذا أنا وأنت لم تنهنا صلاتنا عن الوقوع في الفحشاء والمنكر؟
تعالوا إلى صلاتنا سنجد التفريط الواضح، والتكاسل الكبير، والخشوع المفقود، والنوم عن بعض الصلوات، وعدم الحرص على أدائها كما أداها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"(رواه البخاري)، ثم بعد هذا كله نقول: لماذا لم تنهنا صلاتنا عن الفحشاء والمنكر؟ أين الخلل فينا أم في الصلاة؟.
كم من امرأة مسلمة تلبس الحجاب، وتستر نفسها به -والحجاب قد فرضه الله لستر أنظار الرجال عن النساء- (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)[الأحزاب:59].
ولكن كم من نساء المسلمات من تلفت أنظار الناس بحجابها، وتجذبهم بلباسها؛ فهل الخلل في الحجاب الذي أمر الله به وأخبر عنه أن يصرف الأنظار، أم في الحجاب المزيف المزركش والمزخرف والخفيف الذي تلبسه بعض النساء؟.
إن الحجاب الذي أمر الله به والذي أخبر أنه يصرف الأذى والأنظار عن النساء هو الحجاب الشرعي الساتر المستوفى للشروط، لا الحجاب الفاتن الملفت للأنظار المجذب للأبصار، فأين الخلل إذا أفي الحجاب المشروع الذي أمر الله به المرأة المسلمة, أم الخلل في المرأة نفسها التي لا تلبسه كما أمرت؟
إن هذا كله يعلمنا أن الخلل فينا، والمشكلة عندنا لا في ديننا، والمصيبة نحملها نحن وليس الدين هو الذي يحمل المصائب، ومن ادعى أن سبب ضعفنا وهواننا هو ديننا فإنه واهم، يقول الله -سبحانه وتعالى- مبيناً أن البلاء والشر والاختلاف لا يأتي إلا بغياب الدين الصحيح: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[آل عمران:19].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن ديننا هو فوزنا وفلاحنا وسر نجاحنا، وهو عصمة أمرنا ومنتهى سعادتنا، فمن تمسك به فاز وأفلح في الدنيا والآخرة، ومن حاد عنه وضل عن سبيله خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، فهل يتصور أن يكون ديناً بهذه المنزلة وهذه العظمة هو سبب تخلفنا ومشكلاتنا؟.
بعض الناس حينما يقارن بين العرب والغرب، أو بين المسلمين في البلدان الإسلامية وبين الكفار، يجد فرقاً شاسعاً في التعامل والأخلاق واحترام النظم بين هؤلاء وهؤلاء.
فيدّعون أن هذا سببه الإسلام نفسه، وأن أخلاق المسلمين ما ساءت ومعاملاتهم ما زاغت إلا بسبب منهج الإسلام.
إن من يقول هذا الكلام لا يعرف حقيقة الإسلام، ولا يفهم دعوة الإسلام؛ فالإسلام هو الدين القويم الذي دعا إلى محاسن الأخلاق، وأرسِل رسوله -عليه الصلاة والسلام- ليتمم مكارم الأخلاق؛ فهل يدعي الأدعياء بعد هذا كله أن سبب ضعف أخلاق المسلمين هو الإسلام ومنهجه؟!.
إن المشكلة ليست في منهج الإسلام؛ لأن منهجه دعا إلى محاسن الأخلاق، ومن قرأ سورة الحجرات -مثلاً- علم دعوة الإسلام العظيمة إلى مكارم الأخلاق، ولكن المشكلة في بعض المسلمين الذين لم يتمسكوا بمنهج الإسلام وهديه في التمسك بالأخلاق الطيبة والصفات الحسنة فساءت أخلاقهم وقبحت معاملاتهم وتصرفاتهم.
من دخلت عليه هذه الشبهة وانطلت عليه هذه الدعوة بأن المشكلة في الإسلام نفسه وليس في المسلمين فليتعرف على أحوال البشرية قبل الإسلام، وكيف كانوا قبل ذلك؟ وكيف كانت أحوالهم؟ وكيف تغير حال أمة الإسلام بعد ذلك حين تمسكوا بدينهم واعتزوا به فصاروا قادة الأمم، وفاتحوا البلدان، ومحركو العالم.
فلما ابتعد المسلمون عن دينهم وتركوا التمسك به أصابهم ما أصابهم من الذل والهوان، وكثرت فيهم المصائب والمشاكل بسبب بعدهم عن منهج الإسلام وتنكرهم له، فإذا أرادوا العزة والرفعة والسؤدد فليعودوا إلى دينهم وليتمسكوا به، فيوقنوا بعد ذلك أن مشاكلهم هي بسبب بعدهم عن الدين وأن الخلل فيهم لا في الدين.
يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آل عمران:102-103].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم وفقنا للاستقامة على الدين، اللهم إنا نعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة، ونعوذ بك من حياة تمنع خير الممات، ونعوذ بك من أمل يمنع خير العمل، ونسألك أن تنور قلوبنا، وتثبتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن تغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
التعليقات