عناصر الخطبة
1/من علامات توفيق الله لعبده 2/الحث على المسارعة في الخير 3/الدعوة لاستغلال شهر رمضان بالطاعات 4/طول العمر نعمة أو نقمةاقتباس
وَمِنْ عَلاَمَاتِ تَوْفِيقِ اللهِ لِلْعَبْدِ: تَوْفِيقُهُ لَهُ بِاسْتِغْلاَلِ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ، الَّتِي هِيَ أَيَّامُ رَحْمَةٍ وَشُهُورُ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ، وَمُنَاسَبَاتٌ عَظِيمَةٌ؛ يَفْتَحُ اللهُ لِعِبَادِهِ فِيهَا سُبُلَ الطَّاعَةِ، وَيُيَسِّرُ عَلَيْهِمْ فِيهَا عَمَلَ الصَّالِحَاتِ، وَمِنْ ذِلِكَ: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي نَسْتَقْبِلُهُ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ، وَأَتَمِّ الْمِنَحِ، وَأَجْزَلِ الْعَطَايَا، أَنْ يُوَفِّقَ اللهُ الْعَبْدَ لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ عَلَى اخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهَا؛ بَدَنِيًّا أَوْ مَالِيًّا أَوْ قَوْلِيًّا، وَالإِعَانَةِ وَالتَّسْدِيدِ عَلَى فِعْلِهَا، وَالْمُبَادَرَةِ فِيهَا، وَهَذَا وَاللهِ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ؛ كَمَا قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 71]، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وَمِنْ عَلاَمَاتِ تَوْفِيقِ اللهِ لِلْعَبْدِ: أَنْ يَرْزُقَهُ اللهُ -تَعَالَى- التَّوْبَةَ وَالإِقْبَالَ عَلَيْهِ -سُبْحَانَهُ-، قَبْلَ دُنُوِّ أَجَلِهِ، وَانْتِقَالِهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، فَمَا أَجْمَلَ التَّوْبَةَ إِلَى اللهِ وَأَعْذَبَهَا إِذَا اجْتَمَعَ مَعَهَا الصِّدْقُ وَالإِخْلاَصُ، وَالْعَزْمُ وَالنَّدَمُ، وَالْمُسَارَعَةُ إِلَى الْخَيْرَاتِ، قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم: 8].
وَمِنْ عَلاَمَاتِ تَوْفِيقِ اللهِ لِلْعَبْدِ: أَنْ يَرْزُقَهُ اللهُ -تَعَالَى- الْمُسَارَعَةَ وَالْمُسَابَقَةَ وَالْمُبَادَرَةَ إِلَى الْخَيْرَاتِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران: 133]، وَقَالَ: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ)[الحديد: 21].
وَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي الْمُسَارَعَةِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْخَيْرِ، وَعَدَمِ تَسْوِيفِ الْمُسَابَقَةِ إِلَيْهِ، فَعَنْ عُقْبَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: "ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا -أَيْ: تَذَكَّرتُ وُجُودَ بَعضِ الذَّهَبِ في بَيتي-، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ"(رواه البخاري)، فَانْظُرْ إِلَى مُسَارَعَتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْإِنْفَاقِ، وَإِيصَالِ الْبِرِّ لِمُسْتَحِقِّيِهِ!.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أَصْحَابَهُ عَلَى الْمُبَادَرَةِ، فَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ؛ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا"(رواه مسلم)، وَالْمَعْنَى: سَابِقُوا بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَبَادِرُوا فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَشْغَلَكُمُ الْفِتَنُ؛ فَإِنَّهَا إِذَا وَقَعَتْ شَغَلَتْكُمْ عَنْ كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ.
وَمِنْ عَلاَمَاتِ تَوْفِيقِ اللهِ لِلْعَبْدِ: تَوْفِيقُهُ لَهُ بِاسْتِغْلاَلِ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ، الَّتِي هِيَ أَيَّامُ رَحْمَةٍ وَشُهُورُ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ، وَمُنَاسَبَاتٌ عَظِيمَةٌ؛ يَفْتَحُ اللهُ لِعِبَادِهِ فِيهَا سُبُلَ الطَّاعَةِ، وَيُيَسِّرُ عَلَيْهِمْ فِيهَا عَمَلَ الصَّالِحَاتِ، وَمِنْ ذِلِكَ: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي نَسْتَقْبِلُهُ -بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى- بَعْدَ أَيَّامِ قَلاَئِلَ.
وَلاَ شَكَّ أَنَّ النُّفُوسَ تَبْتَهِجُ بِقُدُومِ هَذِهِ الْمَوَاسِمِ الْمُبَارَكَةِ، وَتَكُرُّرِهَا عَلَيْنَا سِنِينَ عَدِيدَةً وَأَزْمِنَةً مَدِيدَةً، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَبَّهَ أَنَّ قُدُومَ هَذِهِ الْمَوَاسِمَ قُدُومٌ عَلَيْنَا بِمَا يَمْضِي مِنْ أَعْمَارِنَا، وَتَتَوَالَى مِنْ أَيَّامِنَا؛ فَإِنَّمَا الْعَبْدُ أَيَّامٌ، فَكُلَّمَا مَضَى مِنْهُ يَوْمٌ مَضَى مِنْهُ بَعْضُهُ.
وَهَذِهِ مَوَاسِمُ خَيْرٍ تَمْضِي ثُمَّ تَعُودُ بِمَا يَمْضِي مَعَهَا مِنْ أَعْمَارِنَا، فَالْعَاقِلُ مَنِ اسْتَغَلَّ هَذِهِ الْمَوَاسِمَ وَجَعَلَهَا أَيَّامَ طَاعَةٍ وَإِنَابَةٍ، وَادَّخَرَهَا لِنَفْسِهِ عِنْدَ رَبِّهِ وَمَوْلاَهُ، وَاسْتَعَانَ بِهَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ وَأَيَّامِهِ، قَالَ -تَعَالَى-: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)[النور 44].
فَكَمْ كَانَ بَيْنَنَا مِنْ أَقْوَامٍ عَاشُوا مَعَنَا فِي سَنَوَاتٍ مَاضِيَةٍ، شَارَكُونَا صَوْمَنَا، وَجَالَسُونَا عَلَى مَوَائِدِ فِطْرِنَا، هُمُ الْيَوْمَ تَحْتَ التُّرَابِ، يَأْمُلُونَ رَحْمَةَ الرَّبِّ التَّوَّابِ الْوَهَّابِ، وَيَرْجُونَ عَفْوَهُ وَغُفْرَانَهُ.
فَاللَّهُمَّ ارْحَمْهُمْ، وَاعْفُ عَنْهُمْ، وَتَجَاوَزْ عَنْ زَلاَّتِهِمْ، وَأَعِنَّا عَلَى طَاعَتِكَ مَا أَبْقَيْتَنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ عُمْرَ الإِنْسَانِ لَهُ أَجَلٌ مُحَدَّدٌ عِنْدَ اللهِ -تَعَالَى-، لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ -سُبْحَانَهُ-، وَمِنْ سَعَادَةِ الإِنْسَانِ طُولُ الْعُمْرِ وَحُسْنُ الْعَمَلِ، وَمِنْ أَمَارَاتِ الشَّقَاءِ وَالْخُسْرَانِ أَنْ يَطُولَ الْعُمْرُ وَيَزْدَادَ نَهَمُ الإِنْسَانِ لِلشَّهَوَاتِ، مَعَ انْغِمَاسِهِ فِي الْمَعَاصِي؛ وَلِذَلِكَ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَعْذَرَ اللهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً"؛ أَيْ: أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا عَمَّرَ الإِنْسَانَ حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةَ، وَنَفَى عَنْهُ الْعُذْرَ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ أَعْمَارَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ وَقَلِيلٌ مَنْ يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاسْتَقْبِلُوا شَهْرَكُمْ بِالْمُبَادَرَةِ بِطَاعَةِ رَبِّكُمْ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، وَاحْذَرُوا طُولَ الأَمَلِ الَّذِي يَجُرُّ إِلَى التَّسْوِيفِ وَالتَّقْصِيرِ بِالْعَمَلِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).
التعليقات