هالة فاروق عمر
ابتهاجًا بعاصمة الثقافة الإسلامية 2013
المدينة المنورة عمق الماضي وأصالة الحاضر
في ازدهاء وازدهار ازدهرت الاحتفاليةُ العظيمة بمناسبة اختيار المدينة المنورة عاصمةً للثقافة الإسلامية 1434 هـ، وهي حقًّا العاصمة الإسلامية الأولى بين كل العواصم الإسلامية تزدهي وتتلألأ هذه المدينة الطيبة.
للمدينة المنورة مكانةٌ عظيمة وجليلة بين كل المدن الإسلامية، ولها قدسيتُها ووَقْعها في كل قلوب المسلمين؛ فهي أرض ودار الهجرة، ومثوى الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، ولها فضائلُ عظمى، ومن فضائلها: أنها مدينة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، طَيْبة الطَّيِّبة، مهبِط الوحي، ومتنَزَّل جبريل الأمين على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهي مأرز الإيمانِ، وموطن الذين تبوؤوا الدار والإيمان، منها شع النور، وأشرقت الأرض بنور الهداية، وهي دار هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ ففضائلها كثيرة، منها: أن الله سبحانه وتعالى جعَلها حرمًا آمنًا، كما جعَل مكة حرمًا آمنًا، وقد جاء عن النبيِّ الأمين عليه الصلاة والتسليم أنه قال: ((إنَّ إبراهيمَ حرَّم مكة، وإنِّي حرَّمتُ المدينة)).
وقد ورد في كتاب[1]: "قد جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في بيان حدود حرَم المدينة أنَّ الحرَم ما بين اللابتين، أو ما بين الحَرَّتين، أو ما بين الجبلين"، ومن فضائلها أيضا: أنَّ الإيمان يأرز إليها؛ كما قال الرسول الكريم: ((إنَّ الإيمان ليأرِزُ إلى المدينة، كما تأرزُ الحيةُ إلى جُحرها))[2]، ومن فضائلها ما جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من الدعاء لها بالبركة، ومن ذلك قولُه صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارِكْ لنا في ثمرِنا، وبارِكْ لنا في مدينتِنا، وبارِكْ لنا في صاعِنا، وبارِكْ لنا في مُدِّنا[3])).
فكانت بكل معالمها ومآثرها ومناظرها حبيبةً إلى النفس، وتهفو إليها الروح، وينشرح عندها الصدر، وينبثق منها الشعاع الرُّوحي الإيماني؛ فلا بد أن نقف عند معالمها الجغرافية حتى تكتمل أبعادها التاريخية والثقافية والإسلامية والجغرافية:
فموقعها الجغرافي: تقع في وسط الجزء الغربي من المملكة العربية السعودية بخط طول (39,36) وخط عرض (24,28)، وترتفع عن سطح البحر (600م) تقريبًا، وتمتد على شكل بيضاوي في ثلاث دوائر، مِحورها المسجد النبوي الشريف.
فمكانة المدينة المنورة الإسلامية والثقافية، والتاريخية، والاجتماعية، لا تخفى على نظر أحَد، فيكفيها فخرًا: أنها هي التي آوت ونصرت واحتضنت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وتزداد تباهيًا بأنْ يضم ثراها خير البرية، وتتألق بين العواصم الإسلامية بأنها الأرض التي وقَع على ترابها المؤاخاة العظيمة بين المهاجرين والأنصار، وفي فرح وحبور تهمس فرحًا بأنها شهِدت أولى غزوات ومعارك نشر الإسلام، وبها اشتدت شوكة الإسلام والمسلمين، وتقف مزدانةً بين كل الحواضر بذلك الصَّرح والشموخ الذي يتمثل في جَبل أُحُد، الذي قال عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أُحُدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه))[4].
ومن معالِمها: مقبرة شهداء أُحُد، التي تقع شمال المسجد النبوي، سَمَتْ لأنْ تضمَّ جثمان سبعين من الصحابةِ الذين استُشهدوا في غزوة أُحد، ومنهم حمزة بن عبدالمطلب عمُّ النبي صلى الله عليه وسلم، وسيد الشهداء الذي قال في رثائه الصحابيُّ والشاعر الجليل عبدالله بن رواحة أبياتًا، منها:
بَكَتْ عيني وحُقَّ لها بُكاها
وما يُغْنِي البُكاءُ ولا الَعِويلُ على أسَدِ الإلهِ غداة قالُوا: أحمزةُ ذاكُمُ الرجلُ القتيلُ؟ أُصِيبَ المسلمون به جميعًا هناكَ, وقد أصِيبَ به الرَّسُولُ أبا يَعْلَى لكَ الأركانُ هُدَّتْ وأنتَ الماجِدُ البَرُّ الوَصُولُ عليكَ سلامُ ربِّكَ في جِنَانٍ مُخَالطُها نعيمٌ لا يزُولُ |
ومن معالمها التاريخية المرتبطة بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم: البقيع، ويعرف ببقيع الغرقد، واتخذ أهل المدينة البقيع مقبرة لدفن موتاهم منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قبور أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ بناته، وزوجاته، وعمّاته، وبه قبور أكثر من عشرة آلاف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخرج في آخرِ الليل إلى البقيع فيقول: ((السلام عليكم دارَ قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غدًا مؤجَّلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفِرْ لأهل بقيع الغَرْقد)).
وأيضًا المدينة تزدان بمساجد، ويأتي في مقدمتِها المسجد النبوي الشريف، وهو أحدُ المساجد التي تُشَد إليها الرِّحال، وقد بناه النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة، فيه قال صلى الله عليه وسلم: ((صلاةٌ في مسجدي هذا أفضلُ من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجدَ الحرام))[5]، وهناك العديد من المساجد المشهورة في التاريخ الإسلامي يوجد في المدينة المنورة، منها: مسجد قُبَاءٍ، مسجد القبلتين، مسجد الميقات، مسجد أبي بكر الصِّديق، مسجد عمرَ بن الخطاب، مسجد علي بن أبي طالب.
المدينة المنورة تعِجُّ بالمعالِم الثقافية الدينية التي كانت أحَد العوامل والدلائل التي نالت بها أن تكون عاصمة للثقافة الإسلامية الأولى، وعاصمةً للثقافة 2013، وعاصمة أبدية، وكان من أهم الأهداف الخاصة التي اختيرت لها المدينة المنورة عاصمةً للثقافة الإسلامية تأكيد وإعلاء قدر النبي صلى الله عليه وسلم في العالم ونصرته، وإبراز مكانة المدينة المنورة الثقافية والتاريخية والاجتماعية بصفتها عاصمةً للثقافة الإسلامية، وإبراز إنجازات المملكة العربية السعودية في تطوير وتنمية المدينة المنورة.
وقد وقف الشعراء عند خصائص هذه المدينة الطيبة، فقال الصحابيُّ الجليل حسان بن ثابت في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم:
بطَيْبة رَسْمٌ للرسول ومعهدُ
منيرٌ وقد تعفو الرسومُ وتهمُدُ ولا تنمحي الآياتُ من دارِ حرمة بها منبرُ الهادي الذي كان يصعَدُ وواضح آثارٍ وباقي معالِمٍ ورَبْعٌ له فيه مصلًّى ومسجدُ بها حُجرات كان ينزل وسطها من الله نورٌ يستضاء ويُوقدُ |
ولَم يقفِ الموروثُ الأدبي عند الشعراء الأولين، بل كان الشعر السعودي حاضرًا في تمجيد هذه المدينة الطيبة، وخير شاهد لذلك الاستهلالية التي استهلَّ بها الشعراء السعوديون ندوة شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، التي دشنت وقائعها دارة الملك عبدالعزيز.
كما كان حبها وعشقها حاضرًا فينا نحن أمةَ الإسلام.
وختامًا نوجه شكرنا وتقديرنا إلى كلِّ القائمين على أمر الفعاليات التي دشنت بمناسبة اختيار المدينة الطَّيبة عاصمة للثقافة الإسلامية، وكل المشاركين على أمر هذه المناسبة الجليلة، وندعو الله لكل المشرفين على أمر هذه المدينة الذين أظهروا طَيْبة الطَّيِّبة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2013، بل لكل الأعوام وأبدية، وإن أسدل الستار إلى عاصمة أخرى، لكن ستبقى طَيْبة بجهود كل المشرفين عليها عاصمةَ الثقافة والإسلام والعروبة والإرث والتاريخ إلى كل مشارق العالِم.
وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد في الأولين، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد في الآخرين، وصلِّ اللهم على سيدِنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدِّين.
[1] فضل المدينة وآداب سكناها وزيارتها، المؤلف: عبدالمحسن بن حمد بن عبدالمحسن بن عبدالله بن حمد العباد.
[2] رواه البخاري ومسلم.
[3] رواه مسلم.
[4] رواه البخاري.
[5] رواه البخاري ومسلم.
المصدر : الألوكة
التعليقات