عناصر الخطبة
1/المحبة بين المسلمين سبيل إلى الجنة 2/من الوسائل الشرعية لتقوية المحبة 3/منزلة حسن الخلق وأهميته في تحقيق المحبة 4/منهيات تسبب العداوة والبغضاءاقتباس
ومن الأمور التي أمر بها الإسلام أيضا مما ينمي الألفة والمحبة بين المسلمين: صلاة الجماعة، والتواضع، والعفو، والهدية، والمكافأة عليها، ورغب الإسلام بتوقير الكبير ورحمة الصغير، وبالنظافة والتجملِ والتطيبِ، وبحسن الظن، وأن تحبَّ لأخيك ما تحب لنفسك...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الذي بسط الأرض الفسيحة، وقدر الأعمال والأقوال الحسنة والقبيحة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تكاليفه مُحَرِّمِة ومُبِيحة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله نصح الأمة ببراهين للأذهان صريحة.
صلـى الإلـهُ على النّبي وسلّمـا *** مـا غرّد الطيرُ المحلّـقُ في السمـا
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فقد ورد أن آخر آية نزلت من القرآن هي قول الله -سبحانه-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].
عباد الرحمن: الجنة وما فيها من النعيم أغلى مطلوب، وقد أخبر الصادق المصدوق أنها لا تُدخل إلا بالإيمان، وأخبر أن الإيمان لا يتحقق إلا إذا أحب المسلمون بعضهم بعضا، ففي الحديث: "والَّذي نَفسي بيدِهِ، لا تدخُلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتَّى تحابُّوا، أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحابَبتُمْ؟ أَفشوا السَّلامَ بينَكُمْ"(رواه مسلم).
إخوة الإيمان: الحديثُ السابقُ كافٍ في بيانِ أهميةِ وضرورةِ المحبة بين المسلمين، فإنه لا دخول للجنة إلا بالإيمان، ولا يتم الإيمان إلا بتحابُبِ المسلمين، ولو تأملنا في الأوامر الشرعية فإننا سنجد أن كثيرا من الأوامر تزيد المحبة بين الناس، ولو تأملنا النواهي الشرعية سنجد أن كثيرا منها تسبب البغضاء والعداوة، فتعالوا إلى استعراضٍ سريعٍ مختصر في العبادات التي تغذي المحبة بين المسلمين.
أمر الإسلام بالسلام والمصافحةِ، والابتسامةِ والبشاشةِ، والكلمةِ الطيبة، بل باختيار التي هي أحسن، ورغّب بالحياءِ وبالكرمِ والجودِ بأنواعه، وبالوفاء وبحسنِ العهد، وتفريجِ الكربة، وحثّ الإسلام على الإيثار وإبرارِ المُقْسِم، وإكرامِ الضيف، ومساعدةِ المحتاج، ودلالةِ الطريق، وأكّد الإسلام على برِ الوالدين، وصلةِ الرحم، والإنصافِ والعدلِ، والصدقِ، والأمانةِ، ونصرةِ المظلوم، وأمر بالإحسان لذوي القربى واليتامى والمساكينِ، والجارِ القريب والجارِ البعيد، والصاحبِ بالجنب وابنِ السبيل وملكِ اليمين.
ومن الأمور التي أمر بها الإسلام أيضا مما ينمي الألفة والمحبة بين المسلمين: صلاة الجماعة، والتواضع، والعفو، والهدية، والمكافأة عليها، ورغب الإسلام بتوقير الكبير ورحمة الصغير، وبالنظافة والتجملِ والتطيبِ، وبحسن الظن، وأن تحبَّ لأخيك ما تحب لنفسك، وبسلامة القلب، وبالمشي في حاجة أخيه وبالستر على المسلم.
وأمر الإسلام بإطعامِ الطعام، وعيادة المريض، وإجابةِ الدعوة، والتهنئة عند فرحه والمواساة عند مصابه، وبأن تعاملَ الناسَ بمثلِ ما تحبُ أن يعاملوك، وبالشكر للمحسن.
وندب الإسلام إلى الدعاء لأخيك بظهر الغيب، وإخبارِ من تحب أنّك تحبُه، وأن تقابل الإساءة بالإحسان، ورد التحية بأحسن منها، والتبشير بالخير.
وأمر الإسلام بدفع الزكاة والصدقات للفقراء، والقولِ الميسور عند الاعتذار من السائل وحثّ على القرضِ الحسن، وإنظار المعسر والوضع عنه، وندب إلى إعارةِ العارية، والإقالةِ في البيع عند رغبة أحد الطرفين، والزهدِ فيما في أيدي الناس، والإصلاحِ بين الناس.
عباد الرحمن: حسن الخلق عموما يجلب المحبة، والمؤمن يَألف ويُؤلف، بل اسمعوا لهذا الخبر العجيب، أخرج البخاري عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- قال: "أَقْبَلْنا مع النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ، حتَّى إذا أشْرَفْنا علَى المَدِينَةِ قالَ: "هذِه طابَةُ، وهذا أُحُدٌ، جَبَلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّهُ".
بارك الله لي ولكم بالكتاب والسنة، وبما فيهما من الآي والحكمة، واستغفروا الله إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[الإسراء: 53]، وصلى الله وسلم على الصادق المصدوق المخبر: "إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ".
أما بعد: فإن أمر المحبة بين المسلمين كبير في الإسلام؛ ولذا تعددت النصوص في شأنه وتنوعت فيما يسقيه وينميه، وجاءت الشريعة بالنهي عن الأمور التي تسبب العداوة والبغضاء.
فجاء النهي والتخويف عن الظلمِ، والقمارِ، والخمرِ، وجاء الترهيبُ من العقوقِ، وقطيعةِ الرحم، والهجرِ فوق ثلاث ليال.
وجاء الوعيد في القتلِ، وانتهاكِ الأعراض، والقذفِ، ومنْعِ فضل الماء، وجاء الترهيب من الغيبةِ، والنميمةِ، وشهادةِ الزور، والمنّةِ، وأكلِ مال اليتيم.
وجاء النهي عن العنصريةِ، والشماتةِ، والتنمر والسخرية، وسوء الظن، والتجسس، والكلمة السيئة، وعن نهر السائل والغلظة على اليتيم، وعن التنابز بالألقاب، وعن تناجي اثنين دون الثالث.
وجاء الترهيب من الكذبِ، واللعن، والحسدِ، والكبْرِ، والغشِ، والسرقة، واحتقارِ المسلم، وجاء الترهيب من الغدر عند المعاهدة ومن خيانة الأمانة، ومن إخلافِ الوعد، ومن الفجورِ عند الخصومة.
وجاء النهي عن الشح، وعن النجشِ في البيع، وأن يبيع على بيع أخيه، وأن يخطب على خطبة أخيه، وعن مماطلة الغني في السداد، وعن الفظاظة وغلظة القلب، وعن تصّعير الخد، وعن أذى الجار، وعن الحقد، وعن المِراء والجدال.
عباد الرحمن: هذه الأمور التي نهى عنها الشارع الحكيم كلها مما يسبب العداوة والبغضاء، فلنحذرها ولنحرص على ما يزيد المحبة بيننا، ولنحرص على غرس هذه المعاني في نفوس أبنائنا ومن حولنا.
ختاما: التحاببُ سعادةٌ ونعيمٌ معجّلٌ لأهله، وبابٌ لقرباتٍ كثيرة، وسلامةٌ من آثامٍ كبيرة.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
التعليقات