عناصر الخطبة
1/أهمية المبادرة ومكانتها 2/مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى فعل الخير وحثه عليه 3/مبادرة الصحابة إلى فعل الخير4/من فوائد المبادرة إلى فعل الخير 5/ترك المسارعة إلى فعل الخير يوجب الذماقتباس
ومن المبادرة أن يتحرك المسلم لعمل الخير من تلقاء نفسه، ولا ينتظر أن يطلب منه أحد؛ كما فعل سلمان الفارسي رضي الله عنه حين رأى الأحزاب قد أحاطوا بالمدينة، فقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: كنا في بلاد فارس إذا حوصرنا تخندقنا، فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بمشورته وبادر لحفر الخندق الذي جعله الله...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى، واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْمُبَادَرَةَ بِالِامْتِثَالِ لِأَمْرِ اللهِ، مَنْهَجُ الْعُقَلَاءِ وَسُلُوكُ الْأَتْقِيَاءِ، وَعَلَامَةُ الصُّلَحَاءِ، وَقَالَ تَعَالَى: (فَاسَتِبقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة:148]؛ أَيْ: فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَبْتَدِرُوهَا؛ اغْتِنَامًا لِلْفُرَصِ، وَكَسْبًا لِلْأَجْرِ.
وَقَالَ تَعَالَى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26]؛ فَالْمُنَافَسَةُ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ مَنْهَجٌ قَوِيمٌ، وَاسْتِجَابَةٌ لِأَمْرِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَ تَعَالَى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [آل عمران:133]؛ فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ حَثٌّ عَلَى الْمُسَارَعَةِ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَلِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَإِلَى التَّوْبَةِ.
وَلِذَا حَكَى اللهُ عَنْ مُوسَى قَوْلَهُ: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه:84]. لَقَدْ أَتَتْ عَجَلَتُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَى أَمْرٍ مَحْمُودٍ شَوْقًا لِلِقَاءِ رَبِّهِ، فَمَا أَعْذَبَ هَذِهِ الْآيَةَ: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى).
وَوَصَفَ -عَزَّ وَجَلَّ- الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ بِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَتَسَابَقُونَ إِلَى فِعْلِهَا، قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:61].
وَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي الْمُسَارَعَةِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْخَيْرِ، وَعَدَمِ تَسْوِيفِ الْمُسَابَقَةِ إِلَيْهِ؛ فَعَنْ عُقْبَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: "ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ"؛ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ)؛ فَانْظُرْ إِلَى مُسَارَعَتِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- بِالْإِنْفَاقِ.
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ عَلَى الْمُبَادَرَةِ، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا"؛ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَالْمَعْنَى: سَابِقُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ هَذِهِ الْفِتَنَ؛ فَإِنَّهَا إِذَا وَقَعَتْ كَانَ فِيهَا شُغْلٌ شَاغِلٌ عَنِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَالْمُبَادَرَةُ الْمُسَارَعَةُ بِإِدْرَاكِ الشَّيْءِ قَبْلَ فَوَاتِهِ، أَوْ بِدَفْعِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ. فَأَرَادَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- الْحَثَّ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ تَعَذُّرِهِ أَوْ تَعَسُّرِهِ بِمَا يَحْدُثُ مِنَ الْفِتَنِ الْمُتَرَاكِمَةِ كَتَرَاكُمِ ظَلَامِ اللَّيْلِ.
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "بَادِرُوا بِالْوِتْرِ قَبْلَ الصُّبْحِ"؛ (رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ)، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ"؛ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَالْمَعْنَى لَوْ عَلِمُوا مَا فِي النِّدَاءِ، وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ مِنَ الْفَضِيلَةِ، ثُمَّ حَاوَلُوا الِاسْتِبَاقَ إِلَيْهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِم ذَلِكَ.
وَلَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- يَتَسَابَقُونَ فِي الْخَيْرِ؛ فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟" قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟" قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا؛ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ).
وَأَثْنَى اللهُ -تَعَالَى- عَلَى مَنْ سَبَقَ وَبَادَرَ لِدُخُولِ الْإِسْلَامِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التّوبَة:100].
وَامْتَدَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- مُبَادَرَةَ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِقَبُولِ الْإِسْلَامِ؛ فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ كَبْوَةٌ وَنَظْرَةٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ فَإِنَّهُ مَا عَكَمَ حِينَ ذَكَرْتُهُ لَهُ وَلَا تَرَدَّدَ فِيهِ"؛ (ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ).
وَمِنَ الْمُبَادَرَةِ أَنْ يَتَحَرَّكَ الْمُسْلِمُ لِعَمَلِ الْخَيْرِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَا يَنْتَظِرَ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ أَحَدٌ؛ كَمَا فَعَلَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ رَأَى الْأَحْزَابَ قَدْ أَحَاطُوا بِالْمَدِينَة؛ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: كُنَّا فِي بِلَادِ فَارِسٍ إِذَا حُوصِرْنَا تَخَنْدَقْنَا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- بِمَشُورَتِهِ وَبَادَرَ لِحَفْرِ الْخَنْدَقِ الَّذِي جَعَله اللهُ سَبَبًا لِنَجَاةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَحْزَابِ. وَقَدْ سَاقَ ابْنُ هِشَامٍ هَذَا الْخَبَرَ مُطَوَّلًا فِي سِيرَتِهِ.
وَالْمُسَارَعَةُ لِلْخَيْرَاتِ خُلُقٌ عَظِيمٌ لَهُ فَوَائِدُ جَمَّةٌ؛ مِنْهَا:
قَبُولُ الدُّعَاءِ وَاسْتِجَابَتُهُ، قَالَ تَعَالَى: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:89-90]؛ أَيْ: اسْتَجَبْنَا لَهُ، وَرَزَقْنَاهُ يَحْيَى فِي أَقْصَى سِنِّ الْيَأْسِ، وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ الْعَقِيمَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَلَا يَتَبَاطَؤُونَ عَنْهَا إِذَا مَا حَانَتِ الْفُرْصَةُ لِفِعْلِهَا. وَهَذَا الْفِعْلُ يَنْصَرِفُ إِلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ، كَانُوا يُبَادِرُونَ إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَيَفْعَلُونَهَا فِي أَوْقَاتِهَا الْفَاضِلَةِ، وَيُكْمِلُونَهَا عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ الَّذِي يَنْبَغِي وَلَا يَتْرُكُونَ فَضِيلَةً يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا، إِلَّا انْتَهَزُوا الْفُرْصَةَ فِيهَا.
وَلَفْظُ (الْخَيْرَاتِ) لِلْعُمُومِ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَيَدْخُلُ فِيهِ فِعْلُ مَا يَنْبَغِي وَتَرْكُ مَا لَا يَنْبَغِي، فَثَبَتَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا فَاعِلِينَ لِكُلِّ مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ، وَتَارِكِينَ كُلَّ مَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ.
وَقَدْ ذَمَّ اللهُ -تَعَالَى- إِبْلِيسَ فِي تَرْكِ الْمُسَارَعَةِ فَقَالَ: (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) [الأعراف:12]. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْمُسَارَعَةِ مُوجِبٌ لِلذَّمِّ، وَالْمُسَارَعَةُ فِي طَاعَةِ اللهِ -تَعَالَى- مِنْ أَكْبَرِ مَا يُمْدَحُ الْمَرْءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حِرْصٍ عَظِيمٍ عَلَى الطَّاعَةِ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْمُسَارَعَةَ لِلْخَيْرَاتِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ الْإِيمَانِ وَصِدْقِ الْيَقِينِ؛ فَلَقَدْ وَصَفَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْخَالِصِينَ بِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ؛ طَلَبًا لِلصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ، قَالَ تَعَالَى: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) [آل عمران:113-115].
وَالْمُسَارَعَةُ إِلَى الْخَيْرَاتِ لَا تَكُونُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ فَقَطْ بَلْ لَهُ سُبُلٌ مُتَنَوِّعَةٌ وَطُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا: كُلُّ قَوْلٍ حَسَنٍ وَكُلُّ فِعْلٍ طَيِّبٍ وَلَوْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا؛ فَيَا كُلَّ مَكْرُوبٍ، وَيَا كُلَّ صَاحِبِ حَاجَةٍ، وَيَا كُلَّ مُسْلِمٍ: بَادِرْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ، وَلَا تُؤَخِّرْ عَمَلَ الْخَيْرِ.
جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْمُبَادِرِينَ بِالْخَيْرَاتِ، وَوَفَّقَنَا لِسُبُلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن.
الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ.
الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ.
الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201]، (رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران:193-١٩٤].
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) [الصَّافَّاتِ:180-182].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
التعليقات