عناصر الخطبة
1/ معنى الرحمن 2/ الرحمن اسم مختص بالله وحده 3/ مواضع ذكر اسم الرحمن في القرآن والسنةاهداف الخطبة
اقتباس
أَدخلْ نفسك في رحمة الرحمن، واحذر ألا يشملك رحمته، وأن تتعرض لعقابه؛ فإن من تولى الشيطان لا يكون وليا للرحمن، قال الخليل لأبيه: (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) أي خسارة أعظم أن تعذب من ..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا،، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
عباد الله : نتلكم من منبر التوحيد والإيمان في هذه الخطبة عن الرحمن -تبارك وتعالى- فهو -جل وعلا- عرفنا بنفسه أنه الرحمن الرحيم، وباسمه -تبارك وتعالى- الرحمن الرحيم نبدأ قراءة كلامه -جل في علاه-، وباسمه الرحمن الرحيم افتتح نبينا -صلى الله عليه وسلم- رسائله، وباسمه الرحمن الرحيم كان الأنبياء -عليهم السلام- يرسلون رسائلهم (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) [النمل:30]
ذلك لأن إلهكم (إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
الرحمن الواسع الرحمة العظيم الرحمة الكثير الرحمة، الرحمن اسم متضمن صفة ذات لله -تبارك وتعالى- وهي رحمته وتعالى في ذاته.
والرحمن علم يدل على ذاته العلية -جل في علاه- ولهذا قال (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) [الإسراء:110] وقال: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5] أي بذاته -تبارك وتعالى-.
وعلم الرحمن محيط بكل شيء فالرحمن لما خلق الخلق بان عنهم فهو العلي الأعلى قال عن نفسه العلية (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) [الفرقان:59]
الرحمن -عباد الله- اسم من أسماء الله تعالى التي لا ينبغي أن يتسمى به أحد (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) هو الرحمن -تبارك وتعالى- وحده ولهذا لم يتسمى به أحد وإن تسمى به جبار قسمه الله وعامله بنقيض تسميته فلما تسمى مسيلمة الكذاب برحمان اليمامة أصبح وصف الكذاب ملازما له إلى يوم القيامة.
الرحمن -جل جلاله- له الفردية المطلقة والأحادية الأزلية والصمدية الأبدية فحاشاه أن يتخذ صاحبة ولا ولدا من البرية (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم:88-95]
ومعنى (وَمَا يَنبَغِي) أي ما كان لله -تعالى- ولد ولا ينبغي له ذلك؛ لأن الولد علامة النقص. وافترى المفترون (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء:26-28].
ما أعظم افتراء المفترين الذين يزعمون أن مع الرحمن إلها معبودا فأعلِنْ أيها الموحد وقل (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ) [يس:23]
فكل المرسلين دعوا إلى عبادة الرحمن وحده (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ) [الرعد:30]
الرحمن به المعاذ كما إليه المعاد (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) [مريم:18]
الرحمن منزه عن كل عيب ونقص يكون في البرية ولا تضرب له الأمثال الدنية ولا المقاييس العقلية الشمولية؛ لأن له الفردية فالرحمن منزه على ان يكون كالبرية (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف:17-18]
قال البخاري -رحمه الله-: "الجواري جعلتموهن للرحمن ولدا فكيف تحكمون" نعم أي قياس فاسد هذا (وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)
بل ويستحيل في حقه النقصان والولدان (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ) على سبيل الاستحالة (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) [الزخرف:81] وليس للرحمن ولدا (سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) [الزخرف:82]
الرحمن -جل في علاه- قدر مقادير الأكوان ولا ينبغي الاحتجاج بالقدر على الرحمن بل هو فعل المعترضين من الإنس والجان الذين يحتجون بشركهم على القدر وبكفرهم بالقدر وبمعاصيهم بالتقدير (وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الزخرف:20]
وهذا من تلبيسهم كأنهم لا إرادة لهم ولا مشيئة كالمجانين فبمجرد تقديره -جل في علاه- ألغوا إراداتهم وهذا حال البطالين، وإلا فإن الله ما أرسل المرسلين إلا ليعبد دون العالمين (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) [الزخرف:45]
كيف يعبد مخلوقات دون الرحمن (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) [الحشر:22]
الرحمن (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ) [الملك:3] تأمل في عظيم فعل الرحمن يدرك منته على الإنس والجان (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) [الملك:19]
اعتز بالرحمن يعزك، انتصر به ينصرك (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) [الملك:20]
إن عبدوا مخلوقات فأنت تعبد رحمان الأرض والسماوات (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ) [الملك:29-30] الجواب: الرحمن
وأنكر الطغام كلام الرحمن للرسل الكرام (قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ) [يس:15]
الرحمن هو الذي أنزل القرآن وتكلم بأفصح البيان حيث عجز عن الإتيان بمثله الإنس والجان (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن:1-4]
فالقرآن كلام الرحمن (تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) [فصلت:2]
الرحمن هو الذي أنزل القرآن جديدا وهو يتكلم مديدا وكلامه لا ينفد وكله أحسن قيلا وأسد سديدا (وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) [الشعراء:5]
قال كعب الأحبار -رحمه الله-: "عليكم بالقرآن فإنه فهم العقل ونور الحكمة وينابيع العلم وأحدث الكتب بالرحمن عهدا".
العبادات للرحمن أبدا حتى في الأمم السابقة وسرمدا قال تعالى (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) [مريم: 26]
ومن عبد غير الله فقد عبد من عصى الرحمن قال الخليل لأبيه: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا) [مريم:44]
فالعبادة للرحمن لا لعجل ولا لصنم ولا لصليب ولا لقبر من القبور والأصنام (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) [طه:90]
فيا خسارة من استهزأ بالوحدانية وكفر بالرحمن منشئ البرية (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ) [الأنبياء:36]
لا صلاة إلا للرحمن ولا توكل إلا عليه ولا ركوع ولا سجود إلا له (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا) [الفرقان:60]
وشرع الرحمن كله رحمة، قال ابن عباس رضي الله عنهما "من كفر بالرجم- زاعما أن ذلك مخالفا للرحمة- فقد كفر بالرحمن"
وطلب العلم عبادة للرحمن، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: " مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ : صَاحِبُ الْعِلْمِ، وَصَاحِبُ الدُّنْيَا، وَلا يَسْتَوِيَانِ، أَمَّا صَاحِبُ الْعِلْمِ، فَيَزْدَادُ رِضَا اللَّهِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الدُّنْيَا، فَيَزْدَادُ فِي الطُّغْيَانِ" رواه الدارمي
أي عبد الله أَدخلْ نفسك في رحمة الرحمن، واحذر ألا يشملك رحمته، وأن تتعرض لعقابه؛ فإن من تولى الشيطان لا يكون وليا للرحمن، قال الخليل لأبيه: (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) [مريم:45] أي خسارة أعظم أن تعذب من الرحمن هذا دليل على هوانك عند نفسك.
تريد أن تدخل نفسك في رحمة الرحمن فاسمع لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "الراحمون يرحمهم الرحمن" رواه أبو داود. وعند أبو داود أيضا قال الله: "أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ". وروى في البخاري "إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ"
لا تغتر بإنعام الرحمن ولا يغترن عبدا بإمداد الله له فإنه يقول: (قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) [مريم:75]
ولا تكن ممن غفل عن ربه وأصابته ضلالة في بصيرته (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف:36]
ما من نعمة إلا وهو من الرحمن فلا يكفرن عبد (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا) [مريم:77-80]
ننعم الرحمن تتوالى على بني الإنسان (قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ) [الأنبياء:42]
ومن نعمة الرحمن على عباده أنه لم يعطي أهل الدنيا من الكفار وغيرهم كل أمنياتهم حتى لا يغتر مسلم بهم ولا ينشغل بزخرفهم (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ) [الزخرف:33]
فالنعم من الرحمن -عباد الله- وهي كثيرة ومنها الخيول وغيرها وإن كانت منقسمة كل النعم من الرحمن وها هنا يرد سؤال من هم عباد الرحمن (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) [الفرقان:63-64] وتأمل فيها هل تجد نفسك معهم؟ الملائكة عباد الرحمن فتشبه بهم طاعة وتخلقا (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) [الزخرف:19]
ماذا لعباد الرحمن المتبعين للذكر الذين يخشون ربهم بالغيب (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) [يس:11]
فعباد الرحمن من؟ (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) [ق:33]
الحشر -عباد الله- والمعاد إلى الرحمن فالناس يحشرون إلى الله ونستيقن بذلك ولا نرتاب والمرتبون سيحشرون وحينها (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52]
وأخبر عن كيفية حشر الخلق إليه فقال (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) [مريم:85-87]
ومن يقدر على الخطاب حين يقوم الناس للرحمن (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) [النبأ:37-39]
(يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) [طه:108] فالملك ملك الرحمن (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) [الفرقان:26].
يا مؤمن إنك مقبل على الرحمن فانظر رعاك الديان كيف تقبل ؟ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم:96]
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله واعلموا رعاكم الله ان خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وبعد:
عباد الله: ليحذر العاتون العاصون فإن الرحمن لهم يوم القيامة بالمرصاد يجمعهم (ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا) [مريم:69] حينئذ (يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) [طه:109]
لمن الملك ومن المالك يوم القيامة إلا الرحمن (قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) [الأنبياء:112]
"فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل" إلى أن قال -صلى الله عليه وسلم- " فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول : ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم"
اللهم انا نسألك يا رحمن الدنيا والآخرة رحمتك التي وسعت كل شيء..
التعليقات