عناصر الخطبة
1/رفعة العرب بالإسلام ونزول القرآن بلغتهم 2/اهتمام علماء الأمة باللغة العربية منذ القدم 3/اللغة العربية هوية المسلمين وشرفهم وفخرهم 4/أقسام الناس من حيث التهاون باللغة العربية 5/تسمية الأسواق والدكاكين بغير اللغة العربية انهزامية 6/اعتزاز كل أمة بلغتها 7/الإسلام لا يمنع من تعلم غير اللغة العربية للحاجةاقتباس
إن الله -تعالى- رفع شأن العرب بالإسلام؛ بعد أن كانوا قبله لا ذِكر لهم ولا مقام، فبعث فينا رسولاً عربياً -صلى الله عليه وسلم-، وأنزل القرآن الكريم بلسانٍ عربي مبين؛ فإذا بالأمة ترتقي وتسود، ويعلو شأنها، أي شرف! وأي عزة! أن تكلم الله -عز وجل- باللغة العربية، وأنزل كتابه بلسانها؟ من...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا عبد الله ورسوله صلى الله وبارك عليه ما تعاقبت الليالي والأيام. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[الأحزاب: 70].
عباد الله: إن الله -تعالى- رفع شأن العرب بالإسلام؛ بعد أن كانوا قبله لا ذِكر لهم ولا مقام، فبعث فينا رسولاً عربياً -صلى الله عليه وسلم-، وأنزل القرآن الكريم بلسانٍ عربي مبين؛ فإذا بالأمة ترتقي وتسود، ويعلو شأنها، أي شرف؟ وأي عزة؟ أن تكلم الله -عز وجل- باللغة العربية، وأنزل كتابه بلسانها؟: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[يوسف: 2]، (وَكَذلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)[طه: 113]، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)[الشعراء: 193-195]، (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[فصلت: 3]، (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[الزخرف: 3].
والعرب كانوا يُتقنون النطق بالعربية بدون مدارس وبدون كتب وبدون معلم، وكان ذلك حالهم حتى دخل الأعاجم في الإسلام.
الأعاجم مثل: الفرس والروم والترك دخلوا في الإسلام؛ فإذا بهم ينطقون ويتعلمون كلمات اللغة العربية بشكل غير صحيح، وذلك لحاجتهم إلى تعلم الإسلام وأحكامه، وإلى تلاوة القرآن الكريم؛ فتنبه لذلك العقلاء والفطناء، تنبه لذلك الصحابة -رضي الله عنهم-، وخافوا على لغة القرآن أن تتأثر أو يُنال من رسومها ومعالمها، فسارعوا إلى معالجة الوضع، وألفوا علوم اللغة العربية؛ كتبوا قواعدها، وحفظوا رسمها ونطقها، وضعوا الفتحة والكسرة والضمة والسكون، قال عمر -رضي الله عنه-: "تعلموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم"، وقال عبد الملك بن مروان: "أصلحوا ألسنتكم فإن المرء تنوبه النائبة فيستعير الثوب والدابة، ولا يمكنه أن يستعير اللسان وجمال الرجل فصاحته.
وما دام الأمر كذلك فإن لغات العالم أجمع قاصرة عن اللغة العربية لغة القرآن وصاحب القرآن -صلى الله عليه وسلم-، قال الثعالبي: "من أحب الله أحب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن أحب النبي العربي؛ أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية التي نزل أفضل الكتب على أفضل العرب والعجم".
كيف نفهم القرآن ونفسر القرآن، ونفهم الدين وأحكام الدين إذا لم نكن نتقن اللغة العربية؟
إن اللغة العربية هي انتماؤنا ووجهتنا وشرفنا وعلامتنا بين الأمم؛ كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-: "أما بعد: فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في اللغة العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي".
أيها الناس: وإننا في هذا الزمن نخشى على لغة القرآن ولغة صاحب القرآن -صلى الله عليه وسلم-، نخشى عليها أن تندثر وتمحى معالمها، ونخشى على أنفسنا وأولادنا وبناتنا، نخشى على أجيالنا أن يتعجموا، ويصبحوا من الأعاجم، وعند ذلك -لا قدر الله- سنُضيع القرآن ونضيع لغة القرآن، سنضيع هويتنا وعلامتنا بين الأمم، ونصبح خليط وأعاجم، بل أسوأ الأعاجم.
والتهاون الحاصل بين الناس نوعان: النوع الأول: هو تهاون كثير من الناس وعدم اهتمامهم في تقويم ألسنتهم ولو قوموها لاستقامت. فنجد البعض يخطئ في قراءة الفاتحة، وعدم اتقان الفاتحة قد يبطل الصلاة؛ لأنها ركن يتكرر في كل ركعة.
نجد من يقول: الرحمنُ الرحيم وهي (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
ونجد من يقول: إياكا نعبدو وإيكا نستعين، وهي (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
ونجد من يقول: أَهدنا، وهي (اهْدِنَا) من الهداية وليس من الهدية.
ونجد من يقول: الصراط المستقيم (تغيير مخرج القاف من غير مخرجه الحقيقي) وهي (الْمُسْتَقِيمَ).
ونجد من يقول: صراط الذين نعمتُ عليهُم، وهي (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).
ونجد من يقول: الحمدلله رب العالمينا، الرحمن الرحيما، مالك يوم الدينا.
مصيبة ونقص وعيب؛ كل هذه الأخطاء في الفاتحة، في ركن الصلاة، ويرى صاحب هذه الأخطاء أنه عيب أن يذهب بالمسجد ويجلس في حلقة التحفيظ يوم أو يومين ليصحح قراءة الفاتحة.
النوع الثاني: جاء به المثقفون أو الموظفون بعضهم ويظنون أنهم بلغوا السماء، أو اعتلوا؛ تعلموا بعض الكلمات الأعجمية أو الإنجليزية، ثم أصبحوا يتحدثون بها مع أهلهم وذويهم حَوْلَهم من لا علاقة لهم من قريب ولا بعيد بتلك الكلمات والجمل، في كل مكان الآن نجد من يصم آذاننا بكلمات الإنجليز، ولسنا بحاجتها وليس مجالها ولا مكانها؛ إنما هكذا درجت على ألسن الكثير وبدون حاجة.
أوك - باي - جنتل - فري - هاي - برافو - رومانسي - تكسي - تاير - كوافيره – تاتش - فيسات - ولكم - اللوكيشن - كي بورد - ماوس - واو- حتى الصغار في سن الخامسة والسادسة تسمعه يردد واو.
خافوا الله -أيها الناس- في لغة القرآن وفي لغة محمد -صلى الله عليه وسلم-، إذا لم نكن بحاجة هذه الكلمات لماذا نعممها بين الناس؟ لماذا نعجم ألسنة الناس؟ لماذا نطمس هوية الأجيال ورمزهم وعلامتهم المتميزة؟ لماذا نضعف وتضعف شخصياتنا وننهزم أمام عُبّاد الصليب؟ لماذا ننهزم ونشعر أنفسنا ومن حولنا أننا الأضعف والأحوج والأقل ونحن خير الأمم ولغتنا أعظم للغة في الدنيا لغة القرآن ولغة محمد -صلى الله عليه وسلم-؟
لقد كان عمر -رضي الله عنه- يضرب الناس إذا تكلموا برطانة الأعاجم.
اللهم احفظ علينا ديننا، واحفظ علينا لغتنا لغة قرآننا ولغة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحب ربُنا ويرضى.
عباد الله: ومما يُؤسف له: أن أسماء كثير من أسواقنا ودكاكيننا تحولت اسماؤها من العربية إلى الأعجمية، وتأملوا بأنفسكم لتروا العجب العُجاب، وما هذا إلا بسبب الانهزامية والضعف والتراجع والنقص الذي يشعر به أولئك أصحاب الأسواق والدكاكين أمام من لا خَلاق لهم ولا دين، حتى من أتونا وافدين عجمونا قبل أن نُعربهم، جبرونا أن نتكلم معهم بلغة مُكسرة مفككة حتى يفهموا ما نقول وما نريد وللأسف.
أيها الناس: إن الأمر خطير، ولنا رجاء فيمن سنوا هذه السنة السيئة أن يتراجعوا ويتشبثوا بلغة القرآن، ويُعرِّبوا تلك الكلمات التي عقدت ألسنتهم، ولا ينطقوا بها إلا وقت الحاجة.
وتأملوا في حال بعض دولنا العربية في الشمال الإفريقي لا يعرفون اللغة العربية ولا يتحدثونها وهم عرب يتحدثون الفرنسية والإيطالية والأسبانية والإنجليزية.
أثر فينا الأعاجم ولم نُؤثر فيهم، وغيروا علينا ولم نغير عليهم، ودائماً يُشعروننا أنهم الأقوى ونحن الأضعف.
اقرأوا ثقافات الأمم تجدون أن كل أمة وكل ناحية تحافظ على هويتها وموروثاتها؛ في اللباس، وفي اللغة، وفي الطعام، وفي العادات والتقاليد، والعبادات، حتى ولو كانوا على باطل.
إن ديننا لا يمنع أن نتعلم لغة القوم وندرسها ونتقنها، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "أمرَني رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- أن أتعلَّمَ لَهُ كتابِ يَهودَ، قالَ: "إنِّي واللَّهِ ما آمَنُ يَهودَ علَى كتابي" قالَ: فما مرَّ بي نِصفُ شَهْرٍ حتَّى تعلَّمتُهُ لَهُ، قالَ: فلمَّا تَعلَّمتُهُ كانَ إذا كتبَ إلى يَهودَ كتبتُ إليهِم، وإذا كتَبوا إليهِ قرأتُ لَهُ كتابَهُم"(صحيح الترمذي، للألباني).
بل إننا بحاجة اليوم أن نتعلم لغات العالم لنستفيد منها وذلك مطلوب ومرغوب، لكن نتحدثها معهم، وفي التعامل معهم، وفي وقت الحاجة إليهم، وليس مع أبنائنا وبناتنا ومجتمعنا الذين لا حاجة لهم بذلك، وليس على حساب لغة القرآن، وليس أن تصبح سائدة على ألسنتنا في الحاجة وغير الحاجة، وليس أن نفاخر بها ونتباهى ونشعر الآخرين أننا ارتقينا بها فوقهم أو أفضل منهم.
اللهم احفظ علينا ديننا ولغتنا وهويتنا.
وصلوا وسلموا...
التعليقات