عناصر الخطبة
1/الحجاب والمرأة في الإسلام 2/نساء الصحابة والحجاب 3/أهمية ستر وجه المرأة وأثره 4/خطر كشف الوجه 5/مسؤولية الآباء تجاه بناتهم

اقتباس

وَلَوْ أَمْعَنَّا النَّظَرَ، وَأَعْمَلْنَا الْفِكْرَ مَا أَعَدَّهُ اللهُ تَعَالَى لأَوْلِيَائِهِ الصَّالِحِينَ، وَعِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ فِي الْجَنَّةِ؛ لَزَهِدْنَا فِيمَا فِي الدُّنْيَا، وَأَقْبَلْنَا عَلَى رَبِّنَا، وَصَدَّقْنَا بِمَا وُعِدْنَا،...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوْه، وَأَطِيْعُوْهُ وَلَا تَعْصُوْه، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوْه! (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة:197].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهُ شِعَارُ الحَيَاء، والحِصْنُ مِنْ البَلَاء؛ وَهُوَ عَلَامَةُ الوَقَار، وَقِنَاعُ الأَبْرَار، إِنَّهُ حِجَابُ الوَجْهِ لِلْمَرْأَة.

 

وَوَجْهُ المَرْأَةِ جَوْهَرٌ مَصُوْن، وَلُؤْلُؤٌ مَكْنُوْن؛ وَلِهَذَا: حَفِظَهُ اللهُ بالحِجَاب، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الثَّوَاب؛ فَهُوَ دِرْعُ الأَخْيَار؛ مِنْ أَذَى الأَشْرَار! (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)[الأحزاب:59].

 

وَالمُتَسَتِّرَاتِ المُحَجَّبَات حَفِيْدَاتُ الصَّحَابِيَّات، قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[النور:31]: شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا!"(رواه البخاري). قال العُلَمَاء: "فَاخْتَمَرْنَ: أَيْ غَطَّيْنَ وُجُوْهَهُنَّ".

 

ولَمَّا نَزَلَتْ: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ)[الأحزاب:59]؛ خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوْسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنْ الأَكْسِيَةِ"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).

قالَ ابْنُ حَجَر: "لَمْ تَزَلْ عَادَةُ النِّسَاءِ -قَدِيمًا وَحَدِيثًا- يَسْتُرْنَ وُجُوْهَهُنَّ عَنِ الْأَجَانِبِ".

 

وَإِذَا كَانَتْ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: مَأْمُوْرَاتٍ بِالحِجَابِ، وَهُنَّ أَشَدُّ النِّسَاءِ عِفَّةً، وَأَبْعَدُهُنَّ عَنْ فِتْنَة؛ فَمَنْ دُوْنَهُنَّ مِنْ بَابِ أَوْلَى! (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ)[الأحزاب:59].

قالَ ابْنُ عَبَّاس: "أَمَرَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ: أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوْهَهُنّ".

 

وَالحِجَابُ: طَهَارَةٌ وَسَلامَة، وَالسُّفُوْرُ: خُبْثٌ ونَجَاسَة؛ كما قال تعالى: (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب:53].

 

وسَتْرُ وَجْهِ المَرْأَة يَحْفَظُهَا مِنْ سِهَامِ النَّاظِرِيْن، وَعَبَثِ العَابِثِيْن، كَمَا يَحْفَظُ القُلُوْبَ مِنْ خَطَرِ النَّظَر، وَفِتْنَةِ البَصَر، قال الشَّنْقِيْطِي: "لَا يَخْفَى أَنَّ وَجْهَ الْمَرْأَةِ هُوَ أَصْلُ جَمَالِهَا، وَرُؤْيَتَهُ مِنْ أَعْظَمَ أَسْبَابِ الِافْتِتَانِ بِهَا".

 

وَيَتَأَكَّدُ سَتْرُ وَجْهِ المَرْأَة؛ لا سِيَّمَا في هَذَا العَصْر؛ نَظَرًا لِقِلَّةِ المُصْلِحِيْن، وَكَثْرَةِ المُفْسِدِيْن؛ وَلِئَلَّا تَفْتَرِسَهَا الأَعْيُنُ الخَائِنَة، والقُلُوْبُ الزَائِغَة، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "زِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي؛ وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ"(رواه البخاري، ومسلم). قال ابنُ رَسْلَان: "اتِّفَاقُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْفُسَّاقِ".

 

والْحَضَارَةُ الحَدِيْثَة تَجْعَلُ التَّكَشُّفَ رُقِيًّا وَتَقَدُّمًا، وَالحِجَابَ رَجْعِيَّةً وتَأَخُّرًا، وَلَكِنَّ الحَقِيْقَةَ أَنَّ السُّفُوْرَ والكَشْف، مِنْ مُخَلَّفَاتِ الجَاهِلِيَّةِ القَدِيْمَة؛ كما قالَ تعالى: (وَقَرْنَ في بُيُوْتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى)[الأحزاب:33]. وَهَذَا خِطَابٌ لِـنِسَاءِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أَطْهَرِ نِسَاءِ الأَرْضِ، في أَطْهَرِ بَيْتٍ، في أَطْهَرِ بِيْئَةٍ، في أَطْهَرِ زَمَان!

 

وَقَدْ نَهَىَ اللهُ عَنْ إِظْهَارِ صَوْتِ الخَلْخَال؛ حَتَّى لا يُفْتَنَ بِسَمَاعِهِ الرِّجَال؛ فَكَيْفَ بالوَجْهِ الَّذِي هُوَ مَجْمَعُ الجَمَال، قال تعالى: (وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)[النور:31]. قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِيْن: "أَفَادَ بِقَوْلِه: (لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ) إِلَى أَنَّ الرِّجْلَ مَسْتُوْرَةٌ، وَأَنَّ مَا فِيْهَا مِنْ الخَلاخِلِ قَدْ سُتِرَ وَأُخْفِي، لَكِنْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَظْهَرَ لَهَا صَوْت؛ نَهَاهَا اللهُ أَنْ تَضْرِبَ بِرِجْلِهَا، وَهَذَا أَقَلُّ بِكَثِيْرٍ مِنْ فِتْنَةِ الوَجْه؛ فَكَيْفَ لا يَكُوْنُ سَتْرُهُ وَاجِبًا!؟ فَأَيُّمَا أَعْظَمُ فِتْنَة: أَنْ يَسْمَعَ الرَّجُلُ خَلْخَالاً بِقَدَمِ امْرَأَةٍ، أَوْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهٍ مُمْتَلِئٍ شَبَابًا وَجَمَالاً!؟".

 

وَمِنْ تَلاعُبِ الشَّيْطَانِ بِبَعْضِ النِّسَاء أَنْ سَوَّغَ لَهُنَّ كَشْفَ الوَجْهِ؛ بِدَعْوَى الخِلَاف! ثُمَّ كَشَفْنَ مَا هُوَ مَحَلُّ اتِّفَاق عَبْرَ خُطُواتٍ مُتَدَرِّجَةٍ اِبْتِدَاءً بِنَزْعِ الحَيَاءِ مِنَ القَلْب، ثُمَّ بِكَشْفِ الوَجْهِ، وَمُرُوْرًا بالشَّعْرِ وَالرَّأْس، وَالرَّقَبَةِ والصَّدْر! وَلَيْسَ لِـإِبْلِيْسَ حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْه! (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما)[الأعراف:27].

 

وَكَشْفُ الوَجْهِ هُوَ الخُطْوَةُ الأُوْلَى في كَسْرِ حَاجِزِ الحَيَاء، وَتَمْزِيْقِ العَفَاف؛ فَإِذَا سَقَطَ غِطَاءُ الوَجْه؛ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الحِجَابِ بِالسُّقُوْط! قالَ الشيخُ ابْنُ عُثَيْمِين: "مَنْ تَدَبَّرَ أَحْوَالَ العَالَم: عَلِمَ أَنَّ الشَّرَّ يَنْتَشِرُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَأَنَّ مَا حُوْفِظَ عَلَيْهِ اليَوْم؛ لا يُحَافَظُ عَلَيْهِ في الغَد؛ فَعَلَى المَرْأَةِ أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ، وألَّا تَكُوْنَ مِفْتَاحًا لِلْفِتْنَة، وَمَنْ تَأَمَّلَ التَّهَاوُنَ في سَتْرِ الوَجْه -الَّذِي أَدَّى إِلَى التَّهَاوُنِ بِمَا وَرَاءَه-؛ عَلِمَ أَنَّ الحِكْمَةَ تَقْتَضِي إِلْزَامَ النِّسَاءِ بِسَتْرِ وُجُوْهِهِنَّ! وَانْظُرْ إِلى المُغَطِّيَةِ لِوَجْهِهَا؛ تَجِدُ أَنَّهَا في سَلَامَةٍ وَأَمَان، وَحِشْمَةٍ وَوَقَار؛ لا يَطْمَعُ فِيْهَا الطَّامِعُوْن، ولا يَحُوْمُ حَوْلَهَا السَّافِلُوْن".

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ الله: حِجَابُ المَرْأَةِ عِبَادَةٌ رَبَّانِيَّة، وَلَيْسَ عَادَةً اخْتِيَارِيَّة (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)[الأحزاب:36].

 

فَيَا أَوْلِيَاءَ الأُمُوْر: عَلِّمُوْا المَرْأَةَ أَنْ تَكُوْنَ قُدْوَةً بِأَخْلَاقِهَا، فَخُوْرَةً بِحِجَابِهَا، مَأْجُوْرَةً على احْتِسَابِهَا، فَهِيَ في عِبَادَةٍ عَظِيْمَة، مادَامَتْ سَاتِرَةً لِوَجْهِهَا! فَهِيَ لا تَصُوْنُ نَفْسَهَا فَقَط، بَلْ تَصُوْنُ المُجْتَمَعَ كُلَّه.

 

وَعَلِّمُوْهَا أَيْضًا أَنَّ الجَمَالَ والزِّيْنَة بِالدِّينِ والعَفَاف، وَلَيْسَ بِالتَّعَرِّي والاِنْكِشَاف؛ فَ"كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(أخرجه البخاري، ومسلم).

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

المرفقات
storage
storage
التعليقات
زائر
20-12-2022

جزيتم خير الجزاء

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life