اقتباس
كما ينبغي أن لا يؤدِّيَ الحديثَ مثلَ أدائه للخطبة، كما يفعل بعض العلماء -مع احترامنا لهم- فلا يغير أحدهم من لهجته، ولا طريقة إلقائه، مع كل المستويات، وفي جميع المناسبات، دون مراعاة لما يتطلبه المقام من أداء خاص عما سواه، على النحو...
الكلمات والأحاديث الإذاعية أو التلفزيونية القصيرة، هي بلا شك تختلف عن الخطبة من حيث الوقت والأداء والمضمون والأسلوب على النحو التالي:
وقت هذه الأحاديث قصير، ومحدد بالضبط، فهو في الغالب خمس أو عشر دقائق، أما الخطبة فوقتها أوسع من ذلك.
على هذا فطريقة الأداء أو الإلقاء لا بد أن تختلف في الحديث عنها في الخطبة، فيكون الأداء في الحديث القصير وسطًا بين الحماسة والفتور، والصوت معتدلًا بعيدًا عن الانفعال، وأقرب إلى الهدوء، ويغلب أن تكون نبرات الصوت على وتيرة واحدة، إذ الوقت لا يسمح بأن يُلوِّن المتحدث صوته، ينفعل فيه تارة ويهدأ أخرى، أو يسرع مرة ويبطئ أخرى، فمثل هذا الأداء لا مجال له في الحديث الإذاعي، بخلاف الخطبة التي هي مجال رحب للتفنن في الأداء وتغيير الصوت وتكييفه بما يجعله مطابقًا للأحوال والمعاني التي يعبر عنها، والمفاهيم التي يصورها.
مضمون هذه الأحاديث يجب أن يكون مركَّزًا وموجزًا في نقاط واضحة محددة، وأدلة كل نقطة تكون مختصرة.
والحقيقة أن اختصار الموضوع الطويل في نقاط موجزة، مع الالتزام بتغطيته من كل جوانبه أصعب بكثير من بسطه والاستطراد في أدلته ومضمونه، وهو يحتاج إلى جهد ودقة وبراعة في الاختصار، وقد حُكِي أن أحد الأصدقاء كتب إلى صديق له رسالة، فقال: " كتبت إليك كل شيء بالتفصيل، حيث لا وقت لديّ للاختصار"، أما الخطبة ففيها فرصة أفضل من الأحاديث القصيرة للبسط والتعليق، وسرد الأدلة وتنويعها... وهكذا.
الخطبة في الأغلب تشتمل على أجزائها الثلاثة، وهي المقدمة والعرْض والخاتمة، وتكون هذه الأجزاء واضحة ومتميزة بخصائصها، لا سيما لدى الخطيب الجيد، أما الحديث القصير، في الأغلب خلاف ذلك، ولا يكاد يلاحَظ فيه هذا التقسيم، نظرًا للخريطة الزمنية القليلة المتاحة، بل إن بعض المتحدثين ربما فوجئ بمُعِدّ البرنامج أو مُخرِجه يشير إليه بإنهاء الموضوع؛ لأن الوقت قد انتهى، فيختم الموضوع، وبالطبع لا يجد وقتًا للخاتمة، لذلك نكرر أنه على المتحدث أن يركز عناصره، ونقاطَ حديثه ويوزعَها على الوقت جيدًا.
هذا، وعلى من يقوم بالحديث الإذاعي أن يراعيَ أن الجمهور الغفير الذي يستمع إليه من خلال الإذاعة، فيه المثقف وغير المثقف، فيه العالم وفيه الجاهل، والصغير والكبير، فليحرص على أن تكون لغته سهلة، وإن اضطُر إلى الإتيان بلفظة يظن أن البعض قد لا يفهمها، سارع إلى بيان معناها في الحال، وعليه أن يكون أسلوبه واضحًا، والمعاني قريبة ومباشرة.
كما ينبغي أن لا يؤدِّيَ الحديثَ مثلَ أدائه للخطبة، كما يفعل بعض العلماء -مع احترامنا لهم- فلا يغير أحدهم من لهجته، ولا طريقة إلقائه، مع كل المستويات، وفي جميع المناسبات، دون مراعاة لما يتطلبه المقام من أداء خاص عما سواه، على النحو المشار إليه سابقًا.
التعليقات