بادئَ ذي بدءٍ نذكر بعضَ فوائد الإعلام المرئي باعتباره أكثر الأنواع الإعلامية اكتساحًا للساحة:
• جمعه بين التثقيفِ والتربية والترفيه.
• مخاطبة حاستَي السمع والبصر.
• قدرته على إشباع الاحتياجاتِ الإنسانية لمرحلة الطفولة.
• قدرته على تنمية خيال الطفل وتغذية قدراته.
ومن تأثيراته السلبية:
• التأثير العَقَدي، من خلال تلاعب بعض المحطات الإعلامية بعقائد المسلمين، وتشويه أُسُسِها وضوابطها.
• التأثير الأخلاقي القِيَمي؛ من خلال نشر الرذيلة والفساد.
• التأثير الاقتصادي الاستهلاكي؛ من خلال الحملات الإشهارية والدعائية.
• التأثير الجسمي الصِّحي- النفسي وغيره.
أشكال/ أنماط التأثير الإعلامي:
• تغيير المواقف والاتجاهات (المعرفية - والفكرية).
• التنشئة الاجتماعية والتربية.
• الإثارة الجماعية، الاستثارة العاطفية.
• الضبطالاجتماعي.
• صياغة الواقع وتكريسِه.
القدوةُ في عصر الصورة:
لم تبقَ الأسرةُ ولا المدرسة مصدرَ القدْوةِ والأسوة والنموذج، بل خضعت الأسرةُ والمدرسة لسلطةٍ أخرى عجيبةٍ ناعمة، ساحرة مثيرة، مرفِّهةٍ عن النفوس جذَّابة، قادرةٍ على التأثير مقتحمةٍ للبيوت عَنوةً، أذابت الأطفال وسلبتْ ألبابَهم، وأدَّبت الكبارَ وما أحسنت تأديبَهم، إنها سلطةُ الإعلام[1] (المرئي - المسموع - المقروء)، متجسِّدًا في التلفاز والشبكة العنكبوتية، فأصبح الإعلامُ مدرسةً موازية، بل مهيمنة.
"كانت المدرسة - إلى عهدٍ قريب - تساهم مساهمةً كبيرة في التنشئة الاجتماعية للفرد، وفي تزويده بالمعرفة والقيم الأخلاقية والاجتماعية، إلاَّ أنَّ انتشار وسائل الإعلام - لا سيما التلفاز - أضعفَ من المدرسة، التي لم تَعُدْ المصدرَ الرئيسي للمعرفة والقيم الأخلاقية والاجتماعية، ففي بلد كالمغرب قُدِّرَ الفارقُ بين ساعات البثِّ التلفزيوني وساعات التدريس في المدرسة بنسبة واحدٍ إلى ثلاثة؛ أي: إنَّ ساعاتِ البث التلفزيوني تبلغ ثلاثة أضعاف ساعات التدريس التي تقوم بها المدرسة"[2].
"يُشكل التلفاز على حدِّ تعبير "دي لوي" مدرسةً موازية وعاملَ توحيدٍ للأجيال الصَّاعدةِ؛ وفي المدرسة الموازية هذه، التي أسَّسها جهاز التلفزيون لم يَعُد الوالدُ يمثل النَّموذجَ بالنسبة للطفل، بل أصبحَ بطَلُ المسلسلاتِ المثالَ والنموذج.
إنَّ حيزًا كبيرًا من رغبات الطفل المعاصر يشبع بالواسطة، بصور الدعاية والمسلسلات التلفازية"[3].
ينصح علماءُ النفس والتربية بأنْ يشجَّعَ الطفل على الكلام والتعليق وهو يشاهدُ برامج الشَّاشة، فيعقب على ما يراه ويسمعه ويعبِّر عن انفعالاته بالأحداث، وينتقد ويفكِّر ويحلِّل، يساعده في ذلك وينشطه أبواه أو أحدُ أفراد أسرته، وبذلك يخفِّفُ من تأثير الخطاب التلفازي.
وأذهب إلى أبعد من ذلك لأفْرِضَ على الأبوين ألاَّ يتركا طفلَهما يتيه في فيافي برامجهِ وقنواتِه (المتاهات الخطيرة)؛ كيلاَ يضيعَ منهما حبيبُهما وفِلْذَةُ كبدهما، فأُلْزِمهما بصحبته خطوةً بخطوةٍ حتى يتمكن ويستقل، فيدلاَّنِه على غثِّه ليتجنبَه، وسمينِه ليرتعَ فيه، وعلى الأسرة كذلك أن تلقِّحَه باللِّقاح المضاد للأمراض المعروضة في الشَّاشة، وما أكثرَها!
ولا أرى أن يُتْرَك وَحيدًا أمام الشاشة مشدوهًا؛ إذ إنِّي أخشى عليه، فبيْنَ يديه جهاز التحَكُّمِ في القنوات، فيشاهد الذي يليق والذي لا يليق، وبمجرد أنْ يقتحم عليه الأبُ أو الأمُّ يختار اتجاهًا آخرَ، وكأن شيئًا لم يكن! فوجود الجهاز في البيت يُعتَبَر سلطة - ملزمة - شئتَ أم أبيتَ، فالواجب عليك عظيم لتخلصَ طفلك ومن تتولى أمرَه مما لا يليق.
"تذهب رابطة علم النفس الأمريكي إلى أنَّ الطفل الأمريكي حين يصل إلى نهاية المرحلة الابتدائية يكون قد شاهد 8000 حالة اغتيال، و 10000 اعتداء عنيف على شاشة التلفزيون، بمعدل 3 ساعات مشاهدة يوميًّا، وإذا كان العنف يفرج عتبةً معينة، إلا أنَّه يؤدي بعدها إلى تراكم الإثارة غيرِ القابلة للاستيعاب؛ مما يقودُ إلى السُّلوك العنيف"[4].
وهل يساهم الإعلام في بلورة القيمِ الجميلة؟
• يعتبر الإعلامُ أحدَ أهم مصادر التنشئة الاجتماعية والتنمية البشرية والاقتصادية والبيئية، فهو من وسائل الرُّقي والازدهار بالمفهوم القِيَمي (الأخلاقي) للكلمتين، نجد في الساحة الإعلامية - إجمالاً - ثلاثة أنواع من الإعلام:
• تأثيراتُ الإعلام المسموع والمقروء والمرئي كبيرةٌ جدًّا، والساحة شاهدة على ذلك خير شهادة.
• تعدد القنوات الإعلامية واختلاف توجهاتِها وإيديولوجياتِها يجعل التحكُّمَ في القيم أمرًا صعبًا عسيرًا.
• يجب توحيد الرؤى في موضوع القيم؛ لتلتزم بها مختلفُ القنوات الإعلامية المتنوعة، فمن العيب والعار أن يساهمَ إعلامٌ ما في هدم القيم الجميلة، وقد هدم ودمر.
• لا أتصور وجودَ إعلام محايدٍ، فكلُّ أنواع الإعلام تضمر خلفياتٍ وإيديولوجيات وفلسفات توجه المشهد الإعلامي والأحداث والمواقف.
ومن يتحمل المسؤولية إذا فسدت القيم؟
• يتحمل الإعلامُ المسؤوليةَ (السياسات الإعلامية) من جهة؛ لمكانته المهمة في عمليات التنشئة الاجتماعية.
• لا يتحمل المسؤوليةَ؛ لأنه لا يؤثر إلا إذا وجدت في الإنسان قابلية للتأثر؛ كأن تهمل الأسرة واجباتها التربوية.
"هناكَ إجماعٌ بين من درسوا ظواهرَ الغزوِ الثقافيِّ على اختلافِ أشكاله، وفي مختلف الأقطارِ التي تتعرَّضُ له عربيًّا أو عالميًّا، اتفقوا فيه على حقيقة واحدة: أنَّ الغزوَ الثقافيَّ أو تسرُّبَ التغريبِ، أو نجاحَ التنميطِ الثقافيِّ هو رهينٌ بدرجة القابلية لهُ، فالتنميطُ عمليةٌ مفروضةٌ من الخارجِ لا تنجح بشكل تلقائي؛ بل لا بد لها من توافرِ شروطٍ داخليةٍ في البلدِ الذي يتعرَّضُ لها، حالها في ذلك تمامًا حال الغزو العسكري أو التبعية الاقتصادية، تتلخص هذه الشروط في ظاهرة وَهَنِ المناعةِ الثقافيةِ على اختلافِ أسبابها وأشكالها"[5].
المجاعة الثقافية: عندما لا تلبي الثقافةُ المحلية رغبةَ الشباب والأطفال - والناس عمومًا - فإنهم يرتمون في أحضانِ الثقافات الأجنبية، حالةُ المجاعة التي يعانونها تدفعهم إلى الأكل منها بنَهَمٍ وشَراهة وإفراط، يؤثرون على ذواتهم ويؤثرون على الأجيال الناشئة (المترعرعة) بين أيديهم الناشئة في (أحضانهن)[6].
فلو كانت الثقافةُ المحلية قويةً - بالقيم الجميلة، والأخلاق الفاضلة، والأُسس القويمة، والدعامات المتينة، القادرةِ على مواجهة الثقافات الأجنبية الدَّخيلة والغازية - لما ارتمى الإنسانُ العربي المسلم في أحضانٍ أجنبية؛ لهذا فإنا نتحمل مسؤوليةَ تقصيرنا وإهمالنا.
يؤثر الإعلام في الحالات التالية:
• من خلال قانون التَّكرار وسلطةِ العادة.
• من خلال وجودِ فراغٍ أُسري.
• من خلال القدوة: النماذج المقدمة باعتبارها نخبة وقدوة.
• هل أنت من أدخل الشاشة إلى بيته؟
• هل أنت من انخرط في الشَّبكة العنكبوتية؟
• هل أنت من سمح لأبنائه بالمشاهدة والمشاركة؟
إذا كنت أنت، فإنك تتحمل المسؤوليةَ، ولا تُقبل منك الشِّكايةُ ولا تُعقَلُ.
[1] أصبح التلفاز أحدَ أفراد العائلة، يسهم بشكل كبير في غرس الثقافة؛ إذ يرتبط به الأطفال في سن مبكرة، كما يسهم في التنشئة الاجتماعية والثقافية؛ فهو يزوِّد المشاهدين بمختلف المعلومات الدينية والتاريخية والجغرافية وسائر العلومِ، وهذه من محاسنه ومزاياه،وما دام يرتبط بالإنسان - المعاصر - منذ صباه ونعومة أظافره، فإنه سلطة ثقافية بامتياز.
[2] التنشئة الاجتماعية للطفل - تأليف: محمد عباس نور الدين. ص: 49 بتصرف.
[3] انظر ثقافة الطفل العربي بين التغريب والأصالة - تأليف: مصطفى حجازي - الصفحة: 258 مع التصرف.
[4] انظر عالم الفكر، المجلد 35 يوليوز - سبتمبر - آفاق المعرفة. عنوان المقال: ثقافة الشباب في مجتمع الإعلام. د منجد الزيدي، ص:209 نقله عن I . Ramonet.
[5] "ثقافة الطفل العربي بين التغريب والأصالة"؛ مصطفى حجازي ومجموعة من المتخصصين ص:89-90.
[6] أو أحضان الخادمات والمربيات؛ لأن (ضرورة) عمل المرأة خارج بيتها حَرَم ابنها من حقوق الأمومة والرضاعة الطبيعية والرعاية.
التعليقات