الشيخ محمد جميل زينو
إن مما يساعد على فهم القرآنِ وتفسيره معرفةَ القرآن المكيّ والمدنيّ؛ لذلك اهتم به الصحابة ومَنْ بعدهم حتى قال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ ولا نزلت آية من كتاب الله إلا وأعلم فيم نزلت؟ ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغُه الِإبل لركبت إليه»[1].
والصحابةُ - رضي الله عنهم - كانوا يعملون بما تعلَّموه من القرآن؛ ولذلك قال ابن مسعود: «كان الرجل منَّا إذا تعلَّم عشرَ آيات لم يجاوزهنَّ حتى يعرف معانيهنَّ، والعملَ بهنَّ»[2].
وهذا العمل تطبيق لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائل: «اقرأوا القرآن واعملوا به، ولا تأكلوا به»[3].
وبسبب هذا العمل بالقرآن الكريم نصر الله رسوله وصحابته من بعده، ولما ترك المسلمون اليوم العمل بالقرآن الكريم تأخر النصر عنهم حتى يعودوا إلى تعلُّمِ كتاب ربهم والعمل به، فيعود النصر إليهم.
معرفة المكي والمدني:
اعتمد العلماءُ في معرفة المكيِّ والمدنيِّ على منهجين أساسيين:
1 - المنهج السَّماعي النَّقلي: ويستند إلى الرواية الصحيحة عن الصحابة الذين عاصروا الوحي، وشاهدوا نزوله، أو عن التابعين الذين تلقَّوا عن الصحابة وسمعوا منهم كيفية النزول ومواقعه وأحداثه، ومعظم ما ورد في المكي والمدني من هذا القبيل، إذ لم يرد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قول؛ لأنه لم يُؤمر به.
مثال ذلك ما يجده القارئ في أول السورة: (سورة مكية) أو (سورة مدنية).
2 - المنهج القياسي الاجتهادي: ويستندُ إلى خصائص المكي والمدني، فإذا ورد في السورة المكية آيةٌ تحمل طابع التنزيل المدني، أو تتضمن شيئًا من حوادثه قالوا إنها مدنية، وإذا ورد في السورة المدنية آية تحمل طابع التنزيل المكي، أو تتضمن شيئًا من حوادثه قالوا إنها مكية، وإذا وُجِد في السورة خصائص المكي قالوا إنها مكية، وإذا وجد في السورة خصائص المدني قالوا إنها مدنية.
مثال ذلك قالوا: كلُّ سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية فهي مكية، وكل سورة فيها فريضةٌ أو حَدٌّ فهي مدنية[4].
تعريف القرآن المكي والمدني:
1- القرآن المكي: هو الذي نزل به الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة وإن كان بغير مكة.
2- القرآن المدني: هو الذي نزل به جبريل على محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة، وإن كان بمكة، كالذي نزل في حجة الوداع.
مثال ذلك قول الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]؛ جاء رجلٌ من اليهود إلى عمرَ بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، آيةٌ في كتابكم تقرؤونها، لو علينا نزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: فأيُّ آية؟ قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾؛ فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه؛ نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عرفةَ يوم جمعة[5].
أقول: في هذه الآية ردٌّ على القائلين بالبدعة الحسنة في الإِسلام، وقد قال الإِمام مالك: «من ابتدَعَ في الإِسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زعم أنَّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - خان الرسالةَ؛ لأن الله يقول: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ الآية».
فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا.
خصائص القرآن المكي:
الغالبُ في القرآن المكي من حيث الموضوع الاهتمام بما يلي:
1 - الدعوة إلى توحيد الإله الذي أنكره المشركون، كما قال الله - تعالى - عنهم: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ﴾ [الصافات: 35، 36].
لأنَّ العربي كان يفهمُ معنى (لا إله إلا الله) وأنَّ من قالها ترك عبادة غير الله، أما بعضُ المسلمين اليوم فلا يفهمون معناها وهو (لا معبودَ بحقٍّ إلا الله)؛ ولذلك يقولونها بألسنتهم، وينقضونها بأفعالهم، وذلك حينما يدْعُون غيرَ الله، أو يتحاكمون إلى غير شرع الله، أو ينذرون لغير الله، وغير ذلك من الأعمال الشركية.
2 - التحذير من الشرك كدعاء غير الله، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 106]؛ أي: المشركين.
3 - إبطال عبادة الأولياء بدعوى تقربهم بها إلى الله، وطلب شفاعتهم عند الله، حيث قال الله لهم: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 3].
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].
فحكَم بالكفر والشركِ على كلِّ مَن صرف شيئًا مِن العبادة لغير الله كالدعاء، ولو كان قصده التقرب إلى الله وطلب الشفاعة منهم عند الله، وسرت هذه الفكرة إلى كثير من المسلمين اليوم، مع الأسف الشديد! فإذا سألت مسلمًا: لماذا تدعو هؤلاء الأولياء؟
قال لك: أريد التَّقربَ بهم إلى الله، وطلب شفاعتهم عند الله!
4 - الدعوة إلى الإِيمان باليوم الآخر، وبعث الناس من قبورهم للحساب، حيث أنكر ذلك المشركون في مكة، وقد ردَّ الله عليهم بقوله: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7].
5 - التَّحدي للعرب - رغم فصاحتهم - أن يأتوا بسورة مثل هذا القرآن، وقد تحدَّاهم الله تعالى بقوله: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ.. ﴾ [يونس: 38].
6 - إيراد قصص المكذبين الغابرين: كقوم نوح، وهود، وقوم صالح، وشعيب، وموسى، وغيرهم، قال الله - تعالى - مهدّدًا مشركي مكة: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾. [الفجر: 6 - 14].
7 - الحث على الصبر: كقوله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10].
8 - جهاد المشركين بالقرآن، وجدالُهم بالحسُنى: كقوله تعالى: ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52]، ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].
9 - إقامة الأدلة الكونية والعقلية على توحيد الربوبية الذي يستلزم منه توحيد الألوهية مثال ذلك قول الله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20].
10 - يمتاز القرآن المكي غالبًا في أسلوبه بوجود ألفاظ شديدة القرع على المسامع تقذف حروفها الوعيد والعذاب؛ مثال ذلك: قول الله تعالى: ﴿ الْقَارِعَةُ ﴾ [القارعة: 1]، ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴾ [عبس: 33]، ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾ [الغاشية: 1]، ﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ [الواقعة: 1]، ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴾ [العلق: 15] فحرف كلا للردع والزجر[6].
خصائص القرآن المدني:
الغالبُ في القرآن المدني من حيث الموضوع الاهتمامُ بما يلي:
1 - الدعوة إلى الجهاد والاستشهاد في سبيل الله؛ لأنَّ المسلمين هاجروا إلى المدينة وأقاموا دولة الإِسلام فيها، فهم بحاجة للدفاع عن دينهم ودولتهم، لذلك نرى القرآن المدني يشجعهم على القتال، قائلًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ.. ﴾ [التوبة: 111].
2 - بيان أحكام الإِسلام: مثل حكم الربا الذي أعلن الله الحرب على فاعليه حيث قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279].
3 - الحكم في الحدود: كحدِّ الزنا والسرقة وغيرها من الحدود التي تضمن الأمن والاستقرار في المجتمع، كقول الله تعالى في حدِّ فاعل الزنا: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾ [النور: 2].
وقوله في حد السرقة: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].
4 - فضح المنافقين وكشف دخيلتهم وذكر أوصافهم: كقول الله تعالى في كشف نفاقهم: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1].
5 - إسكات أفواه أهل الكتاب من اليهود وغيرهم ومجادلتهم لإِقامة الحجة عليهم: كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [العنكبوت: 46].
6 - تحقيق النصر للمؤمنين في غزواتهم مع أعدائهم: كقول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ [آل عمران: 123][7].
فوائد العلم بالمكي والمدني:
1 - الاستعانة به في تفسير القرآن: فإن معرفة مواقع النزول تساعد على فهم الآية وتفسيرها تفسيرًا صحيحًا، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ويستطيع المفسر في ضوء ذلك عند تعارض المعنى في آيتين أن يميز بين الناسخ والمنسوخ، فإنَّ المتأخر يكون ناسخًا للمتقدم.
2 - تذوق أساليب القرآن والاستفادة منها في أسلوب الدعوة إلى الله، فإنَّ لكل مقامٍ مقالًا، ومراعاة مقتضى الحال من أخص معاني البلاغة، وخصائص أسلوب المكي في القرآن والمدني منه تعطي الدارس منهجًا لطرائق الخطاب في الدعوة إلى الله، بما يلائم نفسية المخاطب، ولكل مرحلةٍ من مراحل الدعوة موضوعاتها وأساليبها، ويبدو هذا واضحًا جليًّا في أساليب القرآن المختلفة في مخاطبة المؤمنين أو المشركين والمنافقين وأهل الكتاب.
3 - الوقوف على السيرة النبوية من خلال الآيات القرآنية، فالقرآن هو المرجع الأصيل لهذه السيرة[8].
4 - عدد السور المكية: 82 سورة، والسور المدنية: 20 سورة، وعدد المختلف فيها: 12 سورة، ومجموعها: 114 سورة، وعدد آيات القرآن: 6236 آية.
الآيات المكية والمدنية المتداخلة:
الآيات المكية في السور المدنية: لا يُقصد بوصف السورة بأنها مكية أو مدنية أنها بأجمعها كذلك فقد يكون في المكية بعض آيات مدنية، وفي المدنية بعض آيات مكية، ولكنه وصف أغلبي حسب أكثر آياتها، ولذا يأتي في التسمية: سورة كذا مكية إلا آية كذا فإنها مدنية، وسورة كذا مدنية إلا آية كذا فإنها مكية، كما نجد ذلك في المصاحف. ومن أمثلة الآيات المكية في السور المدنية: "سورة الأنفال مدنية" واستثنى منها كثير من العلماء قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].
قال مقاتل: «هذه الآية نزلت بمكة وظاهرها كذلك؛ لأنها تضمنت ما كان من المشركين في دار الندوة عند تآمرهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة»[9].
متى نعمل بالقرآن المكي والمدني؟
يرى شيخ الإِسلام ابن تيمية أن القرآن المكي الذي يدعو إلى الصبر على الأذى، وعدم مجابهة الكفار يطبق في حالة ضعف المسلمين، والقرآن المدني الذي يدعو إلى الجهاد والقوة يطبق في حالة قوة المسلمين، وذلك حين قال: «وصارت تلك الآيات في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه، وصارت آية الصَّغار على المعاهدين في حقِّ كلِّ مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه، وبهذه الآيات ونحوها كان المسلمون يعملون في آخر عُمْرِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى عهد خلفائه الراشدين، وكذلك هو إلى يوم قيام الساعة، لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله النصر التام. فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون»[10].
أقول: يؤيد كلام شيخ الإِسلام ابن تيمية قولُه تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الجاثية: 14]؛ يأمر الله رسوله أن يقول للمؤمنين أيام ضعف المسلمين في مكة قبل الهجرة: اصفحوا وتجاوزوا عمن يؤذيكم من الكفار، ولا تردوا الأذى بمثله، وهذا يدل على مشروعية التسامح مع الكفرة في حال ضعف المسلمين.
واجبنا نحن المسلمين:
1 - ليت الجماعات الإِسلامية طبقوا ما جاء في القرآن المكي الذي يدعو إلى الصبر والعفو حتى يأتي الله بالنصر.
2 - أن نطبق الأحكام الشرعية على أنفسنا، إذ رأينا البعض يدعو إلى الجهاد وحكم الإِسلام، وهو لا يطبقه على نفسه.
3 - أن ندعو حكام المسلمين وأعوانهم إلى تطبيق حكم الإِسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والقول اللين كما فعل موسى وهارون مع فرعون.
4 - أن يكون جهادنا في حالة الضعف بالمال واللسان عملًا بقولِه صلى الله عليه وسلم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»[11].
5 - أن ندعو الأُمة أفرادًا وجماعات إلى تطبيق حكم الإِسلام على أنفسهم، حتى ينشأوا على حبه وإقامته على أرضهم. وقد قال أحد الدعاة المعاصرين: «أقيموا دولة الإِسلام في صدوركم تقم لكم في أرضكم».
المصدر: «رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع» (1 /27 - 35)
[1] رواه البخاري.
[2] صحَّح إسناده أحمد شاكر.
[3] صحيح رواه أحمد.
[4] انظر: علوم القرآن للقطان.
[5] رواه البخاري.
[6] انظر: علوم القرآن للقطان.
[7] انظر: مباحث في علوم القرآن لمناع القطان.
[8] انظر: مباحث في علوم القرآن.
[9] انظر: علوم القرآن.
[10] الصارم المسلول 221.
[11] صحيح رواه أبو داود.
التعليقات