عناصر الخطبة
1/من رحمة الله بالعبد هدايته لفقه الدين 2/فوائد وتنبيهات من حديث: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين..." 3/التحذير من الجمعيات المشبوهة 4/نصائح وتوجيهات لأهل الرباط 5/الوصية بالمسجد الأقصىاقتباس
تفقهوا في دينكم؛ حتى لا توالوا كافرًا أو منافقًا، تفقهوا في دينكم حتى لا تحبوا الدنيا وترغبوا عن الجنة التي مَنْ دخلَها لا يشقى أبدًا، تفقهوا في دينكم؛ كي لا تُسرِّبوا عقارًا، وكَيْلَا تستظلوا بظل الجمعيات النسوية، ولكيلَا لا تُناصروا الجمعيات المعادية للرباط والمرابطين، وللإسلام والمسلمين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الذي أعطانا الأرض المبارَكة، عطاء تامًّا وكاملًا، إلى أن تقوم الساعة، -سبحانه- لا مانع لِمَا أعطى، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، أمَر بالتقوى فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)[الْحَجِّ: 1]، فيا مسلمون: احترِسوا بطاعة الله عن عقوبته، واخشوا ربَّكم في أوامره أن تتركوها، وفي نواهيه أن تقدموا عليها، وتأهَّبوا لرباطكم، واستعِدوا له بالعمل الصالح، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصَف الفِرقةَ الناجيةَ أنَّها الصحابة ومَنْ تَبِعَهم، واقتدى بهم، الذين يتمسَّكون بالقرآن والسُّنَّة، وقال: "فعليكم بسُنَّتي، وسُنَّة الخلفاء الراشدين من بَعْدِي، تمسَّكُوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ".
لَبَّيْكَ وسعديكَ يا رسول الله، نحن على دينك وسنتك، ومع كتاب ربنا ما حيينا، لا نقيل ولا نستقيل، نُراغِم الكافرينَ، ونَفضَح المنافقينَ، فاللهم صلِّ وسلِّم على حبيبنا المفدَّى محمد، وصلِّ اللهم على آله وأصحابه، وعلى مَنْ تَبِعَهم وسارَ على نهجهم، وهديهم إلى يوم القيامة.
أما بعدُ: وقَف معاوية -رضي الله عنه- خطيبًا في المسلمين، بحديث سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: مَنْ يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفقِّهه في الدين، وإنَّما أنا قاسمٌ، والله يُعطي، ولن تزال هذه الأمةُ قائمةً على أمر الله، لا يضرُّهم مَنْ خالَفَهم، حتى يأتي أمرُ اللهِ".
أيها المسلمون: وأنا اليوم أقف أمامَ حضراتكم خطيبًا بهذا الحديث الشريف، الذي رواه البخاري، في كتاب "الاعتصام والسنة"، هذا الحديث الشريف الذي فيه معجزة وبشارتان، والذي وضَع فيه نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- معالمَ للمرابطينَ إلى يوم القيامة، إن أخذوا بها قُبِلَ منهم رباطُهم، وأظهَرَهم اللهُ على أعدائهم.
أيها المرابطون: أمَّا المعجزةُ فهي دالَّةٌ على صدق نبوته، وهي من الإخبار بالغيب، وهي أن طائفة من هذه الأمة في رباط إلى أن تأتي الساعة، وذلك حين قال: "ولن تزال هذه الأمةُ قائمةً على أمر الله، لا يضرُّهم مَنْ خالَفَهم حتى يأتي أمرُ الله"، وقد صرَّح صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور، الذي تعرفونه، أن بعضها في بيت المقدس وأكنافه.
يا عبادَ اللهِ: ولكنَّ بعض المسلمين يظن أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حتى يأتي أمر الله" يظن أن المعنى: "حتى يأتي نصر الله"، وهذا غير صحيح؛ لأن معنى أمر الله في الحديث الشريف هو: "حتى يأتي يوم القيامة"؛ وعليه فإن المسجد الأقصى ومَنْ فيه، ومَنْ حولَه من المسلمين، سيكونون في حالة رباط دائم، إلى أن تقوم الساعة، فتارةً يكون المسجد الأقصى مع المسلمين، وتارةً يصير محتلًّا، فأنتم وأولادكم وأحفادكم كما كان آباؤكم وأجدادكم مِنْ قبلُ في رباط، تتقلَّبون في أجره إلى أن تأتي الساعة، ويأذن اللهُ بانتهاء الدنيا، والتاريخ يُصدِّق هذه الحقيقةَ؛ فعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جاء وحرَّرَه من الصليبيين، ثم احتلَّه الصليبيون من جديد، فجاء صلاح الدين وحرره، وها هو الآن في احتلال، وسوف تظلون على هذه الحال من الرباط حتى يبعث الله قائدًا مسلمًا يرفع عنه الظلم والبغي، وحتى تحط الخلافة على منهاج النبوة فيكم رحالها.
يا مرابطون: وإخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكم في رباط إلى يوم القيامة، يعني أن كل احتلال للمسجد الأقصى هو احتلال مؤقَّت وعابر وزائل، فأبشِروا بنصر الله؛ فأنتم -وحدكم- الباقون هنا، الذين اختاركم الله للرباط؛ فرباطكم نصر، والابتلاءات التي تصيبكم نصر، وصلاتكم نصر، فاتقوا الله في رباطكم، واشكروه على هذه النعمة، التي ترفع منازلكم في الدنيا، وتُضاعِف أجورَكم في الآخرة.
أيها المؤمنون: وتاريخُ بيت المقدس يُخبرنا أن المرابطين فيه لم تتحقق لهم دولة بمعزل عن دولة الإسلام، وأن الذي يحكمهم هو الفاتح لها، باسم الإسلام والمسلمين، ونسأل الله -تعالى- أن يكون ذلك قريبًا.
يا مسلمون، يا عبادَ اللهِ: وأما البشارتان في حديث معاوية -رضي الله عنه- فهما أن الذي يَقبَل اللهُ منه رباطَه هو الذي يتفقه في الدين، فكيف يكون مرابطًا من لا يفقه أحكام الرباط وأحكام الدين؟
وأما البشارة الثانية: فهي أن المرابط الصادق، هو الذي يرضى بقضاء الله وقدره فيه، وهو الذي يرضى بعطاء الله له، قل هذا العطاء أو كثر، وهاتان البشارتان في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفقِّهْهُ في الدينِ، وإنَّما أنا قاسمٌ، واللهُ يُعطي".
أيها المرابطون: افقهوا القرآن، واجعلوه رائدًا وموجِّهًا لكم، وافقهوا سنة رسولكم، واجعلوها جزءًا من حياتكم، افقهوا هدي الصحابة الكرام، فاقتفوا آثارهم، وتخلقوا بأخلاقهم، فهذه هي معالم الرباط، الذي يثبتكم فوق أرضكم، والذي به تظهرون على عدوكم.
يا مسلمون: تفقهوا في دينكم؛ حتى لا توالوا كافرًا أو منافقًا، تفقهوا في دينكم حتى لا تحبوا الدنيا وترغبوا عن الجنة التي مَنْ دخلَها لا يشقى أبدًا، تفقهوا في دينكم؛ كي لا تُسرِّبوا عقارًا، وكَيْلَا تستظلوا بظل الجمعيات النسوية، ولكيلَا لا تُناصروا الجمعيات المعادية للرباط والمرابطين، وللإسلام والمسلمين.
يا مؤمنون: تفقهوا في الدين، وقفوا عقاراتكم في القدس حتى لا تتسرب من ذوي النفوس الضعيفة، واعلموا أن وقف العقارات هو من فقه الرباط، الذي عنه تغفلون، والذي إليه تندبون، واعلموا أن وقف العقارات في القدس هو من حق المسجد الأقصى عليكم.
أيها المرابطون: تفقهوا في دينكم، ولا تقبلوا لأولادكم ولبناتكم مناهج دراسيَّة تعلمهم الشذوذ، وتُخرِجهم من دينهم وقيمهم، وتجهلهم بتاريخهم وبحقهم في هذه الأرض، وما عليها.
يا مسلمون: افتحوا قلوبكم لدينكم، وأعطوه جوارحكم، فلا يصح لكم رباط، ولا يقبل منكم طاعة، دون معرفة أحكام شريعتكم. أين دور المساجد وأئمتها، في تبصير الناس بدينهم؟ أين دور المدارس والجامعات في توجيه الطلاب للتفقه في الدين والعمل به؟ أين دور الأسرة من الآباء والأمهات؟
أيها المرابطون، يا عبادَ اللهِ: لقد قيل: إن أبا حامد الغزالي ألف كتابه المُسمَّى بـ"إحياء علوم الدين"؛ ليتربى عليه المجاهدون قبل فتحهم بيت المقدس، فالفقه في الدين أساس لكل مرابط، والفقه في الدين يعني أن تعرفوا أحكامه، وأن تفهموها، وأن تعملوا بها، فإذا أردتم أن تكونوا من المرابطين الذين يخشون الله ويتقونه، فتفقهوا في دينكم، وإذا أردتم أن تكونوا من المرابطين الذين يراقبون الله في سرهم وعلانيتهم فتفقهوا في دينكم.
يا عبادَ اللهِ: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فهذا من الفقه في الدين، وهذا من واجبات المرابطين، افقهوا دينكم؛ كي تؤدوا الفرائض، وتنزعوا عن المحرمات، افقهوا دينكم كيلا تخونوا الله ورسوله، وجماعة المؤمنين، افقهوا مراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- من حديث معاوية -رضي الله عنه- حتى تُؤدُّوا رباطَكم على أتم الوجوه؛ وحتى تكونوا في رباطكم على بصيرة، فالهوى في الصفوف منتشر، والنفاق يشرئبُّ، والجهل يعم، والشهوات تغمر بعض النفوس، والشبهات تفسد القلوب، وكل ذلك من معوِّقات رباطكم؛ فالله الله في دينكم، الله الله في رباطكم، الله الله في أقصاكم، الله الله في أنفسكم.
يا مرابطون: هذا المدرِّس الذي يُعلِّم أبناءكم إن لم يكن فقيهًا في دينه، بصيرًا بزمانه، سيُعلمهم المناهجَ الفاسدةَ، من أجل راتب زائل، فأي مرابط هو؟ والطبيب والعامل والتاجر وكل مسلم على هذه الأرض المبارَكة لا خير فيه إن لم يكن فقيهًا في دينه، بصيرًا بزمانه؛ لأنَّه سيكون مرابطًا وهو جاهل، فهل أدركتُم يا مسلمون لماذا ربط النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الفقه في الدين، وبين بقاء طائفة من أمته على الحق ظاهرين؟ لعدوهم قاهرين؟
يا مؤمنون: وفي البشارة الأولى يتبيَّن من معنى الحديث الشريف أن الرباط لا يشمل كل الأمة، فهنيئًا لمن قدَّر اللهُ له أن يكون من المرابطين، وهذه البشارة فيها أيضًا أنَّه ليس من يدعي الرباط من المرابطين، حتى يتصف بصفاتهم، ويكون من الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، المبصرين لأمر دينهم، والمداومينَ على عبادة ربهم، فشمِّرُوا يا عبادَ اللهِ، شمِّرُوا عن ساق الرباط الحقيقيّ، الذي به تُقبَلون، والذي به تُؤجَرون، والذي به تكرمون.
أيها المسلمون: وأما البشارة الثانية فهي أن المرابط الصادق في رباطه هو الذي يتقبل قضاء الله بالرضا والتسليم، وجاءت هذه البشارة في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وإنَّما أنا قاسم، واللهُ يُعطي"، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يستأثر بشيء من مال الله، وأنَّه -صلى الله عليه وسلم- تطييبًا لنفوس الصحابة لمفاضلتهم في العطاء أخبرهم أن قسمة المال بينهم بقضاء الله وقدره، فمن قسَم له كثيرًا فبقَدَر الله -تعالى-، وبما سبَق به الكتابُ، وكذلك مَنْ قسَم له قليلًا، فلا يزاد لأحد في رزقه ولا في أجله، وهذه بشارة للمرابطين، أن من أخذ المال بحقه وأنفَقَه في حقه كان صادقًا في رباطه، وعليه فمن أخذ ميراث أخواته وإخوانه، ومَنْ أخَذ أموالَ الناس غصبًا وظلمًا وعدوانًا، ومَنْ تعامَل بالربا والمال الحرام وأخذ المال دون أن يُفرِّق بينَ حلاله وحرامه فليس من المرابطين الصادقين، ولو صلى في الصف الأول مع المسلمين، ومن باع عقاره وسربه فليس من المرابطين، ولو تعلق بأستار الكعبة، أعيدها مرة أخرى لهؤلاء الخونة: من باع عقاره وسربه فليس من المرابطين ولو تعلق بأستار الكعبة.
أيها المسلمون: وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وإنَّما أنا قاسمٌ واللهُ يُعطي" معنى آخَر، فيه بشارة أخرى، وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يبلغهم الوحي ويبين لهم الشريعة، والتفاوت في أفهامهم من الله -تعالى-، فالمطلوب من المرابطين أن يفقهوا دينهم بقدر ما أعطاهم الله من الفَهْم والذكاء، الذي هو بقَدَر الله وقضائه، وفي هذا حثٌّ للمرابطين أن يقبلوا بكليتهم وبقدر ما أُوتوا من فَهْم على الرباط فقهًا وعملًا، والله -سبحانه- يثيب المرابط على وفق حاله التي خلقه عليها، ولكن ليس لأحد من المرابطين أن يسخط على قضاء الله وقدره، في عطائه ومنعه، وفي زيادته ونقصه له، وقد قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع الله".
أيها المرابطون، أيها الصابرون: ومن البشارة في حديث معاوية -رضي الله عنه- أن ما أصاب المسلمَ لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ وعليه فالرباط في المسجد الأقصى وما حوله له تبعات هي مَكرُمات من الله للمرابطينَ، فالأَسْر والجِرَاح وغيرهما من تبعات الرباط ومكرماته، وكل أذى وجرح يصيب المرابطين هو من تبعات الرباط ومكرماته، وهو من البشارات التي لها الأجر الكبير، عند الله -تعالى-، ولهذا أمرنا الله -تعالى- بالصبر، وبالمصابرة، وبالتقوى في رباطنا، فقال لنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 200].
فاللهم اجعلنا من الصابرين، واجعلنا من المتقين، وتقبَّل رباطَنا يا ربَّ العالمينَ.
عبادَ اللهِ: توبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آله وأصحابه، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون: وكما كانت مكةُ بدايةَ الإسلام وبداية ظهوره، وعلوه في الأرض، فستكون نهاية الإسلام في بيت المقدس، علوًّا وانتشارًا في الأرض، وعلى ثرى بيت المقدس سيكون النصر جيلًا بعد جيل، وسوف يبد الله خوفكم أمنا، وذُلَّكُم عزًّا، وحزنكم فرحًا، وعلى ثرى بيت المقدس وأكنافه ستكون خلافة يرضى الله عنها، وعلى ثرى القدس سيكون المهدي خليفة عادلًا، وفيها ستكون نهاية الدنيا بالحشر والنشر للخلائق، وأنتم أقرب الناس إلى محشرهم ومنشرهم، وهذا أحرى بكم أن تكونوا أكثر من غيركم حرصًا وإقبالًا على العمل الصالح، وعلى تجديد الإيمان في قلوبكم، فرحم الله مرابطًا تفَقَّه في دينه، وزهد في الدنيا ورَغِبَ في الآخرة، ورَحِمَ اللهُ مرابطًا صدَق في رباطه، فصَبَر واحتسَب، ورضي بقضاء الله وقدره، ورحم اللهُ أُمًّا تُفتِّش كُتُبَ أبنائها وتخبرهم بما فيها من كفر وضلال وباطل، ورَحِمَ اللهُ أبًا وزوجًا لا يرضى أن تخرج ابنته وزوجته متبرجة بزينتها، تمادي الرجال ويمادونها، ورحم الله مرابطًا عرَف قدر مكانته في المسجد الأقصى وما حوله، فحافظ عليها وكان قدوة لغيره بها، ورحم الله شهداء الصحابة والتابعين، ورحم الله الشهداء من بعدهم، إلى يوم الدين، ورحم الله شهداءنا في غزة، الذين استشهدوا حرقا ليلة أمس، فيا عبادَ اللهِ: عليهم وعلى شهداء المسلمين سنصلي صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة مباشرة.
يا مرابطون: لقد بارَك اللهُ في المسجد الأقصى وما حولَه، ومن بركته أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رابَط فيه جزءًا من ليلة، بأمر الله، فصلى فيه إمامًا ومأمومًا، وفريضة ونافلة.
يا عبادَ اللهِ: ومن بركة المسجد الأقصى وجود المرابطين فيه وحوله، المرابطون المتفقهون في الدين، والعاملون بأحكامه، والصابرون على ما أصابهم من لأواء، فتنافسوا في هذه البركة، وكونوا من أهلها، أنتم وزوجاتكم ونسلكم، ولا تنشغلوا عنها بفتات الدنيا وحطامها.
يا مسلمون: أعلى منازل الرباط أن تتصفوا بصفة العبودية لله؛ فكونوا لله عبادًا مخلِصينَ ومُخلَصينَ؛ حتى تنالوا شرفَ التحرير لهذا البيت المقدَّس، والله -سبحانه- حين أكرَم رسولَه بشرف الإسراء إلى المسجد الأقصى وصَفَه بأعلى المقامات البشريَّة، وهو وصف العبودية فقال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، فكونوا مباركينَ بإخلاصكم عبوديتَكم لله، وبالتعجيل في رضاه، واعلموا أن خير أيامكم عند الله اليوم الذي تحققون فيه الرباط بأفعالكم قبل أقوالكم، فكل العيون تَرقُبُكم، وكل القلوب تهفو إليكم لرباطكم ولعطائكم، فأنتم تحققون قول رسولكم -صلى الله عليه وسلم-: "ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله".
فاللهم تقبل رباطنا، وارحم شهداءنا وارفع منازلهم في الجنان يا أكرم الأكرمين.
اللهم أَطلِق سراحَ الأسرى والمعتقَلينَ، وأرجعهم إلى أهلهم سالمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعل كلمتي الحق والدين، اللهم احفظ المسجد الأقصى من كيد الكائدين، ومن ظلم الظالمين، ومن اعتداء المعتدين، وحرره من أيدي الغاصبين، وارزقنا الرواح والغدو إليه في كل وقت وحين، اللهم ارفَعِ الحصارَ عن المحاصَرينَ، وارفع الظلم عن المظلومين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عَنَّا سيئاتِنا، وتوفَّنا وأنتَ راضٍ عَنَّا، اللهم رحمتَكَ يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، ولمن لهم حق علينا، واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات