عناصر الخطبة
1/فضل التوبة 2/كل بني آدم خطاء 3/علاج التفريط في الطاعات والوقوع في المنهيات 4/خطر التفريط في الصلاة وفضل المحافظة عليها 5/خطر منع إخراج الزكاة وفضل إخراجها 6/خطر المال الحرام على الفرد والأسرة والمجتمع 7/خطر الغيبة وكيفية التوبة منها 8/خطر النظر إلى الحرام وفضل غض البصراهداف الخطبة
اقتباس
ما منا -أيها الأحبة-: أحد إلا وعنده غلط، عنده خطأ، ربما عنده تضييع لبعض الواجبات، بل وانتهاك لبعض المحرمات، كل منا فيه تقصير بحسب علاقته بربه، كل منا تعرض له الغفلة بحسب حاله، كل منا عنده من التقصير ما عنده، يعرف ذلك بنفسه. لكن هل يجوز أن نتكل على هذا الحديث؟ "كل بني آدم خطاء..." فنبقى على أخطائنا وعلى تقصيرنا دون أن نبادر إلى إصلاح نفوسنا، أو...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن الله -جل وعلا- يحب المنيبين من عباده، يحب الذين إذا فعلوا أمراً فيه مخالفة أو تفريطا، أو تضيعا للواجب؛ رجعوا إليه سريعا جل وعلا، وأقبلوا عليه بتوبة، وإنابة صادقة، فإن الله -عز وجل- يحب التوابين، ويحب المتطهرين: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].
ونبيكم -صلى الله عليه وسلم- أخبر: أن كل ابن آدم خطاء، فقال فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون"[رواه الترمذي].
وذلك أن ابن آدم يغلبه ظلمه لنفسه أحيانا، ربما غلبته شهوته، وحبه للدنيا، فيقبل على الدنيا دون اعتبار للآخرة، ودون نظره إلى ما ينفعه، إلى ما يصلح حاله في العاجل والآجل.
وهذا من ضعف البشر الذي لا يقويه إلا الإيمان.
معاشر الإخوة: يقول صلى الله عليه وسلم: "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها".
الجميع يرجع من ذهابه إلى الصباح عندما يغدو ويروح، وهو قد حمل نفسه إما من الحسنات، أو من السيئات.
ما منا -أيها الأحبة والإخوة الكرام-: إلا وعنده غلط، عنده خطأ، ربما عنده تضييع لبعض الواجبات، بل وانتهاك لبعض المحرمات، كل منا فيه تقصير بحسب علاقته بربه، كل منا تعرض له الغفلة بحسب حاله، كل منا عنده من التقصير ما عنده، يعرف ذلك بنفسه.
لكن هل يجوز أن نتكل على هذا الحديث؟ "كل بني آدم خطاء..." فنبقى على أخطائنا وعلى تقصيرنا دون أن نبادر إلى إصلاح نفوسنا، أو نسعى لإصلاح من حولنا، دون أن يوطن المرء المسلم منا نفسه على طاعة الله؟
كلا، طبعا، لا يجوز؛ لأن باب التوبة مفتوح لمثل هذا، لمثل هذه الأخطاء، أي نعم كلنا خطَّاء، ولكن خير الخطائين التوابون.
ولهذا قال أهل العلم: إن علاج الغلط، وعلاج التفريط بالأوامر، وعلاج ارتكاب المنهيات يكون بأمور؛ منها: أن يتعلم المرء ما يجب عليه، وأن يعلم حق الله -جل وعلا- عليه، فإذا علم واستشعر حق الله عليه، وما يجب عليه تجاه ربه، فإنه لن يعصيه، ولن يفرط في أمره.
إذ معرفة الله بأسمائه وصفاته؛ تلين القلب، وتحمل المرء على أن يوقر الله -جل وعلا-، ثم يلزم العمل الصالح.
فإذا لزم العمل الصالح، فإن الله ييسر له اجتناب المحرمات، ويوفقه للإقبال على الطاعات.
أمر محسوب، أليس كذلك؟
اليوم الذي تحسن فيه العبادة، وتجمع فيه قلبك على الخشوع والخضوع لله، والبعد عن المعاصي، ذلك اليوم تجد فيه من الأحوال ما لا تجده في يوم آخر؟
عندما تستيقظ لصلاة الفجر، وتصلي مع الجماعة، ينشرح صدرك، تجد في ذلك اليوم خشوعا في الصلاة، وإقبالا على تلاوة القرآن، وسعادة في القلب، وربما فتحت شريط في موعظة تجد أثر تلك الطاعات في أسرتك وعملك، بل إنك لتجد أثره حتى على نشاط جسدك.
ولذلك، فمن الواجب علينا أن نعرف حق الله، ونسعى في إصلاح أنفسنا، وأن يتعرف كل منا على خطأ نفسه، وعلى ما فيه من العيوب، كي يبادر إلى إصلاحها، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.
أيها الإخوة: أليس منا من هو مفرط في الصلاة؟ مع أن الصلاة من أكبر ما يؤثر في مصير الإنسان؟! يقول صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله" [رواه الطبراني].
أليس منا من هو مفرط فيها مع أنها أعظم أركان الإسلام العملية؟ أليس منا من يخرجها عن أوقاتها أحيانا؟ أليس منا من لا يؤديها في المساجد مع الجماعات كما أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟
إن من تأمل في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصلاة إلى الصلاة مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" [رواه مسلم].
فبمقدار اهتمامه للصلاة يكون تكفير الصلاة للصغائر.
بل قال بعض السلف: "إذا أردت أن تعرف مكانتك عند الله، فانظر إلى مكانة الصلاة في نفسك".
وله بعد ذلك أن يقيس بنفسه مدى إحسانه للصلاة، قال عليه الصلاة والسلام: "إن الرجل لينصرف من صلاته وما كتب له إلا عُشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها".
لو تأمل في قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه".
"لو يعلم الناس ما في التبكير إلى الصف، والتبكير إلى الصلاة،، ثم لم يجدوا أن يقرعوا بينهم قرعة لأقرعوا؛ لعلمهم بعظيم الأجر".
لو تأمل أحدنا في هذا الفضل العظيم الذي يخص الصف الأول فقط فكيف يفرط في الصلاة كلها؟
إذاً من كان منا يفرط في الصلاة، فليتق الله في نفسه لما جاء في حق الله في الصلاة، وليتق الله في حق نفسه عليه في حرمانها من ذلك الأجر العظيم، وربما سقوطها في المعصية.
أما المعصية في المال: فإن المرء إذا كان صاحب مال كثير، فقد يترك زكاة المال، إما كسلا، وإما شحا وخوفا على ماله.
على سبيل المثال: قد يملك خمسين مليونا، فينظر فإذا زكاته مليون و250 ألف، فيقول: لا، هذا المبلغ كبير! فيشح، ويتلاعب بالفرار من إخراج الزكاة، ثقيلة على نفسه.
لكن المؤمن إذا عرف أن الزكاة قرينة الصلاة، وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام، ثم ذعر من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34-35].
وقال: سبحان الله! إن وعيد مانع الزكاة لشديد!.
ثم عرف بعد ذلك: أن الزكاة طهرة: طهرة تزكي المال، وتزكي صاحب المال، وأنها طهرة للقلب، وطهرة للنفس؛ كما قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ)[التوبة: 103].
إذا عرف ذلك لربما تخلص من شح نفسه، وأدى حق زكاة ماله، ولو كانت كبيرة.
وإذا كان صاحب مال وذا مسئولية تجاه من يعول، ثم ترك حق الله فيما ما يتعلق بالنفقة، وحق الأهل، ذلك من واجب الإنفاق على زوجته وأولاده، ومن هو مكلف بالإنفاق عليهم في الإطعام والكسوة، أوسط إنفاق بلا إسراف ولا تفريط، إذا عرف سوء ذلك الخلق، وعرف الوعيد الشديد، لهذا الواجب، وعرف أن الله أدخل النار من أهمل في إطعام هرة، فكيف بمن أهمل في إطعام أهله؟
ربما إذا عرف ذلك يعود إلى رشده، ويتوب إلى الله، ويكفر عما أسلف من ظلم.
كذلك من طغى عليه المال، فرأى أن المال كل شيء في حياته، فأقبل على اكتسابه سواء أكان من غش في البيع، أو كان من أكل الربا الذي توعد الله فاعله بحرب من عنده، أو كان يأكل الرشوة، أو إعطائه لمن يشترطها، أو غش للأمانة، أو كان غير ذلك من أكل الأموال بالباطل، أو بالتعدي على حقوق الناس، بالغصب والاستيلاء على أموالهم.
وإذا زينت له نفسه حب المال، وغشي قلبه حب المال، وحب الدنيا، فليعلم أنه مسئول يوم القيامة عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ قبل أن تزول قدمه.
وأن المال الحرام إذا نبت منه جسده، أو جسد زوجته وأولاده من أبناء وبنات؛ فإن ذلك وبال عليه وعلى من بعده؛ لأن الجسد الذي ينبت من السحت الحرام تتولاه النار -نسأل الله السلامة والعافية-.
ولأن المال الحرام يرفع صاحبه يديه إلى الله فلا تستجاب له دعوة؛ كما في الحديث: "يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!".
فيخذل في أيام حاجته من مرض، أو فاقة، أو غير ذلك، يخذل فلا يقبل دعاؤه.
وأن عاقبة المال الحرام إلى قلة، ومحق في عدده، وفي بركته ومنفعته، فإذا لم يتق العبد ربه في ماله بعد معرفة كل هذه الحقائق، فليبحث عن قلب له، فإنه بلا قلب.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فما زلنا نتحدث عن العودة عن الأخطاء، والإنابة إلى الله -جل وعلا-.
هناك مشكلة كبيرة قلَّما نتنبه لها، إنها -أيها الكرام- مشكلة اللسان، قليلا ما يحفظ، قليلا ما يلجم، قليلا ما يضبط.
إذا رأى الواحد منا نفسه مسرعة في اغتياب الناس، وذكرهم بما يكرهون؛ يجب عليه أن يبادر إلى ترويض لسانه، ولا يستهين بذلك، فإن اللسان وإن كان صغيرا جرمه فإن جرمه كبير.
فقد سأل الصحابي الجليل معاذ -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أشار عليه السلام إلى لسانه، وقال: "أمسك عليك هذا" فقال: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون مما نتكلم به ؟ قال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم"[رواه الترمذي].
فلنتذكر هذا الحديث عندما نجلس في مجالسنا، وبالتالي نطهرها من الغيبة، ونحذر من النميمة، فهي دليل مرض في القلب؛ لأنه يعلم هذا النمام أن نقله للكلام السيئ يغلي الصدور، ويشعل العداوات، ومن رغم ذلك يسعى في نميمته.
أيها الإخوة: إن كل كلام مكتوب على صاحبه، يكتب عليه كل ما تلفظ به من خير أو شر، فلا يكنن أحد منا ممن يأتي يوم القيامة بحسنات فعلها هو فيراها تحال إلى من اغتابه، أو شتمه، أو من تعرض له بغمز، ونحو ذلك، فيبقى يوم القيامة فقيرا حسيرا لا يجد من حسناته شيئا، يرى حسناته تتطاير منه، وتنصرف إلى صحائف من اغتابهم، وأذاهم، وهو لا يملك من أمره شيئا.
لا أحد منا يريد أن يرى ذلك الموقف في نفسه.
فاللسان -يا إخوة- هو أحق من يلزم بطول صمت إلا فيما ينفع: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ)[النساء: 114].
معاشر المسلمين: النظر أليس له طالب؟ أليس عليه رقيب يعلم خائنة الأعين؟
من كان منا يرسل نظره، ويرسل طرفه في رؤية النساء في التليفزيون والمجلة، وغيرهما، ويتبع النظرة النظرة، ولا يرعى لأمر الله، ولا أمر رسوله سمعا ولا طاعة.
إذ يمر عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليس لك الثانية" [رواه أبو داود].
سأل جرير -رضي الله عنه- النبي - صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة، فقال: "اصرف بصرك"[رواه أبو داود].
فمن كان مريضا بالنظر يتتبع النساء، وينظر إلى هذه، وإلى هذه، فليبادر إلى علاجه، وهو أحق بالعلاج من أمراض البدن.
معاشر الإخوة: إن كلا منا -ولا شك- عنده قصور، وشيء من غفلة، لكن لا يجوز أبداً أن نسترسل مع أخطائنا، دون أن نحدث توبة.
يقول صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس توبوا إلى ربكم، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة" [رواه أحمد].
أسأل الله -تعالى- أن يجنبنا الإثم والظلم، وأن يقيمنا على الحق والهدى...
التعليقات