عناصر الخطبة
1/ دور العلم في تقدم الأمم 2/ دور الآباء في تفوق الأبناء في التعليم وبعض التوجيهات المتعلقة بذلك 3/ إرشادات ونصائح للمعلميناقتباس
بنورِ العلمِ، بإشراقةِ الفكرِ، ترسخ الهمم، وتشمخ الأمم، وهل أمةٌ سادت بغيرِ التعلمِ؟ وتأملوا الشرق والغرب من حولكم بما تفوقوا؟ وبما صنعوا واخترعوا؟ وبما سيطروا على القوة المادية؟ وصاروا يتحكمون في الشعوب المسلمة، التي كان لها في سالف زمنها صولة وجولة؟ فلما...
الخطبة الأولى:
أيها الأحبة المسلمون: لقد انتهت العطلة الصيفية بعد أشهر ملآى بالأفراح والأتراح، والغادين والرائحين، والأحياء والميتين، للمتأمل فيها عبرة، وللسالك فيها نظرة.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن أحسن فيها عملا، ولم يحمل فيها وزرا.
إن مشهد الآلاف وهي تتجه إلى المدارسِ والمعاهدِ والكليات لمنظرٌ يسرُ الناظرَ لمجدِ أمتهِ، الطموحَ لعزِ دينه.
بنورِ العلمِ، بإشراقةِ الفكرِ، ترسخ الهمم، وتشمخ الأمم، وهل أمةٌ سادت بغيرِ التعلمِ؟ وتأملوا الشرق والغرب من حولكم بما تفوقوا؟ وبما صنعوا واخترعوا؟ وبما سيطروا على القوة المادية؟ وصاروا يتحكمون في الشعوب المسلمة، التي كان لها في سالف زمنها صولة وجولة؟
فلما تركنا العلم، وأخلدنا إلى الدعة والراحة، واللعب والضياع، ضاع مجدنا، وضعفت قوتنا، ولانت شدتنا، فأصبحنا في عداد العالم الثالث، ونحن نملك أكبر قوة على الإطلاق، وهي قوة الدين، ولكننا لم نستمسك بنهجه المبين، فصرنا إلى ما لا يخفى عليكم، فعسى الله أن يخرج من رحم هذه الأمة من يبنون مجدها، ويعيدون مكانتها، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والعمل، وما ذلك على الله بعزيز.
إخوة الإسلام: لقد فتحت المدارس ولنا وإياكم وقفة هذا الأسبوع مع هذا الفارس، مع المربي الحارس، والزارع الغارس الذي تقوم على عاتقه الأجيال، مع واحد منا يجسد المعنى الأسمى للتربية والتعليم، نقف وإياكم مع المربي الفاضل، والموجه الكريم، معك أيها الوالد، معك أيها الولي البر: إننا بحاجة إلى أبٍ وولي مصلح يعي ويفقه متطلبات الشباب وحقوق البنوة على الأبوة، مع الأخ الأكبر إن كان إخوته أيتاما، مع الولي أيا كانت منزلته، ومكانه ومقامه.
إن بعض الآباء والأولياء يعتقد أن دوره لا يتعدّى شراءَ الكراريس والأقلام، وتسجيل الأبناء، وبعدها يتنفس الصعداء، ويظن أنه بذلك انتهى دوره، فألبس ابنه أحسن اللباس، وأدخله أفضل المدارس، فسيارةٌ تُقِلّه، وبيت يظله، ودراهمُ تملأُ جيبه، فماذا تريدون من هذا الولي؟ ألا يكفيكم ما بذله وأنفقه وفعله وحققه؟
نقول: بارك الله فيه، وفي بذله وعطائه، ولكن -أيها الولي الأبي-: أتدري أن الذي صنعته إنما هو واجب النفقة، وقد أديته بكل أمانة، فشكر الله لك، وأنت مأجورٌ على ذلك, فاحتسب ذلك عند الله -تعالى-، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أفضل دينار ينفقه الرجل دينارٌ ينفقه على عياله، ودينارٌ ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله" [رواه مسلم].
وله من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك".
فهل أرسلته للمدارس من أجل بدنه أم من أجل فكره وسلوكه؟ فإن كنت من أجل بدنه فقد وفيت وكفيت، وفرت الملابس، ووفرت الطعام والشراب، ووفرت وسيلة النقل، ووفرت المأوى، فلقد خدمت البدن، ونسيت العقل والفكر والسلوك.
يـا خادِمَ الجسمِ كم تسعى لخدمته *** أتعبتَ جسمكَ فيما فيه خُسْرَانُ
أقْبِلْ على الروح فاستكملْ فضائلَها *** فأنـت بالروح لا بالجسم إنسانُ
والله -جل وعلا- يقول: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ) [البقرة: 197]، ويقول جل ذكره: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: 26].
أيها الآباء والأولياء: مهمة التربية والتعليم ليست قصرا على المدرسة، وليست حصرا على سحابة الضحى، إنما في غدو النهار وآصاله، وفي تمام الليل واضمحلاله، لكم فيها النصيب الأكبر، والحظ الأوفر، أنت الفارس المغوار، والغيث المدرار، سماء تربيتك سحاء الليل والنهار، وأنتِ أيتها الأم كذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6 ] أنت المخاطب بهذه الآية وليس المعلم الذي في المدرسة، قال علي -رضي الله عنه- عن هذه الآية: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وأهليكم) أي علّموهم وأدّبوهم [رواه الحاكم وصححه].
ونحن نعلم مشاغلك، وكثرة وظائفك وارتباطاتك، وأعمالك ونشاطاتك، ولكن الأولاد هم الشغل الأشغل، والهم الأثقل، لن نعذر تقصيرك، ولن نُسقط التَّبِعَات عن الآباء والأمهات، ونلقي بالمسؤولية كاملة على كاهل المدرسة، الوالد هو المربي الأفضل، والمدرّس الأول.
وينشأُ نـاشئ الفِتْيان فينـا *** على ما كان عَوّدَهُ أبوهُ
وما دانَ الفتَى بحِجًى ولكن *** يُعَوّدُه التديُّنَ أقربـوهُ
المدارس -أيها المسلمون- تشتكي وليا لا يزورها، وأبا لا يدري أين سورها، تشتكي أبًا لا يرى التقارير الشهرية، لا يتابع الواجبات، ولا يهتم بالكراسات، لا يهتم بالتقويم، ولا يكترث للتقييم، دع أبناءك يشعرون بقربك لهم، وسؤالك عنهم، ووقوفك عليهم، ومشيك إليهم، زيارتك لمدارسهم، وعلاقتك بمعلمهم، يسهم في سد الفجوات، وحل المشكلات، وعلاج النزوات، يبعث فيهم الثقة، وينمي لديهم الرجولة، ويحدوهم للتفوق والنجاح.
أيها الولي: بارك الله فيك، وأقر عينك بأولادك، أنت مرجو بأن تتفهم رسالة المعلم وتؤازرها، لا أن تحطّمها وتدمّرها.
إن مدارسنا -بحمد لله- مَلآى بالأساتذة الصالحين، والمعلمين البارزين، والمربين الناصحين، الذين هم على قدرٍ عال من الأمانة والمسئولية، فلا تهدم ما بنته التربية بسلوكك وتصرفاتك، إن كنت مدمنا أمرا سيئا فاستتر حتى يعصمك الله منه، ولا تبديه أمام هؤلاء الأولاد فيعيشون اضطرابا تربويا، وعتها سلوكيا.
متى يبلغُ البُنْيَان يومًا تمامه *** إذا كنتَ تَبْنيهِ وغيرُك يهدِمُ
وما أكثر وسائل الهدم، لولا الله -سبحانه- ثم هذه المبادئ الراسخة، والثوابت الشامخة، فالفضائيات من ناحية، والمجلة الهابطة من جانب، ومواقع الإنترنت المنحرفة الحارفة من جهة، والشارع وصحبة السوء، وكثير مما ليس يخفى على كريم عقولكم، وفاضل ألبابكم، معاول الهدم كثيرة، وأملنا فيك -أيها الولي الكريم- أن تقف في وجه هذا الزخم لا أن تعج في أثره.
أرى ألفَ بانٍ لا يقوم لهادِمٍ *** فكيف ببانٍ خلفَه ألفُ هادِمِ
فالله الله بهذه الأمانة التي في أعناقكم، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته".
فاتقوا الله في هذه الذرية: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
معشر الآباء والأمهات.
إن المعـلمَ والطبيبَ كلاهُما *** لا يَنْصَحَانِ إذا همـا لم يُكْرَمَـا
فاصبر لدائك إن أهنتَ طَبِيبَهُ *** واصبر لجهلك إن جَفَوْتَ مُعلّما
اللهَ اللهَ في حقوق المعلمين والمعلمات، اغرسوا في قلوب أبنائكم وبناتكم حب العلم والعلماء، وإجلال المعلمين والمعلمات، وتوقيرهم واحترامهم، طلبًا لمرضاة الله -سبحانه وتعالى-.
علّموهم الأدب قبل أن يجلسوا في مجالس العلم والطلب.
علّموهم الأدب مع الكبار والعطف على الصغار.
علموهم الهدوء واحترام المساجد ودور العلم والعبادة.
علموهم احترام الآخرين، وتوقير المسلمين.
صلوا وسلموا -عباد الله- على خير أنبياء الله وصفوة خلق الله؛ محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك ربكم -سبحانه-، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
التعليقات