الغيرة على الأعراض

ناصر بن محمد الأحمد

2015-01-26 - 1436/04/06
عناصر الخطبة
1/غيرة العرب في الجاهلية 2/أهمية الغيرة في الإسلام 3/نماذج رائعة في غيرة الصحابة 4/ضعف غيرة المسلمين في الوقت الحاضر وبعض مظاهر ذلك 5/أسباب ضعف الغيرة وبعض وسائل تقويتها 6/تشريعات إسلامية من أجل صيانة المجتمع وحمايته
اهداف الخطبة

اقتباس

أيها المسلمون: لما جاء الإسلام حمد الغيرة، وشجع المسلمين عليها، ذلك أنها إذا تمكنت في النفوس كان المجتمع كالطود الشامخ حميةً ودفاعاً عن الأعراض؛ إنها الغيرة -يا عباد الله- الغيرة على الأعراض، وحماية حمى الحرمات، إن كل امرئٍ عاقلٍ، بل كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

حديثي إليكم اليوم عن أمر يهم الرجل والمرأة، بل يهم الأسرة المسلمة، أمرٌ بدأنا نشاهد تناقصه وتلاشيه في بعض الأحيان، ألا وهو ضعف الغيرة على الأعراض.

 

أمر يستحق النقاش والطرح بكل صراحة؛ لأن التساهل فيه يهدد المجتمع بأسره.

 

أيها المسلمون: لقد كان العرب في الجاهلية يعدون المرأة ذروة شرفهم، وعنوان عرضهم، ولذلك فقد تفننوا في حمايتها، والمحافظة عليها، والدفاع عنها زوجة وأماً، ابنةً وأختاً، قريبةً وجارةً، حتى يظل شرفهم سليماً من الدنس، ويبقى عرضهم بعيداً من أن ُيمس.

 

ولم يكن شيء يثير القوم كالاعتداء على نسائهم أو المساس بهنّ، ولذلك كانوا يتجشمون في الدفاع عنهنّ كل صعب، لقد كانت الغيرة تولد مع القوم وكأنهم رضعوها فعلاً مع لبان الأمهات.

 

وفي بيئة العرب التي قامت فيها الأخلاق على الإباء والاعتزاز بالشرف كان لابد للرجال والنساء من العفة ومن التعفف؛ لأن العدوان على العرض يجر الويلات والحروب، وكان لابد من الغيرة على العرض حتى لا يخدش.

 

والعفة شرط من شروط السيادة، فهي كالشجاعة والكرم، وكان العرب أغير من غيرهم؛ لأنهم أشد الناس حاجة إلى حفظ الأنساب، ولذلك قيل: "كل أمة وُضعت الغيرة في رجالها، وُضعت الصيانة في نسائها".

 

وقد وصل العرب في الغيرة أن جاوزوا الحد، حتى كانوا يأدون بناتهم مخافة لحوق العار بهم من أجلهنّ.

 

وأول قبيلة وأدت من العرب: قبيلة ربيعة، وذلك أنهم أُغِيرَ عليهم فنهبت بنت لأمير لهم، فاستردها بعد الصلح، وخُيّرَت على رضى منها بين أبيها ومن هي عنده، فاختارت من هي عنده، فغضب والدها وسن لقومه الوأد ففعلوه غيرةً منهم، وشاع الوأد في العرب بعد ذلك، حتى جاء الإسلام وحرمها: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)[التكوير: 8- 9].

 

ومن نخوة العرب وغيرتهم أنه كان من عادتهم إذا وردوا المياه أن يتقدم الرجال والرعاء، ثم النساء، حيث يغسلن أنفسهنّ وثيابهنّ ويتطهرن آمنات، ممن يزعجهنّ، فمن تأخر عن الماء حتى تصدر النساء فهو الغاية في الذل.

 

وقد أشاد الشعراء بعفة النساء وتمنعهنّ ووفائهنّ، قال علقمة بن عبدة:

 

 منعمةٌ ما يستطاع كلامها *** على بابها من أن تزار رقيب

إذا غاب فيها البعل لم تفش سره *** وترضى إياب البعل حين يئوب

 

وكانوا يفخرون بغض البصر عن الجارات، ويعتبرون ذلك من العفة والغيرة على الأعراض، كان كشف الستر بجارح النظرات، وهتك الأعراض بخائنة الأعين، وفضح الأسرار باستراق السمع لا يترفع عنه إلا كل عفيف، وما أجمل قول عروة ابن الورد:

 

وإن جارتي ألوت رياحٌ ببيتها *** تغافلتُ حتى يُستر البيت جانبه

 

وقول عنترة:

 

وأغض طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها

 

أيها المسلمون: كان هذا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام حمد الغيرة، وشجع المسلمين عليها، ذلك أنها إذا تمكنت في النفوس كان المجتمع كالطود الشامخ حميةً ودفاعاً عن الأعراض.

 

إنها الغيرة -يا عباد الله- الغيرة على الأعراض، وحماية حمى الحرمات.

 

إن كل امرئٍ عاقلٍ، بل كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن يكون عرضه محل الثناء والتمجيد، ويسعى ثم يسعى ليبقى عرضه حرماً مصوناً لا يرتع فيه اللامزون، ولا يجوس حماه العابثون.

 

إن كريم العرض ليبذل الغالي والنفيس للدفاع عن شرفه، وإن ذا المروءة يقدم ثروته ليسد أفواهاً تتطاول عليه بألسنتها أو تناله ببذيء ألفاظها.

 

نعم، إنه ليصون العرض بالمال، فلا بارك الله بمال لا يصون عرضاً.

 

بل لا يقف الحد عند هذا، فإن صاحب الغيرة ليخاطر بحياته ويبذل مهجته، ويعرض نفسه لسهام المنايا عندما يُرجم بشتيمة تُلوّث كرامته.

 

يهون على الكرام أن تصان الأجسام لتسلم الأعراض، وقد بلغ ديننا في ذلك الغاية حين قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "من قتل دون أهله فهو شهيد".

 

أيها المسلمون: بصيانة العرض يتجلى صفاء الدين وجمال الإنسانية، وبتدنسه ينـزل الإنسان إلى أرذل الحيوانات بهيمية، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "إذا رحلت الغيرة من القلب ترحَّلت المحبة، بل ترحل الدين كله".

 

ولقد كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أشد الناس غيرة على أعراضهم، روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال يوماً لأصحابه: "إن دخل أحدكم على أهله ووجد ما يُريبُه أَشْهَدَ أربعاً" فقام سعد بن معاذ متأثراً، فقال: يا رسول الله: أأدخل على أهلي فأجد ما يُريبُني انتظر حتى أُشهد أربعاً؟ لا والذي بعثك بالحق! إن رأيت ما يُريبُني في أهلي لأطيحنَّ بالرأس عن الجسد، ولأضربنَّ بالسيف، وليفعل الله بي بعد ذلك ما يشاء؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "أتعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن"[والحديث أصله في الصحيحين].

 

من حُرم الغيرة حرم طُهر الحياة، ومن حرم طُهر الحياة فهو أحطُّ من بهيمة الأنعام.

 

ولا يمتدح بالغيرة إلا كرام الرجال وكرائم النساء.

 

إن الحياة الطاهرة تحتاج إلى عزائم الأخيار، وأما عيشة الدَّعارة فطريقها سهل الانحدار والانهيار، وبالمكاره حفت الجنة، وبالشهوات حفَّت النار.

 

اسمع -أخي المسلم- إلى هذه القصة التي ذكرها البخاري في صحيحه في "كتاب النكاح"، "باب الغيرة لترك شيئاً من غيرة أولئك الرجال"، تقول أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-: "تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أُعلّف فرسه وأستقي الماء وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ فجئت يوماً والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني قد استحييت، فمضى، فجئت الزبير، فقلت: لقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك، فقال: والله لحملك النوى كان أشد عليّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلى أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني".

 

هذا نموذج من غيرة الصحابة -رضي الله عنهم- وهو الزبير -رضي الله عنه-.

 

أما سعد بن عبادة، فغيرته عجب من العجب، وقد عرف بين الأنصار بذلك، فإنه رضي الله عنه، ما تزوج امرأة قط إلا عذراء، ولا طَلّق امرأة فاجترأ رجل من الأنصار أن يتزوجها من شدة غيرته.

 

أين هؤلاء من بعض الرجال في زماننا هذا مع نسائهم؟ فالنساء أصبحن يملأن الشوارع والأسواق والبقالات، بل وفي كل مكان مليء بالرجال نجد مزاحمة النساء لهم، وهن متبرجات، متهتكات سافرات عن الوجوه، قد وضعن على وجوههن جميع أنواع المساحيق والزينة، والعجيب في الأمر أنك ترى مع المرأة المتبرجة السافرة أخاها أو أباها أو زوجها وهو يمشي معها، ويضاحكها على مرأى من الناس، وهو مع ذلك لا يستحي من نفسه، ولا يخجل من مشاهدة الناس له، بل ولا يغار على زوجته أو ابنته أو أخته، وقد خرجت سافرة متبرجة في أبهى زينة قد عصت الله ورسوله، ترمقها أعين الذئاب الجائعة وهو يعرضها بهذه الهيئة المبتذلة الخارجة عن الستر والحياء والعفة، وكأنه لم يصنع شيئا بدعوى التقدمية الديوثية.

 

وهذا -مع كل أسف- أصبح من المناظر المألوفة وغير المستنكرة، وإلاّ متى عُرف في مجتمعنا أن تكشف المرأة عن وجهها، فأين هي الغيرة على الأعراض؟

 

وإنك لتعجب أشد العجب عندما ترى رجلا تقوده زوجته في البقالة تزاحم الرجال لتشتري ما تريد وقد حسرت عن ذراعيها وكشفت عن وجهها أو عينيها، وهو معها كأنه مجرد خادم أو دمية لا يحرك ساكناً.

 

فهل وصل بنا الحال -يا أمة الإسلام- أننا لا نستطيع شراء شيء من البقالة إلا مع الزوجة؟ وهل شراء المعلبات من البقالة يحتاج إلى خروج الأسرة كلها لتقضي ما بين العصر والمغرب أو ما بين المغرب والعشاء في البقالة وتزاحم الرجال، فأين هي الغيرة على الأعراض؟

 

وأعجب من ذلك أن أصبح السائق في كثير من البيوت، وكأنه أحد أفراد العائلة، تخرج المرأة معه ولوحدها إلى أي مكان تريد، وولي أمرها غائب لا يسأل عنها، ولا يسألها متى خرجت وإلى أين ذهبت؟ فأين هي الغيرة على الأعراض؟.

 

 وما عجبي أن النساء ترجلت *** ولكنّ تأنيث الرجال عجاب

 

بل من المناظر المزعجة والمؤلمة في هذا الباب، بابٌ تساهل فيه كثير من الرجال، وذلك باصطحاب بناتهم ونسائهم إلى أماكن الترفيه العامة، أو إلى أماكن تقام فيه العروض باسم الترفيه والسياحة، وهذه الأماكن معروفة بشدة الزحام، واحتكاك الناس بعضهم ببعض، فيتجمع في المكان الواحد أحياناً أكثر من أربعة آلاف شخص، وتخيل مثل هذا الوضع، ويأتي الرجل بمحارمه، ويضعهم في وسط هذا المكان.

 

ماذا تتوقع أن يفعل شاب مراهق، وقد التصق جسده بجسد امرأة في مكان ضيق مزدحم؟

 

الأمر المتوقع معروف، وليس هذا المثال ضرب من الخيال، بل هو حكاية واقع مشاهد موجود.

 

السؤال مرة أخرى: أين هي الغيرة على الأعراض؟ وهل وصل موت الإحساس عند بعض الرجال إلى هذا الحد؟

 

هل تنتظر -أيها الرجل- حتى تأتيك بلية أو تصاب بمصيبة في عرضك حتى تنتبه؟

 

ولا أظن أنه يخفاكم كثرة جرائم الأعراض سواء كان برضى أو بغير رضى.

 

أيها المسلمون: إن لضعف وموت الغيرة في قلوب الرجال أسباب عديدة، من ذلك: ما جلبته مدنية هذا العصر من ذبح صارخ للأعراض، ووأدٍ كريه للغيرة، تعرض تفاصيل الفحشاء من خلال وسائل نشر كثيرة، بل إنه ليرى الرجل والمرأة يأتيان الفاحشة وهما يعانقان الرذيلة غير مستورين عن أعين المشاهدين.

 

لقد انقلبت الحال عند كثير من الأقوام، بل الأفراد والأسر حتى صار الساقطون الماجنون يُمثلون الأسوة والقدوة، وِسامَ افتخارٍ وعنوان رجولة.

 

هل غارت من النفوس الغيرة؟ وهل غاض ماؤها؟ وهل انطفأ بهاؤها؟ هل في الناس دياثة؟ هل فيهم من يقر الخبث في أهله؟ لا يدري الغيور من يخاطب؟ هل يخاطب الزواني والبغايا؟ وإلا فأين الكرام والحرائر؟.

 

وإن مما ساعد على هتك أسوار الغيرة عند كثير من الناس أيضاً: ما ألفوه من أغانٍ ساقطة، وأفلام آثمة، وسهرات فاضحة، وقصص داعرة، وملابس خالعة، وعبارات مثيرة، وحركات فاجرة، ما بين مسموع ومقروء ومشاهد، في صور وأوضاع يندى لها الجبين في كثير من البلاد والأصقاع -إلا من رحم الله-، على الشواطئ والمتنـزهات، وفي الأسواق والطرقات -فلا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل-؟.

 

ما هذا البلاء؟ كيف يستسيغ ذوو الشهامة من الرجال، والعفة من النساء لأنفسهم ولأطفالهم، لفتيانهم ولفتياتهم، هذا الغثاء المدمّر من ابتكارات البث المباشر وقنوات الفضاء الواسع؟ أين ذهب الحياء؟ وأين ضاعت المروءة؟ أين الغيرة من بيوت هَيأت لناشئتها أجواء الفتنة، وجرتها إلى مستنقعات التفسخ جراً، وجلبت لها محرضات المنكر تدفعها إلى الإثم دفعاً، وتدعُّها إلى الفحشاء دعّاً؟.

 

أيها المسلمون: إن طريق السلامة لمن يريد السلامة -بعد الإيمان بالله ورحمته- ينبع من البيت والبيئة.

 

فهناك بيئات تُنبت الذل، وأخرى تُنبت العز، وثمة بيوتات تظلها العفة والحشمة، وأخرى ملؤها الفحشاء والمنكر.

 

لا تحفظ المروءة، ولا يسلم العرض إلا حين يعيش الفتى، وتعيش الفتاة في بيت محتشم محفوظ بتعاليم الإسلام، وآداب القرآن، ملتزم بالستر والحياء، تختفي فيه المثيرات، وآلات اللهو والمنكر، يتطهر من الاختلاط المحرم.

 

فالغيرة الغيرة -يا عباد الله- اعلموا أن الحمو الموت، واحذروا السائق والخادم وصديق العائلة وابن الجيران، ناهيك بالطبيب المريب والممرض المريض، وإياكم واحذروا الخلوة بالبائع والمدرس في البيت، حذار أن يظهر هؤلاء وأشباههم على عورات النساء.

 

فذلكم اختلاط يتسع فيه الخرق على الراقع، وتصبح فيه الديار من الأخلاق بلاقع.

 

أيها المسلمون: تأملوا لماذا وصفت المحصنات في القرآن بالغافلات؟

 

وصفٌ لطيفٌ محمودٌ، وصفٌ يُجسد المجتمع البريء، والبيت الطاهر الذي تشب فتياته زهراتٍ ناصعاتٍ لا يعرفن الإثم، إنهنّ غافلاتٍ عن ملوثات الطباع السافلة، فإذا كان الأمر كذلك فتأملوا كيف تتعاون الأقلام الساقطة، والأفلام الهابطة، لتمزق حجاب الغفلة هذا، ثم تتسابق وتتنافس في شرح المعاصي، وفضح الأسرار وهتك الأستار، وفتح عيون الصغار قبل الكبار، ألا ساء ما يزرون؟.

 

أيها المسلمون: إن لم تغاروا فاعلموا أن ربكم يغار، فلا أحدَ أغيرُ من الله من أجل ذلك حرم الفواحش، يا أمة محمد لا أحدَ أغيرُ من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، وربكم يمهل ولا يهمل، وإذا ضُيِّع أمر الله وذهبت على إثرها الغيرة من قلوب الرجال، فلا تستنكر بعد ذلك الخيانات البيتية، والشذوذات الجنسية، وحالات الاغتصاب وجرائم القتل، وألوان الاعتداء؟.

 

نسأل الله -تعالى- أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

بارك الله لي ولكم ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه ...

 

أما بعد:

 

ومن أجل أن يكون المجتمع المسلم نظيفاً، أمر الإسلام بعدد من الأوامر والنواهي، ليحفظ هذا المجتمع طاهراً نقياً، وتصبح مظاهر الغيرة فيه جلية.

 

فمن علامات هذا النقاء: الحجاب، ولذلك فرض الله على المسلمات ستر مفاتنهن، وعدم إبداء زينتهن، يقول تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[النــور: 31].

 

وقال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33].

 

ومن علامات النقاء: تحريم الإسلام الدخولُ على النساء لغير محارمهم كما حرم الخلوة بهن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إياكم والدخولُ على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت".

 

والحمو أخو الزوج، وما أشبهه من أقاربه.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" فقام رجل فقال: يا رسول الله امرأتي خرجت حاجة، واكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ارجع فحج مع امرأتك"[رواه البخاري].

 

تطهير وتحصين لهذا المجتمع الفاضل، فلا خلوة ولا ريبة، وحتى الجهاد يؤمر الرجل بتأجيله من أجل أن يحج مع امرأته، فلا تسافر لوحدها.

 

ومن لوازم هذه الغيرة: الحياء، قال صلى الله عليه وسلم : "الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة"[رواه ابن حبان].

 

ومن ذلك أيضاً: غض البصر، قال الله -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)[النــور: 30- 31].

 

قال صاحب الظلال -رحمه الله-: "إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة، ولا تستثار فيه دفعات اللحم والدم في كل حين، والنظرة الخائنة، والحركة المثيرة، والزينة المتبرجة، والجسم العاري، كلها لا تصنع شيئاً إلا أن تُهيّج ذلك السعار الحيواني المجنون! وإحدى وسائل الإسلام إلى إنشاء مجتمع نظيف هي الحيلولة دون هذه الاستثارة، وإبقاء الدافع النظري العميق بين الجنسين سليماً" [انتهى].

 

أيها المسلمون: لقد بدأت الأخلاق تتغير عند الكثيرين، مع ضعف الوازع الديني، وهجمة الغرب الشرسة، حتى بدت المظاهر المنحرفة عجيبة في العلاقات الاجتماعية والأخلاقية.

 

ابتعد كثيرون عن الواقع النظيف، وحتى غيرة أهل الجاهلية، انحدرت وتلاشت في كثير من الأوساط، إذ أصبح الاختلاط بين ما يسمى بالأسر التقدمية شائعاً، حيث الأحاديث المشتركة، والموائد المختلطة بحجة أن هذا أخ الزوج أو ابن العمّ.

 

وختاماً: من كان فيه تهاونا من ناحية إخراجه لأهله متبرجات وسافرات أن يتقي الله -عز وجل- وأن يعلم أنه قد ورد وعيد شديد فيمن لا يغار على أهله؛ قد روى النسائي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله : "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة، والديوث"[وهو حديث صحيح].

 

والديوث: هو الذي لا يغار على أهله.

 

اللهم رحمة اهد بها قلوبنا ...

 

 

 

المرفقات
الغيرة على الأعراض1.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life