بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
صار الغضب في عصرنا الحاضر داءا عضالاً يعاني منه كثير من الناس مما نتج عنه التدابر والتباغض والتحاسد وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى إزهاق الأنفس، والأرواح بسببه، وهذه كلها أشياء حرمها الشارع ونهى الناس عنها، ولعل السبب الرئيسي لطغيان هذه الظاهرة - الغضب- هو ابتعاد الأمة عن الفهم الصحيح لدينها، وتحكيم أهوائها بدل تحكيم شريعة ربها ونبيها فأصبح الناس اليوم يسمون الأشياء بغير أسمائها، فسموا الخمر بغير اسمه فقالوا إنه مشروب روحي ليصدق عليهم قول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: «يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها»([1]).
وهذا ينطبق على الغضب أيضا، فجعلوه رجولة وقوة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»([2]).
ولعل تفشي هذه الظاهرة -الغضب- وسريانها في جسد الأمة سريان النار في الهشيم، جعلني أفكر في إنجاز هذا البحث لإيضاح هذه المسألة مستعينا بالخطة التالية:
-الفصل الأول: جعلته في مبحثين وهما: الغضب في اللغة والاصطلاح والنصوص الواردة فيه، وتحت كل مبحث مطلبان:
- الفصل الثاني: جعلت فيه ثلاثة مباحث: الأول تحدثت فيه عن أنواعه والثاني عن آثاره والثالث تكلمت فيه عن علاجه، وتحت كل مبحث مطلبان.
والله ولي التوفيق.
الفصل الأول:
بيان معنى الغضب والنصوص الواردة فيه في الكتاب والسنة:
- المبحث الأول: الغضب لغة واصطلاحا
المطلب الأول: الغضب لغة
الغضب لغة: «نقيض الرضا، وقد غضب عليه غضبا ومغضبة، وأغضبته أنا فتغضب، وغضب له: غضب على غيره من أجله، وذلك إذا كان حيان فإن كان ميتا قلت: غضب به، وغاضبت الرجل، أغضبته وأغضبني وغاضبه راغمه، وفي التنزيل العزيز ﴿ذا النون إذ ذهب مغاضبا﴾([3])، قيل مغاضبا لربه، وقيل مغاضبا لقومه، والأول أصح لأن العقوبة لم تحل به إلا لمغاضبته ربه، وقيل ذهب مراغما لقومه وامرأة غضوب أي عبوس وقولهم غضب الخيل على اللجم، كنوا بغضبها عن عضها على اللجم كأنها إنما تعضه لذلك...
واستعاره الراعي للقدر فقال:
إذا أحمشوها بالوقود تغضبت على اللحم حتى تترك العظم باديا
وإنما يريد أنها يشتد غليانها فينضج ما فيها حتى ينفصل اللحم من العظم...
والغَضُوب: الحية الخبيثة والغُضاب: الجذري... والمغضوب: الذي قد ركبه الجدري...
وغُضِبَ بصر فلان: إذا انتفخ من داء يصيبه يقال لـه الغضاب، والغِضاب... وغضبت عينه وغُضبت ورم ما حولها، وقال الفراء: الغُضابي: الكدر في معاشرته ومخالقته... والغَضَبُ: الثور والغَضْبُ: الأحمر الشديد الحمرة»([4]).
قال الأزهري في تهذيب اللغة: «قال الليث: رجل غَضُوب: شديد الغضب، قال أبو عبيدة عن الفراء: رجل غُضُبَّةٌ وغَضَبَّةٌ بفتح العين وضمها إذا كان يغضب سريعا»([5]). وزاد صاحب القاموس صفات أخرى لسريع الغضب هي: غَضِبٌ وغُضُبٌّ وغضبان، وهي غضبى وغضوب، وغضبانة قليلة([6])*.
المطلب الثاني: الغضب في الاصطلاح:
عرف العلماء الغضب بتعريفات كثيرة، منها ما ذكره الإمام الغزالي فقال أن الغضب هو: «غليان دم القلب بطلب الانتقام»([7])، ونجد الراغب الأصفهاني عرف الغضب بأنه: «ثوران القلب وإرادة الانتقام»([8])، أما ابن الملقن فقال أنه: «فوران القلب وغليانه لإرادة الانتقام» ([9]).
هذه التعريفات وإن اختلفت بعض ألفاظها إلا أنها أجمعت على أن الغضب حالة نفسية تصيب الإنسان عند حدوث بعض الأمور المهيجة له، فينتج عنه ارتفاع ضغط الدم، وتغير اللون وانتفاخ العروق.
فحقيقته أنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب الآدمي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الغضب أنه: «جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه»([10]).
ومن الناحية الطبية فإن هذا الغليان ينتج عن غدد تسمى "الأردنالية" عندما يغضب ابن آدم تفرز مادة الأدرنالين في الدم، فيسبب ذلك ارتفاعا في ضغط الدم، فيضغط الدم على القلب، وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن كما يرتفع الماء الذي يغلي في القدور، ولذلك يحمر الوجه والعين والبشرة، وكل ذلك يحكي لون ما وراءه من حمرة الدم، كما تحكي الزجاجة لون ما فيها، وهذا الغليان يتفاوت بتفاوت القدرة على الانتقام، فإن علم القدرة على من غضب عليه انبسط الدم وسار في الجسد وتغير اللون، أما إن كان معه يأس في الانتقام انقبض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب، فيصفر لونه، أما إن كان مترددا في القدرة على الانتقام تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويضطرب([11]).
- المبحث الثاني: النصوص الواردة فيه
المطلب الأول: الآيات القرآنية
ورد مصطلح الغضب في القرآن الكريم ثلاثا وعشرين مرة، موزعة على أربعة عشر سورة وهي: (البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، طه، النور، النحل، الأعراف، الأنفال، الأنبياء، الفتح، الشورى، الممتحنة، الفاتحة) وسنورد هذه الآيات مع وضع عناوين تكون مناسبة لما تضمنته من المعاني والحكم، مع تفسيرها وذكر أقوال علماء التفسير فيها:
أ- غضب الله على قاتل النفس عمدا:
يقول الله عز وجل: ﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما﴾([12])، هذا وعيد خطير لمن تعاطى هذه الموبقة المحرمة لأن غضب الله لا يكون إلا على من اجنزأ على حرماته، وضيع أوامره، يقول الشيخ السعدي: «لم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد... ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده، أن يجازى صاحبه بجهنم، بما فيها من العذاب العظيم والخزي المهين، وسخط الجبار وفوات الفوز والفلاح وحصول الخيبة والخسار...» ([13]).
ولخطورة هذا الأمر،فقد جاءت آيات وأحاديث كثيرة بتهديد شديد، ووعيد أكيد، لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، من ذلك قوله تعالى: ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق﴾([14])، وقوله: ﴿الذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس، التي حرم الله إلا بالحق﴾([15])، ونلاحظ في الآية الثانية أن الله عز وجل جعل قتل النفس مقرونا بالشرك، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم قتل النفس من الكبائر المهلكة، فقال: «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق...» ([16])، وقوله أيضا: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم»([17]).
ب- غضب الله على المرتدين عن الإسلام:
قال تعالى: ﴿من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم، بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين﴾([18])، قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: «أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر، وشرح صدره بالكفر واطمأن به، أنه قد غضب عليه لعلمهم بالإيمان، ثم عدولهم عنه، وأن لهم عذابا عظيما في الدار الآخرة لأنهم استحبوا الدنيا على الآخرة فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا»([19]).
وقال الشيخ السعدي: «يخبر تعالى عن شناعة حال من كفر بالله من بعد إيمانه فعمي بعدما أبصر ورجع إلى الضلالة بعدما اهتدى وشرح صدره بالكفر، راضيا به مطمئنا، أن لهم الغضب الشديد من الرب الرحيم، الذي إذا غضب لم يقم لغضبه شيء وغضب عليهم كل شيء»([20]).
إذن فهذا الفعل الشنيع، وهو الارتداد عن الإسلام يغضب الله عز وجل، على فاعله، ويعد له عذابا عظيما، فنعوذ بالله من الارتداد عن دينه، ونسأله الثبات عليه حتى نلقاه.
ج- غضبه تعالى على من تولى يوم الزحف:
يقول تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار، ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير﴾([21]).
نهى الله تعالى عن التولي يوم الزحف، وغضب على من فعل ذلك، باستثناء المتحرف والمتحيز، قال الشوكاني رحمه الله: «متحرفا لقتال» التحرف: الزوال عن جهة الاستواء، والمراد به هنا التحرف من جانب إلى جانب في المعركة طلبا لمكائد الحرب وخدعا للعدو...."أو متحيز إلى فئة" أي إلى جماعة من المسلمين غير الجماعة المقابلة للعدو...." فقد باء يغضب من الله" المعنى من ينهزم ويفر من الزحف فقد رجع بغضب كائن من الله إلا المتحرف والمتحيز»([22]).
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الفرار من الزحف، من السبع المهلكات كما جاء في أحاديث كثيرة([23])، فلا جرم إذن، أن يستحق فاعله الغضب من الله.
د- غضب الله على من يسيء الظن به ويجادل في دينه:
يقول الله عز وجل: ﴿ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا﴾([24])، قال الشيخ السعدي: «أما المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات فإن الله يعذبهم... حيث كان مقصودهم خذلان المؤمنين وظنوا بالله ظن السوء أنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته، وأن أهل الباطل ستكون لهم الدائرة على أهل الحق، فأدار الله عليهم ظنهم وكانت دائرة السوء عليهم في الدنيا وغضب الله عليهم بما اقترفوه من المحادة لله ورسوله»([25]).
ويقول تعالى: في شأن الذين يجادلون في دينه: ﴿والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد﴾([26])، يقول الإمام ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: « والذين يخاصمون في دين الله الذي ابتعث به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من بعدما استجاب لـه الناس...."حجتهم داحفة" يقول: خصومتهم التي يخاصمون فيه باطلة ذاهبة عند ربهم، "وعليهم غضب" يقول: وعليهم من الله غضب، ولهم في الآخرة عذاب شديد وهو عذاب النار...» ([27]).
هـ غضب الله على اليهود:
من تدبر آيات القرآن الكريم عرف أن الله عز وجل لم يغضب على أحد قط مثلما غضب على اليهود، ذلك لأنهم ما تركوا أمرا إلا ضيعوه، ولا نهيا إلا فعلوه، ولا حدا إلا اعتدوه، فقد نجاهم الله عز وجل من فرعون وبطشه فما جاوز بهم موسى عليهم السلام البحر حتى قالوا له: ﴿يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم ءالهة﴾ ([28]). وتكبروا عن عبادة الله، والإيمان به فطلبوا من موسى عليه السلام أن يروا الله عز وجل، جهرة حتى يومنوا به. ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) ([29]). وامتنعوا من القتال مع موسى عليه السلام، فقالوا استهزاءا منه (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ([30])، فحكم عليهم الله عز وجل بالتيه في الأرض، بعد إعراضهم عن القتال فقال تعالى: (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تاس على القوم الفاسقين) ([31]). وحرفوا كلام الله عز وجل، فبعدما قال لهم: (وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة يغفر لكم خطاياكم وستزيد المحسنين) ([32])، خالفوا الأمر، فدخلوا يزحفون على أستاههم*، وقالوا حطة حبة في شعرة، وهذا ما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا وقالوا: حطة حبة في شعرة»([33]).وقد أمرهم الله عز وجل باجتناب الصيد يوم السبت، فأبوا إلا أن يخادعوا الله عز وجل، فاصطادوا في السبت، فمسخهم الله قردة وخنازير، يقول تعالى: ﴿ ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين﴾([34])، كما أنهم تجرؤوا على الأنبياء فقتلوهم وكفى بها من معصية، يقول تعالى: ﴿وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بئايات الله ويقتلون النبيئين بغير الحق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون﴾([35]).
إذن فهؤلاء القوم - اليهود- عصوا ربهم بما لم يعصه به احد، من العالمين، فكانت صفة الغضب لازمة لهم من الله عز وجل، لكفرهم، وعنادهم وبغيهم، يقول الله تعالى: ﴿بيسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين﴾([36])، قال الإمام ابن القيم «الغضب الأول: بسبب كفرهم بالمسيح، والغضب الثاني: بسبب كفرهم بمحمد صلوات الله وسلامه عليه»([37]).
ولذلك نهانا الله عز وجل عن توليهم ومودتهم، فقال تعالى: ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم﴾([38])، لئلا يصيبنا مثل ما أصابهم من غضبه سبحانه وتعالى، كما أمرنا أيضا أن نطلب منه الهداية إلى الصراط المستقيم وأن ينجينا من صراط المغضوب عليهم فقال: ﴿اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ ([39]).
م- غضب موسى عليه السلام على قومه:
وكان سبب غضبه عليه السلام، هو اتخاذ قومه العجل للعبادة، قال تعالى: ﴿ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بيسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه﴾([40])، قال القرطبي: رحمه الله: «وأسفا: شديد الغضب قال أبو الدرداء: الأسف منـزلة وراء الغضب أشد من ذلك، وقال الطبري : أخبره الله عز وجل قبل رجوعه أنهم قد فتنوا بالعجل فلذلك رجع وهو غضبان... »([41]).
فهذا الغضب جاء من موسى عليه السلام كردة فعل على فعلتهم الشنيعة فبدل أن يشكروا الله تبارك وتعالى الذي نجاهم من فرعون، جعلوا لأنفسهم عجلا يعبدونه من دون الله، لا يملك ضرا ولا نفعا، بل* هو من أبلد الحيوانات وأقلها دفعا على نفسه بحيث يضرب به المثل في البلادة والذل... ([42]).
وقد ورد الغضب في هذه الآية بصيغة المبالغة على وزن فعلان (غضبان) مما يدل على أن الغضب وصل بموسى عليه السلام إلى أبعد الحدود، «حتى ألقى الألواح عن رأسه، وفيها كلام الله الذي كتبه له، وأخذ برأس أخيه ولحيته، ولو يعتب الله عليه في ذلك، لأنه حمله الغضب لله»([43])، فلم يملك نفسه.
وبعد ذلك، يقول تعالى: ﴿ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح﴾([44])، أي لما سكن عن موسى الغضب أي غضبه على قومه، أخذ الألواح التي كان ألقاها من شدة الغضب على عبادتهم العجل غيرة لله وغضبا له([45])، ولم يكن موسى عليه السلام أن يلقي بنفسه الألواح من تلقاء نفسه: ﴿وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون﴾([46])، فهو معصوم عن ذلك، إنما كان ذلك من شدة الغيرة لدين الله.
ن- غضب نبي الله يونس على قومه:
قال الله عز وجل: مخبرا عن نبيه يونس عليه السلام: ﴿وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾([47])، ذكر علماء التفسير تفسيرين لقوله تعالى: ﴿إذ ذهب مغاضبا﴾ أحدهما: أنه ذهب مغاضبا لقومه([48])،أي غضب عليهم لما ظهر منهم من الكفر والعصيان، والآخر أنه ذهب مغاضبا لربه، أي مغاضبا من أجل ربه، كما تقول غضبت لك أي من أجلك، والمؤمن يغضب لله إذا عصي([49]).
هذا ما تيسر لي جمعه من الآيات المتعلقة بالغضب مع العلم أني أغفلت ذكر بعضها خشية الإطالة، وهذه الآيات التي ذكرتها جاء مصطلح الغضب في أغلبها كصفة لله عز وجل، كغضبه على اليهود وقاتل النفس- إلا في الموضعين الأخيرين فإن الغضب جاء كصفة للنبيئين الكريمين موسى ويونس عليهما السلام على قومهما بسبب عصيانهم ومحادّتهم لأمر الله.
المطلب الثاني: الأحاديث النبوية
وهي كثيرة جدا في هذا الباب، ولا يمكن استقصاؤها هنا، ولذلك سنذكر بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر.
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: «لا تغضب» فردد مرارا قال: «لا تغضب»([50]).
هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فقد جمع في هذه الكلمة خيرا كثيرا، يقول الإمام ابن رجب رحمه الله:«فهذا الرجل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه وصية وجيزة جامعة لخصال الخير ليحفظها عنه، فوصاه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغضب، ثم ردد هذه المسألة مرارا، والنبي صلى الله عليه وسلم يردد عليه هذا الجواب، فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جماع الخير.... وقوله صلى الله عليه وسلم لمن استوصاه: "لا تغضب" يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون مراده الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق من الكرم والسخاء والحلم والحياء والتواضع والاحتمال وكف الأذى، والصفح والعفو، وكظم الغيظ.... فإن النفس إذا تخلفت بهذه الأخلاق، وصارت لها عادة أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه.
والثاني: أن يكون المراد: لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به فإن الغضب إذا ملك ابن آدم كان الآمر الناهي له... فإذا لم يمتثل الإنسان ما سيأمره به غضبه، وجاهد نفسه على ذلك اندفع عنه شر الغضب، فكأنه حينئذلم يغضب...» ([51]).
وهذا النهي ليس راجعا إلى نفس الغضب لأنه من طباع البشر، ولا يمكن للإنسان دفعه، ولكن معناه: لا تنفذ غضبك.
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»([52])، وفي رواية أخرى لمسلم عن عبد الله بن مسعود قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تعدون الصرعة فيكم؟» قال: قلنا: الذي لا يصرعه الرجال، قال: «ليس بذلك، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب»([53]). إذن ليس الشديد بالصرعة، أي الذي لا يصرعه الرجال، ولكن الشديد الذي يصرع نفسه ويقهرها حينما يغضب، لأن الغضب جمرة من الشيطان يلقيها في جوف ابن آدم، فإطفاء هذه الجمرة وإخمادها يحتاج إلى شدة وقوة، يقول الإمام النووي رحمه الله: «وكذلك تعتقدون أن الصرعة الممدوح القوي الفاضل، هو القوي الذي لا يصرعه الرجال، بل يصرعهم وليس هو كذلك شرعا، بل هو من يملك نفسه عند الغضب، فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قل من يقدر على التخلق بخلقه ومشاركته في فضيلته بخلاف الأول»([54]).
3- عن سهل ابن معاذ بن أنس، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظا وهو قادر أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحورشاء»([55]).
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: « الغيظ: هو الغضب الشديد، والإنسان الغاضب هو الذي يتصور نفسه أنه قادر على أن ينفذ، لأن من لا يستطيع لا يغضب لكنه يحزن، ولهذا يوصف الله بالغضب ولا يوصف بالحزن، لأتى الحزن نقص والغضب في محله كمال، فإذا اغتاظ الإنسان من شخص وهو قادر على أن يفتك به ولكنه ترك ذلك ابتغاء وجه الله، وصبر على ما حصل له من أسباب الغيظ فله هذا الثواب العظيم أنه يدعن على رؤوس الخلائق يوم القيامة ويخير من أي الحورشاء»([56]).
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه يشير إلى رباعيته- اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله»([57]).
ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا قومه إلى عبادة الله وحده، وترك ما سواه وجعل ذلك سببا لنيل رضى الله عز وجل، ودخول جنته، والنجاة من عذابه، فبدل أن يحمدوا الله عز وجل، على هذه النعمة ويعرفوا قدر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله إليهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور، جنحوا إلى عكس ذلك، فضربوا نبيهم وآذوه أيما إذاية، فاستحقوا بذلك غضب الله عليهم، ولعنته لهم، يقول تعالى: ﴿والذين يوذون رسول الله لهم عذاب أليم﴾([58]).
5- عن أبي مسعود أن رجلا قال: والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا منه يومئذ ثم قال: «إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة»([59]).
6- عن جابر بن عبد الله قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب، احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش...» ([60]).
7- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي»([61]).
هذا حديث عظيم يدل على رحمة الله بعباده، بأن جعل رحمته تسبق وتغلب غضبه، فالله عز وجل، لا يؤاخذ الناس على ظلمهم وإلا ما ترك على هذه الأرض من دابة، كما قال تعالى: ﴿ولو يواخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة﴾([62]). ولكن يرحمهم ويمهلهم ويفتح لهم باب التوبة في أي وقت وذلك من عظيم رحمته بهم.
8- عن عبد الرحمان بن أبي بكرة قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه وكان بسجستان بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان»([63]).
أورد الإمام البخاري هذا الحديث في كتاب الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يفتى وهو غضبان؟ وجعل في هذا الباب ثلاثة أحاديث: الأول ذكرناه، والثاني: عن أبي مسعود قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا... ([64]).
والثالث: أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: « ليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها»([65]).
هذه الأحاديث الثلاثة التي أوردها الإمام البخاري في هذا الباب إن دلت على شيء إنما تدل على سعة فقهه، وقوة فهمه فهو كما قال العلماء: (فقه البخاري في تراجمه)، فبعد أن استدل بالحديث الأول على نهي الحاكم أن يقضي في حالة غضبه، جاء بالحديثين ليستدل على جواز قضائه صلى الله عليه وسلم في غضبه، لأنه معصوم ومؤيد بالوحي عكس الأول.
يقول الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: «فيه النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر...» ([66])، يعني الحديث الأول، أما الحديثان التاليان، فيدلان على أن الحكم في حالة الغضب خاصية من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم، يقول ابن حجر، في الفتح: «لا حجة فيه لرفع الكراهية عن غيره، أي الرسول، لعصمته صلى الله عليه وسلم، فلا يقول في الغضب إلا كما يقول في الرضا»([67]).
سأكتفي بما ذكرته من الأحاديث علما أنني اقتصرت على بعضها فقط، فعددها كثير فيما يتعلق بقضية الغضب.
ويظهر من خلال هذه الأحاديث المذكورة، أن البعض منها ينهى عن الغضب والبعض الآخر جاء مثبتا له في بعض الأحوال، فنستنتج من ذلك، أن الغضب منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، وهذا ما سنبينه في الفصل التالي.
الفصل الثاني:
بيان أنواع الغضب وآثاره وعلاجه
- المبحث الأول: أنواعه
الغضب نوعان: محمود ومذموم، فالمحمود ما كان في جانب الحق والدين والمذموم ما كان في غيرهما([68])، وهذا ما سنوضحه من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: الغضب المحمود:
يكون الغضب محمودا في بعض الأمور، منها:
- أن يغضب المسلم عند انتهاك محارم الله، أو تضييع أوامره، وارتكاب نواهيه، وقد جاءت أحاديث كثيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثبت فيها غضبه على بعض الأمور المخالفة لشرع الله، ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فرآهم عزيز متفرقين، قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ما رأيناه غضب غضبا أشد منه، قال: «والله لقد هممت آن آمر رجلا يؤم الناس، ثم اتتبع هؤلاء الذي يتخلفون عن الصلاة في دورهم فأحرقها عليهم....» ([69]). فهذا الغضب صدر منه صلى الله عليه وسلم لما رأى من مخالفة أمر الله، لأن الله عز وجل أمر بالصلاة جماعة لقوله سبحانه: ﴿ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين﴾([70]). ومن ذلك أيضا ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت قرام فيه صور فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه، وقالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور»([71]).
- الغضب في الجهاد: وهذا الموقف يستدعي الغضب والشدة، ولا يجوز فيه الرفق واللين، لقوله تعالى: ﴿يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم﴾([72]).
- الغضب في الخطبة يجوز للخطيب أن يغضب في خطبته وذلك لتحذير الناس من عذاب الله، وتخويفهم حتى يجتنبوا ما نهاهم الله عنه، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش...»([73]).
- ويحمد الغضب أيضا إذا كان من أجل الغيرة، وهذه الغيرة يمكن أن تكون في جانب الدين أو العرض:
*أما في جانب الدين: فتكون إذا استهزئ بالله أو بأحد من رسله أو بدينه، ومن المثال على ذلك ما ذكر الإمام بن كثير في تفسيره لقوله تعالى في سورة المنافقون: ﴿ يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل﴾([74]).
«أن عبد الله بن عبد الله بن أبي لما بلغه ما كان من أمر أبيه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه...» ([75]).
* أما في جانب العرض: فالغضب يكون إذا اعتدى إنسان على عرض آخر فتأخذ الغيرة، فيغضب لأجل ذلك.
ويمكن إجمال الغضب المحمود في ما كان في جانب الحق والدين، أما ما كان في غير الدين والباطل، فهو مذموم، وهذا ما سنتعرف عليه من خلال المطلب التالي.
المطلب الثاني: الغضب المذموم
وهو ما كان لخظ النفس، ولم يكن في الدين، كالغضب من أجل فوات شيء من الدنيا، فيفرج إذا أتاه الخير، ويغضب ويجزع إذا أتاه الشر، يقول الله عز وجل:﴿إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا﴾([76])، فإذا أصابه فقر أو مرض أو ذهب عنه محبوب، غضب ولم يرضى بما قضاه الله عز وجل، وقدره، ولم يكن كالذين قال الله فيهم: ﴿وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون﴾([77]).
وقد وردت آيات وأحاديث تحذر من الغضب، منها ما ذكره الإمام البخاري في صحيحه، في كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، فقد استدل على هذا الباب بآيتين وحديثين: والآيتان هما: قوله عز وجل: ﴿والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، وإذا ما غضبوا هم يغفرون﴾([78])، وقوله تعالى: ﴿الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس﴾ ([79]).
أما الحديثان فهما: قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، وقوله للرجل الذي طلب منه الوصية: «لا تغضب»([80]).
فالآيتان الأولى والثانية دلتا على فضيلة كظم الغيظ، والعفو عن الناس في حال الغضب وأنها من صفات المؤمنين الذين استجابوا لله أما من غضب فأنفذ غضبه، ولم يكظمه فإنه ليس بمؤمن حقا، لأنه لم يستجب لربه حين دعاه إلى العفو وكظم الغيظ.
وهذا الغضب الذي دعا الله عباده إلى اجتنابه وكظمه، هو ما كان للنفس ولم يكن في الدين، فقد سبق وأن ذكرنا أن الغضب في جانب الدين محمود وجائز.
وقد جاءت أحاديث وآثار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته تدل دلالة واضحة على استجابتهم لله عز وجل، بكظمهم الغيظ وعفوهم عن الناس، إذا كان الأمر يتعلق بحظ النفس وسأذكر مثالان على ذلك، أحدهما عن أبي بكر رضي الله عنه، والثاني عن الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه:
1- روى البخاري في صحيحه، أن أبا بكر رضي الله عنه كان ينفق على شخص يسمى مسطح، فلما وقعت حادثة الإفك قال: والله لا أنفق على مسطح شيئا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله: ﴿ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يوتوا أولي القربى﴾([81])، الآية، فقال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها عنه أبدا([82]).
2- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم عينية بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا فقال عينية لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه قال: سأستأذن لك عليه قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعينية فأذن له عمر فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب فو الله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى هم به فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: «خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين»([83])، وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافا عند كتاب الله([84]).
إذن نفهم من خلال ما سبق ذكره أن الغضب الذي يكون للنفس يجب على المرء التخلي عنه وكظمه، لما قد يترتب عنه من عواقب وخيمة، فهو يجمع الشر كله، يقول العلامة أبن الملقن في معرض حديثه عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تغضب»([85])، «هذا الحديث تضمن دفع أكبر شرور الإنسان، لأن الشخص في حال حياته بين لذة وألم، فاللذة سببها ثوران الشهوة، أكلا وشربا وجماعا ونحو ذلك، والألم سببه ثوران الغضب، فإذا اجتنبه اندفع عنه نصف الشر، بل أكثره، ولهذا لما تجردت الملائكة عليهم السلام- عن الغضب والشهوة تجردوا عن جميع الشرور البشرية»([86]).
وقد أعد الله عز وجل لمن كظم الغيظ ثوابا جزيلا، وجزاء عظيما كما جاء في الحديث: «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من أي الحورشاء»([87]).
- المبحث الثاني: آثاره
للغضب آثار خطيرة جدا، منها ما يبرز على الظاهر (كتغير اللون والضرب والشتم...)، ومنها ما يبقى في باطن الغاضب (كالحقد والحسد...) وهذه الآثار تضر الإنسان في دينه وبدنه أيما ضرر، وهذا بيان مختصر لهذين النوعين من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: آثاره على الظاهر
- على الوجه: احمراره وانتفاخ عروقه، واجتماع الدم فيه، وتغير ملامحه فيبدوا في صورة غير التي كان عليها قبل الغضب.
- على العينين: احمرارهما وانتفاخهما، وشخوصهما وخروج الدم في بعض الأحيان.
- على الجسد كله: الرعدة، الرعشة، الارتباك، وعدم التحكم فيه
- على العقل: فقدان الوعي والتركيز، وقد يصل الأمر في حالة اشتداد الغضب إلى الإغماء، أو حدوث جلطة، دماغية غالبا ما تؤدي إلى الموت.
- على اليدين: عدم انضباطهما وانطلاقهما في أفعال غير مقصودة، وهوجاء نتيجة فقدان الوعي بسبب الغضب الشديد، من ذلك الضرب واللطم لنفسه ولغيره، وكسر الأواني وما يجده أمامه من أشياء دون شعور، وإذاية العامة إذا صادف غضبه تواجده في سوق أو مكان مليئ بالناس، ولعل أخطر جناية يصل إليها الغاضب بيديه: هي القتل: سواء لنفسه أو لغيره، وكلا الأمرين ورد فيهما وعيد شديد، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الطب، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا»([88]).
هذا الوعيد ورد في شأن من يقتل نفسه، وأما قاتل غيره فقد توعده الله وعيدا شديدا تقشعر منه الجلود، فقال تعالى: ﴿ومن يقتل مومنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما﴾([89]).
- على اللسان: يحدث للسان في حالة الغضب نوع من الارتباك ينتج عنه خروج عبارات غير واضحة، وكلام مرذول، أو غير مقصود، ويجري على اللسان في هذه الحالة أمور منها:
* سب الله والرسول والدين: وهذا أخطر ما يصدر من الغاضب ويجري على لسانه، وقد يؤدي به إلى الهلاك، إن لم يتب من ذلك ويجدد إيمانه.
*الأيمان والنذور: كقوله مثلا والله لن أدخل بيت فلان، أو والله لن أتكلم مع زيد، ولن آكل طعام عمرو، أو قوله لزوجته أنت طالق، وأنت طالق ثلاثا.
*الدعاء: كأن يدعو على نفسه بسوء، أو يدعو على أبنائه بمكروه وغير ذلك من الدعاء الحرام، الذي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: «لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعو على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم»([90]).
المطلب الثاني: آثاره على الباطن
للغضب آثار على باطن الإنسان، وهذه الآثار تصيب القلب نتيجة عدم تمكن الغاضب من إنفاذ غضبه، وهي تسمى بأمراض القلوب، ومنها:
- الحقد: يقول الإمام الغزالي رحمه الله: «اعلم أن الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن، واحتقن فيه فصار حقدا، ومعنى الحقد أن يلزم قلبه استثقاله والبغضة له، والنفار عنه، وأن يدوم ذلك ويبقى، فالحقد ثمرة الغضب»([91]).
وينتج عن الحقد أمور منها: أن يهجر الحاقد، المحقود عليه ويقاطعه وإن طلبه وأقبل عليه، أو يتكلم فيه بما لا يحل من كذب وغيبة وإفشاء سر وهتك ستر، أو يمنع حقه من قضاء دين أو صلة رحم أو رد مظلمة أو ذكر معاييه والاستهزاء به والسخرية منه بين الناس وغير ذلك.... ([92]).
- الحسد: الحسد من آثار الغضب على الباطن -القلب-، وهي خصلة ذميمة وقبيحة، كان أول من اتصف بها إبليس لعنة الله عليه، لأنه حسد آدم عليه السلام على مكانته التي جعله الله فيها، فلم يسجد له كما أمره ربه، قال تعالى: ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال ءاسجد لمن خلقت طينا﴾([93])، فكان جزاؤه أن طرده الله عز وجل من الجنة: ﴿قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين﴾([94]).
قال الغزالي رحمه الله: «اعلم أن الحسد أيضا من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب، فهو فرع من فروعه، والغضب أصله، ثم إن للحسد من الفروع الذميمة ما لا يكاد يُحْصَى، وقد ورد في الحسد خاصة أخبار كثيرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»([95]).
وقال في النهي عن الحسد وأسبابه وثمراته: « لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا»([96])»([97]).
- سوء الظن: ومن آثاره أيضا إساءة الظن بالمغضوب عليه، وذلك بتصديق كل شيء يشاع حوله ولو كان كذبا، بل يسارع إلى تأكيد ذلك بمؤكدات ينسجها خياله لا حقيقة لها في الواقع، والغرض منها التنقيص منه، والإزدراء به بين الناس، وهذا باب خطير جدا لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الظن بالمسلم ما ليس فيه فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث...» ([98]).
- المبحث الثالث: علاجه:
لا شك أن الشريعة الإسلامية، قد تكلفت ببيان كل شيء للناس، فما تركت من قبيح إلا نفرت منه ونهت عنه، وما من حسن إلا وبينته، وحثت عليه، فمثلا نجدها نهت إن استفراغ الشهوة في الحرام، وبينت بعد ذلك السبل المجنبة لذلك، كالزواج والصيام، وغض البصر، وتحريم الاختلاط، ونفس الشيء بالنسبة للغضب، فقد بينت المحمود والمذموم منه وشرعت الطرق الكفيلة لتجنب هذا الأخير- المذموم- ووصفت طريقة علاجه..
وعلاج الغضب ينقسم إلى نوعين: أحدهما علمي نظري، والآخر عملي تطبيقي، وهذا ما سنوضحه في هذين المطلبين:
المطلب الأول: علاجه من الناحية العلمية:
أ- التحلي بالصفات الحميدة: ومنها:
الحلم: وكفى بهذه الصفة شرفا أن تكون صفة لله عز وجل، فقد ذكر الله عز وجل حلمه في كثير من الآيات منها: قوله: ﴿ واعلموا أن الله غفور حليم﴾([99])، ﴿ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم﴾([100])، وقد أمر الله عز وجل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالحلم مع قومه، واجتناب الغلظة، والفضاضة، فقال عز من قائل: ﴿ ولو كنت فظا غلظا القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر﴾([101])، فبعدما أمره بالابتعاد على ما شأنه تنفير الناس وعدم استجابتهم له، أمره مباشرة بالعفو عن الناس إذا فعلوا ما يغضبه، والأدلة على عفوه وحلمه صلى الله عليه وسلم مستفيضة، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبدته ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحك ثم أمر له بعطاء»([102]).
فالعفو صفة للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرت بها التوراة ثم أثبتها القرآن الكريم، ودل على ذلك ما رواه البخاري في كتاب البيوع أن عطاء بن يسار لقي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فقال له: «أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة؟ قال: أجل والله، إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ، ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة، السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا»([103]).
مما يستخلص من هذا الحديث، أن من أقامه الله في مقام الدعوة، يجب عليه أن يتصف بما اتصف به سيد الدعاة من العفو والحلم وعدم مجازاة السيئة بالسيئة حتى تكون لدعوته نتيجة، لأن الله عز وجل جعل هذه الصفات ضرورية لإقامة دينه، فقد ذكر في آخر هذا الحديث أنه لن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله، وذلك ما تم بالفعل فإنه عليه الصلاة والسلام لم يمت حتى دخل الناس في دين الله أفواجا، ولم يدخلوا بالسيف والسنان، ولكنهم دخلوا بالموعظة والحكمة والإحسان، يقول تعالى: ﴿ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾([104]).
ومن الأدلة التي تحض على الحلم والرفق أيضا ما رواه الإمام مسلم في باب فضل الرفق، منها: «من يحرم الرفق يحرم الخير»([105])، «يا عائشة إن الله رفيق بحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»([106]). «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيئ إلا شانه»([107]).
ومن ذلك أيضا ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك أن أعرابيا بال في المسجد فقاموا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزرموه» ثم دعا بدلو من ماء فصب عليه([108]).
-الصبر: يقول تعالى: ﴿ والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾([109])، جعل الله عز وجل أسباب النجاة من الخسران أربعة: منها الصبر، وقال تعالى آمر رسوله بالصبر على من آذاه «واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا»([110])، وجعل الله تعالى جزاء الصبر الجنة فقال: ﴿وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا﴾([111])، وقال صلى الله عليه وسلم:«من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءا خيرا وأوسع من الصبر»([112]).
- التواضع: وهذه الفضيلة امتاز بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتثلا قوله تعالى: ﴿واخفض جناحك لمن اتبعك من المومنين﴾([113])، فكان من أشد الناس تواضعا، حتى أنه لا يعرف من بين أصحابه فيأتي إليه الرسول، فلا يعرفه إلا بالسؤال عنه، وكان لا يحب أن يفضله أحد على الأنبياء، رغم أنه سيدهم، فقد سمع أن مسلما لطم يهوديا لتفضيله موسى عليه السلام عليه: فقال:«لا تفضلوا بين الأنبياء ولا تخيروني على موسى»([114]).
ونراه في حديث آخر يعلم أمته التواضع، فيقول: «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد»([115]).
-حسن الخلق: وهذه فضيلة عظيمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حصر بعثته في إتمام مكارم الأخلاق فقال: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق»([116])، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول: «إن خياركم أحاسنكم أخلاقا»([117]).
وخلاصة ما ذكرناه من الصفات الحميدة، أن النبي صلى الله عليه وسلم طبقها تطبيقا عمليا بعدما قررها علميا، فقد كان عليه الصلاة والسلام قرآنا يمشي على الأرض، ففتح الله به أعينا عميا، وآذان صما وقلوبا غلفا، فدخل الناس في دين الله أفواجا وهذا كله تأتى له بالحلم والتواضع والعفو ومحاسن الأخلاق، وإلا فإن ضد هذه الصفات كالكبر والغلظة والغضب لا تأتي بخير.
فالواجب إذن على كل مسلم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في حلمه وتواضعه وخلقه، فالخير كل الخير في تباعه، والشر كله في مخالفته: يقول تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾([118]).
ب- التخلي عن الصفات الذميمة:
وأخطر هذه الصفات: الكبر، وكفى بالمتكبر إثما أنه ينازع الله عز وجل في صفة الكبرياء التي لا تليق إلا به تبارك وتعالى، ولذلك ذم الله عز وجل المتكبرين فقال: ﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض يغير الحق﴾([119])، وقال أيضا: ﴿إنه لا يحب المستكبرين﴾([120])، وروى الإمام مسلم في صحيحه، من حديث عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»([121]).
وأنقل هنا كلاما نفيسا للإمام ابن الجوزي في الكبر والمتكبرين من كتابه: «صيد الخاطر" يقول رحمه الله: «عجبت لمن يعجب بصورته، ويختال في مسيته وينسى مبدأ أمره، إنما أوله لقمة ضمت إليها جرعة ماء، فإن شئت كسره خبز معها تمرات، وقطعة من لحم، ومذقة من لبن وجرعة من ماء، ونحو ذلك طبخته الكبد، فأخرجت منه قطرات مني، فاستقر في الأنثيين، فحركتهما الشهوة، فصبت في بطن الأم مدة حتى تكاملت صورتها، فخرج طفلا تتقلب في خرق البول...» ([122]).
إذن فمن كانت هذه الصفة خلقه، وجب عليه أن يتواضع لا أن يتكبر على الناس.
ومن الأمور الخطيرة، التي يجب التخلي عنها لاجتناب الوقوع في الغضب: صحبة الأشرار: فإن الإنسان قد لا يكون من عادته الغضب ولكنه بمجرد اتخاذه لصحبة السوء تجده يغضب لأتفه الأسباب، ذلك لأنهم يحضونه على الغضب ويدعون أنه من الرجولة فكلما أساء إليه أحد، وأراد العفو والصفح عنه، نطق هؤلاء السفهاء بتحريضهم إياه على الانتقام، واستهزائهم به لرضوخه لذلك الشخص وعدم رده عليه، فتكبر نفسه ويصيبها العجب فيغضب، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى شجار وسباب وفي كثير من الأحيان يصل الأمر إلى القتل، والسبب كله، أولئك الأشرار الذين لا هم لهم إلا غواية الإنسان، وإخراجه عن الصراط المستقيم، قال تعالى: ﴿الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين﴾([123])، وقال في آية أخرى ﴿يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جائني وكان الشيطان للإنسان خذولا﴾([124]).
هذا ما تيسر لي ذكره من الصفات الحميدة والذميمة وهي مجنبة للغضب إذا اتصف الإنسان بالأولى -الحميدة- وتخلى عن الثانية -الذميمة- ويعتبر ما ذكرناه علاجا علميا وقائيا للغضب قبل وقوعه. أما إذا نزل الغضب بالإنسان وتمكن منه، فعند ذلك يجب الانتقال إلى النوع الثاني وهو العلاج العملي التطبيقي وله خصصنا المطلب التالي:
المطلب الثاني: علاجه من الناحية العملية
أ- الاستعاذة: قال عز وجل: ﴿وإما ينـزغنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله إنه سميع عليم﴾([125])، إن الله عز وجل لم يترك عباده هملا بل وضح لهم طريق النجاة وطريق الهلاك، وذلك ليلتمسوا الأول ويجتنبوا الثاني، ولما كان الشيطان هو القائد إلى طريق الهلاك، بين الله لهم السبل التي تنجيهم من همزاته ومن وساوسه، ومن أعظمها الاستعاذة بالله منه، الشيطان الرجيم- وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، أن رجلين استبا عنده، فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، فقام رجل ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتدري ما قال رسول الله آنفا: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، فقال له الرجل: أمجنونا تراني([126]).
ويظهر من خلال هذا الحديث أن هذا العلاج لا يستفيد فيه إلا العقلاء المتقون، أما غيرهم فلا ينتفعون به فهذا الرجل في الحديث لم يقبل الدواء، وقال للصحابي الذي نقل إليه كلام رسول الله أمجنونا تراني؟ وكأن الاستعاذة خاصة بالمجنون فقط، ونسي أن ما أصابه من الغضب قد يخرجه عن صوابه فيصبح في منزلة المجنون.
ولذلك نجد أن الله عز وجل بعد ذكره للاستعاذة في الآية التي سبق ذكرها اتبعها بقوله:﴿ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾([127])، فالله عز وجل يبلغنا أن المتقين هم الذين يعرفون قيمة هذا الدعاء، أما غيرهم فقد وجد فيهم الشيطان بغيته، فيأمرهم بالفحشاء والمنكر والغضب فيفعلون ما يأمرهم به فهو سيدهم فكيف يستعيذون منه؟
فهؤلاء كما قال الله عز وجل: ﴿استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون﴾([128]).
ب- تغيير الحالة: ونقصد هنا أن يغير الغاضب الحالة التي كان عليها حين غضب، فيجلس إن كان قائما، ويضطجع إن كان جالسا، فهذه حلول ناجعة لدفع الغضب لأن الإنسان إذا كان واقفا يكون أدعى لأن ينتقم وينفذ غضبه، فجلوسه واضطجاعه يسكن الدورة الدموية، ويخفض من شدة الغضب ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع»([129]).
ومن ذلك أيضا ترك المكان الذي حصل فيه الغضب وهجره لأن دوام رؤيته للشخص الذي غضب عليه تجعله يفكر في الانتقام منه، خصوصا وأن الشيطان يكون في هذه الحالة نشيطا في الوسوسة لكلا الطرفين بالإنتقام من الآخر، فيكون ترك المكان نجاة لهما مما لا تحمد عقباه.
ج- السكوت: وهو علاج لا ينتفع به إلا أولو الألباب، لأن إمساك المرء لسانه عن الكلام في موضع الغضب، يعتبر من الأمور الصعبة والعسيرة لكن عواقبه دائما ما تأتي بالخير، فإنه قد يتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا في حالة غضبه، تفسد عليه دنياه وأخراه، فلو أمسك لسانه لنجا من ذلك، يقول الإمام ابن رجب: «وهذا أيضا دواء عظيم للغضب، لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيرا، من السباب وغيره، مما يعظم ضرره، فإذا سكت زال هذا الشر كله» ([130]).
ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على التزام الصمت، وعدم الكلام إلا فيما ينفع، فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت»([131]).
د- الوضوء والصلاة: سبق وأن ذكرنا أن الغضب جمرة يلقيها إبليس في جوف ابن آدم، والنار كما هو معروف عند كل عاقل تطفأ بالماء، فالوضوء إذن مادام يتم بالماء فإنه من الأمور المهمة لمعالجة الغضب، فقد بين النبي صلى أن العبد إذا توضأ فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب([132]).
أما إذا أتبع الوضوء بالصلاة، فعنذئذ يكون قد جعل بينه وبين الغضب وقاية وسدا منيعا، لأن الصلاة فيها ذكر ودعاء، واستغفار واستعاذة وركوع وسجود لله عز وجل، فالشيطان في هذه الحالة ييأس وينقضي أمله. في غوايته فالوضوء يكون بالماء، والماء مضاد للمادة التي خلق منها الشيطان وهي النار، والصلاة تشتمل على الاستعاذة التي جعلها الله دواءا شافيا من نزعاته وهمزاته وتحتوي على ركوع وسجود، والشيطان ما خرج من الجنة إلا لعدم سجوده، فيجتمع للإنسان في الوضوء والصلاة من الأمور المذهبة للغضب ونزعات الشيطان ما لا يعلمه إلا الله قال تعالى: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي﴾([133]).
خاتمة:
كان عملي في هذا البحث المتواضع هو الحديث عن مصطلح الغضب في الكتاب والسنة فبدأت بتعريف الغضب لغة واصطلاحا، ثم ذكرت النصوص الواردة فيه من الكتاب والسنة وبعد ذلك عرجت على أنواع الغضب، فذكرت المحمود والمذموم منه مستدلا على ذلك بالنصوص الشرعية، ثم بينت آثار الغضب ظاهرا وباطنا إلى أن أنهيته بذكر العلاج المناسب للغضب، وذلك من ناحيتين الأولى علمية والثانية عملية فكانت هي النقطة الختامية للبحث.
ولا يفوتني أن أقول، أنه كانت لي رغبة كبيرة في إضافة فصل آخر يتعلق بدراسة الغضب من الناحية النفسية، وذلك بذكر تعريف علماء النفس للغضب، وذكر قولهم في أسبابه ونتائجه، وكذلك الحلول التي يقدمونها لعلاجه، ومقارنتها بالحلول الشرعية، إلا أن أسباب عديدة كانت معيقة لتناول ما ذكرناه وجعله ضمن البحث لعل أهمها اشتراط عدم تجاوز البحث ثلاثين صفحة ومحدودية المدة الزمنية لإنجاز البحث المقترحة من طرف الكلية.
وأتمنى من الله عز وجل أن يوفقني إلى توسيع هذا البحث في المستقبل القريب وإضافة ما ينبغي إضافته حتى أكون بذلك قد تناولت موضوع الغضب من جوانبه المتعددة والمختلفة.
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين على توفيقه ومنه.
ثبت المصادر والمراجع
كتب التفسير
1- القرآن الكريم برواية ورش
2- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، طبعة 1422هـ/2001 دار الحديث القاهرة.
3- جامع البيان في تفسير القرآن للإمام محمد بن جرير الطبري، دار الفكر بيروت 1398هـ1978م.
4- الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القرطبي، ط:5 سنة 1417هـ- 1996م دار الكتب العلمية.
5- تفسير القرآن العظيم للإمام إسماعيل ابن كير ط: سنة 1425ه/ 2004م مكتبة الصفا القاهرة.
6- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير الإمام محمد بن علي مكتبة الشوكاني، دار الفكر بيروت.
7- تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان لعبد الرحمان السعدي، ط:1 سنة 1422هـ/ 2002م، مكتبة الصفا القاهرة.
كتب الحديث وشروحه
8- صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، ترقيم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، ط: 1423هـ/ 2003م، مكتبة الصفا القاهرة.
9- صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين مسلم، ط:1 سنة 1425هـ/ 2004م، دار صادر بيروت.
10- سنن الترمذي للإمام محمد بن عيسى الترمذي ط:1 دون تاريخ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع الرياض، بتحقيق الشيخ الألباني.
11- سنن ابن ماجة، للإمام أبي عبد الله القزويني المشهور بابن ماجة، ط: 1 دون تاريخ مكتبة المعارف للنشر والتوزيع الرياض، بتحقيق الشيخ الألباني.
12- سنن النسائي للإمام أبي عبد الرحمان بن علي الشهير بالنسائي، ط: 1 دون تاريخ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع والرياض بتحقيق الشيخ الألباني.
13- المسند للإمام أحمد بن حنبل دار الفكر بيروت.
14- سنن أبي داود للإمام الحافظ أبي داود السجستاني دار الفكر بيروت.
15- فتح الباري شرح صحيح البخاري، للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني دار الفكر بيروت.
16- صحيح مسلم بشرح النووي للإمام أبي زكريا النووي، طبعة سنة 1421هت 200م، دار الفكر بيروت.
17- رياض الصالحين، للإمام النووي بشرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ط:2، بدون تاريخ، دار البصيرة الإسكندرية.
18- جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي ط:1، سنة 1422هـ، 2002م مكتبة الصفا القاهرة تحقيق وليد سلامة.
كتب عامة
19- إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، ط:2 سنة 1425هـ/2005م دار السلام.
20-إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان لابن القيم الجوزية، ط:1 سنة 1423هـ 2002م، دار ابن رجب، تحقيق رمزي بن صادق.
21-صيد الخاطر للإمام ابن الجوزي، ط:1 سنة 1424هـ/2004م، مؤسسة الرسالة ناشرون.
22- المعين على تفهم الأربعين، ط:1 سنة 1426 2005م، الفاروق/ الحديثة للطباعة والنشر، تحقيق أبو إسلام، عبد العال مسعد.
23 - لا تغضب لأحمد عبد الرحمان، دار الإيمان الإسكندرية.
كتب اللغة
24- معجم مفردات ألفاظ القرآن للعلامة الراغب الاصفهاني، دار الكتاب العربي، تحقيق نديم مرعشلي.
25- لسان العرب لابن منظور، ط:1 سنة 1388هـ/ 1968م، دار صادر للطباعة والنشر ودار بيروت للطباعة والنشر.
26- تهذيب اللغة لابن منصور الأزهري، الدار المصرية للتأليف والترجمة، تحقيق عبد العظيم محمود.
27- تاج العروس، من جواهر القاموس للإمام محب الدين الزبيدي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، تحقيق ودراسة علي شيري.
28- القاموس المحيط للعلامة مجد الدين الفيروز آبادي ط:1 سنة 1424هـ/ 2003م، مؤسسة الرسالة بيروت.
فهرس الموضوعات
مقدمة .............................................................. | 2 |
الفصل الأول: بيان معنى الغضب والنصوص الواردة فيه................ | 4 |
¨ المبحث الأول: معنى الغضب في اللغة والاصطلاح......... | 4 |
المطلب الأول: الغضب لغة......................................... | 4 |
المطلب الثاني: الغضب اصطلاحا................................... | 5 |
¨ المبحث الثاني: النصوص الواردة فيه...................... | 6 |
المطلب الأول: الآيات القرآنية..................................... | 6 |
المطلب الثاني: الأحاديث النبوية ................................... | 13 |
الفصل الثاني: أنواع وآثاره وعلاجه................................... | 19 |
¨ المبحث الأول:أنواعه................................... | 19 |
المطلب الأول: الغضب المحمود...................................... | 19 |
المطلب الثاني: الغضب المذموم ..................................... | 21 |
¨ المبحث الثاني: آثاره................................... | 23 |
المطلب الأول: آثاره على الظاهر.................................. | 24 |
المطلب الثاني: آثاره على الباطن.................................... | 25 |
¨ المبحث الثالث: علاجه................................. | 27 |
المطلب الأول: علاجه من الناحية العلمية ............................ | 28 |
المطلب الثاني: علاجه من الناحية العملية............................ | 33 |
خاتمة ............................................................... | 36 |
ثبت المصادر والمراجع............................................... | 37 |
فهرس الموضوعات................................................... | 41 |
([1])- أخرجه النسائي: كتاب الأشربة، باب منـزلة الخمر.. رقم الحديث 5658.
([2])- أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، رقم الحديث 6114.
([4])- لسان العرب لابن منظور مادة "غضب".
([5])- تهذيب اللغة للأزهري (توفي 370هـ)، الجزء الثامن، (ص:16) مادة "غضب"
([6])- القاموس المحيط للفيروز آبادي، مادة "غضب".
* أي قليلة في لغة العرب
([7])- إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، م: 2،ص: 1054.
([8])- معجم مفردات ألفاظ القرآن للعلامة الراغب الأصفهاني، ص: 374، مادة "غضب"
([9])- المعين على تفهم الأربعين لابن الملقن (ت: 804هـ)ص: 167.
([10])- سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء ما أخبر النبي (ص) أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، رقم الحديث: 2191.
([11])- لا تغضب لأحمد عبد الرحمان، ص: 17.
([13])- تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان لعبد الرحمان ابن ناصر السعدي، ص: 172-173.
([14])- سورة الأنعام الآية 151
([15])- سورة الفرقان، الآية: 68.
([16])- صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب قوله تعالى: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما...﴾ (رقم الحديث 2766).
([17])- سنن الترمذي، تحقيق الشيخ الألباني، كتاب الديات، باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن، (رقم الحديث 1395، والحديث صحيح.)
([18])- سورة النحل [أية 106- 107]
([19])- تفسير القرآن العظيم للإمام الحافظ إسماعيل بن كثير الدمشقي، (ت: 774هـ)، (م2، ج4) (ص: 345)
([21])- سورة الأنفال [آية 15-16] .
([22])- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير الإمام محمد بن علي الشوكاني، الجزء الثاني، (ص: 294) بتصرف يسير
([23])- منها ما رواه البخاري في كتاب الوصايا (م.2. ص:10)
([27])- جامع البيان في تفسير القرآن الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، (ت: 310هـ)، (م:9 ج: 25) (ص:12)
([28])- سورة الأعراف، [آية 138]
([30])- سورة المائدة، [آية 24]
([31])- سورة المائدة، [آية: 26]
([32])- سورة البقرة، [ آية 58]
* أستاههم: أي أدبارهم
([33])- صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب ﴿وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية...﴾ رقم الحديث: 4479.
([36])- سورة البقرة [آية: 90].
([37])- إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان للإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت: 751)، ص:722.
([38])- سورة الممتحنة [آية:13]
([39])- سورة الفاتحة [آية 6-7].
([40])- سورة الأعراف [آية: 150]
([41])-الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله القرطبي، المجلد الرابع، الجزء 7، (ص:182)
([42])- إغاثة اللهفان لابن القيم (ص: 703)،
([43])- المرجع نفسه (ص: 707-708)
([44])- سورة الأعراف [آية 154]
([45])- تفسير ابن كثير [م: 2، ج:3]. (ص: 280)
([46])-سورة الأعراف: [آية 154]
([47])- سورة الأنبياء: [آية 87.]
([48])- تفسير ابن كثير (م: 3، ج: 5) (ص: 213)
([49])- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (ص: 218) المجلد6، الجزء 11.
([50])- صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، رقم الحديث 6116.
([51])- جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي (ت:795)، (ص: 154-155)
([52])- صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، رقم الحديث، 6114
([53])- صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب رقم الحديث 6675.
([54])- صحيح مسلم بشرح النووي للإمام أبي زكريا النووي (ت: 676هـ)، م:8 /: ج:16 ص: 138
([55])- سنن ابن ماجة، بتحقيق العلامة الألباني، باب الحلم، رقم الحديث 4186، كتاب الزهد)
([56])- رياض الصالحين للإمام النووي، بشرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين، (المجلد1، ص: 158).
([57])- صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب من أصاب النبي (ص) من الجراح يوم أحد، رقم الحديث 4073.
([59])- صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود، رقم الحديث: 702.
([60])- صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم الحديث: 2015.
([61])- صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، رقم الحديث: 3194
([63])- صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، رقم الحديث: 7158.
([65])- صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، رقم الحديث: 7160.
([66])- فتح الباري بشرح صحيح البخاري للإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني (ت: 852هـ)، م:13، ص: 137.
([68])- تاج العروس من جواهر القاموس للإمام محب الدين الزبيدي، تحقيق ودراسة: علي شيري، المجلد2، باب الباء، (ص: 289).
([69])- المسند للإمام أحمد بن حنبل المجلد2، ص: 537، (مسند أبي هريرة).
([71])- صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله، رقم الحديث: 6109
([73])- صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم الحديث:2015.
([74])- سورة المنافقون [آية: 8]
([75])- تفسير ابن كثير، المجلد4، الجزء8، (ص: 85)
([76])- سورة المعارج [آية 19-20-21.]
([77])- سورة البقرة [آية: 155- 156]
([79])- سورة آل عمران [آية: 134]
([80])- صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب.
([82])- صحيح البخاري، كتاب الإيمان والنذور، باب اليمين فيما لا يملك وفي المعصية وفي الغضب، رقم الحديث: 6679.
([83])- سورة الأعراف [آية : 199]
([84])- صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب ﴿خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾ رقم الحديث: 4642.
([86])- المعين على تفهم الأربعين لابن الملقن، ص: 167- 168
([88])- صحيح البخاري، كتاب الطب، باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث، رقم الحديث 5778.
([89])- سورة النساء [آية : 93.]
([90])- سنن أبي داود، كتاب الصلاة ، باب النهي عن أن يدعو الإنسان على أهله وماله، رقم الحديث 1532
([91])- إحياء علوم الدين للغزالي (المجلد2، ص: 1071 )
([92])- إحياء علوم الدين، المجلد2، ص 1061.
([95])- أخرجه أبو داود: كتاب الأدب، بابا في الحسد، رقم الحديث: 4903
([96])-صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر، رقم الحديث:4903
([97])- إحياء علوم الدين، المجلد2، ص 1077.
([98])- صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، رقم الحديث: 6064
([100])- سورة البقرة، [آية:225]
([101])- سورة آل عمران [آية 159]
([102])- صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب البرود والحبرة والشملة، رقم الحديث 5809.
([103])- صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب كراهية السخب في السوق، رقم الحديث: 2125.
([104])- سورة آل عمران [آية:159]
([105])-صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق، رقم الحديث: 6634 .
([106])-المصدر نفسه، رقم الحديث: 6635
([107])- المصدر نفسه، رقم الحديث: 6636
([108])- صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله رقم الحديث: 6025.
([111])- سورة الإنسان [آية:12]
([112])- صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، رقم الحديث: 1469
([113])- سورة الشعراء [آية:215]
([114])- صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: ﴿وإن يونس لمن المرسلين﴾ رقم الحديث: 3414
([115])- صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفه نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، رقم الحديث 7244
([116])- مسند أبي هريرة، ص: 381
([117])- صحيح البخاري، المجلد3، ص: 145، كتاب الأدب، باب حسن الخلق، رقم الحديث 6035
([118])- سورة الأحزاب [آية:21].
([119])- سورة الأعراف [آية 146]
([121])- صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم الحديث: 267
([122])- صيد الخاطر للإمام أبي الفرج ابن الجوزي (ت: 597هـ)/ص: 240.
([124])- سورة الاعراف [آية 200.]
([125])- صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب رقم الحديث 6681
([126])- سورة الأعراف [آية: 200].
([127])- سورة الفرقان[آية:201]
([128])- سورة المجادلة [آية19]
([129])- سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب ما يقال عند الغضب، رقم الحديث 4784.
([130])- جامع العلوم والحكم لابن رجب ص: 156
([131])- صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم فلا يؤذ جاره، رقم الحديث 6018
([132])- صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء، رقم الحديث: 584.
([133])- سورة العنكبوت، [آية 45.]
التعليقات