عناصر الخطبة
1/قوة دين الإسلام 2/ التبعية من علامات الضعف 3/ عواقب الغزو الفكري 4/ مجالات الغزو الفكري 5/ دور المسلمين الناصحين 6/ مظاهر العزة في دين الإسلام .اهداف الخطبة
التحذير من الغزو الفكري / بيان مجالات الغزو الفكري وطريقة مدافعته .اقتباس
لا بد من أن يستقر في النفوس يقينٌ جازمٌ.. بأن شريعة الإسلام هي دينُ الأمة ودستورها في الصغير والكبير، وهي كلمة ربها وهديُ كتابها المُتعبد بتلاوته بكرةً وعشياً، وهي قانونها العام الخاص في النقير والقطمير
الحمدُ لله جعل قوةَ هذه الأمة في إيمانها، وعزَّها في إسلامها، والتمكين لها في صدق عبادتها، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدهُ ورسوله، دعا إلى الحق وإلى طريق مستقيم، جعلنا على المحجبة البيضاء. ليها كنهارها. صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه. كانوا في هذه الأمة قدوتها ومصابيحها، والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.
يقول الله عز وجل: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
الإسلام دين الله جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، ومصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه. دينُ الله أكمله وأتم به نعمته، ورضيه لهذه الأمة ديناً. من استمسك به أعزّه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، ومن تركه ورغب عنه قصمه الله. لا صلاح إلا بالاستمساك به، ولا بقاء إلا لمن سار على نهجه. والذلةُ والصغارُ لمن خالف أمره. عقيدةٌ نقيةٌ، وفكرٌ كاملٌ، وتنظيمٌ شاملٌ، وعزةٌ عاليةٌ، واستقلال صحيح: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: من الآية8].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة:54-56].
صراط الله لا يقبلُ الذلة، ويأبي التبعية، ويرفضُ الخنوعَ، ويستعصى على الدّخلاء.
أيها المسلمون والمسلمات: هذا هو الدين، وهذه هي قوة الصادقين من أهله. ولكن يظهرُ في بعض ضعاف النفوس استعباد فكري، وخنوعٌ معنوي، وتبعيةٌ مهينةٌ... وسنة الله قاضية أن كل أمةٍ تستبدل الضلال بالهدى، وتتقاعس عن العمل المثمر النافع، لا تزالُ في تقهقر وانحطاط وتلاشٍ واضمحلال، يكون ذلك في فكرها وقوتها وسلوكها.
إذا هزمت الأمةُ في عقيدتها فقد غشيتها الذلة، وما كان لها أن ترفع رأساً أو تحقق عزة.
معاشر الإخوة: مِن أبرز علامات ضعف الأمم أخذها بكل ما يُساق إليها، من غير تمييز بين ما يضر وما ينفع، ولا تفريق بين ما يوافق وما لا يوافق، حتى ينتهي بها الحال إلى أن تفقد خصائصها، وتذوب أصالتها.
ومن علامات الضعف البارزة كذلك: أن يكون ميلها إلى نقل التافه الحقير مما يُغرقُ في الشهوات، ويقود إلى الراحة والاسترخاء. ليس عند أصحابها من الهمة والعزة ما يرتفعون به إلى معالي الأمور، وحياة الكفاح والجهاد، واحتمال المكاره والعمل الجاد والدؤوب.
إن لدى الأعداء بضاعتين: بضاعة ٌ يزجونها إلى الضعاف، وبضاعة يمنعونها عنهم. أما التي يزجونها: فكل ما يسلب الأخلاق، ويدمر القيم، ويذل الأمة، ويكرس العبودية. وأما التي يمنعونها: فسر التفوق وإكسير القوة والنافع المفيد.
أيها الإخوة: هذا هو حالُ الضعف والضعفاء ولو ستروا أنفسهم بقشور رقيقة من علمٍ أو ثقافة.
لقد ظنت بعض هذه الدويلات الضعيفة أنها نالت استقلالها وحريتها، وعدت نفسها في عداد أهل العلم والمتعلمين، والحضارة والمتحضرين، بينما أبناؤها عبيد أرقاء في أفكارهم.. شاءوا أم أبوا. تشهد على ذلك مدارسهم ومكاتبهم وبيوتهم وأسواقهم ومجتمعهم ومحاكمهم. بل تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم.. أنهم لم ينالوا من الحضارة الملحدة سوى قشورها.
لا يفكرون إلا بعقول الأعداء، ولا يبصرون إلا بأعينهم، راسخٌ في نفوسهم –شعروا أو لم يشعروا- أن الحق ما جاء من عندهم، والباطل ما لم يكن عندهم. مقاييس الحق والصدق والأدب ما قررته نظرياتهم ومناهجهم.
والوطنيةٌ عند هؤلاء المنكوبين: أن يعرضوا ما عندهم من أفكار وتصوراتٍ على تصورات الملاحدة في الشرق وفي الغرب، فما وافق ما عندهم اطمأنوا إليه، وفرحوا به وفاخروا به، فهو المساير لمقتضيات العصر. وما خالف ذلك: فهو باطل وتخلف ورجعية، وأفكارٌ قديمة باليةٌ. ثم يقوم هزيل من هؤلاء فيتبرأ مما عند قومه من الحق، ويرفضه سراً أو علناً، ويأتي متحذلقٌ آخرُ في خنوع وذلةٍ ليوفق بيدٍ مرتعشة بين ما عنده وما عند كفار المشرق والمغرب، فيمد ويرقع لينطبق على معاييرهم... تبعيةٌ ذليلة تمسخ فيها عقول الأمة، وتشوه أفكارها... من خلال التربية والتعليم والإعلام، تبعية تجهل فيها الأمة تاريخها، وتعظم تاريخ الغزاة... ينشأ الجيل المقهور وليس في علمه ولا ثقافته إلا تاريخ الدولة الغالبة... لا يعجبه إلا فكرها، ولا يكبر في عينه إلا رجالها.
ذلةٌ تزاحم فيها لغة الغالب لغة المغلوب وتزحزحُها أو تطردها لتحلّ محلها، فيلوي مُدَّعو الحرية ألسنتهم بالرطانة... وذلك عندهم رمز التقدمية. وما علم هؤلاء المخذلون أن ضعف لغة الأمة برهانٌ على ضعف فكرها.
في الغزو الفكري تستبدل الأمة أخلاق الكافرين بأخلاقها المستقيمة، فيقوم دعاة من القوم يدعون إلى الميوعة، والسفور وهدم الأخلاق.
سبحان الله –عباد الله- أيُّ مسخٍ وأي ذلةٍ أشد وأنكى من أن تستورد الأمة أخلاقاً ذميمة من الخارج، وقيماً هابطة من المغضوب عليهم، وهلْ يوجد تنكرٌ للأصالة أعظم من هذا التنكر؟.
يقول بعضُ زعماء اليهود: " لقد نشرنا روح التحرر الكاذب بين الشعوب الغيورة لإقناعهم بالتخلي عن دينهم. بل استطعنا تثبيت الشعور بالخجل من الإعلان عن تعاليم الدين وأوامره ونواهيه ومزاياه. والأدهى من ذلك أننا نجحنا في إقناع كثيرين بالإعلان جهاراً عن إلحادهم وكفرهم بالله... ".
نعم –أيها الإخوة- لقد شمل هجومهم العقائد والسياسة، والحكم والاقتصاد، والتعليم والإعلام، واللغة والتقاليد الصحيحة، والأزياء المحتشمة. لقد شمل العقل والنقل، والدين والدنيا. سددوا الطعنات ووجهوا السهام، ودبروا المؤامرات. تعددتْ مجالاتُ الغزو، وتنوعت أساليبه. هجومٌ من الخارج تارةً، ومن الداخل تارةً، من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.
وعلى قدر شرف رسالتنا تكون شراسة الهجوم علينا. ولو كان ديننا دين خمول أو بلادة عقل.. لما اكترثوا ولمَا اهتموا.. فما رأيناهم هاجموا وثنية، ولا قاوموا بوذيةً. وإن في أفئدة القوم غلاً راسباً منذ مئات السنين.
إنهم ما سكتوا ولن يسكتوا.. وكيف يكون ذلك وقد علموا أن الإسلام عصيٌ عليهم في مبادئه، مقاومٌ لكلِّ أنواع الذلةِ والاستعباد.
أيها المسلمون والمسلمات: هذا واقعُ كثير من بلاد الإسلام، وحالُ كثيرٍ من مثقفي الأمة، وتلك هي مواقف الأعداء.
ولكنَّ المؤمنَ موقنٌ بأن الله حافظ دينه معلي كلمته، ولن يزال في الأمة موفقون يهدون بالحق وبه يعدلون، ولا تزال في أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم طائفة على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم. ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى. والمحجة بيضاء، والطريق بين، والحق أبلج، وما على أهل الحق من المسئولين والعلماء والدعاة إلا أن يصدقوا في النوايا، ويشمروا في العمل، فرجُلُ الأصالة وصاحب الاستقلال المحمود: هو المسلم المستمسك بدينه، الواثق به، المعتز بتعاليمه.
ومن أجل عودةٍ صادقةٍ، واستعادةٍ لموقع الصدارة ومقود القيادة.. لا بد من تضافر الجهود في تربية الأجيال على الاعتزاز المطلق بدينها، واستشعار عظمته. لا بد أن يصحب برامج التعليم والإعلام.. برامج تربية إسلامية صحيحة نقية.. تُشرف على سلوك الأفراد والجماعات، وتجعل الحياة الخاصة والعامة محكومة بحكم الإسلام، مضبوطة بآدابه وتوجيهاته، والتخلص من سخافة الأفكار وزبالة الأذهان.
ولا بد من أن يستقر في النفوس يقينٌ جازمٌ.. بأن شريعة الإسلام هي دينُ الأمة ودستورها في الصغير والكبير، وهي كلمة ربها وهديُ كتابها المُتعبد بتلاوته بكرةً وعشياً، وهي قانونها العام الخاص في النقير والقطمير.. سدد الله الخطى، وبارك في الجهود وأعز الإسلام وأهله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) [آل عمران:186].
الخطبة الثانية :
الحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل الضلال، وأسأله العفو والعافية في الدين والدنيا والحال والمآل. أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وهو الكبير المتعال. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله شريف النسب وكريم الخصال. صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله. واعلموا أنَّ من مظاهر العزة الجلية في ديننا... نهي المسلم عن التشبه بالكفار على شتى مللهم ونحلهم، وبأيِّ نوع من أنواع التشبه، ذلك أن التشبه لا يصدر إلا عن إعجاب وإحساس بالتبعية. ومن ثم يتولد الاستئناس بالأعداء، ومحبتهم وتقديرهم وتعظيمهم. بل يندرج الحال إلى ازدراء قومه وأهله وعشيرته، واحتقارهم في سلوكهم ولباسهم ومستحسن عاداتهم. وكلما كانت وجوه المشابهة أكثر.. كان التفاعل في الأخلاق والصفات أعظم. ومنْ قلَّد الكفار وشابههم في الهدي الظاهر، فهو قائد على وجه التدرج والمسارقة إلى التأثر بعقائدهم الباطلة في أعيادهم واحتفالاتهم. والمشاركة في الهدي الظاهر تقود إلى الاختلاط الذي يمحو التمييز بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين.
وفي عصرنا المشاهد نماذج كثيرةٌ –لا كثرَّهم الله- من عشَّاق حياة الكافرين، يحملون أفكاراً هدامة، تُنابذ عقائد أهل الإسلام... كان مبدأ انحرافهم.. الإعجاب والمشابهة الظاهرة.
وفي هؤلاء من يعتقد أن القوانين البشرية خيرٌ من شريعة ربّ البرية. فيهم من يرى أن الإسلام محصورٌ في صلة العبد بربه، ولا علاقة له بالحياة والناس.
ولعظم الأمر وخطورته جاءت شريعة محمد صلى الله عليه وسلم في أصولها وفروعها وظاهرها وباطنها مباينة لسبيل المغضوب عليهم والضالين. ولتعلموا رحمكم الله: أن القلبَ كلّما كان أتمّ حياة، وأعرف بالله، كان إحساسه بمفارقة الكفار والمشركين باطناً وظاهراً أتمّ وأعظم، وبعده عن أخلاقهم وأعمالهم أشدّ وأكبر.
فاتقوا الله واستمسكوا بهدي نبيكم وانبذوا مسالك الكافرين وطريق الضالين.
التعليقات