عناصر الخطبة
1/ بشائر الطاعة في رمضان 2/ ما أجمل التسامح يوم العيد 3/ مكانة الأرحام وأهمية حسن العلاقة معهم 4/ بركات صلة الأرحام 5/ الأعياد شعائر دينية 6/ الحث على التسامحاهداف الخطبة
اقتباس
إن أسرة الإنسان وأرحامه هم عُدّته وسنده، وهم قُوته ومفزعه. فمهما كانت أصالة الأصدقاء ونبلهم، فإنهم لن يصلوا -في النوائب- في مستوى تحنن الأرحام واستعدادهم، ومهما تجذرت العداوات والخلافات بين الأرحام فلا بد من العود - ولو بعد أمد - إلى لأم الجراح، وإعادة العلائق، بينما قد تدوم القطيعة بين الغرباء أبد الدهر؛ لأنه ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له من دون الله وليًّا ولا نصيرًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا عباد الله.. أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله وطاعته، استجابة لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 28].
أيها الإخوة المسلمون: أي البشائر أزّفها إليكم، وقد بلّغنا الله صيام شهر الخير كله، أفضل من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» رواه الشيخان. وها قد بلغنا الفرحة الأولى وتهيأنا للفرحة الأخرى بعد عمر مبارك إن شاء الله، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه»، ليجمع الله لنا بفضله وكرمه بين سعادتي الدنيا والآخرة. هذا أملنا في الله والله ذو الفضل العظيم.
وكما عشنا في شهر الصوم سعادة العبادة، فها قد ملأت أنوار العيد قلوبنا وهلَّ علينا بسعادة أخرى، تنشأ من تبادل التهاني الصافية بيننا، والحب الصادق، الحب الذي يجعل النفس المتعنتة شهورًا طوالاً تنصاع.. فتسامح، تسامح حتى من ظلمها ورفض الاعتراف بظلمه والاعتذار منها، فضلاً عمن أخطأ وثاب إلى الحق، واعتذر.
وما أجمل التسامح يوم العيد! ما أجمل أن يكون غُسل القلوب وغُسل الأبدان بماء واحد، فلا يخرج المرء من داره إلا وقد خلا قلبه من كدر الأحقاد، قد تتابعت على قلبه آيات العفو كالبرد على الظمأ: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) [الشورى: 37]، ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) [الشورى: 43]، فيهتف قد صبرت وغفرت. فارتاحت نفسه من إلحاح الثأر الجهول، وهدأت أعصابه بعد أن انطفأت النار، وترمد الجمر، وانطوت صفحة سوداء - بإذن الله - إلى الأبد. لترتفع راية العز بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم: «ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله».
وإذا كان هذا مطلوبًا مع المسلمين جميعًا، فإنه يتأكد أكثر مع الأرحام.
إن علينا أن نقبل العذر ممن يعتذر، وأن نقابل القطيعة بالوصل، فـ«ليس المواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها» كما قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم، كما عند أبي داود وصححه الألباني.
إن أسرة الإنسان وأرحامه هم عُدّته وسنده، وهم قُوته ومفزعه. فمهما كانت أصالة الأصدقاء ونبلهم، فإنهم لن يصلوا - في النوائب - في مستوى تحنن الأرحام واستعدادهم، ومهما تجذرت العداوات والخلافات بين الأرحام فلا بد من العود - ولو بعد أمد - إلى لأم الجراح، وإعادة العلائق، بينما قد تدوم القطيعة بين الغرباء أبد الدهر؛ لأنه لا يوجد عنصر - كالدم - يستطيع أن يشد المتقاطعين ولو بعد أجيال.
إن صلة الرحم - أخي الصائم - عظيمة البركة فهي: طاعة للرحمن، وبركة في الأرزاق والأعمار، ومن أسباب التوفيق في الحياة، ودفع الأذى، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يُمد له في عمره ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه» الحاكم وصححه.
أخي المسلم: إن العيد فرصة عظيمة لأجمل نسيان في الوجود، وهو نسيان أخطاء أرحامك في حقك، لتعود القلوب صافية نقية كما كانت. فهلا عزمت - أخي المسلم - أن تطوي كل ما قد تراكم في قلبك عبر السنين بينك وبين أرحامك، وأن تبدأ حياة جديدة غير منغصة بالحقد على أحد، فما أشقى الْحُسّاد، وما أشد مرض الحاقدين. عافاني الله وإياكم من أمراض القلب وآفاته؛ حتى نعيش عيدنا المبارك، ونحن في أحسن حال، وأطهر قلب، وأكرم نفس.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34- 35].
توبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
الخطبة الثانية:
الحمد لله أهل الفضل والجود، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن ارتباط عيدنا هذا بشهر الصيام يشبه ارتباط عيد الأضحى بالحج، من حيث إن كلا منهما بعد ركن عظيم من أركان الإسلام، فهما عيدان شرعيان، وإن ألح الإسلام في الظهور فيهما بمظاهر التزين والتجمل والتطيب والتحلي والتوسعة على العيال والمرح المباح، واختيار المطاعم والأطايب، فإنها أمور مباحة ولكنها تغدو عبادة وقربات إلى الله إذا حسنت فيه النية، وأُريد بها تحقق حكمة الله من العيد، وشكر نعمته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حتى اللقمة تضعها في في امرأتك» والحديث متفق عليه.
فالعيد مظهر من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره المعظمة، التي تنطوي على حِكَم عظيمة، ومعان جليلة، فهو سكينة ووقار، وتعظيم للواحد القهار، وبعد عن أسباب الهلكة ودخول النار، وشكر لله المنعم على تمام العبادة، وقطعة من الزمن خُصصت لنسيان الهموم، واطراح الكلفة، واستجلاب الألفة، واستجمام النفس التي أخذ بأزمتها خلال شهر الصوم عن بعض ما تطمح إليه في الوقت الذي تشتهيه، إلى أوقات محددة لها.
إنه يوم الأطفال يفيض عليهم وبهم بالفرح والمرح، ويوم الفقراء يلقاهم باليسر والسعة، ويوم الأرحام يجمعها على البر والصلة، ويوم المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور، ويوم الأصدقاء يجدد فيهم أواصر الحب ودواعي القرب، ويوم النفوس الكريمة تتناسى أضغانها، فتجتمع بعد فراق، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح بعد انقباض.
وفي هذا كله تجديد للروابط الاجتماعية على أقوى ما تكون من الحب والوفاء والإخاء. ولاسيما حين يتذكر الأغنياء إخوانهم الفقراء، حتى تشمل الفرحة كل بيوت المجتمع، وتعم النعماء كل أسرة. وكأنما العيد روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها.
ولذلك فلا تنس أن تفرّج عن معدوم، وتنفّس عن كربة مهموم، ممن حولك من المحتاجين، أو من سائر بلاد المسلمين، تذكر وأنت تأنس بوالديك وأسرتك وزوجك وأحبتك تذكر يتامى حُرموا من حنان الآباء، وتحنن الأمهات، تذكر آباء وأمهات حرموا أولادهم، وجموعًا كاثرة من إخوانك شردهم الطغيان، فعاشوا كالقطعان في الليلة الشاتية، لا يزيدهم العيد إلا همًّا وتنكيدًا، حين يتذكرون أمنًا مسلوبًا، وعزًّا منهارًا، قد أبدلهم الطواغيت بمنازلهم عراء لا يرحم برده ولا حره، وأوقفهم موقف الأذلاء البؤساء، فالله تعالى يقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ) [التوبة: 71]، (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) [البقرة: 272]، و(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ) [فصلت: 46]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» رواه مسلم. ويروى في الأثر: «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم».
بارك الله لكم عيدكم، ومكّن للمسلمين دينهم الذي ارتضى لهم. وأعاده الله على أمة الإسلام وهي ترفل في أثواب العز والتمكين.
ثم صلوا وسلموا على معلم الناس الخير سيدنا ونبينا محمد كما أمركم الله جل وعلا بذلك فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.
اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات