عناصر الخطبة
1/ نعم الله لا تحصى 2/ الدعوة للاكتساب والاحتراف الطيب 3/ حرف بعض الأنبياء 4/ التحذير من المسألة والبطالة 5/ الحث على العمل واعتباره قربة للهاهداف الخطبة
اقتباس
لقد تواردت آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- تبرز قيمة العمل وأثره في حياة الناس، وتبين أنه شرف للإنسان وسبيل للكسب الحلال وعبادة مفروضة، وتصف الأنبياء -عليهم السلام- بأنهم كانوا ذوي حرف وصناعات رغم مسؤولياتهم الهائلة في الدعوة إلى الله، وبرغم انشغالهم بذلك عن العمل أو الاحتراف ..
أما بعد:
أيها المؤمنون: فيقول الله تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) [يس: 33-35].
أيها المسلمون: هذه آيات كريمة يمتن فيها الحق -سبحانه وتعالى- على عباده بما صنع بالأرض حين أحياها وأصلحها وأخرج منها المحاصيل الوافرة، وجعل فيها البساتين والنخيل والأعناب، وفجّر فيها من الماء والعيون، وهي صورة تتكرر في حياة البلاد كل يوم.
غير أن الله -جلت قدرته، وهو الذي وهب لعباده كل هذه النعم- يختم الآيات السابقة ببيان السبب الذي من أجله أوجد الله تعالى هذه النعم، وأفاض على عباده من الأرض البائرة الخيرات، ذلك السبب هو ما يبذل الإنسان في استصلاحها من جهد، وما ينفق من عمل دائب، فهذا الخير العميم جاء من عمل أيديهم ولم يهبط عليهم من فوق رؤوسهم بدون كفاح وعمل.
وحديث القرآن الكريم في هذه الآيات الثلاث يجعل حصول المؤمن على ثمرة جيدة داعية له إلى شكر الله والإيمان به، فهو من الدواعي القوية إلى اليقين بعدل الله تعالى وفضله.
لقد تواردت آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- تبرز قيمة العمل وأثره في حياة الناس، وتبين أنه شرف للإنسان وسبيل للكسب الحلال وعبادة مفروضة، وتصف الأنبياء -عليهم السلام- بأنهم كانوا ذوي حرف وصناعات رغم مسؤولياتهم الهائلة في الدعوة إلى الله، وبرغم انشغالهم بذلك عن العمل أو الاحتراف، ولولا أن الله -جلت قدرته- قد اختار لهم أن يحترفوا وأن يكسبوا قوتهم بجهدهم وعملهم.
وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول بشأن داود -عليه السلام-: "ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"، وهذه الإشارة فصّلها الله بقوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سبأ: 10، 11]، فمهنته أن يصنع الدروع والسيوف، وكذلك تكررت في القرآن الكريم الإشارة إلى احتراف نوح -عليه السلام- مهنة النجارة وصناعة السفن: (وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) [هود: 37، 38].
وأشار الله تعالى في القرآن الكريم إلى أن موسى -عليه السلام- اشتغل برعي الغنم عشر سنين أجيرًا في أرض مدين قبل أن يبعثه الله رسولاً.
كما نعلم من سيرة نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرعى في صدر شبابه الغنم، ثم اشتغل بالتجارة في مال خديجة بنت خويلد فيما بعد.
فهؤلاء هم أقطاب النبوة، وأولوا العزم من الرسل، وقد شرفوا باحتراف مهنة يعيشون على كسبها، ويستغنون بها عن سؤال الناس، فهذا هو خير الطعام، ولا ريب أن هؤلاء الرسل لم يتحولوا بهذه المهن إلى أغنياء يجمعون المال ويكنزون الذهب، وإنما كان ما حصّلوه وسيلة إلى العيش الكريم، الذي يحفظ الكرامة قبل أن يسد الرمق، ويصون ماء الوجه قبل أن يصون أنفاس الحياة، وينفقون منه في وجوه البر والخير، ويبذلونه تقربًا إلى الله واستكثارًا من الطاعة ليكونوا قدوة لنا في ذلك.
وذلك -أيها المسلمون- هو ما حض عليه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حين رغّب أصحابه في أن يحترفوا حرفة تغنيهم عن السؤال فقال: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه".
ورغبنا رسولنا في التعفف والقناعة، وحذرنا من ذل السؤال للناس فقال: "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم".
أيها المسلمون: إن الإسلام لا يعرف الطبقة التي ترث الغنى والبطالة والكسل؛ لأن المؤمن مدعو دائمًا إلى أن ينفق ماله في سبيل الله، ولن يدوم المال مع البطالة، ولذلك حث على العمل، مهما قل شأنه، وإذا تساوى الناس أمام الدعوة إلى العمل والاحتراف لم يكن بينهم وضيع الحرفة يخجل منها وآخر شريف الحرفة يفخر بها على الناس؛ لأن شرف العمل ناتج عن شرف الدعوة إليه، وهو وسيلة لاستدامة النعمة وبقائها، ووسيلة لإشباع الحاجة، وعون على الإنفاق في سبيل الله، ومادام هذا الهدف فإن الحرف اليدوية لا تقل شأنًا عن أي عمل آخر، ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب المؤمن المحترف"، ويقول: "من أمسى كالاًّ من عمل يده أمسى مغفورًا له".
أيها المسلمون: لقد وعد الله تعالى العاملين منكم بالجزاء الأوفى يوم القيامة فقال: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف: 72]. والشروط لحصول هذا الأجر هو النية الطيبة الصالحة في العمل، فقد "مر على النبي رجل، فرأى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جَلَده، فقالوا: لو كان هذا في سبيل الله؟! فقال: "إن كان يسعى على ولْده صغارًا فهو في سبيل الله". فهذا العمل في سبيل إعانة الأطفال والأبوين عبادة يتقبلها الله سبحانه، شأنها شأن الصلاة والزكاة.
فيا أيها المسلمون: إن الإسلام يدعو إلى العمل الصادق الجاد، ويدعو إلى الإحسان في العمل وإتقانه، ويجعل من الله رقيبًا على كل منا في عمله، كما يجعل المجتمع كله رقيبًا على أعمالنا: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة: 105]. فإذا قبل أعمالكم أدخلكم الجنة وجعلكم خالدين فيها: (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [الزمر: 74].
وسئل -صلى الله عليه وسلم- أي الكسب أطيب؟! قال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور".
وقال: "من أصبح آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".
هذا، وإن على العامل واجبات، وعلى رب العمل واجبات، ولهما حقوق ينبغي أن يلتزم كل منهما بها ويقوم بأدائها، نسأل الله تعالى أن يوفق لبيانها، وأن يرزقنا التقى والهدى والعفاف والغنى...
الخطبة الثانية:
لم ترد.
التعليقات