عناصر الخطبة
1/بيان حقيقة العلم والجهل 2/من هو المعلم المثاب المأجور؟ 3/العلم والتعلم من أهم عوامل الحضارة وفي مقدمة ذلك كتاب الله وسنة رسوله.اقتباس
المُعَلِّمُ قُدْوَةٌ، المُعَلِّمُ إِمَام، وعَلى قَدْرِ بَذْلِ المُعَلِمِ وإِخْلاصِهِ وَسَعْيِه، يَنْمُو لَهُ الزَّرُعُ، ويَطِيْبُ لَهُ الحَصاد، وكُلَّما كان المُعَلِمُ أَكْرَمَ خُلُقاً، وأَرْقَى تَعامُلاً، وأَصْدَقَ بَذْلاً، كَانَ أَثَرُهُ أَقْوَى، ونَفْعُهُ أَكْبَرُ، وعَطاؤُهُ أبْقَى...
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)،
أيها المسلمون: بِالعِلْمِ حَياةُ الأُممِ، وبِالجَهْلِ خُذلانُها، ولا يَبْلُغُ المجدَ جَاهلٌ، والجهلُ مَطِيَّةُ سُوْءٍ، مَن ارْتَحَلَها ضَلّ، ومَن قادَهاَ ذَلْ، وَمَن سَارَ عليها زَلّ، العِلْمُ عِمادُ العِزِّ، ورداءُ السُّؤْدَد، وَتَاجُ الشَّرَف.
هَلْ عَلِمْتُمْ أُمةً في جَهْلِهَا *** ظَهَرَتْ في المجدِ حَسْناءَ الرِّداء
الجهلُ هو العَمَى، والأَعْمى لا يُدْرِكُ مُبْتَغَاهُ بِغَيْرِ هادٍ ودَلِيْل، والجهلُ هو الإِعَاقَةُ، والمُعاقُ لا يَنالُ حَاجَتَهُ بِغَيْرِ مُعِيْن.
العلمُ يَنْهَضُ بِالوَضِيْعِ إِلى العُلا *** وَالجَهْلُ يَقْعُدُ بِالفَتَى المَنْسُوبِ
العِلْمُ نورٌ يَهْدِي، وَكَرَامةٌ تُهدى، وَشَرَفٌ يَعْلُو، وفَضْلٌ يُوْهَب، العِلْمُ قُوَّةٌ، تَكْسِرُ عُنُقَ الجَهْلِ، ونُوْرٌ، يُبَدِّدُ رُكامَ الظَلام.
رأَيْتُ العِزَّ في أَدَبٍ وَعِلْمٍ *** وَفِي الجَهْلِ المَذَلَّةُ وَالهَوَانُ
وما حُسْنُ الرِّجالِ لَهُمْ بِحُسْنٍ *** إِذا لَمْ يُسْعِدِ الحُسْنَ الَبَيَانُ
والمُعَلِّمُ، هُوَ مَنْ يَنْشُرُ العِلْمَ ويَبْذُلُه، ويُنَمِّيْ العَقْلَ ويَصْقُلُه، وَيُحَارِبُ الجَهْلَ وَيُقَاوِمُه، وَلا يَزَالُ المُعَلِّمُ البَارِعُ المُخْلِصُ، هُو صَاحبُ الصَّدَارَةِ فِي مَقَامَاتِ الشَّرَفِ، وصَاحِبُ القِيَادَةِ في مَيَادِيْنِ الرِّيَادَة؛ فَالعِلْمُ نُوْرٌ والتَّعْلِيْمُ شَرَفْ، والعِلْمُ هِدَايَةٌ والمُعَلِّمُ دَلِيْل، فَمَا لَمَعُ نَجْمٌ لِمَوهُوبٍ، ولا رُفِعَتْ رايَةٌ لِقائِدٍ، ولا اشْتَهَرَ بالفَضْلِ فَتَى، إِلا ولِلْمُعَلِمِ غَرْسٌ فِيْهِ سَابِقْ، وما جَحَدَ فَضْلَ المُعَلِمِ مُنْصِف، وكَفَى المُعَلِمَ فَضْلاً أَنْ تُعْلَى لَهُ الرُتَبُ، أَفْلَحَ مُعَلِّمٌ أَخْلَصَ للهِ وَجَدَّ واجْتَهَد، تَتَوَالَى عليهِ مِنَ اللهِ الرَّحَمَات؛ عَنْ أَبي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- أنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأهْلَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الخَيْرَ»(رواه الترمذي وصححه الألباني).
المُعَلِّمُ قُدْوَةٌ، المُعَلِّمُ إِمَام، وعَلى قَدْرِ بَذْلِ المُعَلِمِ وإِخْلاصِهِ وَسَعْيِه، يَنْمُو لَهُ الزَّرُعُ، ويَطِيْبُ لَهُ الحَصاد، وكُلَّما كان المُعَلِمُ أَكْرَمَ خُلُقاً، وأَرْقَى تَعامُلاً، وأَصْدَقَ بَذْلاً، كَانَ أَثَرُهُ أَقْوَى، ونَفْعُهُ أَكْبَرُ، وعَطاؤُهُ أبْقَى.
يُواجِهُ المُعَلِّمُ مَصَاعِبَ شَتَّى، ويُقابِلُ أَفْهاماً وعُقُولاً ومَدارِكَ مُتَفاوِتَة، والمُعَلِّمُ بَشَرٌ، يَعْتَرِيْهِ ضَعْفٌ، ويَنْتَابُهُ فُتُور، ويُؤْلِمُهُ الأَذى، وحَسْبُ المُعَلِمِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ صَبْرَهُ في بَذلِ العِلْمِ وإِنْ قَلّ، ومُجاهَدَتَهُ في حَمْلِ الأَمانَةِ وإِن عَسُرَتْ، مِنْ أَعْظَمِ العِبادَاتِ التَي يُدْرِكُ بِها ثَوابَ الصابِرين البَاذِلِينَ المُحْسِنين، وعَلى قَدْرِ المَشَقَّةِ يَعْظُمُ لَهُ الأَجْرُ، وعَلى قَدْرِ بَقاءِ الأَثَرِ يَتَضَاعَفُ لَهُ الثَّواب.
مُعَلِّمٌ مُوَفَّق، يَرَى في طُلابِه كَنْزَاً مِنَ الحَسَناتِ لا يَنْفَدْ، فَكُلُّ عَطَاءٍ يُقَدِّمُهُ لَهُم، أُثْمَرَ فيهم زِيادَةً في العِلٍمِ، أَو زَكاءً في النَّفْس، أَو رُسُوْخاً في الإِيْمانِ، أَو ثَراءً في المَعْرِفَةِ، أَو تَفَوُّقاً في الأَدَب، فإِنما لُهُ أَجْرُ ما أَعْطَى، وثَوابُ ما عَلَّمَ، وجَزاءُ ما عَمِلْ، ويُدْرِكُ أَنَّهُمْ سَيَحْمِلُونَ الرايَةَ مِنْ بَعْدِهِ -كُلٌّ في مَجالِ تَخَصُّصِه- وأَنَّ النَّفْعَ الذي سَيُقَدِّمُونَهُ، إِنَّما لَهُ مِثُلُ أُجُورِهِم فِيه إِنْ كَانَ فِي تَعْلِيْمِهِم قَدْ أَحْسَنَ، فلا يَزالُ يَبْتَدِرُ فِيهم كُلَّ مَوْقِفٍ، ويَسْتَثْمِرَ لَهُمْ كُلَّ حَدّث، لِيُبْقِيْ في أَعماقِهِم بَصْمَةً مِن النَّفْعِ لا تَنْدَثِرْ، عَن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رَسُول اللَّه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم- قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً، كانَ لهُ مِنَ الأجْر مِثلُ أُجورِ منْ تَبِعهُ لاَ يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئًا»(رواهُ مسلمٌ).
مُعَلِّمٌ مُوَفَّق، أَدْرَكَ أَنَّ جِيْلَ اليَومِ هُمْ رِجالُ الغَدِ، وأَنَّ صَلاحَ الجِيْلِ صَلاحٌ لِلْمُجْتَمَع، وأَنَّ هِمَّةَ الفِتْيانِ تَكْشِفُ حَالَ مَشِيْبِهِم، وأَنَّ أُمَةً يَنْحَرِفُ النَّشْءُ فِيها أَو يَجْهَلُ، لَنْ تَنْهَضَ إِلى مَكْرُمَةٍ، ولَنْ تَرْتَقِي إلَى فَضِيْلَة، فَحَمَلَ عَلى عاتِقِهِ هَمَّ النُّهُوضِ بالجِيلِ إِلى أَكْرَمِ الغاياتِ، وأَنْبَلِ السُبُل، ولَنْ يُحَقِّقَ المُعَلِمُ أَثَرَهُ فِيْ مَنْ هُم بَيْنَ يَدَيْهِ، إلا حِينَ يَصْنَعُ لَهُ في القُلُوبِ مَودَةً وقَبُولاً، وَلَنْ تُقْبِلَ القُلُوبُ عَلى قَلْبٍ فَظٍّ أَو غَلِيْظ؛ (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).
مُعَلِّمٌ مُوَفَّق، يُدرِكُ أَنَّ لِلتَّفَوُّقِ أَسْبَاباً وَللإِخْفَاقِ أَسْبَاباً، وأَنَّ أَخْطَرَ أَسْبابِ الإِخْفاقِ ما كانَتْ خَفِيَّة، كَعِلَلٍ نَفْسِيَّةٍ، أَو مَشَاكِلَ أُسْرِيَّةٍ، فَخَلْفَ أَسْوارِ الأُسَرِ أَسْرارٌ وأَسْرار، وَالمُعَلِّمُ الفَطِنُ، يَتَفَرَّسُ في طُلابِهِ ويَتَحَرَّى، ويُواسِي ويُداوِي، فَرُبَّ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ قَالَها، أَزاحَتْ عَنِ المَهْمُومِ أَثْقالاً مِنْ اليأَسْ، ورُبَّ تَصَرُّفٍ لَطِيِفٍ قَامَ بِه، أَمَدَّ القَلْبَ بِماءِ الأَمَلْ، ورُبَّ كَلِمَةٍ مُؤْلِمَةٍ، نَقَضَتْ في القَلْبِ جُرْحاً غَائِراً، ورُبَّ تَصَرُّفٍ قَاسٍ، أَقْفَلَ في النَّفسِ بابَ الأَمَلْ.
مُعَلِّمٌ مُوَفَّق، يُدرِكُ أَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى تَخَصُّصِهِ التَّعْلِيْمِيِّ، ومؤتمنٌ على طُلَّابٍهِ الذينَ بين يَدَيْهِ، وَأَنَّ الطَّالبَ يَنْتَقِلُ مِنْ مَرْحَلَةٍ إلى مَرْحَلَةٍ، وأنَّ كُلَّ مَرْحَلَةٍ لِلطَّالِبِ يَجِبُ أَنْ يَأَخُذَ مِنْهَا نَصِيْبَه العِلْمِيَ وَافِرَاً مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ، ويُدْرِكُ، أَنَّ كُلَّ التَّخَصُصاتِ العِلْمِيةِ، يَجِبُ أَنْ لا تَنْفَكَّ عَن قَواعِدِ الإِيمانِ والعَقِيدَةِ والأَخلاقِ والقِيَم.
مَسِيْرَةُ التَّعْلِيْمِ، مَنْظُومَةٌ مُتَكامِلَةٌ، والمُعَلِمُ قَائِدُ زِمَامِها، ولَنْ يُحَقِّقَ المُعَلِمُ الأَثَرَ المرْجُوَّ، مَا لَمْ يُعْضَدْ بِسَنَدٍ مِن الإِدارَة والأُسْرَة والمُجْتَمَع، وَلَئِنْ جَاءَ الفَضْلُ فِيمَنْ أَعَانَ رَجُلاً في دَابَّتِهِ فَحَمَلَهُ عليها، أَو رَفَعَ لَه عَلَيْهَا مَتَاعِه، فَما الظَّنُ فيِ مَنْ أَعانَ مُعلِماً، وسَانَدَهُ عَلى أَداءِ أَمانَتِه، يُشارِكُهُ في الأَجْرِ، وفَضْلُ اللهِ لا يُحَد.
وفي تَضَافُرِ الجُهُودِ، يَشْتَدُ الغُصْنُ ويَطِيْبُ الثَمَرْ.
مُعَلِّمٌ بَذَلَ وأَخْلَصَ وقَدَّم، صَوابُهُ مُقَدَّرٌ وعَمَلُهُ مَشْكُور، وزَلَــلُهُ مُغْتَفَرٌ وكَسْرُهُ مَجْبُور.
فَمَنْ ذَا الذِيْ تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّهَا *** كَفَى المرْءَ نُبْلاً أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُــه
(فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا).
بارك الله لي ولكم بالقرآن ،
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ العالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهدُ أَن محمداً عبده ورسوله الأَمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً.
أما بعدَ: فاتقوا الله -عباد الله-.
أيها المسلمون: وَعَلَى امْتِدَادِ القُرُوْنِ وَتَعَاقُبِ الأَجْيَالِ واتِّسَاعِ دِيَارِ الإِسْلامِ، فإِنَّ المُـجْتَمَعاتِ المسلمةِ في كُلِّ صِقْعٍ، لا تَزَالُ تُدْرِكُ أَنَّ التّقَدُّمَ في التَّعْلِيْمِ ضَرُوْرَةٌ لِنَيْلِ المَجْد، وَأَنَّ الزُّهْدَ في تَعْلِيْمِ أَيِّ عِلْمٍ نَافِعٍ في أُمُوْرِ الدُّنْيَا أَو أُمُوْرِ الدِّيْنِ، عَقَبَةٌ في طَرِيْقِ نَهْضَةِ الأُمَمِ وَتَقَدُّمِها.
وَمَعَ هَذَا فَإنَّ عُلُوْمَ الدِّيْنِ وأَصْلُ الدِّيْنِ كِتَابُ اللهِ وَسُنَّةُ رَسُوْلِه -صلى الله عليه وسلم- فإِنَّ عُلُومَهُ هِيَ المُقَدَّمَةُ في كلِّ مَقَام، وفِيْ تَثْبِيْتِهِا ثباتٌ لِدِيْنِ النَّشْءِ، وفي تَعْمِيْقِها، حِفْظٌ لِعُقُوْلِـهِم وَقُلُوْبِهِمْ مِنْ مَزَالِقِ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَات؛ قال ابنُ خُلْدُوْنٍ: "تَعْلِيْمُ الوِلْدَانِ للقُرْآنِ شِعَارٌ من شعائرِ الدِّيْن، أَخَذَ بِه أَهَالِي المِلَّةِ، ودَرَجُوا عليه مِنْ جَمِيْعِ أَمْصَارِهِمْ، لِما يَسْبِقُ إلى القُلُوْبِ مِنْ رُسُوْخِ الإيمانِ وَعَقَائِدِهِ بِسَبَبِ آياتِ القُرْآنِ وَمُتُوْنِ الأَحَادِيْثِ، وَصَارَ القُرْآنُ أَصْلُ التَّعْلِيْمِ الذي بُني عَلَيْهِ مَا يُحَصَّلُ بَعْدُ مِنَ المَلَكَات" ا.هـ
عباد الله: وَشَرَفُ التَّعْلِيْمِ وثَوابُ المُعَلِّمِ، هُوَ لِمَنْ بَذَلَ ونَصحَ وَجَدَّ واجْتَهَدْ، وَلَنْ يَنَالَ شَرَفَ التَّعْلِيْمِ مَنْ امْتَهَنَهُ وَظِيْفَةً وَضَيَّعَهُ أَمَانَةً، مَنْ اتَّخَذَهُ كَسْبَاً وَفَرَّطَ فِيْهِ دِيَانَةً؛ قال أبو حامدِ الغَزَالي -رحمه الله-: "الصَّبِيُ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَلْبُه الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيْسَةٌ سَاذِجَةُ، خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُوْرَةُ، وَهوَ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا نُقِشَ، ومائلٌ إلى كل ما يُمَالُ بِهِ إِليه، فإنْ عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ وَشَارَكَهُ في ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَه وَمُؤَدِّب" ا.هـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
والمُعَلِمُ، يُخَلِّفُ عِلْماً أَوْدَعَهُ في عُقُولِ النَّشْءِ يَبْقَى لَهُ بَعْدَ مَوتِه؛ قَالَ السَّمْعانِيُّ -رحمه الله-: رُئِيَ أَبُوْ مَنْصُوْرِ الخَيَّاطُ الزَّاهِدُ المُقْرِئُ -المُتَوَفَّى سَنَةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِيْنَ مِنَ الهِجْرَة- رُئِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي المَنَامِ، فَقِيْلَ لَهُ مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قال: غَفَرَ لي بِتَعْلِيْمِي الصِّبْيَانَ فَاتِحَةَ الكِتَاب.
فَمَنْ عَاشَ حَتَّى يَنْفَعَ النَّاسَ عِلْمُهُ *** فَلا زَالَ مُمْتَداً لَهْ العَيْشُ والعُمْرُ
وَمَا الخُلْدُ إِلا لِلذِيْنَ إِذَا انْتَهَتْ *** حَيَاتُهُمُ بِالخيرِ دَامَ بِـهَا الذِّكْرُ
اللهم اجعلنا هداةً مهتدين.
التعليقات