عناصر الخطبة
1/الصلاة عماد الدين وركنه الأساسي 2/للصلاة مواقيت معلومة محددة 3/بعض أحكام الصلاة 4/الوصية بإقامة الصلاة والتحذير من التهاون فيهااقتباس
ومَنْ تعمَّد توقيتَ المنبِّه بعد طلوع الشمس واعتاد ذلك غير مبالٍ بصلاة الفجر ولم يتخذ شيئا من أسباب اليقظة ولم يبكر إلى النوم ولم يوصِ مَنْ يوقظه فإنه واقِع في إثم التفريط، وقد يُعَدُّ في حكم العامد...
الخطبة الأولى:
الحمد لله القائل: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ)[هُودٍ: 114]، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، شهادة تنجينا من الإشراك والعصيان والميل، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، صلاة دائمة زاكية تُضاعَف بها الأجورُ، ويدفع بها عنا الهم والبلاء والويل.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله؛ فالتقوى أقوى ضمير، وأوفي نصير، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].
أيها المسلمون: بيَّن اللهُ للناس معالمَ دِينه، وأوضَح لهم شرائعَ شرعه، وفرَض عليهم المحافظةَ والمداومةَ على الصلوات الخمس المفروضات المكتوبات المعهودات في اليوم والليلة، قال الله -تعالى-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[الْبَقَرَةِ: 238]، ومن ترك الصلاة عامدا آبِيًا من أدائها وقضائها وإقامتها فلا حظَّ له في الإسلام، فلا حظَّ له في الإسلام، فلا حظَّ له في الإسلام، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "بينَ الرجلِ وبينَ الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ" (أخرجه مسلم).
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- ألا تشرك بالله شيئا وإن قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ، ولا تترك صلاةً مكتوبةً متعمدًا، فمن تركها متعمدًا فقد برئت منه الذمةُ، ولا تَشْرَبِ الخمرَ؛ فإنها مفتاحُ كلِّ شرٍّ" (رواه ابن ماجه).
أيها المسلمون: وأجمَع العلماءُ على أن الصلوات الخمس مؤقَّتات بمواقيت معلومة محدودة، وأنَّ لِوَقْتِ الصلاةِ أولًا وآخِرًا، ولا يحل لمسلم أن يصلي صلاة مفروضة قبل وقتها، ولا يحل أن يؤخرها عن وقتها، قال ربنا -عز وجل-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النِّسَاءِ: 103]، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إن للصلاة وقتًا كوقت الحج، فكما لا يحل أن يحج في غير أشهره، ولا أن يقف في عرفة بعد وقته، ولا أن يقيم الجمعة يوم السبت، فكذلك لا يحل أن يفرِّط في مواقيت الصلوات المكتوبات، وقد توعَّد اللهُ المصلينَ الذين يُخرجون الصلاةَ المكتوبةَ عن وقتها المقدَّر لها شرعًا فلا يصلونها إلا بعد خروج وقتها فقال عز وجل: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[الْمَاعُونَ: 4-5]، وتلك حال المنافقين، وفسقة المسلمين، الذين يصلون صلاة النهار بالليل، وصلاة الليل بالنهار، ويصلون وفقَ إرادتهم لا وفقَ شرط صحة عبادتهم، يفعلون ذلك تهاونًا، وفسقًا ومجونًا واستخفافًا بحقها".
عن نوفل بن معاوية -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من فاتته الصلاةُ فكأنما وُتِرَ أهله وماله" "أخرجه ابن حِبَّانَ"، والموتور: من قُتِلَ له قتيل أو سُلِبَ له مالٌ فلم يُدْرِكْ حقَّه وثأرَه، ووجهُ التشبيهِ أن مَنْ فاتته الصلاةُ فقد اجتمع عليه غمُّ الإثمِ وغمُّ فقدِ الثوابِ، كما اجتمع على الموتور غمُّ السلب وغمُّ الطلبِ. والمراد بالفوات: تأخيرها عن وقتها بغير عذر.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عمَّن تَرَكَ صلاة واحدة عمدًا بنية أنه يفعلها بعد خروج وقتها قضاءً؛ فهل يكون فعله كبيرة من الكبائر؟ فأجاب -رحمه الله-: "تأخير الصلاة عن وقتها الذي يجب فعلُها فيه عمدًا من الكبائر"، وقال: "فمن فوَّت صلاةً واحدةً عمدًا فقد أتى كبيرةً عظيمةً، فليستدرك بما أمكن من توبة وأعمال صالحة، ولو قضاها لم يكن مجرد القضاء رافِعًا إثمَ ما فعل بإجماع المسلمين".
أيها المسلمون: ومن ترك الصلاة ناسيا أو نائما وجَب عليه قضاؤها، فيقضي النائمُ إذا استيقظ والناسي إذا ذَكَرَ؛ لحديث أنس قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ نسي صلاةً أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، لا كفارةَ لها إلا ذلك" (متفق عليه).
أيها المسلمون: وَمِنَ التفريطِ النومُ بعد دخول وقت الصلاة ممن يغلب على ظنه أن نومه يستغرق وقت الصلاة المكتوبة، حتى يخرج وقتُها أو وقتُها الاختياريُّ، إلا إن وَثِقَ أن يوقظه أحد، أو غلب على ظنه الاستيقاظُ بالساعاتِ الْمُنَبِّهِ، ولا يؤخر صلاة العصر بلا عذر حتى اصفرار الشمس، فإن فعل فهو آثِم في أصح قولَي العلماء؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وقتُ العصرِ ما لم تصفرَّ الشمسُ" "أخرجه مسلم"، وَلِمَا رواه أنسٌ -رضي الله عنه- قال: "سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين؛ يجلس أحدُهم حتى إذا اصفرت الشمسُ وكانت بين قرنَيِ الشيطانِ أو على قرن الشيطان قام فنَقَر أربعًا لا يذكر اللهَ فيها إلا قليلا" (رواه مسلم).
ولو أُبيح تأخيرها إلى اصفرار الشمس لَمَّا ذمه عليه وجعله علامة النفاق، ولا يؤخر العشاء بعد نصف الليل لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ووقتُ العشاءِ إلى نصف الليل" (رواه مسلم).
ولا يؤخر الفجرَ إلى طلوع الشمس؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ووقتُ صلاةِ الصبحِ من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس" (أخرجه مسلم).
ومن أدرك من الصلاة ركعةً كاملةً بركوعها وسجودها في وقتها فقد أدركها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" (متفق عليه).
ومَنْ تعمَّد توقيتَ المنبِّه بعد طلوع الشمس واعتاد ذلك غير مبالٍ بصلاة الفجر ولم يتخذ شيئا من أسباب اليقظة ولم يبكر إلى النوم ولم يوصِ مَنْ يوقظه فإنه واقِع في إثم التفريط، وقد يُعَدُّ في حكم العامد، أما مَنْ ثقل رأسه ونومه مع تحوُّطِه وحرصه وجميل سعيه، وتعاطيه الأسباب المعتادة فلا إثم عليه لأنه لم يفرط.
ويجب إيقاظُ النائم لإدراك الصلاة المكتوبة، ويجب إعلامُه إذا ضاق الوقت؛ لأنه من باب التعاون على البر والتقوى، ولأن النائم كالغافل، وتنبيه الغافل واجب، ويتعاهد الرجلُ أهلَ داره وبيته، ويأمرهم بأداء الفريضة، ويُوقظهم لصلاة الفجر على وجه يتمكنون فيه من الطهارة والوضوء، وأداء الصلاة كاملة قبل طلوع الشمس، ويؤمر الصبيُّ بأداء المفروضة، وإن لم تجب عليه؛ ليعتاد ذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع" (أخرجه أبو داود).
والصبيان والفتيان والشبان الذين يلهون ويلعبون في الطرقات والملاعب وفي جوار المساجد وبيوت الله، ولا يشهدون صلاة الجماعة، ولا يكترثون بالنداء والأذان، ولا يوقِّرون الشعيرةَ العظيمةَ، يجب على أوليائهم تعاهُدُهم، وعلى مَنْ مرَّ بهم نصحُهم وتذكيرهم.
ومن فاتته صلوات لزمه قضاؤهن مرتَّباتٍ، ومتى صلى الحاضرةَ ناسيًا للفائتة مضى في صلاته ولا إعادةَ عليه، وإذا ضاق وقتُ الحاضرة سقَط وجوبُ الترتيب، وصلى الحاضرة في وقتها ثم صلى الفائتة.
أيها المسلمون: لا تلهينَّكم أموالكم ولا أولادكم، ولا تنسينكم تجارتكم وبيوعكم، ولا تشغلنكم أسواقكم وحوانيتكم عن حضور الصلاة، والمحافظة على مواقيتها، وما استحفظكم الله فيها، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "مَنْ سَرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافِظْ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهن؛ فإن الله شرع لنبيكم -صلى الله عليه وسلم- سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتُم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلفُ في بيته لتركتُم سنةَ نبيكم، ولو تركتُم سنةَ نبيكم لضللتُم، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاقِ، ولقد كان الرجل يُؤتَى به يُهادَى بين الرجلين، حتى يُقامَ في الصف" (رواه مسلم).
أيها المسلمون: أيُّ نداء أحلى وأعذب، وأي صوت أندى وأطيب من صوت المنادي بالأذان؟!
فَأَسْمِعِ القلوبَ يا مؤذنُ***فالقلبُ بالصلاة سوف يسكن
وأيقِظِ النُّوَّمَ بالأذان***يا داعي الناس إلى الرحمن
أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه إنه كان للأوَّابين غفورا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله آوَى مَنْ إلى لُطْفه أوى، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، داوى بإنعامه من يئس من أسقامه الدوا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، من اتبعه رشد واهتدى، ومن عصاه ضل وغوى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة ترقى وسلاما يترى.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
أُخَيَّ أُخَيَّ، يا من يسمع الأذان ولا يجيب، يا من يتراخى ويتوانى ويتقاعس، يا من يتثاقل ويتشاغل ويتساهل، هذه الأجور تُقَسَّم، وأنتَ في لهوك تغرم وتأثم، هذه مَواطِنُ الزلفى والتكريم والأجور، وأنت في مواطن الشرور والغرور، ومن خرج إلى المسجد أو راح فهو كالطيف الزائر، ولكن خرج يزور مَنْ؟ هو قادم على مَنْ؟ هو ضيف مَنْ؟ إنه في ضيافة الله العظيم، وكرامته ونعمته ومنته، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ غدَا إلى المسجد أو راح أعدَّ اللهُ له في الجنة نُزُلًا كلما غدَا أو راح" (متفق عليه).
أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح، الله أكبر أَيُّ نُزُل؟ أيُّ كرامة؟ أيُّ تحفة؟ أي رزق؟ أي قوت؟ أي قِرًى؟ أي ضيافة يُعِدُّها اللهُ لضيفه؟ ما أجلَّ هذا الثوابَ! وما أعظمَ هذا التكريمَ!
ولا يتخلف عن المساجد بعد هذا الثواب والعطاء إلا الشقي المحروم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله.
وصلوا وسلموا على أحمد الهادي شفيع الورى طرا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الآل والأصحاب، وعنا معهم يا كريم يا وهاب.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وعم بالأمن والرخاء أوطان المسلمين، واحفظ بلاد الحرمين الشريفين من كيد الكائدين، ومكر الماكرين وحسد الحاسدين وحقد الحاقدين يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين، يا رب العالمين.
اللهم انصر جنودنا المرابطين على ثغورنا وحدودنا، واحفظ اللهم رجال أمننا واجزهم خير الجزاء يا رب العالمين.
اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا وانصرنا على من عادانا يا رب العالمين، اللهم اجعل دعاءنا مسموعا، ونداءنا مرفوعا، يا كريم يا عظيم يا رحيم.
التعليقات