عناصر الخطبة
1/ حتمية تلوث الإنسان بأدران الذنوب 2/ شأن الصلاة و ما قبلها وما بعدها في التطهير من الذنوب 3/ المحافظة على الصلاة 4/ الكبيرتان اللتان ينجو المسلم بالابتعاد عنهمااهداف الخطبة
اقتباس
استمعوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يضرب لنا مثلا، وإنه لمثل -لو تعلمون- عظيم! يقول لأصحابه، كما صح عنه في الحديث المتفق عليه: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟"، قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا"، يمحوها محوا فلا يبقي لها أثراً.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، خير نبي أرسله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كل وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.
أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- بتقوى الله التي هي وصيته للأولين والآخرين، التي قال فيها -سبحانه-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا * وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا) [النساء:131-133].
يا أيها المسلم: كل ما ترجوه ولا تتوقعه أشد رجاء مما ترجوه؛ فإن موسى -عليه السلام- ذهب ليقتبس لأهله نارا فعاد برسالات الله وبكلامه! (إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) [البقرة:243].
وربك واسع المغفرة، وواسع العطاءات، وواسع الفيوضات، رحمته وسعت كل شيء، لا إله إلا هو فهو الذي بيده خزائن كل شيء، وهو أكرم الأكرمين، وأعظم الأعظمين، وأرحم الراحمين.
يا معشر الإخوة: الذنوب والمعاصي قاذورات وأدران وأوساخ يتلطخ بها البشر، ولكن المولى -سبحانه وتعالى- جعل لعباده أنهارا جارية من حولهم يغتسلون منها متى شاءوا من تلك الذنوب، ومن شأنهم أن يذنبوا، وقد خلقهم الله كذلك، وخلقهم خطاءين، ولكنه حين أراد منهم أن يكونوا خطاءين أراد منهم أن يكونوا توابين؛ ليحبهم الله -تعالى- وليعلي منازلهم: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222].
جعل أنهارا كثيرة من حولهم يغتسلون فيها من أجل أن يتخلصوا من تلك الأدران والقاذورات فيكونوا على أحسن ما خلق الله، ومن تلك الأنهار نهر جعله الله -تعالى- قريبا منا جدا وأمرنا بأن نغتسل فيه كل يوم خمس مرات، وهذا النهر هو الصلوات الخمس التي فرضها الله -تعالى- على عباده وجعلها مكفرات لذنوبهم، وجعلها تعلي درجاتهم ومنازلهم عنده وتقربهم إليه وتدنيهم منه وترفع شأنهم، وتجعلهم في سلك النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
استمعوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يضرب لنا مثلا، وإنه لمثل -لو تعلمون- عظيم! يقول لأصحابه، كما صح عنه في الحديث المتفق عليه: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟"، قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا"، يمحوها محوا فلا يبقي لها أثراً.
يا له من مثل جليل يضرب فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلا للصلاة! يقول: "لو أن نهرا"، ولم يقل حوضا أو بئرا أو بركة، ولكنه نهر، ومن شأن النهر أن يكون جاريا، وهذا النهر ليس ببعيد حتى يتكاسل عنه الإنسان ولكنه قريب عند باب الدار لمن شاء أن يغتسل منه، ويغتسل منه المغتسل كل يوم خمس مرات وليس مرة أو مرتين، وإذا كان يغتسل فيه، ولم يقل منه، وهناك فرق بين أن يغتسل منه وأن يغتسل فيه، إنه حين يغتسل منه يأخذ منه غرفات يأخذها بيديه أو بإناء، ولكنه حين يغتسل فيه ينغمس فيه ويدخل فيه ويتطهر فيه فلا يبقى من درنه شيء!.
هكذا الصلوات الخمس، نصليها فتكفر آثامنا وأخطاءنا مهما كانت ومهما عظمت، ولو بلغت عنان السماء، ذلك فضل الله -تعالى- آتاه هذه الأمة، أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-؛ لنبقى أتقياء أذكياء أصفياء.
وتخيلوا إنسانا في الحر الشديد يتلطخ بالقاذورات المحسوسة، ويعلو جسمه العرق، ويمر عليه اليوم تلو اليوم، والليلة تلو الليلة، تمر عليه الأيام والليالي ولا يغتسل؛ كيف سيكون حاله؟ سيكون كريه المنظر، كريه الرائحة، مبتذلا، لا يطيقه أحد، لا يحب أن يجالسه أحد، يؤذي خلق الله، يؤذي الناس وملائكة الرحمن برائحته.
هذا هو حال من لا يصلي، هذا هو حال من قطع الصلة بينه وبين الله، هذا هو حال من قطع الحبل بينه وبين الله، هذا هو الإنسان الذي ابتعد عن تلك المطهرات المنظفات، وتلطخ بالقاذورات.
أي عاقل يرضى بهذا؟ إنه لا يرضى بذلك عاقل، الله -سبحانه وتعالى- أراد أن يطهر نفوسنا وأجسادنا وعقولنا وقلوبنا، وكل شيء.
قبل الصلاة فرض علينا الوضوء، فإذا غسل الإنسان وجهه خرج من وجهه كل خطيئة اقترفها أو رأتها عيناه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، وإذا غسل يديه خرجت كل خطيئة اقترفتها يداه مع الماء أو مع قطر الماء، وإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشت إليها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، قال -عليه الصلاة والسلام- حين قال ذلك: "حتى يخرج من ذنوبه نقيا"! لا ذنوب له!.
وإذا دخل في الصلاة فقال: آمين، ووافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه، وإذا ركع أو سجد حرمت هذه الأعضاء على النار، وإذا فرغ من صلاته فقال: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، قال كل واحدة منها ثلاثة وثلاثين، وأتم المائة فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، إذا قال هذا غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر! والصحيح أن تلك الذنوب التي تغفر هي كبائر الذنوب وصغائرها على حد سواء!.
هذا هو شأن الصلاة، وشأن ما قبلها، وشأن ما بعدها، ومصداق ذلك قول الله -تعالى- في سورة هود: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114]. وهل الصلاة إلا حسنات؟.
وقد ثبت في الحديث أن رجلا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بأنه لقي امرأة ولاعبها وقبلها وفعل معها كل شيء إلا النكاح، فتلا عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114]. وسأل الرجلُ: هل هذه لي خاصة؟ فقال: "بل لأمتي عامة".
فكل من فعل شيئا وتاب إلى الله -تعالى- وأناب ورجع إلى هذه الصلوات فإنها سوف تقضي على تلك الذنوب كلها، صغيرها وكبيرها، ولذكر الله أكبر، فهو أكبر من كل شيء، وسيأكل كل خطيئة وكل ذنب وكل فعلة فعلها الإنسان، ذلك فضل الله -سبحانه وتعالى-.
فيا أيها المسلم، إياك أن تفرط في المحافظة على هذه الصلوات الخمس! هناك أناس ابتلاهم الله -تعالى- ببعض الذنوب والمعاصي فيظنون ظن الجاهلين أنه لا حاجة إلى الصلاة، وأن الصلاة لا تنفعهم، وهكذا يظن بعض الناس حين يرون بعض الناس يفعلون بعض الخطيئات وبعض الآثام، يقولون: ويصلي أيضا؟! ألا تريدونه يتوب؟! إن هذه الصلاة ستكفر ذنوبه من جهة إذا صلى خالصا صادقا، إذا كان مخلصا لله -عز وجل- في صلاته وفي عبادته، ومن جهة أخرى سوف تنهاه عن الفحشاء والمنكر: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].
وما يصنعه الإنسان هو شيء مكون من قلبه، من نيات في قلبه، ومن عمل في جوارحه، ولم يقل بما تعملون أو بما تفعلون، بل قال بما تصنعون من خطايا وآثام وذنوب.
ذكر الله أكبر، وصلاتكم تنهى عن الفحشاء والمنكر، فافزعوا إلى الله -تعالى-، ولا تترك -أيها المسلم- هذه الصلاة مهما كان الأمر، مهما ضاق بك الحال، ومهما ابتلاك الله -تعالى- به من السيئات، ومهما كنت على أي حال، حتى لو لم تستطع إلا أن تصلي بقلبك فصل بقلبك؛ فإن هذه الصلاة لا تسقط بأي حال من الأحوال.
نسأل الله -تعالى- ألا يقطع هذه الصلة بيننا وبينه -سبحانه-، وأن يجعل صلاتنا هذه شفيعة لنا يوم القيامة، وأن يجعلها في قلوبنا نورا، ومن أسماعنا نورا، وعن أيماننا نورا، وعن شمائلنا نورا، ومن فوقنا وتحتنا نورا؛ إنه هو الجواد الكريم.
هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وعلى السادة الغرر، ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر.
يا معشر الإخوة: هذه الذنوب التي تمحوها الصلوات الخمس هي الذنوب المتعلقة بالشهوات والشبهات، أما ما يتعلق بالمعاملات وحقوق الناس فإنها لا تدخل في هذا الأمر، وحقوق الناس التوبة منها تكون بردها إلى أصحابها ولا تكفرها الأعمال الصالحة، نعم تزيد كحسنات كثيرة، ولكن ما يتعلق بالناس يبقى على ما هو عليه.
وإذا جاء الإنسان يوم القيامة وقد برئ من أمرين عظيمين كبيرين فإنه في رحمة الله -تعالى-، إن شاء الله فهو من الناجين بإذن الله، وهاتان العظيمتان الكبيرتان هما: ترك الصلاة، وقتل النفس المؤمنة بغير حق؛ فمن ترك الصلاة فإنه لا صلة بينه وبين الله، فأنى له أن يكون من الناجين يوم القيامة، إلا أن يشاء الله؟ وهو عند كثير من علماء المسلمين كافر كفرا يخرجه من الملة، وإنا كنا لا نقول هذا، ولكنه مما أجمع عليه علماء المسلمين، إنه على خطر عظيم، على شرف جرف هار من النار؛ فليحذر المسلم أن يفرط في هذه المسالة وفي هذه الصلاة.
وأما العظيمة الثانية فهي قتل النفس التي حرم الله -تعالى- إلا بالحق، فإن الله -تعالى- توعد على ذلك بوعيد لا نظير له في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، فإنه قال -سبحانه-: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]، فهذه خمسة جزاءات: (فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
فمن جاء يوم القيامة وقد برئ من هاتين الكبيرتين فهو -إن شاء الله- من الناجين من عذاب الله -تعالى-.
والصلاة لا ترشده إلا إلى خير، وسوف تنير له طريقه في حياته الدنيا، وفي قبره، وفي سيره يوم يقوم الحساب.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
التعليقات