عناصر الخطبة
1/الحث على الصدق وأهميته 2/من محاسن الصدق وفضائله 3/ثواب الصدق في الدنيا والآخرة 4/الإيمان بالله يقوم على الصدق 5/أخلاق تنافي الصدقاقتباس
وعد الله على الصدق ثوابه العظيم في الدينا والآخرة؛ ففي الدينا يرزق صاحب الصدق المؤمن محبة الله ومحبة الناس، وتثمن أقواله ويوثق به, ويؤمن جانبه, ويريح الناس من شره, ويحسن إلى نفسه وإلى غيره، ويعافى من الشرور والمهالك...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله رب العالمين, حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, ونشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له, ونشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثم أوصيكم بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
اعلموا أن الصدق خلق كريم, ووصف حسن عظيم, لا يتصف به إلا ذو القلب السليم, أمر الله -عز وجل- به في كتابه الكريم, فقال -سبحانه وتعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].
الصدق يكشف عن معدن الإنسان, وحسن سريرته, وطيب سيرته، كما أن الكذب يكشف عن خبث الطوية, وقبح السريرة, والصدق منجاة, والكذب مرارة، الصدق محبوب ممدوح في العقول السليمة, والفطرة المستقيمة, حث على الصدق رسول الهدى, فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ, وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ, وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا, وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ, وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ, وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا"(رواه البخاري ومسلم).
عباد الله: لقد وعد الله على الصدق ثوابه العظيم في الدينا والآخرة؛ ففي الدينا يرزق صاحب الصدق المؤمن محبة الله ومحبة الناس، وتثمن أقواله ويوثق به, ويؤمن جانبه, ويريح الناس من شره, ويحسن إلى نفسه وإلى غيره، ويعافى من الشرور والمهالك التي تصيب الكذابين, ويطمئن باله وقلبه, فلا يمزقه القلق والخوف, فعن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ, وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ"(رواه الترمذي).
إن الصادق عاقبته في حياته إلى خير, كما في حديث كعب بن مالك -رضي الله عنه- في قصة تخلفه عن غزوة تبوك حيث قال: "قُلْتُ: يَا رسولَ الله! إنّي -والله- لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا لَرَأيتُ أنِّي سَأخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ؛ لقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً, ولَكِنِّي -والله- لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليوم حَدِيثَ كَذبٍ تَرْضَى به عنِّي؛ لَيُوشِكَنَّ الله أن يُسْخِطَكَ عَلَيَّ, وإنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ؛ إنّي لأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى الله -عز وجل-"(رواه البخاري ومسلم)؛ أي: أرجو العاقبة الحميدة في صدقي, وقد كان ذلك حيث تاب الله -عز وجل- على الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك, وهذا من ثمرات صدق توبتهم وحديثهم.
وأما ثواب الصدق في الآخرة فرضوان الله -عز وجل-, والدرجات العلى في الجنة التي فيها "مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ", حيث قال الله -عز وجل-: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[المائدة: 119].
عباد الله: إن الايمان بالله -تعالى- أصل الصدق والتصديق بما أنزل الله, فالصدق يكون بالأقوال والأفعال, وقد كان السلف الصالح -رضي الله عنهم- أشد الناس تمسكاً بالصدق مع ربهم أولاً, وإيمانهم وعقيدتهم, عكس المنافقين الذين يدعون الإيمان بألسنتهم, ولكنهم كاذبون بقلوبهم, قال الله -عز وجل- عنهم في سورة المنافقون: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)[المنافقون: 1].
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من الصادقين في عقيدتنا وأقوالنا وأعمالنا وتعاملنا, وكافة شؤوننا في الدين والدنيا, أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, والصلاة على محمد, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن الصدق خلق يحبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-, ويعرف فضله العقلاء والحكماء, دعا إليه الدين الإسلامي, وتميز به نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة, فكان يسمى بالصادق الأمين.
ثم اعلموا أن من الصدق الابتعاد عن الغدر والخيانة والمكر والخديعة, وأن أقبح الكذب الكذب على الله -عز وجل- وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى الإسلام, وذلك باتهام الإسلام ببعض التهم والافتراءات الكاذبة, والإسلام بري منها.
نسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا الصدق في أقوالنا وأعمالنا وقلوبنا وعقيدتنا وديننا وتعاملنا كله, وأن يحشرنا مع الصادقين يوم القيامة, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، ويقولُ -عليه الصلاةُ والسلام-: "من صلّى عليّ صلاةً؛ صلى اللهُ عليه بها عشْرًا", اللهمّ صلِّ وسلمْ على عبدِك ورسولِك محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه إلى يومِ الدّين.
التعليقات