عناصر الخطبة
1/ من مَكْرُمَات الصوم إجابة الله تعالى دعاء الصائم 2/ ضرورة التعبُّد الصحيح بهذا الدعاء والعيش العملي به 3/ على الصائم استغلال هذا الدعاء لأقصى حد وأن يوسع دائرتهااهداف الخطبة
اقتباس
ونحنُ في شهْرِ الصَّوْمِ، لا بُدَّ أنْ نُدركَ المقصود الأكبر لنا في هذا الشهر، وهو أنْ نحقِّقَ فيه عبودية الله تعالى على أحسنِ وجْهٍ، وعلى أنفَعِ وجْهٍ، ومُرادي من الكلام عن الدعوة المستجابة للصائم في رمضان هو التعبُّدُ الصحيح لله تعالى بهذه الدعوة، هو استغلال هذه الدعوة لأقصى حَدٍّ مُمْكِنٍ، هو العيش العمليُّ بهد الدعوة، هو التوظيف الصادق لهذه الدعوة ..
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.
وبعد: أيها الإخوة الصائمون لله تعالى، واسع الفضل والمنّة، عطاياه جزيلة ووافرة للصائم في شهر رمضان؛ ومن هذه العطايا النفيسة من الكريم -سبحانه وتعالى- للعبد الصائم في رمضان: الدعوة المستجابة، فقد تفضل الله -سبحانه وتعالى- عليك أيها الصائم بأن جعل لك دعوة مستجابة جزاءً على صومك، وتكريماً لك.
فبعد طول صيامك وجوعك وعطشك وصبرك، وإذا بالله الجواد يجود عليك بدعوة مستجابة، وهذا ما أخبرنا به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- وهذا ما بشَّرك به أيها الصائم، فقد بشرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنّ دعوتك -أيها الصائم- مستجابة، كما في الحديث الذي رواه أحمد بسند صحيح أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث دعَوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر".
وروي كذلك بسند صحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ (صائم) دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ". وزادك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تبشيرا وتأكيدا حينما وصف لك هذه الدعوة بأنها لاترد، نعم! لا ترد، وبأنها ملازمة لك طوال الشهر، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجة وحسنه الألباني، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- يرفعه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن للصائم عند فطره لدعوةً ما تُرد".
وعند الترمذي وصححه الألباني عن أبي هريرة يرفعه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم". وفي رواية أخرى الترمذي وصححه الألباني، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- في حديثه الطويل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صفة الجنة ونعيمها قال في آخره: "ثلاثة لا تُردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم".
يا أيها الصائمون: ونحن في شهر الصوم، لا بد أن ندرك المقصود الأكبر لنا في هذا الشهر، وهو أنْ نحقق فيه عبودية الله تعالى على أحسن وجه، وعلى أنفع وجه، ومرادي من الكلام عن الدعوة المستجابة للصائم في رمضان هو التعبُّدُ الصحيح لله تعالى بهذه الدعوة، هو استغلال هذه الدعوة لأقصى حدّ ممكن، هو العيش العملي بهد الدعوة، هو التوظيف الصادق لهذه الدعوة.
لذلك -أيها العبد الصائم- حتى تتعبد الله بدعوتك المستجابة هذه، تذكّر قبل أن تدعوها
أن تدعوَ دعوتَكَ المستجابةَ هذه بإخلاص وصدق، أن تدعوها بتضرع وابتهال، أن تخرج كلماتك من قلبك كأنها نبضات قلبك، تُظهر فيها فقرك إلى ربك الغني، وحاجتك إلى ربك الكريم، فهو القائل -سبحانه-: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) [الأعراف:55]، قال الطبري: أي: ادعوا ربَّكم وحده، فأخْلِصُوا له الدعاء، (تَضَرُّعَاً) أي: تذلُّلا واستكانة، (وَخُفْيَةً) أي: بخشوع قلوبكم، وصحة اليقين منكم.
نعم، نريد منك أيها الصائم أن تدعو ربك عند إفطارك وكأنك تفطر على هذه الدعوة، وكأنها هي طعامك وشرابك طوال الليل، فتدعو ربك بتضرع وإلحاح واستكانة، وتوسّل إليه بأسمائه وصفاته سبحانه، وبذلك تكون شعَرْتَ بحلاوة الدعاء، وبذلك تكون تعبّدت الله تعالى بهذه الدعوة المستجابة، وأحسنت تقديمها.
وتذكّر -أيها العبد الصائم- قبل أن تدعوَ بهذه الدعوة المستجابة، تذكّر بأن الدعاءَ أكرمُ شيءٍ على الله، فكما في الحديث الحسَن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ"، وتذكّر وأنت تدعو بأنك تدعو الكريم سبحانه، ففي الحديث الصحيح عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ ربَّكُم تبارك وتعالى حييُّ كَرِيمٌ يستَحي مِنْ عبدهِ إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صِفراً".
ولذلك وَسِّع أيها الصائم دعوتك المستجابة، وسّع ما تطلبه من ربك، فاطلب منه -سبحانه- منافع الدنيا ومنافع الدين، واطلب منه سبحانه الخير في الدنيا والخير في الآخرة، واطلب منه -سبحانه- أن يدفع عنك الشر في الدنيا وفي الآخرة، فكما في الترمذي وحسَّنه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليسأل أحدكم ربَّه حاجتهُ كلَّها، حتى يسأل شِسْعَ نعْلِهِ إذا انقطع".
ووسّع أيها الصائم دائرة دعوتك المستجابة، فأدخل فيها نفسك ثم أدخل فيها أهلك ثم أدخل فيها المؤمنين والمؤمنات، وبذلك تقتدي بأنبياء الله تعالى، كما قال تعالى عن نبيه نوح -عليه السلام-: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [نوح:28].
فأيها العبد الصائم صاحب هذه الدعوة المستجابة: ابدأ أولا بنفسك، فاطلب لنفسك من ربك الكريم العتق من النار، فكما في الحديث الحسن عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ لله عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءَ، وذَلكَ كُلَّ لَيلَة".
واطلب لنفسك المغفرة الكاملة والشاملة، فكما في الصحيح عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يدعو بهذا الدعاء: "اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي".
واطلب لنفسك صلاح دنياك ودينك وآخرتك، فكما في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر".
واطلب لنفسك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، لحديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال على المنبر: "سلوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية".
واطلب لنفسك ولاية الله، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، كما في الحديث الصحيح، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة: "ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت و إذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ".
أيها العبد الصائم، يا صاحب هذه الدعوة المستجابة: انتقل أيها العبد الصائم، يا من تفقه استغلال دعوتك المستجابة حق الاستغلال، انتقل ثانيا بعد الدعاء لنفسك إلى دائرة الدعاء لأهلك، نعم أهلك، وهل هناك أحد أحق من أهلك بخيرك هذا؟ فرسولك -صلى الله عليه وسلم- يقول، كما في الحديث الصحيح: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
وانظر في دعوات أنبياء الله، كما في دعوة نوح -عليه السلام-، فهو يخصّ أهله، وَالِدَيْه، بعد نفسه (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) [نوح:28]، وكذلك فعل إبراهيم عليه السلام: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) [إبراهيم:41]، وهكذا كان يفعل سلفنا الصالح، وهكذا كانوا يستغلون دعوتهم المستجابة في رمضان، فلا ينسَون أهليهم مِن خيرها.
فيا أيها الأب الصائم، ادع لزوجتك ولأولادك، ادع لهم من قلبك، فهذا عبد اللّه بن عمرو -رضي اللّه عنهما- كان إذا أفطر دعا أهله وولده ودَعَا، فادع يا أيها الأب لأولادك، لا تدعُ عليهم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث دعوات يُستجاب لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده".
ويا أيها الابن الصائم: ادع لوالدك وادع لوالدتك، مَن كان منهم حيّا أو ميتا، ادع لهم من قلبك، لا تنس مَن كان لهم الفضل في وجودك وفي دعائك وفي صومك وفي حياتك كلها، ادع لهما بشفَقَة، وأكثِرْ لهما الدعاء، وأخلص لهما في الدعاء، لا تنس الوالدين، الحي منهم والميت، فأنبياء الله تعالى دعوا لوالديهم، قال تعالى عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) [إبراهيم:41]، وقال تعالى إخباراً عن نوح -عليه الصلاة والسلام-: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) [نوح:28].
ونفّذ أمرَ ربّك لك حينما قال لك أيها الابن: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:24]، وتأكد أيها الابن الصائم الصالح البارّ أنّ لدعوتك الأثر في غير رمضان، فكيف إذا كانت في رمضان؟ وكيف إذا كانت دعوة مستجابة من صائم؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له".
وعن مالك، عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول: إن الرجل لَيُرْفَع بدعاء ولده من بعده وقال بيده نحو السماء فرفعهما، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- كما في الحديث الحسَن قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن اللهَ لَيَرْفَعُ الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا ربِّ! أنَّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك".
وادْع -أيها الأخ الصائم- لإخوانك، ادْع لأخواتك، ادْع الله لهم ولذراريهم، ادْع لهم من قلبك.
يا أيها الصائمون: حرام والله ما تقع به بعض الأسر، تنسى أنّ هناك دعوة مستجابة، وبعضهم ينشغل هو وباقي أفراد أسرته بما يعرض على شاشات الفضائيات أو غير ذلك فيمرّ الوقت وتقع الغفلة عن الدعوة المستجابة!.
يا أيها الصائمون: خسارة والله ما يحصل من بعضنا، إما يدعو لنفسه دعاء عابراً وسريعاً لا يقرّ على لسان ولا ينْبت في قلب، بل وبعضنا تمرّ عليه الأيام من رمضان والليالي وهو مضيع لهذه الدعوة المستجابة لا يدعوها ولا يستغلها، وبعضنا قد يمر عليه رمضان وما فقد والديه أو زوجته أو أولاده أو إخوانه وأخواته بدعوات صادقه خصّهم فيها مخصّة!.
أيها العبد الصائم، يا صاحب هذه الدعوة المستجابة: ثم انتقل أيها العبد الصائم يا من تفقه استغلال دعوتك المستجابة حقّ الاستغلال انتقل ثالثا بعد الدعاء لنفسك وبعد الدعاء لأهلك، انتقل إلى دائرة الدعاء للمؤمنين، كل المؤمنين، وبخاصة المستضعفين منهم والمنكوبين والمظلومين.
وليكن هذا منك اقتداءً بأنبياء الله تعالى، فقد قال تعالى إخباراً عن نوح عليه الصلاة والسلام- في دعوته لكل المؤمنين: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلمُؤْمِنينَ وَالمُؤْمِنَاتِ) [نوح:28]، وقال تعالى إخباراً عن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: (رَبَّنا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ) [إبراهيم:41]، وقال تعالى في حق نبينا -صلى الله عليه وسلم-: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ) [محمد:19]، وقال تعالى في المؤمن ودعوته لأخيه المؤمن: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10].
فيا أيها الصائم: استغلّ دعوتك المستجابة خير استغلال، ووسّع دائرة من تدعو لهم لتشمل المؤمنين والمؤمنات، وتعبّد الله بالدعاء لكل المؤمنين في الأرض، ادع الله لهذه الأمة المسلمة، ادع الله بأن يغفر لها ويرحمهما، وبأن يفرج عنها، ادع الله بأن يعيدها إلى شريعة، ربها وبأن ييسر لها قادة وعلماء وولاة صادقين ينهضون بها، ويقودونها بشرع الله إلى بَرّ الأمان، والى قيادة البشرية.
ويا أيها العبد المؤمن الصائم: لا تنس أن تخصّ المستضعفين من المؤمنين بدعاء خاصّ وخالص، ولا تنس أن تخصّ المجاهدين من المؤمنين بدعاء خاصّ وخالص، ولا تنس أن تخص المنكوبين والمكروبين من المؤمنين بدعاء خاصّ وخالصن لا تبخل على قوم مؤمنين بالدعاء وأنت آمِن في بيتك وعندك قوتك وقوت عيالك بينما هم يعانون الخوف أو الجوع أو الهم والألم، بينما هم يجودون بأموالهم وأرواحهم وأوقاتهم في سبيل الله؛ بِذلك أيها العبد الصائم تكون تعبّدتَّ الله بالدعاء واستغللت دعوتك المستجابة ووظفتها خير توظيف.
فيا أيها العبد الصائم: يا مَنْ جاد عليك ربك بدعوة مستجابة جد بشيء من هذه الدعوة للأمة كلها اقتداء بنبيك -صلى الله عليه وسلم-، ففي الحديث الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: لما رأيت من النبي -صلى الله عليه وسلم- طيب نفس قلت: يا رسول الله! ادع الله لي. فقال: "اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، ما أسَرَّتْ وما أعلنت"، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيسرك دعائي؟" فقالت: ومالي لا يسرني دعاؤك؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "والله إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة".
وخُصَّ المستضعفين والمجاهدين بدعوة، وادع على من يظلمهم، اقتداء بنبيك -صلى الله عليه وسلم- ففي الحديث الصحيح، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى صَلاَةِ العتمة، وفي رواية في صلاة الفجر، شَهْرًا يَقُولُ فِى قُنُوتِهِ بعد الركوع: "اللَّهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ (قريش)، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ".
ويا أيها الصائمون، يا أصحاب الدعوات المستجابة: كم بحاجة المستضعفين اليوم من المسلمين والمجاهدين والمنكوبين والمسجونين في مختلف بقاع الأرض إلى الدعاء الخالص والصادق، خاصة في ظل حكم الطغاة الظلمة المستبدين، وفي ظل هجمات الكفرة ومكرهم وسطوتهم.
فلا تنس أمة الإسلام من الدعاء، فهذا من صدق انتمائك لهذه الأمة المحمدية، ومن صدق عقيدتك وإيمانك، فقد قال ربك سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة:71]، ووصف الله العلاقة بين المؤمنين بقوله سبحانه: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح:29]، (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [المائدة:54]، قال الطبري: يعني -تعالى ذكره- بقوله: (أذلة على المؤمنين): أرقَّاء عليهم، رحماء بهم، وهذا يوجب منك أعظم الدعاء للأمة، وبخاصة للمستضعفين منهم، والقائمين على أمر الدين والدعوة والجهاد.
أقول قولي هذا وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أيها العبد الصائم: إنك إن عملت بهذا فاستغللت دعوتك المستجابة فدعوت لنفسك بما شاء الله لك من الأدعية، ثم دعوت لأهل بيتك بما شاء الله لك من الأدعية، ثم دعوت لأمتك بما شاء الله لك من الأدعية، تكون بذلك قد استغللت دعوتك المستجابة خير استغلال، ووظفتها أحسن توظيف، وتكون بذلك قد تعبّدت الله بهذه الدعوة المستجابة وبالدعاء، وتكون بذلك عشت رمضان، وأعطيت لصيامك معنى العبودية الصادقة، وتكون بذلك قد جُدْتَ بما جَادَ الله عليك به من أفضاله وعطاياه في هذا الشهر الكريم لك، ومن ذلك تلك الدعوة المستجابة.
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئا...
التعليقات