عناصر الخطبة
1/أهمية الشكر ومكانته 2/نعم الله لا تحصى 3/صرف الشيطان للناس عن شكر الله 4/بم يكون الشكر؟ 5/توجيهات عامةاقتباس
هنيئاً لكم بالعيد، وأدام الله عليكم أيام الفرح، وسقاكم سلسبيل الحب والإخاء، ولا أراكم في يوم عيدكم ولا بعده مكروهاً؛ فاستقيموا على الطاعة، وتزودوا من العبادة، وابذلوا المعروف، وقوموا بأوامر الدين وساهموا في...
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد..
الله أكبر عدد ما ذكر الله ذاكر وكبر، الله أكبر عدد ما حمد الله حامد وشكر، الله أكبر ما سطع فجرُ الإسلام وأسفر، الله أكبر عدد ما تاب تائب واستغفر.
الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ولله الحمد!.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العظيم الأكبر، الذي جعل لكل شيء وقتاً وأجلا مقدر، تأذن بالزيادة لمن شكر، وتوعد بالعذاب من جحد وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، الطاهر المطهر، أنصح من دعا إلى الله وبشر وأنذر، الشافع المشفعُ في المحشر، اللهم صلى وسلم عليه وعلى أله وأصحابه ما أقبل صبح وأسفر وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون عباد الله: هذا يوم عيدكم، عيد الأضحى المبارك جعله الله يوم ذكر وفرح وسرور، جاء مع فريضة الحج وأعمال العشر من ذي الحجة وصيام يوم عرفة؛ فهنيئاً لكم بالعيد -يا أيها المسلمون-، وأدام الله عليكم أيام الفرح، وسقاكم سلسبيل الحب والإخاء، ولا أراكم في يوم عيدكم ولا بعده مكروهاً؛ فاستقيموا على الطاعة، وتزودوا من العبادة، وابذلوا المعروف، وقوموا بأوامر الدين، وساهموا في بناء مجتمعاتكم وأمتكم، وانشروا الخير والأمن والمحبة والتآلف فيما بينكم، وأصلحوا ما فسد من أحوالكم تسعدوا في دنياكم وأخراكم.
وإن من أسباب الفلاح والنجاح وتبدل الأحوال شكر الله على نعمه واستعمالها في مرضاته؛ فالشكر عبادة عظيمة ومنحة جليلة وعطاء لا ينفد وبحر جود لا ساحل له، به يكتمل الإيمان وتتعدد النعم، وفيه صلاح الدين والدنيا.. وهو عبادة الأنبياء وصفة من صفات الأتقياء وطريق ساروا عليه.
وهو عبادة الفرج بعد الكرب واليسر بعد العسر والصحة، بعد المرض والرخاء، بعد الشدة والعناء والأمن، بعد الخوف..
ولأهمية هذه العبادة وفضلها وثمرتها فقد أمر بها أنبياءه، ودل عليها أصفياءه وأولياءه، وحذر من تركها جميع خلقه؛ فقال -تعالى عن إبراهيم -عليه السلام--: (إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين. شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم)[النحل:120-121].
ووصف الله -عز وجل- بهذه العبادة نوحًا -عليه السلام- فقال: (ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدًا شكورًا)[الإسراء:3]، وقال الله تعالى عن سليمان -عليه السلام- وقد رأى نعم الله تترا عليه: (قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم)[النمل:40]، وقال تعالى لنبيه موسي -عليه السلام-: (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[الأعراف:144].
أيها المسلمون: لقد أمر الله جميع العباد؛ فقال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ)[البقرة:152]، وخاطب -سبحانه وتعالى- قوم سبأ فقال: (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)[سبأ:15]، ويقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)[البقرة:172].
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثير الشكر لربه، تقول له عائشة -رضي الله عنها- لرسول -صلى الله عليه وسلم- وهي تراه يقوم الليل، ويصلي لله رب العالمين حتى تتشقق قدماه من طول الصلاة والقيام؛ فتقول له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيرد عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلا: "أفلا أكون عبدًا شَكُورًا"(متفق عليه).
عباد الله: إن نعم الله على الإنسان لا تعد ولا تُحْصَى، يقول -سبحانه وتعالى-: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)[إبراهيم:34]، وقال ممتناً على عباده بنعمه: (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون)[الملك:23]، وقال تعالى: (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)[القصص:73] بل إن الله -سبحانه وتعالى- خلق الليل والنهار ليرى شكر الشاكرين وذكر الذاكرين فقال تعالى:( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً )[الفرقان:62].
عباد الله: لما عرف عدو الله إبليس مقام الشكر، وأنه من أجل المقامات وأعلاها جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه فقال: (ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف:17]، ووصف سبحانه الشاكرين بأنهم قليل من عباده فقال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[سبأ:13].
وثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ رضي الله عنه: "والله إني لأحبك فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"(رواه أبو داود)، وفي صحيح مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها". وقال عمر بن عبد العزيز: "قيدوا نعم الله بشكر الله".
إن الشكر الحقيقي هو أن يظهر العبد نعمة الله عليه باللسان اعترافا، وبالقلب محبة، وبالجوارح انقياداً وطاعة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر إلا أدى شكر ذلك اليوم"(رواه أبو داود، وقال ابن باز: إسناده جيد).
ويكون الشكر بالمحافظة على الطاعات واستغلال الأوقات فيما يقرب من الله من العبادات ويكون الشكر بأن لا تعصي الله بنعمة من نعمه عليك؛ فإذا أنعم الله عليك بنعمة الصحة والقوة والجاه والمال فلا تظلم أحدا، ولا تعتدي على حقوق الآخرين وممتلكاتهم، ولا تسرف بالمعاصي والذنوب.
عباد الله: النعم تدوم بالشكر، والإنسان مهما بلغ سلطانه وكثر ماله وأتباعه فهو ضعيف وعاجز أمام قوة الله وملكه وسلطانه؛ فلا تغتر بقوتك، ولا تباهي بسلطانك، ولا تتكبر بمالك؛ فكل شيء يزول وكل شيء ينتهي، وكل شيء تشعر أنه يمنحك القوة والعز من دون الله لن يبقى.
لقد قرن الله -عز وجل- الشكر بالإيمان، وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا، فقال: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ)[النساء:147]؛ أي إن وفيتم ما خلقتم له وهو الشكر والإيمان فما أصنع بعذابكم؟
وقد آن لهذه الأمة أفراداً وجماعات ودول وحكاماً ومحكومين أن يشكروا الله حق شكره، وإن من تمام هذا الشكر أن يعملوا جميعاً للخروج بالأوطان إلى بر الأمان؛ فنحتكم للشرع، ونحافظ على ثوابت الأمة، ونحسن العمل والإنتاج وبذل الأسباب، ونعالج خلافاتنا وقضايانا بالتفاهم والحوار وتغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة ومصالح الأوطان على مصالح الأشخاص، وننبذ العصبية الجاهلية، ونعمل جميعاً على تقوية روابط الأخوة بين المسلمين، ونأخذ جميعاً على يد الظالم حتى يعود إلى الحق، وننتصر للمظلوم حتى يأخذ حقه، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وهذه هي طريق النجاة والخيرية قال -عز وجل-: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )[آل عمران:110].
فليكن هذا العيد نقطة انطلاق ومراجعة لجميع أعمالنا وسلوكياتنا، ونعزم جميعاً على التغيير نحو الأفضل في حياتنا.
اللهم خذ بنواصينا إلى كل خير وردنا إلى دينك رداً جميلاً.
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاالله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة، وأصيلاً.
الله أكبر ما أشرقت وجوه الصائمين بشرا.. الله أكبر ما تعالت الأصوات تكبيراً وذكراً.
أيُّها المسلمون: أعيادُنا مرتبطة بقربنا من الله والعمل بأوامره واتباع رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأعيادنا تكتمل يوم تحرير أراضي المسلمين ومقدساتهم المغتصبة، يوم تحرير البلاد والعباد من الظلم وتبعية القرار لدول الشرق والغرب، يوم أنْ تتحرَّر النُّفوس من الشَّهوات والملذَّات، ويوم أنْ تتحرَّر القلوب من الكذب والنِّفاق، ويوم أنْ تتحرَّر الصُّدور من الشَّحناء والبَغضاء، ويوم أنْ تتحرَّر الحقوق من قيود الفَساد والاستِبداد؛ فيبذل كلُّ ذي واجبٍ واجِبَه غير مُقصِّر، ويأخذ كلُّ ذي حقٍّ حقَّه لا يزيد.
هذا هو العيد الحقيقي، ولا يتأتى ذلك إلا بأن تحفَظُوا اللهَ في فروضه وحدوده وعهوده، يحفظكم في دينكم وأموالكم وأنفسكم، كونوا مع الله يكن الله معكم؛ في حلِّكم وتَرحالكم، في حركاتكم وسكناتكم، في يُسرِكم وعُسرِكم، في قوَّتكم وضعفكم، في غِناكم وفقركم، جاهِدُوا أنفسَكم، وجاهِدُوا الخلوف المتردِّدة الملتوية المتردِّدة بالنَّصيحة، وبالحكمة والموعظة الحسنة؛ ففي ذلك دليلُ الإيمان، وما ذلك على الله ببعيد، وما ذلك على الله بعسير إن أخلصنا أعمالنا وصدقت نياتنا.
أيها المؤمنون عباد الله: ينبغي علينا في هذا العيد أن ندخل الفرح والسرور على أهلينا وأولادنا وأرحامنا بالزيارة والهدية وتفقد الأحوال، وما أجمل أن نمد الآخرين من حولنا بهذه الفرحة؛ فهناك الأيتام والأرامل والمساكين والمحتاجين والمرضى، فندخل عليهم السرور بما نستطيع تقرباً إلى الله والتزاماً بهدي رسوله -صلى الله عليه وسلم- القائل: " أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، ولَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ، وإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ"( أخرجه الطبراني، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
عباد الله: ألا فليقم كل من ضحى إلى أضحيته؛ فله عند الله أجر عظيم، وأطعموا منها البائس والفقير والمحروم، وتفقدوا أحوال الضعفاء والأيتام والمساكين، وأدخلوا عليهم البهجة والفرح والسرور، ومن لم يضحي لضيق العيش والحاجة فلا يبتئس ولا يحزن فقد ضحى عنه وغيره من المسلمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أربعة عشر قرناً من الزمان.
واذكروا الله كما هداكم، واشكروه على ما أعطاكم؛ وجددوا إيمانكم، وحسنوا أخلاقكم، واحفظوا دمائكم، واجتنبوا الفتن تفوزوا برضا ربكم، وصلوا أرحامكم تحل البركة في أعماركم وأموالكم.
ألا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اجمع شمل المسلمين ولم شعثهم، وألف بين قلوبهم واحقن دمائهم.
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجعل بلدنا هذا آمناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم تقبل من حجاج بيتك أعمالهم، وردهم إلى بلادهم سالمين غانمين، واغفر لنا ولهم أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
التعليقات