عناصر الخطبة
1/تخفيف تكاليف الزواج بسبب جائحة كورونا 2/لماذا لا نقتصد في تكاليف الزواج؟ 3/الفرق بين الرزق المباح الحلال والكسب الطيب المبارك.اقتباس
الزواج بلا قروض ولا ديون ولا تكاليف ولا حجوزات، زواج كله راحة وتوفير وسكينة أصبحت كروت الدعوة التي كان الكرت الواحد منها يطبع أحيانًا بعشرة ريالات، أصبحت صورة في الجوال وليست بطاقة دعوة، بل إشعار وإعلان زواج فلان من فلانة، يا الله ما أجملها من بساطة وسهولة وراحة للبال وسعادة وطمأنينة!
الخطبة الأولى:
أيها المسلمون: في هذه الأزمة من الدروس والعبر ما سيحكيه التاريخ، ويرويه الأبناء عن الآباء والأجداد.
سنة جاء فيها الوباء فأُغلقت كثير من الأنشطة المحرَّمة، وتحجب لأجلها كثير من المتبرجات، ورجع كثير من الناس إلى الله -سبحانه وتعالى- دعاءً وتضرعًا وتوبةً.
وصدق الله (وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ)[البقرة:216] وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].
سَنة سيؤرخها الزمن، ويذكرها الأب لأولاده، أنه تزوج في أسعد أيام حياته يوم أن تزوج بأقل التكاليف، نعمة يحمد الله عليها مدى الحياة.
الزواج بلا قروض ولا ديون ولا تكاليف ولا حجوزات ولا دوران في الأسواق وبحث عن القاعات، زواج كله راحة وتوفير وسكينة أصبحت كروت الدعوة التي كان الكرت الواحد منها يطبع أحيانًا بعشرة ريالات، أصبحت صورة في الجوال وليست بطاقة دعوة، بل إشعار وإعلان زواج فلان من فلانة، يا الله ما أجملها من بساطة وسهولة وراحة للبال وسعادة وطمأنينة!
لا حجة لكل ناعق وكل مرجف، فلا خوف من الشرهة ولا العيب والعذر جاهز وطاعة لولاة الأمر.
كيف لو كانت حياتنا كلها بهذه البساطة، بعيدًا عن الرياء والسمعة والمغالاة والتعب والتكاليف والديون المرهقة التي تتسبب للزوجين بالتعاسة والحرمان وعدم السعادة؟!
كورونا رحمة من حيث نشعر أو لا نشعر، مع ما فيه من خطر وأحزان على البعض، إلا أنه كان رحمة لكثير من أبنائنا الشباب المقبلين على الزواج.
لماذا -أيها المؤمنون- لا تؤثر فينا الخطب والمواعظ والآيات والأحاديث في الكلام عن الاقتصاد في تكاليف الزواج؟
وأنا أولكم.. أقولها بحرقة: لأن الإنسان قد يضطر إليها اضطرارًا؛ لارتكاب أقل المفسدتين من ارتكاب التكاليف الباهظة أو حصول المشاكل الأسرية؛ فنختار مقهورين لا مختارين خيار تكاليف الزواج لإرضاء القاصي والداني. هل نحتاج في كل مرة إلى كارثة أو كورونا -لا قدر الله- حتى نرعوي وننصاع إلى أوامر الله؟
إن هذا المال -أيها المسلمون- أمانة يسألنا الله -عز وجل- عنها يوم القيامة. فعن أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزول قَدَما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل: عن عُمره فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه فيمَ فعل؟ وعن مالِه؛ مِن أين اكتسَبَه؟ وفيمَ أنفَقَه"(صحيح الترمذي ٢٤١٧).
وقال الله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31]، وقال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان:67]، وقال -جل وعلا-: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)[الإسراء:29]، مديونًا مثقلاً حزينًا كسيرًا، (وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ)، وتستدين وتقترض، فهذا قرض الزواج، وهذا تمويل بنكي، وهذا تورُّق من معارض السيارات، وهذه بطاقات ائتمانية، كل ذلك لإرضاء الناس الذين مهما قدّموا لك من هدايا ودعم لن يسدوا دَيْنك الذين صنعته لنفسك من أجلهم.
أَحْكِمْ أَمْرك، وتفكَّر بعقلك، واعتبر بغيرك، واستفد من الحياة، فالحياة دروس وتجارب، دع كلام الناس واجعله آخر ما تفكر فيه، بل سُنَّ سنة حسنة واجعل هذه الأزمة بداية خير لك ولجماعتك، ولكل عُرْف في القبيلة، ولتكن عادةً حسنةً؛ يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَن عَمِلَ بهَا بَعْدَهُ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أُجُورِهِمْ شيءٌ، وَمَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كانَ عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَن عَمِلَ بهَا مِن بَعْدِهِ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أَوْزَارِهِمْ شيءٌ"(صحيح مسلم 1017).
اللهم خذ بنواصينا للبر والتقوى..
أقول قولي هذا..
الخطبة الثانية:
علمتنا الأزمة -يا عباد الله- الفرق بين الرزق المباح الحلال والكسب الطيب المبارك.
كلام في نفسي منذ سنوات عديدة ولم أتكلم به؛ لأنني لم أسمع أحدًا تكلم به، ولما وجدت كلام الطحاوي وافق ما في نفسي أتكلم به الآن لكم:
روى مسلم من طريق معقل، عن أبي الزبير، قال: سألت جابراً عن ثمن الكلب والسنور، قال: "زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك"، قال الطحاوي في (مشكل الآثار 12/ 84): "ولم نعلم اختلافاً بين أهل العلم في ثمن السنور أنه ليس بحرام، ولكنه دنيء.
وعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ: أَنَّ مُحَيِّصَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ، فَنَهَاهُ أَنْ يَأْكُلَ كَسْبَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُهُ حَتَّى قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ، وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ".
فَلَمْ يَكُنْ نَهْيُهُ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ لِأَنَّهُ حَرَامٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ أَبَاحَ سَائِلَهُ أَنْ يَعْلِفَهُ نَاضِحَهُ وَرَقِيقَهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا، لَمَا أَبَاحَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا كَانَ مَعْقُولاً أَنَّ نَهْيَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيَّاهُ عَنْهُ كَانَ لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّنَاءَةِ، لَا سِوَى ذَلِكَ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُدَنِّئُوا أَنْفُسَهُمْ، وَمِنْهَا مَا ذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُ جَعَلَهُ سُحْتًا، فَاحْتُمِلَ، إِذَا كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ أَنَّهُ سُحْتٌ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَرَامٌ، وَلَكِنْ لِأَنَّهُ دَنِيءٌ فَمِمَّا رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ".
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَرَامٌ، وَلَكِنْ لِأَنَّهُ دَنِيءٌ، فَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّتَهُ أَنْ يُدَنِّئُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي تُدَنِّئُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ فِي شَرِيعَتِهِ؛ كَحُرْمَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي حَرَّمَهَا الشَّرْعُ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ نَهَاهُمْ عَنْ أَثْمَانِ الْكِلَابِ لِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى إِحْلَالِ أَثْمَانِ الْكِلَابِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا"(شرح مشكل الآثار 12/ 77-82).
وعليه ثمة أنشطة تجارية ليست حرامًا لكنها تشجّع على التبذير والإسراف فأصبح البعض يتمنى أنه لم توجد قصور الأفراح الفارهة ومحلات الزينة الفارهة والحلويات الفارهة والمطاعم الفارهة التي هي سبب كل تلك الخسائر، وفيه إشارة الى أصحاب التجارة والأموال بالاستثمار في كل ما يهم الناس في طعامهم وشرابهم ولباسهم ومساكنهم وفي كل ما يعود عليهم بالنفع وإعمار الأرض.
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه...
صلوا وسلموا.....
التعليقات