عناصر الخطبة
1/خطر حرف الفطرة السوية إلى الحرام 2/الزواج في الإسلام 3/خطر بُعد الشباب عن الزواج 4/ترويج الأعداء لمفاهيم خاطئة بين المسلمين عن الزواج 5/معوقات في طريق الزواج 6/كيف يكون الزواج وسيلة للعفاف؟اقتباس
الكلام في الزواج المبكر لم يعد في أيامنا -وخاصة في بلادنا- ترويجاً بل يراد سنُّه قانوناً يُجرَّم من يخالفه، وهذا التوجه المشبوه يعد جريمة في حق الحياة والأحياء؛ فلو كانت هذه المنظمات الداعية إلى هذا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
أيها المسلمون: اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن الزواج الشرعي بأركانه وشروطه المعروفة وسيلة عظيمة من وسائل حفظ حصن العفاف من التصدع والانهيار؛ فإن الله قد فطر الرجلَ ميّالاً إلى المرأة، والمرأةَ ميّالة إلى الرجل، وكيف لا يكون ذلك والرجل أصل المرأة، والمرأة فرع مخلوق من الرجل الأول: آدم -عليه السلام- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1].
وهذه الجبلة والفطرة بين الذكر والأنثى هي التي حفظت الإنسانية من الانقراض والفناء، وأمدتها بالتكاثر والبقاء، ولا عيب في هذا الميل المتبادل بين الجنسين؛ لأنه: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الروم:30].
وإنما العيب فيه حين تستولي هذه الفطرة الجنسية على لب صاحبها ذكراً أو أنثى، فتجمح به للجنوح عن الطريق السوي الذي شرعه الله الحكيم الخبير لقضاء الوطر، فيحيد عنها ليسلك مسالك الرذيلة، ويلج موالج القذر وقتل الحياء والعفاف والفضيلة.
ولا ريب -يا عباد الله- أن الانحراف بهذه الفطرة عن الطريق المشروع قد لقي في عصرنا ترويجاً وتشجيعاً، وقُلِّد أصحابُه نياشينَ التقدم والتطور والتنور. ويعلم روّاده -قبل غيرهم- أنه طريق الفناء والشقاء بما يجلبه من الأمراض الجنسية القاتلة من الإيدز والزهري والسيلان وغيرها، وإن الأيام حبالى بكوارث أخرى نتيجة انتهاج هذا الطريق المعوج، وورود هذا المستنقع الآسن، غير أن المستقين-مع هذا- في ازدياد وتماد.
ولكن:
إذا ذهب النُّهى الوضَّاء أضحتْ *** فعالُ المرء أشبهَ بالجنون
أيها المسلمون: إن الله شرع لخلقه طريقاً مستقيماً نظيفاً لأداء متطلبات هذه الفطرة؛ فشرع لهم الزواج المتعارف عليه بين البشر، على اختلاف الشرائع في تحديد طرق إنشائه واستقراره؛ ليخلد بيننا -نحن المسلمين- على الكيفية التي جاء بها رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ بولي وشاهدين، ومهر مقدم من الزوج للزوجة.
ولذا فالزواج في الإسلام اطمئنان واستقرار، وراحة وهناء، وطهارة ونقاء، وعزة ورفعة، وإحصان وعفة، وغض للبصر عن الحرام قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء"(متفق عليه).
والزواج مودة وسكن يجمع قلبين في عش واحد دون سابق عهد باللقاء؛ فتنبت بينهما الرحمة والوفاء، وبذلك يكون آية من آيات الله في خلقه قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].
والزواج حفظ للأنساب، ووسيلة للتآلف والاجتماع بين الأسر المتباعدة؛ فبه تصبح تلك الأسر متآزرة قوية.
والزواج بناء لأسرة جديدة في المجتمع تحفظه من الفواحش، وترفده بالعطاء السخي من الأعمال النافعة، والذرية الصالحة؛ فإن الزوج يشعر بالمسؤولية فينطلق لطلب الرزق والعمل فينفع نفسه، وينفع مجتمعه بدلاً من الفراغ القاتل الذي يعانيه بعض العاطلين عن الزواج.
والزواج تكثير للأمة المحمدية؛ كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر الأنبياء يوم القيامة" (رواه أحمد، وهو صحيح).
وقد أدرك أعداء هذه الأمة خطر تكاثرها عليهم، فراحوا يعملون كل الأسباب التي تحدُّ من فيضان أعداد أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكثرة الخصوبة البشرية فيها.
والزواج سبيل الصالحين، واتباع لسنة المرسلين، والانقطاع عنه، والزهد فيه شعار الجاهلين، وطريق المخفقين في حياتهم، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)[الرعد:38]، وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن نفراً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- سألوا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله وأثنى عليه. فقال: "ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا! لكنى أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منى".
أمة العفاف والطهر: إن الزواج في الإسلام يقوم على قواعد راسخة؛ لتحقيق غايات حميدة سامية؛ فهو ليس التقاءً آنياً لقضاء الشهوة كما تفعل المخلوقات الأخرى، وإنما هو التقاء دائم لإنشاء لبنة ناصعة جديدة في جدار المجتمع النقي، وعشرة سعيدة، سلوكها المعروف المتبادل، قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النساء:19]، وقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)[البقرة:228].
وليس الزواج في الإسلام إهداراً للكائن البشري، وتضييعاً لوسيلة نموه وبقائه، بل هو قضاء للوطر، وبذر لكائن جديد من البشر يعقب أباه بعد انتهاء العمر لتستمر حياة الناس؛ ولهذا حث الإسلام على استثمار الزواج بالذرية الصالحة التي تنفع الأبوين بعد موتهما، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (رواه مسلم).
وليس الزواج في الإسلام تضييعاً للمرأة كما هو الحال في المجتمعات الكفرية، ومن يحذو حذوها، وليس جعلاً للمرأة مطية للتمتع، فإذا انتهت الاستفادة منها أُهينت وضاعت وجاعت، بل الزواج في الإسلام إكرام للمرأة، وحفظ لها، وإنفاق عليها، ورعاية لها صغيرة وكبيرة حتى الموت؛ ولهذا حث الإسلام على الإحسان إلى النساء فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيرا" (رواه مسلم).
وجعل النفقة على الزوجة من الأعمال المأجور عليها إذا صلحت النية قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت فيها، حتى ما تجعل في في امرأتك"(متفق عليه)، وبيّن -صلى الله عليه وسلم- أن خير الناس خيرهم لأهله، فقال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (رواه الترمذي ، وهو صحيح).
هذا -يا عباد الله- هو الزواج في الإسلام، إنه تحصين وبناء، وإكرام ونماء، وأمان وصحة وهناء.
إن الــــــزواج سحابــــة هتّانــــــةٌ *** تسقي الحياةَ جلاءها وهناءها
تكسو النفوسَ بطلِّها إشراقةً *** تُهدي الـــوجوه ضياءها وسنـــاءها
تأســو جراح الأرض حين سخـائها *** ولها تكون دواءها وشفاءهــا
ومن هنا نعلم -إخواني الكرام- قبحَ وخطر وضرر العلاقات الجنسية المحرمة على الفرد والمجتمع والإنسانية كلها.
ونعلم كذلك أن أي علاقة -ولو سُميت زوجية- خلتْ من أركان وشروط النكاح في الإسلام ومقاصده السامية فهي علاقة وارتباط لا تقره شريعة الإسلام النقية.
ومن ذلك ما ظهر أخيراً وعُرف باسم الزواج العرفي الذي يقوم على اتفاق رجل وامرأة على الزواج دون ولي من أقارب المرأة، ودون مهر من قبل الزوج. وإنما مقصده: المعاشرة الجنسية، ليستمر هذا الارتباط المحرم أياماً أو شهوراً ثم يلقي الرجل المرأة بعد ذلك ليبحث عن فريسة أخرى، لتصبح المرأة هي الضحية في النهاية حينما نحرت عفافها، وفضحت أهلها، ودمرت مستقبل حياتها، خاصة لو حصل هناك حمل.
أيها المسلمون: إن البعد عن الزواج- ممن تيسرت له أسباب الزواج وليس لديه موانع شرعية أو صحية- نذير شؤم، وعنوان هلاك؛ فإن الفطرة مهما دفنت فإنها ستنبعث من جديد، ولو طالت السنون، وتنتصر على صاحبها ولو تكاثفت الموانع؛ فإن وجدت حلالاً وإلا فستذهب في طريق الشذوذ والانحراف والفاحشة من زنا أو لواط وعادة سرية مقيتة، وعند ذلك تحل المصائب وتعم الكوارث.
كم أثمر البعد عن الزواج -مع القدرة عليه- من تجاوز بعض الشباب سنَّ الطاقة والفتوة والقوة، وأوصل بعض الشابات إلى سجن العنوسة، وفوات قطار الزواج، وهناك إحصائيات مهولة لظاهرة العنوسة في المجتمعات المسلمة وخاصة المتقدمة منها، وقد نتج عن ذلك أمراض نفسية وانتحارات وانحرافات كثيرة.
ولو سلك الناس منهج الإسلام لما أصبحت هذه الأمور ظواهر مخيفة بين أهل الغيرة والطهر.
أمة الإسلام: إن أعداء هذه الأمة لا يريدون طهارتها وتكاثرها وصلاحها؛ ولهذا فقد سعوا بجهود كبيرة وأعمال كثيرة لتصبح مجتمعاتنا منحلة كمجتمعاتهم، تُربّى فيها الجريمة، وتوأد فيها الفضيلة والعفة.
ففي أمريكا تعرف ولاية لوس أنجلوس بأنها عاصمة حوادث الاغتصاب في العالم، وتعتبر واحدة من كل ثلاث فتيات معرضة للاغتصاب، وفي تقرير نشرته وزارة العدل الأمريكية عن جرائم 1977م جاء فيه: تغتصب فتاة كل ثمان دقائق في الولايات المتحدة، وارتكبت خلال ذلك العام 63.022 جريمة اغتصاب. وذكرت إحصائية جديدة أنه يتم اغتصاب 1900 فتاة يومياً في أمريكا. و20% يغتصبن من قبل آبائهن، وفي إحصائية أخرى صدرت في أمريكا عام 1997م أنه في كل ثلاث ثوان تغتصب امرأة أي: بمعدل 20 حالة في الدقيقة.
فيا أمة العفاف: هذا في جريمة الاغتصاب فقط؛ فكيف بالجريمة التي قامت على التراضي والتوافق! إنها أكثر من ذلك بلا شك.
عباد الله: إن أعداء هذه الأمة قد روّجوا مفاهيم خاطئة بين المسلمين عن الزواج، ومن ذلك: أهمية تأخير الزواج على التعليم والصحة ونحو ذلك، وأن الشاب والشابة لا يتزوج إلا بعد إنهاء دراسته؛ أي: بعد أن تذهب زهرة العمر، خصوصاً المرأة، حيث يقل الراغبون فيها بعد تقدمها في السن.
والعاقلة من الفتيات تعلم أن شهادتها الحقيقية أن تكون زوجة، وأن مستقبلها المشرق أن تكون أماً. والعاقل من الشباب يعلم أن استقراره النفسي، وتقدمه الدراسي يكون بالزواج لا بتركه، إذا كان قادراً عليه.
عباد الله: إن الكلام في الزواج المبكر لم يعد في أيامنا -وخاصة في بلادنا- ترويجاً بل يراد سنُّه قانوناً يُجرَّم من يخالفه، وهذا التوجه المشبوه يعد جريمة في حق الحياة والأحياء؛ فلو كانت هذه المنظمات الداعية إلى هذا صادقة وحريصة على المرأة في هذه البلاد وغيرها فلتساهم في مساعدة النساء العوانس اللاتي قد بلغن الثلاثين والأربعين فلتبحث لهن عن أزواج، وتكوِّن لهن أسراً سعيدة، وتخرجهن من كآبة الحزن. لكنا لم نسمع إلى الآن أن هذه المنظمات تقوم بمثل هذا العمل لتعف المجتمع.
إن على المسلم أن يعلم أن ابنه أو ابنته متى ما بلغا بأي علامة من علامات البلوغ فقد صارا صالحين للزواج؛ فلا يؤخرهما ما دامت الأحوال صالحة لذلك. نعم، لا يمكن أن تأتي هذه المنظمات الكاذبة لتكون أرحم بالإنسان من خالق الإنسان -سبحانه وتعالى- الذي أباح للإنسان الزواج متى ما بلغ.
أيها المسلمون: إن هناك معوقات قد تقع في طريق الزواج أمام الراغبين فيه، ألا وإن شبح هذه المعوقات ومقدمها: شبح غلاء المهور وكثرة تكاليف العرس.
فأقول: على الآباء أن يعلموا أن البنات لسن تجارة للبيع، من جاء بالأكثر تزوجهن، وإلا قعدن في البيوت حتى تغلو السوق، إن حنان الأبوة يحمل الأب على إسعاد ابنته، فإذا وجد لها طالباً فإنه لا ينظر إلى ماله، بل إلى دينه وخلقه؛ فأنت -أيها الأب- إذا وجدت لبنتك خاطباً صالحاً فقد كسبت ابنا جديداً إذا زوجته، ولو أعنته من مالك، وإن جاءك غيرُ صالح فزوّجته فقد خسرت بنتك ولو دفع لك مالاً كثيراً.
ثم ليعلم الأب والبنت والأسرة كلها أن الزواج السعيد ليس بالمباهاة بكثرة الذهب والملابس والحفلات والصالات؛ فمصلحة البنت بالزواج -ولو قلّت هذه الأمور- أولى من البقاء في كهف العنوسة المظلم.
أيها المسلمون: إن بعض الفتيات عندهن حرص على الزواج، لكن قد تحصل منهن بعض الأخطاء في سبيل الوصول إليه، ومن أخطر ذلك عليهن:
إقامة العلاقات قبل الزواج للتعرف عبر الاتصالات والرسائل واللقاءات، ولو بعد الخِطبة إذا لم يكن هناك عقد؛ فكم من فتاة خسرت عفتها وأعظم ما تملك في حياتها قبل أن تصل إلى زوجها. وكم من فتاة ألقاها من كانت تحبه وتتواصل معه قبل الزواج في مهب الأسى وشواطئ البكاء، وقال لها: أنت لا تصلحين أن تكوني أماً لأولادي، وقد عملت هذه الأعمال؛ فأخشى أن تصير بناتي مثلك.
ويقول الآخر بعد أن نال ما يشتهي: لا أريد أن أتزوجك؛ لأنك قد خرجت معي، وستخرجين مع غيري إذا تزوجتك، ويقول الثالث -بعد أن قضى وطره وحاجته منها: كيف أتزوجك؛ فربما تخونينني بعد الزواج مثلما خنت أهلك ونفسك.
هذه الأقوال-يا عباد الله- حقائق، وليست مقالات خيالية، وفي الواقع أكثر من ذلك.
نسأل الله تعالى أن يحفظنا، ويحفظ نساءنا وبناتنا.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المسلمون: ذكرنا في أول الخطبة أن الزواج أعظم وسيلة للعفاف؛ فكيف يكون كذلك؟ يكون الزواج وسيلة للعفاف إذا حصل حسن الاختيار بين الزوجين؛ فيختار الزوجُ الزوجةَ التي تملأ عينه وقلبه، وتعف نفسه، وتحفظ شرفه وأولاده، وكذلك تفعل المرأة.
مع العلم أن الحصول على زوجة أو زوج توفرت فيه جميع صفات الكمال المطلوبة غير ممكن، ولكن إن كره منها شيئاً رضي منها آخر؛ ولذلك جاء الحث في الشريعة على استحباب النظر بين الخاطبين فتنظر إليه، وينظر إليها حتى يستقر الاختيار؛ فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت له امرأة أخطبها فقال:" اذهب فانظر إليها؛ فإنه أجدر أن يؤدم بينكما"، قال: فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها، وأخبرتهما بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكأنهما كرها ذلك، قال فسمعتْ ذلك المرأةُ وهي في خدرها فقالت: إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرك أن تنظر فانظر، وإلا فإني أنشدك، كأنها عظمت ذلك عليه، قال فنظرت إليها فتزوجتها، فذكر من موافقتها(رواه أحمد، وهو صحيح).
ومعايير الاختيار قد بينها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي: الدين والخلق.
ويكون الزواج وسيلة للعفة حينما يؤدي كل من الزوجين حقوق الآخر؛ فمن حقوق الزوج على زوجته: طاعته في غير معصية، وخدمته من دون مشقة غير محتملة، وإعفافه من غير إحواجه إلى غيرها، وتزينها له، وحرصها على فعل وقول ما يرضيه.
ومن جانب آخر على الزوج أن يؤدي حق زوجته؛ فمن حقوقها عليه: النفقة عليها بقدر ما أعطاه الله، وصيانتها وإعفافها بقدر الطاقة، وحسن معاشرتها بالقول والفعل، وإذا عرضت مشكلة بينهما فهناك حلول لها بينتها الشريعة البديعة.
ويكون الزواج وسيلة للعفة -إذا لم تكف زوجة واحدة- بتشريع التعدد للرجل: أن يتزوج أكثر من واحدة، قال الله تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)[النساء:3].
والقوانين التي تجرِّم ذلك إنما تريد فتح أبواب الحرام للأزواج، والنساء اللاتي يمنعن أزواجهن ما أباح الله لهم إنما يعرِّضن أزواجهن للخطيئة، أو الحبس في المعاناة، والكره للبقاء معهن.
فيا أيها المسلمون: هذا هو الزواج الذي شرعه الله -تعالى-؛ ليكون سبيلاً إلى العفة والسعادة في الدنيا والآخرة، وقارنوا في هذه العلاقة العظيمة بين المجتمع المسلم والمجتمعات الكفرية التي تتجرع يوماً بعد يوم آثار الإباحية والانحلال الأخلاقي؛ فكونوا-عباد الله- يدَ إعانة ومساندة لإنشاء الأسرة المسلمة القائمة على هذه القاعدة الثابتة.
وفي هذا المقام يطيب لنا أن نشكر كل ساع وباذل ومنفذ لأي مشروع يجلب العفاف للبيوت المسلمة، ومن تلك الأيادي البيضاء: المؤسسات والجمعيات الخيرية التعاونية التي تُعنى بهذا الموضوع، فبارك الله في جهودهم، وأجزل لهم المثوبة.
ونسأل الله الهدى والتقى والعفاف والغنى.
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة محمد بن عبد الله...
التعليقات