عناصر الخطبة
1/تأملات في تكرار الأمر بالتقوى في سورة الطلاق 2/أهمية تقوى الله في استمرار الحياة الزوجية والحد من الطلاق 3/إحصائيات مرعبة عن معدلات الطلاق والخلع والفسخ 4/آثار خطيرة عن تفشي الطلاق في المجتمع 5/ أول خطوة للحياة الزوجية السعيدة.اقتباس
إننا اليومَ أمَامَ إحصائياتٍ مُفزِعةٍ، وأرقامٍ مُروِّعةٍ، فَهل يُعقلُ أن تَصِلَّ مُعدَّلاتِ الطَّلاقِ والخُلعِ والفَسخِ في بِلادِنا إلى سَبعِ حالاتِ فِي السَّاعةِ، مُعدَّلاتٌ مُخيفةٌ، تُنذرُ بأخطارٍ فادحةٍ على الأفرادِ والأُسرةِ والمُجتمعِ، وتنبئُ عن خَللٍ ظاهرٍ في معرفةِ الهديِ النَّبويِّ في الزَّواجِ، وجَهلٍ بالنُّصوصِ الشرعيةِ التي بيَّنتْ طبيعةَ العلاقةِ الزوجيةِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ القائلِ في كتابِه المبينِ: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، حكمَ فقدّر، وشرعَ فيسّرَ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه خيرَ زوجٍ وعشيرٍ، وقد قالَ اللهُ -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)[الأحزاب:21]، فصلى اللهُ وباركَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِه وسلمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد: (وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ)[الطلاق:1]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق:2-3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق:4]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق:5]، (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا)[الطلاق:10]، تأملوا كيفَ كررَّ اللهُ -تعالى- الأمرَ بتقواه في سورةِ الطلاقِ بِما يُعادلُ نصفُ الآياتِ تقريباً؛ وذلك للعلاقةِ الوطيدةِ بين تقوى اللهِ -تعالى- وبينَ استمرارِ الزوجيةِ وعدمِ وقوعِ الطلاقِ.
فإننا اليومَ أمَامَ إحصائياتٍ مُفزِعةٍ، وأرقامٍ مُروِّعةٍ، فَهل يُعقلُ أن تَصِلَّ مُعدَّلاتِ الطَّلاقِ والخُلعِ والفَسخِ في بِلادِنا إلى سَبعِ حالاتِ فِي السَّاعةِ، مُعدَّلاتٌ مُخيفةٌ، تُنذرُ بأخطارٍ فادحةٍ على الأفرادِ والأُسرةِ والمُجتمعِ، وتنبئُ عن خَللٍ ظاهرٍ في معرفةِ الهديِ النَّبويِّ في الزَّواجِ، وجَهلٍ بالنُّصوصِ الشرعيةِ التي بيَّنتْ طبيعةَ العلاقةِ الزوجيةِ، وبيانَ الطريقةِ الصحيحةِ في التعاملِ مع العيوبِ والأخطاءِ.
فالطَّلاقُ كَلمةٌ أَليمةٌ، عَواقِبُها وَخيمةٌ، خَفيفةٌ عَلى اللِّسانِ، لَكِنْ لَها ثَوَرانٌ كَالبُركانِ، كَم هَدَمتْ مِن بيتٍ!، وكَم شَتَّتَتْ مِن أُسرةٍ!، وكَم ضَيَّعتْ مِن بَنينَ وبَناتٍ!، بَل تَكونُ سَبَباً في هَدمِ الأمَمِ والمُجتَمعاتِ.
واسمَعوا كَيفَ اختصرت خولةُ بنتُ ثعلبةَ -رَضِيَ اللهُ عَنها- نتيجةَ الطلاقِ حِينَما كَانتْ تُجادلُ رسولَ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- في زوجِها الذي ظَاهرَ منها، حَينَ قَالتْ: "يا رسولَ اللهِ: إنَّ لي مِنْهُ صِبْيَةً صِغَارًا، إنْ ضَمَمْتُهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا، وَإنْ ضَمَمْتُهُمْ إليَّ جَاعُوا"، ولا شَكَّ أنَّ الضَّياعَ والجوعَ من أبوابِ الفسادِ والانحرافِ.
ولِذَلكَ كَانَ فَرحُ إبليسَ بالطَّلاقِ وهَو حَلالٌ، أَشَدَّ مِن فَرحهِ بِالمَعاصي والحَرامِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا -أَي: أوقَعتَهُ في الزِّنا وشُربِ الخَمرِ وغَيرِها مِن الكَبائرِ-، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ فَيَلْتَزِمُهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ"، فكلُ شيطانٍ يسعى لهذا المنزلةِ والتكريمِ، فيبذلُ قُصارى جُهدِه لأجلِ أن يأتيَ بهذا العملِ الذميمِ.
أيُّها الأحبَّةُ: إن أولَ خُطوةٍ للحياةِ الزوجيةِ السعيدةِ هو اختيارُ الزوجِ والزوجةِ، فيا أيها الباحثُ عن زوجةٍ، اسمعْ لوصيةِ نبيِّكَ وحبيبِكَ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، فَقَد قَالَ: "تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالِها ولِحَسَبِها ولِجَمَالِها وَلدينِها: فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ"؛ أي التصقتْ بالترابِ من الخسارةِ، فالأصلُ هو الدينُ وإذا جاءَ الجمالُ والحَسَبُ والمالُ تَبَعاً فخيرٌ على خيرٍ، وكُلَما زَادتْ الفِتَنُ احتاجَ المُسلمُ إلى مَن يُعينُه على أَمرِ دِينِه، فَعَنْ ثَوبانَ -رَضيَ اللهُ عَنه- قَالَ: لما نَزلَ في الفِضةِ والذَّهبِ مَا نَزلَ، قَالوا: فأيُّ المالِ نَتخذُ؟، فَقَالَ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "لِيتخذْ أَحدُكم قَلباً شَاكراً، ولِساناً ذَاكراً، وزَوجةً مُؤمنةً تُعينُ أحدَكم على أمرِ الآخرةِ".
نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ والسُّنَّةِ، أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ فاستغفِرُوهُ إنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِ البَشرِ أَجْمَعِينَ، وَخَاتَمِ الأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ نَبيِّنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ.
أما بعد: وأَما أنت يا وليَ أمرِ المرأةِ، فاحرصْ على مَن جمعَ الدينَ والأخلاقَ، فإنَّ دِينَه سيمنعُه مِن ظُلمِها خوفاً من ربِّه السَّميعِ البَصيرِ، وأَخلاقُه ستَمنعهُ مِن إهانتِها حياءً منكَ وقد أكرمتَه بِجوهرتِك ذَاتِ القَدرِ الكَبيرِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ -أيْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ-، قَالَ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
فإذا وُجدتْ الموافقةُ المبدئيةُ، فلا بُدّ للزوجينِ من أن يَنظرَا إلى بَعضٍ قبلَ العقدِ، فقد لا تَميلُ النَّفسُ إلى الآخرِ، فينتهي الأمرُ ولا تتفاقمُ المُشكلةُ بعدَ الزواجِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: "خَطَبْتُ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، فَقَالَ لِي: "رَأَيْتَهَا"، فَقُلْتُ: لا، قَالَ: "فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا"، قَالَ: فَأَتَيْتُهُم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِوَالِدَيْهَا، فَرَفَعَتْ نَاحِيَةَ خِدْرِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- أَمَرَكَ أَنْ تَنْظُرَ، فَانْظُرْ، وَإِلا فَإِنِّي أُحَرِّجُ عَلَيْكَ أَنْ تَنْظُرَ، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا، فَتَزَوَّجْتُهَا، فَمَا تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً كَانَتْ أَحَبَّ إِلَيَّ وَلا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْهَا"؛ فَهذهِ أولُ خُطواتِ الزَّواجِ النَّاجحِ، وللحديثِ بَقيةٌ -بإذنِ اللهِ-.
اللهمَّ وفِّقِ بينَ الأزواجِ واجمعْ بينهم على خيرٍ، اللهم اجعلْ الزوجاتِ قُرةَ عَينٍ لأزوجهِنَّ، واجعلْ الأزواجَ قُرةَ عَينٍ لأزواجِهم، وارزقهم الذريةَ الصالحةَ، اللهم اهدِهم لما تُحبُّ واجعلهم أهلَّ بيتٍ صالحينَ يا ربَّ العالمينَ.
اللَّهُمَّ كُنْ لِلْمُسْلِمينَ وَالمُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلَّ مَكَانٍ، فَرِّجْ هَمَّهُم، وَنَفِّسْ كَرْبَهُم، اللَّهُمَّ ارْفَعْ رَايَتَهُم، وَاكْبِتْ عَدُوَّهُمْ، اللَّهُمَّ وَحِّدْ صَفَّهُم، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُم.
اللَّهُمَّ لا أَبَرَّ بِهِم مِنْكَ، وَلا أَرْحَمَ بِهِم مِنْكَ، وَلا أَرْأَفَ بِهِم مِنْك، اللَّهُمَّ هُمْ مِنْكَ وَإِلَيكَ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلِ الدَّائِرَةَ لَهُم لا عَلَيهِم وَالنَّصْرَ حَلِيفَهُمْ يَا رَبَّ العالمينَ.
التعليقات