عناصر الخطبة
1/الرشوة حرام مهما اختلفت مسمياتها 2/من صور الرشوة ومظاهرها3/ما يجب علينا تجاه الراشين والمرتشيناقتباس
إياكَ أن يخدعَك الشيطانُ، فلا تؤدِي واجبَك إلا إذا كان لك مصلحةٌ خاصةٌ تعودُ عليكَ بالنفعِ، وإلا ماطَلْتَ بالعملِ. فاعلمْ أن الشيطانَ يريدُ أن يُفسِدَ عليكَ دينَك، ويضيِعَ أمانتَك، ويَحرِمَك لقمةَ الحلالِ، فاتقِ اللهَ في مسؤوليتِك، وعاملِ الناسَ بالسواءِ، وليكنْ همُكَ هو قضاءُ حاجةِ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ما تعاقب الملَوَانِ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَى الإنسِ والجانِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ أَمَّا بَعْدُ:
فيا أيُها المسلمونَ: حُبُّ المالِ غريزةٌ، جُبلَتِ النفوسُ عليها، كما قالَ ربُنا -جلَ وعلا-: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) ولكنَ حُبَه لا يَحملُ المؤمنَ إلى طلبِه من غيرِ حِلهِ.
وإن مِن شرِ ما تُصابُ به المجتمعاتُ أن صاحبَ الحقِ فيهم لا ينالُ حقَه إلا إذا قدمَ مالاً، وذو الظُلامةِ فيهم لا تُرفعُ مظلمتُه إلا إذا دفعَ رشوةً، وهذا ظلمٌ ماحقٌ، ومالُ سُحتٍ ساحقٌ، وإن سماها بعضُ الناسِ بأسماءٍ يوهمونَ بها أنفسَهم أنها ليست رشوةً، ولكنها عينُ الرشوةِ المحرمةِ؛ سواءٌ سُميتْ هديةً أو بخشيشًا أو إكراميةً، أو حلاوةً؛ فالأسماءُ لا تُغيِّرُ من الحقائقِ شيئاً، وسواءٌ كانت على صورةِ هديةٍ أو مأدبةِ طعامٍ أو تخفيضاتٍ، أو امتيازاتٍ، أو كانت نقدًا صريحًا.
وخذْ هذه القصةَ الرادعةَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً عَلَى الصَدَقَاتِ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ؛ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ. (فغضبَ) وخَطَبَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقَالَ: أَمَّا بَعْدُ! فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ؟! وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلاَّ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ([1]).
يقولُ اللهُ -تعالى-: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)؛ فهذهِ الآيةُ نصٌ في تحريمِ الرشوةِ التي يدفعُها الراشيْ إلى الحاكمِ كالقاضيِ، أو المسئولِ، أو الطالبِ لمعلمِه، أو المعلمِ والموظفِ لمديرِه، أو مخلّصِ المعاملةِ أو البضاعةِ؛ لتُسَهّلَ له مهمتُه بالباطلِ.
والرشوةُ تكونُ في تنفيذِ الحكمِ، فيتهاونُ منفذُه من أجلِ الرشوةِ، وتكونُ الرشوةُ في الوظائفِ، فيوَلَى الوظيفةَ مَن غيرُه أحقُ منه، وتكونُ في تنفيذِ المشاريعِ، فيرسُو المشروعُ عليه، مع أن غيرَه أتقنُ عملاً، ولكنَ الرشوةَ عمِلَت عملَها؛ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ"([2]).
وعلى من وقفَ على جريمةِ رشوةٍ ألا يسكتَ بل ليبلغْ؛ لأن هذا سرطانٌ يجبُ استئصالُه من المجتمعِ، وليتصلْ على 980 وهيئةُ (نزاهةٍ) تقولُ لكَ: لا يُشترطُ إفصاحُ المُبلِّغِ عن هويتِه في حالِ تقديمِه بلاغاً، ولا يُشترُط أن يكونَ متيقنًا من وجودِ حالةِ فسادٍ، لكن يُكتفَى بذكرِ وقائعَ قابلةٍ للتتبعِ.
عبادَ الله: ويزدادُ انتشارُ الرشوةِ عندَ بعضِ المسافرينَ للخارجِ، ومَن سافرَ عرَفَ، وقد تساهلُوا في إعطائِها بمجردِ أيِ تأخيرٍ أو عرقلةٍ لإجراءاتِ سفرِه، وهذا محرمٌ إلا عند الضررِ الواقعِ لا المتوقعِ، ولا يخدعَنَ أحدَكم الشيطانُ فيقولُ: أنوِيها صدقةً، فإن اللهَ طيبٌ لا يَقبلُ إلا طيباً، ثم من أرادَ الصدقةَ حقًا فليتصدقْ على مستحقِها بعدَ أن يَقضيَ حاجتَه، لا قبلَها.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، وصلاةً وسلامًا على رسولِ اللهِ، أما بعدُ:
فيا أيُها المسلمُ: إياكَ أن يخدعَك الشيطانُ، فلا تؤدِي واجبَك إلا إذا كان لك مصلحةٌ خاصةٌ تعودُ عليكَ بالنفعِ، وإلا ماطَلْتَ بالعملِ. فاعلمْ أن الشيطانَ يريدُ أن يُفسِدَ عليكَ دينَك، ويضيِعَ أمانتَك، ويَحرِمَك لقمةَ الحلالِ، فاتقِ اللهَ في مسؤوليتِك، وعاملِ الناسَ بالسواءِ، وليكنْ همُكَ هو قضاءُ حاجةِ أخيكَ المسلمِ، وانظُرْ إلى من ترجُو الثوابَ منه، وليكنْ شِعارُكَ: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُورًا).
ومِن الناسِ مَن يَعرضُ بذلَ وَساطتِه مقابلَ مبلغٍ ماليٍ يشترطُه؛ ليعينَ شخصاً في وظيفةٍ أو ينقلَه، أو حتى يُدخلَ مريضاً المستشفى؛ فهذا المقابلُ الماديُ حرامٌ لا يجوزُ أخذُه، والدليلُ قولُه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ شَفَعَ لأَخِيهِ بِشَفَاعَةٍ فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا، فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الْرِّبَا"(رواهُ أبو داودَ وحسنَه ابنُ مفلحٍ والألبانيُ)([3]).
بل إن ظاهرَ الحديثِ يشملُ الأخذَ ولو بدونِ شرطٍ مسبقٍ -كما يقولُه الشيخُ ابنُ بازٍ([4])- فلو شفعتَ لأخيكَ وجاءكَ بهديةٍ دونَ أن تشترطَها فلا تأخذْها، وأجرُكَ على اللهِ، وإذا لم تنفعْ إخوانَك فإياكَ أن تضرَّهمْ.
· فاللهم اقطعْ عنا الراشينَ والمرتشينَ. وكلَ ما يَشينُ. وسددْ هيئةَ نزاهةٍ لمكافحةِ الفسادِ وكشفِ المفسدينَ.
· اللهم طيِّبْ أقواتَنا، واحفظْ أوقاتَنا، وباركْ أموالَنا، ويسرْ أحوالَنا، واحفظْ دِينَنا، واقضِ دَينَنا.
· اللهم اجعلنا أغنى خلقِك بك، وأفقرَ عبادِك إليكَ.
· اللهم اهدِ حيارَى البصائرِ إلى نورِك، وضُلَّال المناهجِ إلى صراطِك.
· اللهمَّ وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ.
· اللهم واحفظْ علينا دينَنا وأمنَنا وحدودَنا وجنودَنا. واحفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا، واقتصادَنا وعتادَنا. واحفظْ إخوانَنا في السودانِ، وفي كلِ مكانٍ.
· اللهم وفقْ وسدِّدْ خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.
· اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
--------------
([1])صحيح البخاري (6979) وصحيح مسلم (1832)
([2])سنن أبي داود (2943)
([3])سنن أبي داود (3543). انظر: الفروع وتصحيح الفروع (7/ 425) وسلسلة الأحاديث الصحيحة (7/ 1371)
([4])فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (19/ 292)
التعليقات