عناصر الخطبة
1/الرحمة خلق جميل 2/الرد على شبهة تتعلق بالرحمة 3/حث الإسلام على الرحمة 4/حث الإسلام على الرحمة بالبهائم والحيوانات 5/دعوة الغرب الزائفة للرحمة 6/الرحمة صفة الرحمن 7/من آثار رحمة الله 8/دلائل الرحمة والتراحم بين بالخلقاهداف الخطبة
اقتباس
إن الذي يرفق ويرحم الحيوان، لابد أن تكون رحمته للإنسان أبلغ، أما أنهم يعتدون على أراضي وممتلكات، وأرواح كثير من الشعوب، ويقيمون من جهة أخرى مؤسسات الرفق بالحيوان، فنقول لهم: إن هذه ألعوبة لا تنطلي علينا نحن المسلمين، وإن خُدع بها بعض العامة من المسلمين، لكنها سرعان ما...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: الرحمة: رقة يجعلها الله -جل وتعالى- في قلب المسلم تجاه الآخرين، وتكون هذه الرقة مصحوبة بالألم لما يعاني منه بعض الناس، فيكون المسلم يشارك الآخرين مشاعرهم.
رحمة تعم المجتمع الإسلامي، رحمة يعطف فيها الغني على الفقير، رحمة تُصب على المسلمين والمرضى والخدم، وذي الحاجات والضعفاء، والعجزة وذوي المصائب، رحمة بين الإخوان، ورحمة بين الجيران، ورحمة بين المسلمين بوجه عام.
وهذه -يا عباد الله- لا يتعرف عليها الناس إلا إذا قُدّر الله له، ووقع في مصيبة، أو ضائقة، ولم يجد من يرحمه، أو يعطف عليه، علم ما لهذا الأصل من أهمية في المجتمع الإسلامي.
عباد الله: وهناك شبهة تتعلق بالرحمة يوردها أعداء هذا الدين، وهو أنهم يقولون: أنتم تقولون أن الإسلام دين رحمة، فلماذا نرى إيقاع العقوبات الصارمة كالجلد وقطع الأيدي والتعزير بالقتل في بعض الأحيان؟ وهذه الوحشية تنافي الرحمة الإنسانية؟!.
فقال رداً على هذه الشبهة: إن إيقاع هذه العقوبات لا تنافي الرحمة، بل من الرحمة بهؤلاء أن نوقع العقوبات عليهم، لكي يرتدعوا، ويكون رادعاً لغيرهم.
وكذلك من الرحمة بهم: أننا عندما نقيم الحدود الشرعية فإن هذا يسقط عنهم الحساب يوم القيامة، وأي العقوبتين أشد -أيها الأخوة- أعقوبة الدنيا؟ أم عقوبة الآخرة؟.
لا شك أن عقوبة الدنيا أهون وأخف، فمن الرحمة والإنسانية بهم أن نختار لهم الأهون.
وكذلك -أيها الأخوة- فإن المؤمن لابد أن لا يرق قلبه بمشهد العقوبات أو بتنفيذها؛ لأنه حكم الله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النــور: 2].
أيها المسلمون: وهناك الكثير من توجهات الرسول -صلى الله عليه وسلم- لخلق الرحمة، والحث على مظاهره، فمن ذلك ما اتفق عليه الشيخان من حديث جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس".
وروى مسلم في صحيحة عن عياض قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال".
وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي".
وروى الترمذي وأبو داود عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله علية وسلم-: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
وثبت في الصحيح أن رسول -صلى الله علية وسلم- قال عن نفسه: "إنما أنا رحمة مهداة".
أيها المسلمون: ولم يكتف الإسلام بالحث على الرحمة بين الخلق، بل حث ديننا الحنيف إلى ما هو أبعد من هذا، وهو الرحمة بالبهائم والحيوانات، فأي دين أعظم من هذا -يا عباد الله-، والله -عز وجل- يحاسبنا ويؤاخذنا حتى على تعاملنا مع البهائم.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "عُذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت، فدخلت النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
ومر ابن عمر كما جاء في البخاري بفتيان من قريش، قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: "من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله -صلى الله علية وسلم- لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً".
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماءً، ثم أمسكه بفيه حتى رقى، فسقى الكلب فشكر الله فغفر له".
وفي رواية: "بينما كلب قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فاسقت له به، فسقته فغفر لها به".
فتأملوا هذه الأحاديث -يا عباد الله-، امرأة تعذب بسبب قسوة قلبها تجاه هرة، ورجل وامرأة يغفر لهما بسبب رحمتهما بكلب.
فالرحمة -أيها الأخوة- تمد ظلالها وراء حدود الإنسان، فتشمل كل ذي كبد رطبة، والله يثيب على كل رحمة، ولو كانت بحيوان محتقر غير ذي شأن.
وهنا وفي موقف الرحمة بالحيوان، نود أن نوجه سؤالاً إلى مؤسسات ولجان الرفق بالحيوان التي بدأت تنطلي على كثير من الناس، هل تعتقدون أنكم جئتم بشيء جديد؟
حتى صاروا يفتخرون بهذا الرقي الإنساني، ولكنها والله -أيها الأخوة- إن من وراءها مصالح، وإلا فكيف نوفق بأن يقيموا مؤسسات ولجان الرفق بالحيوان، ومن جهة أخرى يهلكون أمما وشعوبا من البشر، هذه المؤسسات التي بدأت ونشأت في دول كافرة، في أوروبا، وغيرها، يدعون الرفق والرحمة بالحيوان، وينشئون أماكن خاصة لتربية الكلاب، وتقوم شركات متخصصة في العناية بها، كل هذا إدعاءً بالرحمة بالحيوان، ونشاهدهم ونراهم كيف يبيدون الشعوب من البشر ولا يتورعون عن ذلك، ولا تخفق قلوبهم الرحمة.
فلا تنطلي عليكم -يا عباد الله- ولا تخدعكم لافتات هذه المؤسسات، واللجان الكاذبة.
إن الذي يرفق ويرحم الحيوان، لابد أن تكون رحمته للإنسان أبلغ، أما أنهم يعتدون على أراضي وممتلكات، وأرواح كثير من الشعوب، ويقيمون من جهة أخرى مؤسسات الرفق بالحيوان، فنقول لهم: إن هذه ألعوبة لا تنطلي علينا نحن المسلمين، وإن خُدع بها بعض العامة من المسلمين، لكنها سرعان ما تنكشف.
فنسأل الله -عز وجل-...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: إن الرحمة صفة من صفات الله -عز وجل-، فرحته وسعت كل شيء، وبرحمته يهدي عباده إلى سبل السعادة، وبرحمته أنزل عليهم الشريعة الكفيلة لهم لتحقيق الخير والسعادة، وبرحمته -عز وجل- يدخل المؤمنين الجنة، وبرحمته يغفر للمسيئين، وبرحمته يستجيب للمضطرين، ولقد كتب الله على نفسه الرحمة، ووصف نفسه بأنه أرحم الراحمين، وأنه خير الراحمين، قال تعالى : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا) [الكهف: 58].
وقال تعالى: (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام: 147].
وقال تعالى: (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) [المؤمنون: 118].
وقال تعالى عن أيوب -عليه السلام-: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)[الأنبياء: 83- 84].
وروى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والأنس والبهائم والهوام، فيها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخّر الله تسعاً وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة".
ومن عظيم رحمة الله -تعالى-، أنه جعل أدنى ثواب الحسنة عشر أمثالها، وأعلى جزاء السيئة سيئة مثلها؛ كما جاء ذلك في صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله -عز وجل-، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها".
وقد وصف الله أصحاب رسول -صلى الله عليه وسلم- بأنهم رحماء بينهم، فقال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ)[الفتح: 29].
فيا أخي المسلم: إن كنت رحيماً بعباد الله فلك البشرى والهناء بهذا الخلق الكريم، الذي هو سبب لسعادتك يوم الحسرة والندامة، ذلك أن الرحيم يعامله المولى -جل علا- برحمته، قال الله -تعالى-: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن: 60].
فالراحمون يرحمهم الله، ومن لا يرحم لا يُرحم، وإن كنت قاسياً عوملت بالقسوة: (جَزَاء وِفَاقًا) [النبأ: 26].
(وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) [فصلت: 46] والله -عز وجل- لا يغفل عن أعمال عباده.
وتظهر دلائل الرحمة في معاملتك مع الناس، وفي معاملتك مع عباد الله.
وإن الرحمة التي ننشدها -يا عباد الله-: أن يرحم الغني عباد الله من الفقراء، بأن يعطيهم حقوقهم من الزكاة، وأن يتصدق عليهم، وأن يرحم التاجر عباد الله، فلا يغشهم ولا يوهم عليهم في السلعة، وأن يرحم الرجل هذه المرأة الضعيفة التي عنده، فلا يظلمها ولا يبخسها حقها، وأن يرحم الجار جاره، فلا يؤذيه بأي نوع من أنواع الأذى، وأن يرحم المدرس أطفال عباد الله، ولا يستغل سلطته عليهم بضربهم أو إيذائهم، وأن يرحم الموظفون أصحاب المعاملات، فلا يؤخرونهم بغير ضرورة، وأن يتقوا الله في أعمالهم ويسهلوا على عباد الله أمورهم، وأن يرحم كل صاحب سلطة من له سلطة على عباد الله.
فلو حصل هذا لحصل خير عظيم للأمة، ولعمت الرحمة بين المسلمين.
فكم -يا عباد الله- في الدنيا من جبابرة نزعت الرحمة من قلوبهم، لا يعرفون معاملة الخلق بالرحمة، بل بالقسوة والشدة والغلظة، لا فرق عندهم بين الآدمي وغيره، فأين هؤلاء من الرحمة؟
بينهم وبينها بون شاسع، كما بين الحركة والسكون، وفي الأرض كثير من هذه البليات، فعود نفسك الرحمة أيها المؤمن، فإنك في حاجة شديدة إلى رحمة الله، وعالج نفسك في تهذيبها وتمرينها على الرحمة، وإذهاب القسوة، واحرص على مصاحبة الرحماء، لتكسب منهم هذه الصفة، وتسلم من ضدها، قال صلى الله علية وسلم: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي".
الراحمون لمن في الأرض يرحمهم *** من في السماء كذا عن سيد الرسل
فارحم بقلبك خلق الله وارعهم *** به تنال الرضا والعفو عن زللِ
ومن دلائل الرحمة أيضاً -يا عباد الله-: جريان الدمع وذرفها عند المصيبة، كما كان صلى الله عليه وسلم حال وفاة ولده إبراهيم، جعلت عيناه تذرفان الدمع، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟! فقال: "يا ابن عوف، إنها رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء".
ولذلك أجاب الأعرابي الذي قال: أتقبلون صبيانكم؟ فما نقبلهم، فقال له عليه الصلاة والسلام: "أو أملك لك إن نزع الله الرحمة من قلبك".
ومن دلائل الرحمة بالقريب والصديق أن تحصه بمزيد من البر والإحسان، فتنفس عن كربه، وتخفف آلامه، وتفرج همه، وتسعى لإزالة الشحناء ورفع البغضاء، وتواسي فقره، وترشده عند الحيرة، وتنبهه عند الغفلة، فهذا هو المطلوب في جانب الرحمة.
اللهم...
التعليقات