عناصر الخطبة
1/مفهوم الخوف والحزن. 2/ أضرار الخوف والحزن على النفس. 3/الذين لا خوفَ ولا حزنَ عليهم في القرآن. 4/مكان السلامة التامة من الخوف والحزن.اقتباس
الخوف يحُدِث في القلب فزعًا واضطرابًا، وفي الذهن شرودًا وغيابًا جزئيا، وقد يورث البدن سقماً، والأعضاء ارتجافًا وتحركًا وألمًا، وربما كسا الوجهَ شحوبًا واصفرارا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب70-71].
أما بعد: أيها المسلمون: إن النفس البشرية نفس ضعيفة تؤثر فيها الأحوال المكروهة عجزاً وضعفا، وتَقطعها عن سرورها بسبب ذلك دهراً ووقتا، فبينا هي في لذاتها متمتعة إذا بها تتكدر عليها، وفي فرحها متسعة إذا بها تنقلب إلى ترح لديها، وربما تكون في سعة، غير أن تلك السعة تتبدل إلى ضيق، وحينئذ تعيش النفس الإنسانية مع هذه المعكّرات في حالة تفقدها راحتها التي ترجوها، ومُنيتها التي تطلبها وتقفوها.
ألا وإن من تلك الأحوال المكروهة التي تطرأ على النفس الإنسانية: الخوف والحزن، وهما أمران كثيراً ما يَرِدان متلازمين؛ لتعلق أحدهما بالآخر؛ لأنهما يجمعان جميع المكاره؛ " فإن المكروه الذي ينزل بالعبد متى علم بحصوله فهو خائف منه أن يقع به، وإذا وقع به فهو حزين على ما أصابه منه، فهو دائمًا في خوف وحزن، فكل خائف حزين وكل حزين خائف"(مفتاح دار السعادة (1/ 34).
قال -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي)[القصص:7]، وقال: (وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ)[العنكبوت:33].
فالخوف-أيها الفضلاء- هو: توقّع حلول مكروه أو فوات محبوب في المستقبل، قال -تعالى- عن يعقوب عليه السلام: (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ)[يوسف:13].
وهذا التوقع لهذا المكروه يحُدِث في القلب فزعًا واضطرابًا، وفي الذهن شرودًا وغيابًا جزئيا، وقد يورث البدن سقماً، والأعضاء ارتجافًا وتحركًا وألمًا، وربما كسا الوجهَ شحوبًا واصفرارا.
وبحصول هذا الانفعال النفسي لدى الإنسان فإنه يفقد راحاته ولذاته، فلا يطيب له طعام، ولا يلذ له منام، ولعله يقطع ليله بالتفكير بحصول ذلك المكروه فتضيق حاله ويطول ليله ويذهب عن عينيه نومه.
ولهذا-يا عباد الله- كان حصول الخوف من البلاء العظيم، قال -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ)[البقرة:155]، وكانت السلامة من هذا المكروه نعمة من أعظم نعم الله على الإنسان؛ ولذلك امتن الله -تعالى- بالأمن على بعض عباده فقال: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)[العنكبوت:67].
وقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"(رواه الترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد، وهو صحيح).
وأما الحزن-معشر المسلمين- فإنه الغمّ الحاصل لوقوع مكروه أو فوات محبوب في الماضي، قال -تعالى-: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[آل عمران:153].
فيصير الإنسان بالحزن على الماضي متحسرا، ومن الحاضر ضجِرا، لا يسلم بسببه من ألم نفسي وذبول جسدي، وكُره لما هو عليه، وعند ذلك تضيق أحواله، وينقطع عن بعض مصالح دينه ودنياه؛ ولهذا نهى الله -تعالى- عن الحزن في كتابه في آيات عديدة؛ لما يحدثه من ضرر على الإنسان، قال -تعالى-: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران:139].
قال ابن القيم رحمه الله: "والمقصود أن النبي -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- جعل الحزن مما يستعاذ منه؛ وذلك لأن الحزن يضعف القلب ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، قال -تعالى-: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [المجادلة: 10]؛ فالحزن مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره، والثوابُ عليه ثواب المصائب التي يبتلى العبد بها بغير اختياره؛ كالمرض والألم ونحوهما، وأما أن يكون عبادة مأْموراً بتحصيلها وطلبها فلا"(طريق الهجرتين وباب السعادتين ص: 279).
أيها المؤمنون: إن سلامة الإنسان من هذين المكروهين مطلب عظيم لنفسه، غير أنه لا يناله كل أحد، وإنما يناله أهل طاعة الله الذين نظروا إلى أوامره فاتبعوها، وإلى نواهيه فاجتنبوها.
وقد ذكر الله -تعالى- في كتابه الكريم أصنافًا من تلك الأعمال الصالحة التي كافأ -تعالى- أهلها عليها بأن سلمهم من الخوف والحزن.
فتعالَوا بنا اليوم نسمع هذه الأعمال الصالحة لننظر هل نحن من أهلها المستمرين عليها حتى الممات لنحصل على السلامة من الخوف والحزن.
عباد الله: فمن تلك الأعمال الصالحة التي تبعد عن صاحبها الخوف والحزن: اتباع الكتاب والسنة، قال -تعالى-: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:38].
"والمقصود أن الله سبحانه جعل اتباع هداه وعهده الذي عهده الى آدم سببًا ومقتضيًا لعدم الخوف والحزن والضلال والشقاء، وهذا الجزاء ثابت بثبوت الشرط منتف بانتفائه... فنفى الله سبحانه ذلك عن متبع هداه الذي أنزله على ألسنة رسله"( مفتاح دار السعادة (1/ 34).
ومن الأعمال التي تبعد الخوف والحزن عن صاحبها: الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، قال -تعالى-:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:62].
ومن الأعمال التي تبعد الخوف والحزن عن صاحبها أيضًا: الإخلاص في عبادة الله والانقياد له مع الإحسان، قال -تعالى-:(بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:112].
فطوبى لعبد انقاد لشرع ربه، ولم يقدم على ذلك مطالب هواه وشهواته.
ومن الأعمال التي تبعد الخوف والحزن عن صاحبها كذلك: الإنفاق في مرضاة الله في السر والعلن من غير منٍّ على المعطى ولا أذى له، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:262]، وقال:(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:274].
فلابد لتحصيل هذه الغاية المنشودة يوم القيامة: من البذل الخالص المستمر السالم من إيذاء المتصدَق عليهم بقول أو فعل.
ومن الأعمال التي تبعد الخوف والحزن عن صاحبها أيضًا: الإيمان والعمل الصالح ومنه إقامة الصلاة وأداء الزكاة وإصلاح العمل، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:277]، وقال: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الأنعام:48]، وقال: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الأعراف:35].
ومن الأعمال التي تبعد الخوف والحزن عن صاحبها: الشهادة في سبيل الله، قال -تعالى-: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[آل عمران:169-170].
ومن الأعمال التي تبعد الخوف والحزن عن صاحبها: تقوى الله -تعالى-، وهي فعل الأوامر وترك النواهي، قال -تعالى-: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)[يونس:62-63].
فيا سعد المتقين يوم لقاء رب العالمين بسلامتهم من الخوف والحزن، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن من عباد الله لأناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله -تعالى-"، قالوا: يا رسول الله، تخبرنا من هم. قال: "هم قوم تحابوا بنور الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس"، وقرأ هذه الآية: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وهو صحيح).
ومن الأعمال التي تبعد الخوف والحزن عن صاحبها: الاستقامة على شرع الله من غير انحراف عنه، قال -تعالى-:(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الأحقاف:13].
كان الحسن رحمه الله إذا قرأ هذه الآية قال: "اللهمَّ فأنت ربنا فارزقنا الاستقامة"(تفسير الطبري (21/ 465).
ونحن نسأل الله -تعالى- أن يرزقنا الاستقامة لنأمن من الخوف والحزن يوم القيامة، فاللهم استجب.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المسلمون: إن هذا الخوف والحزن المنفيين عن أهل هذه الأعمال الصالحة التي ذكرناها في الخطبة الأولى إنما يكون ذلك في الآخرة؛ لأن "قرائن الكلام تدل على أن المراد نفيهما في الآخرة لا في الدنيا؛ ولذلك حكى الله عنهم أنهم قالوا حين دخلوا الجنة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر:34]، أي: أذهب عنا ما كنا فيه من الخوف والإشفاق في الدنيا من أن تفوتنا كرامة الله -تعالى- التي نلناها الآن"(تفسير الرازي (3/ 473).
أما في الدنيا فإن الخوف والحزن عنصران ملازمان لهذه الحياة الفانية، ويصيبان الصالح والطالح والمؤمن والكافر؛ ولذلك لم يسلم من الخوف والحزن خيار عباد الله وهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وكم في القرآن من الآيات التي نهى الله فيها نبينا عليه الصلاة والسلام عن الحزن، قال -تعالى-: (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)[النمل:70]، وقال عن نبيه إبراهيم عليه السلام: (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)[الذاريات:28].
فـ"أهل الجنة لا بد لهم من الخوف في الدنيا وفي البرزخ ويوم القيامة؛ حيث يقول آدم وغيره من الأنبياء: (نفسي نفسي)، فأخبر سبحانه أنهم وإن خافوا فلا خوف عليهم أي: لا يلحقهم الخوف الذي خافوا منه، وأتى في نفي الحزن بالفعل المضارع الدال على نفي التجدد والحدوث أي: لا يلحقهم حزن ولا يحدث لهم؛ إذ لم يذكروا ما سلف منهم، بل هم في سرور دائم لا يعرض لهم حزن على ما فات..."(مفتاح دار السعادة (1/ 34).
غير أن المؤمنين-يا عباد الله- يخف لديهم الحزن والخوف في الدنيا إذا كمل لديهم التوكل الله والثقة به -تعالى-، وعظم عندهم الإيمان بالقضاء والقدر، فهناك يعلمون أنه لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم، وأن الله -تعالى- قد يقدر عليهم حصول أسباب للخوف أو الحزن حتى يزدادوا عبودية وإيمانًا بالله، ويكثر أجرهم عنده سبحانه.
فيا أيها المسلمون: إن السلامة التامة من الخوف والحزن بأن يعقبهما الأمن التام والسرور التام؛ لا يكون ذلك إلا في الجنة فأعدوا في الدنيا شهادة الحصول على ذلك، وسارعوا إلى الأعمال الصالحة، وتجنبوا الأعمال السيئة، واستشعروا شدة أثر الخوف والحزن اللذين تلقونهما في الدنيا فكيف بالخوف والحزن يوم القيامة؛ فخوف القيامة عظيم عظيم، وحزن يوم الدين أليم أليم، فهل من متعظ، هل من معتبر؟
نسأل الله -تعالى- أن يؤمننا من الخوف والحزن يوم لقائه، وأن يجعلنا من المطمئنين المسرورين عند جزائه.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه عموما بقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
التعليقات