عناصر الخطبة
1/بعض الظواهر القبيحة بين العباد عند الترافع للقضاء 2/بعض الأحكام والإرشادات في التعامل مع المدين 3/المشاكل الزوجية لا تبيح الظلم وإضاعة الحقوقاقتباس
وممَّا كَثُرَ من بعض المسلمات أمر لا يُحمَد، وهو الاتجاه للقضاء للمطالَبة بالخُلْع من الزوج بدون سبب شرعيّ، لا يُعالِجُه إلا الفراقُ، تريد بذلك انطلاقَ الحرية من عقد رابطة الزواج...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أباح لعباده الطيبات، وحرَّم عليهم الخبائثَ والموبقات، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، رب الأرض والسماوات، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ المخلوقات، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه، أُولي التقوى والمَكْرُمات.
أما بعدُ فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جلَّ وعلا-، فبها تحصُل المسرَّاتُ، وتحل البركاتُ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطَّلَاقِ: 2-3].
أيها المسلمون: إن من الظواهر التي تكثُر في أروقة المحاكم ظواهر لا يليق بالمسلم، ولا يحل لمؤمن أن تقع منه مثلُ هذه الظواهر القبيحة؛ مستغِلًّا قدرتَه في المطالَبة، ودُرْبَتَه في إجادة الادعاء، فمن هذه الظواهر: الدعاوى الكاذبة، التي لا حقيقةَ لها، بل هي دعاوى بالباطل والهجور، قال جل وعلا: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 188]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنِ ادَّعى ما ليس له فليس منَّا، وليتبَوَّأْ مقعدَه من النار"(رواه مسلم).
ومن المعلوم من نصوص الوحي واتفاق علماء المسلمين أن المسلم لا يحل له أن يأخُذَ ما حَكَمَ له القاضي إذا كان لا يستحِقُّه في نفس الأمر، وفي واقع الحال.
عبادَ اللهِ: ومن الظواهر القبيحة والأمور الشنيعة في القضاء وغيره، الإقدام على اليمين الفاجرة؛ ليقتطع بها المسلمُ حقَّ أخيه بغير حق، قال ربنا -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 77]، وفسَّرَها غيرُ واحدٍ من السلف باليمين الكاذبة؛ ليقتطع بها حقَّ مسلم، وقد قال رسولُنا -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حلَف على يمينٍ صَبْرٍ يقتطعُ بها مالَ امرئ مسلم هو فيها فاجرٌ لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ"(متفق عليه).
وقال عليه الصلاة والسلام: "مَنِ اقتَطَعَ حقَّ امرئ مسلم بيمينه حرَّم اللهُ عليه الجنةَ وأوجَب له النارَ، قالوا: يا رسول الله، وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإن كان قضيبًا مِنْ أَرَاكٍ"(رواه مسلمٌ)، وقوله: "بيمينه"؛ أي: إذا كانت اليمين كاذبةً فاجرةً.
إخوةَ الإسلامِ: ومن الظواهر الخطيرة على دين الناس ودنياهم، وأفرادهم ومجتمعاتهم التساهُل في شهادة الزور، يشهد كذبًا لنفع ماديٍّ له، أو من باب ما يظنُّه بعضُ أنه من التعاون الذي ينفع به قريبَه أو صديقَه، ويظنون في أنفسهم أنه لا ضررَ على أحد، وكلُّ ذلك من الكبائر القبيحة، والذنوب العظيمة، قال جل وعلا: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[الْحَجِّ: 30]، وقد سُئِلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن الكبائر فقال: "الإشراكُ بالله، وعقوقُ الوالدين، وقتلُ النفس، وشهادةُ الزور"(متفق عليه)، ومن ذلك الشهادةُ لأحد بغير حقٍّ؛ لينالَ بها شيئًا من الأموال العامة التي قرَّرَها نظامُ الدولة؛ كأرض أو غيرها من الأموال.
معاشرَ المسلمينَ: ومن الظواهر في المحاكم، والتي يجب على المسلم الابتعاد عنها أن تعرف مدينًا لكَ، وعندك علم بإعساره وعجزه عن الوفاء لأسباب وقعَت له، ثم تستغل ذلك الحالَ، تستغل معه القضاء لمطالَبته والتنكيل به، بل الواجب عليكَ حينئذ ما أرشَدَكَ إليه خالِقُكَ بقوله -جل وعلا-: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 280]، قال سعيد بن جبير -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 280]، قال: "فهو أعظم لأجره، ومن لم يتصدَّق عليه لم يأثم، ولكن مَنْ حبَس معسِرًا في السجن فهو آثم"، وبمثل قوله قال كثيرٌ من السلف.
فيا من له دَيْن عند معسِر يعلم إعسارَه وعجزَه عن الوفاء: التَزِم بهذا التوجيه تَنَلِ الخيرَ العظيمَ والأجرَ الكبيرَ، قال صلى الله عليه وسلم: "كان تاجرٌ يُدايِنُ الناسَ فإذا رأى معسِرًا قال لفتيانه: تجاوَزُوا عنه، لعلَّ اللهَ أن يتجاوز عنَّا، فتجاوَز اللهُ عنه" (متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سرَّه أن يُنَجِّيَه اللهُ مِنْ كُرَبِ يومِ القيامةِ فليُنَفِّس عن معسِر أو يضع عنه"(أخرجه مسلم)، وقد صحَّح بعضٌ من العلماء حديثًا تدل عليه قواطعُ الشريعة، وقد ورَد في (سنن الإمام أحمد، وسنن ابن ماجه) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَنْظَرَ معسِرًا حلَّ دَينُهُ فله بكل يوم مِثْلَيْهِ صدقة" أجر عظيم، واللهُ -جل وعلا- واسعٌ عليمٌ.
معاشرَ المسلمينَ: ومن الأمور المحرمة على المسلم، وهي من كبائر الذنوب المطلُ بالدَّيْن وإلجاء صاحب الدَّيْن إلى المطالَبة القضائية بحقه الواجب؛ فيحرُم على القادر أن يؤخِّر الدَّيْنَ بعد استحقاقه، قال صلى الله عليه وسلم: "مطلُ الغنيِّ ظلمٌ"(متفق عليه).
أيها المسلمون: وممَّا كَثُرَ من بعض المسلمات أمر لا يُحمَد، وهو الاتجاه للقضاء للمطالَبة بالخُلْع من الزوج بدون سبب شرعيّ، لا يُعالِجُه إلا الفراقُ، تريد بذلك انطلاقَ الحرية من عقد رابطة الزواج، فَمِمَّا صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أيُّما امرأةٍ سألَتْ زوجَها طلاقًا في غير ما بأس فحرامٌ عليها رائحةُ الجنةِ"، وعدَّ ابنُ حجر الهيثمي هذا الطلبَ من الزوجة -والحالة هذه- كبيرةً من كبائر الذنوب.
عبادَ اللهِ: ومن الظواهر السيئة والصُّوَر القبيحة التي يُلجأ فيها صاحبُ الحق إلى القضاء ما يحدُث من بعض الزوجين بعد الطلاق ممَّا لا يُقِرُّه الشرعُ القويمُ ولا الخُلُق الكريمُ ولا الطبعُ السليمُ، قال تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 237]، وقال جل وعلا: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ)[الْبَقَرَةِ: 233].
ومن الأصول الفقهية المعتَبَرة قاعدة منع التعسُّف في استعمال الحق المقرَّر شرعًا؛ فلا يجوز للزوج المماطَلة بحقوق المطلَّقة المقرَّرة شرعًا؛ كمؤخَّر الصداق، أو ما يتقرَّر من الصداق قبل الدخول، وكذا ما للرجعية من حق بقائها في السكن، وكذا نفقتها، وأيضا بذل النفقة للمطلَّقة البائن إذا كانت حامِلًا حتى تضع، فهذه حقوق مقرَّرة لا يجوز التملُّصُ منها، وإلجاء الزوجة للمطالَبة بها شرعًا، لدى القضاء؛ لِمَا فيه من الضرر، وهذه حقوق معلومة مقرَّرة واضحة لكل أحد يعرِف الشرعَ القويمَ.
معاشرَ المسلمينَ: ومن تلك الظواهر: إلجاء الزوجة للمطالَبة القضائية بما هو مقرَّر ومعلوم بالضرورة بالنصوص من حقوق مقررة؛ كنفقة الأولاد بعد الطلاق إذا كانوا تحت حضانة أمهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "كفَى بالمرء إثمًا أن يضيِّع مَنْ يَقُوتُ"(صحَّحَه النوويُّ)؛ فالواجب على الجميع بذلُ هذه الحقوق الواجبة في ذمة المسلم، بذلها عن طواعية وسماحة نفس وبطريقة ميسَّرة لا تقتضي خصامًا، ولا شقاقًا، ولا يَحتاج معها أحدُ الطرفين لضرر المطالَبة بها في المحاكم؛ فالمسلم يبادِر بهذه الحقوق على أنها من حدود الله الواجب المبادَرة إلى الوفاء بها، دون إلزام من أحد، بل ديانةً لله -جل وعلا-، يَتعبَّد اللهَ بها، قال الله -جل وعلا-: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)[الطَّلَاقِ: 1].
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم من كل ذنب، فاستغفروه لي ولكم ولسائر المسلمين، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحدَه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عبادَ اللهِ: إنَّ مَنْ يعرف المحاكمَ وما يدور فيها من قضايا حضانة الأولاد ورؤيتهم بعد الطلاق يأسف لبعض ممارَسات أحد الزوجين، في جعل الأولاد ضحيةً لأجل الإضرار بالآخَر، والواجب الوقوف عند حدود الله ومراعاة مصالح الأولاد، والحرص على اختيار المأوى الهادئ، والملجأ الآمِن، وأن يتعاون الزوجان على غَرْس الحُبِّ والسَّكِينة والطمأنينة في نفوس أبنائهم، وهذا لا يكون إلا باطِّراح المصالح الذاتية، وتقديم مصالح الأولاد؛ لتحقيق الأمن النفسي والاجتماعي لهم؛ لينشؤوا نشأةً سليمةً، قال جل وعلا: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 237]، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ فرَّق بين والدة وولدها فرَّق اللهُ بينَه وبينَ أَحِبَّتِه"(صحَّحَه جمعٌ من المحدِّثِينَ).
أيها المسلمون: إن الله -جل وعلا- أمَرَنا بأمر عظيم، تزكو به نفوسُنا، وتصلُح به أحوالُنا، ألَا وهو الإكثارُ من الصلاة والتسليم على النبي محمد، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعينَ، وعن التابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، اللهم فرِّج همومَنا وهمومَ المسلمين، اللهم نفِّس كرباتِ المسلمينَ، اللهم اقضِ الدَّيْنَ عن المدينينَ، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعل لهم من كل هَمٍّ فَرَجًا، ومن كل عُسْرٍ يُسْرًا، ومن كل ضِيقٍ مَخْرَجًا، اللهم أَغْنِ فقيرَهم، اللهم أَغْنِ فقيرَهم، اللهم أغنِ فقيرَهم، اللهم اهدِ ضالَّهم، يا حي يا قيوم.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهم أَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، اللهم مَنْ أرادنا أو أراد أحدًا من المسلمين بسوء فأَشْغِلْهُ في نفسه، اللهم سلِّطْ عليه جندَكَ، اللهم سلِّطْ عليه جندَكَ، اللهم سلط عليه جندَكَ، اللهم مَنْ تسلَّط على المسلمين في أي مكان فعليكَ به، اللهم فَرِّق شملَه، اللهم لا تجمع كلمتَه، اللهم عليكَ به، يا مَنْ له جنود السموات والأرض.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبه وترضاه، اللهم وفقه ونائبه لكل خير، اللهم اجعل عمَلَهما في رضاكَ، اللهم وألبسهما لباسَ الصحة والعافية، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وَفِّقْهما لِمَا تحبه وترضاه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفظ بلادَنا وبلادَ المسلمين من كل سوء ومكروه، اللهم احفظ بلادَنا وبلادَ المسلمين من كل سوء ومكروه، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، اللهم احفظ رجال أمننا في الجو وفي البحر وفي البر يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما فيه مصالح رعاياهم، اللهم اجمع كلمتهم مع أئمتهم على الحق والهدى، يا حي يا قيوم.
اللهم يا غني يا كريم، اللهم يا غني يا كريم، يا لطيف، يا لطيف، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا من بيده كل شيء، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أغثنا وأغث ديار المسلمين، اللهم أغثنا وأغث ديار المسلمين، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، اللهم أنزل علينا يا ذا الجلال والإكرام من كل خير خزائنه بيدك، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، لا تردنا خائبين، اللهم لا تردنا خائبين، اللهم لا تردنا خائبين، اللهم إنا في حاجة إلى فضلك يا ذا الفضل العظيم، اللهم إنا بحاجة إلى فضلك يا ذا الفضل العظيم.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-181]، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التعليقات