عناصر الخطبة
1/ الاجتهاد في الدعاء في حال الصيام كله 2/ مكانة الدعاء 3/ فضل الدعاء 4/ آداب الدعاءاهداف الخطبة
اقتباس
الدعاء محبوب لله -عز وجل-، فهذا نبيه -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليس شيء أكرم على الله -عز وجل- من الدعاء" رواه أحمد وغيره، وحسَّنه الألباني؛ وذلك لما فيه من العبودية لله تعالى، والتذلل له، والافتقار إليه، ونفْي الكبرياء، وإظهار ذل العبودية، ولذلك قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، فمن استكبر عن عبادة الله تعالى وترك الدعاء أدخله الله تعالى جهنم صاغرا حقيرا يوم القيامة ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن مضلل فلا هادى له.
اللهم ربنا لك الحمد أنت قيِّم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق.
اللهم لك أسلمنا، وبك آمنا، وعليك توكلنا، وإليك أنبنا، وإليك خاصمنا، وبك حاكمنا، فاغفر لنا ما قدمنا وما أخَّرْنا، وأسررنا وأعلنا، وما أنت أعلم به منا، لا إله إلا أنت، أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر، وأنت على كل شيء قدير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ * أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ...) [البقرة:183-187].
قال العلماء رحمهم الله تعالى: في ذِكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كُلِّ فطر، بل في حال الصيام كله.
قال أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتُهم: الإمام العادل، والصائم حتى يُفْطِر، ودعوة المظلوم؛ تُحمَل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب -عز وجل-: وعزتي لأَنْصُرَنَّكَ ولو بعد حين" رواه أحمد والترمذي وحسَّنَهُ وغيرهُما.
وعن عبد الله بن أبي مُلَيْكَةَ قال: سمعت عَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ -رضي الله عنهما- يقول: قالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً ما تُرَدُّ"، قال بن أبي مُلَيْكَةَ: سمعت عبدَ الله بنَ عمرٍو يقولُ إذا أفطَرَ: اللَّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لي. وفي رواية للبيهقي في الشُّعَب مِن طريق أخرى: فكان عبدُ الله بنُ عمرٍو إذا أفطرَ دَعَا أهلَهُ وَوَلَدَهُ وَدَعَا.
عباد الله: لَمَّا أكثر الخليفة المعتصم في بغداد من اقتناء العبيد من التُّرْكِ خاصة، فبعث إلى سمرقند وفَرَغَانةَ والنواحي في شرائهم، وبذل فيهم الأموال، وألبسهم أنواع الديباج، ومناطق الذهب، وجعلهم جنودا له، فكانوا يَطردون خيلهم في بَغداد، ويؤذون الناس، وضاقت بهم البلد، اجتمع إليه أهل بغداد وقالوا: إن لم تخرج عنا بجندك حاربناك! قال: وكيف تقاتلونى وفى عسكرى ثمانون ألف دارع؟! قالوا: بسهام الأسحار، يعنون الدعاء عليه في وقت السَّحَر. قال: لا طاقة لي بذلك. فَبَنَى مدينته المشهورة المعروفة بـــ "سُرَّ مَنْ رَأَى" وتحول إليها.
أَتَهزَأُ بِالدُعاءِ وَتَزدَريهِ *** وَما تَدري بِما صَنَعَ الدُّعاءُ
سِهامُ الليلِ لا تُخْطِي ولكِنْ *** لَهَا أَمَدٌ وَلِلْأَمَدِ انْقِضَاءُ
قال محمد بن حاتم: قلت لأبي بكر الوراق: علِّمْني شيئا يقربني إلى الله تعالى ويبعدني عن الناس. فقال: أمَّا الذي يقربك إلى الله تعالى فمسألته، وأما الذي يبعدك عن الناس فترك مسألتهم، ثم أنشد:
لا تسألَنَّ بُنَيَّ آدمَ حَاجَةً *** وسَلِ الذي أبوابه لا تحجب
اللهُ يغضَبُ إنْ تَركْتَ سُؤَالَهُ *** وبُنَيَّ آدمَ حين يُسأل يغضب
الدعاء محبوب لله -عز وجل-، فهذا نبيه -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليس شيء أكرم على الله -عز وجل- من الدعاء" رواه أحمد وغيره، وحسَّنه الألباني؛ وذلك لما فيه من العبودية لله تعالى، والتذلل له، والافتقار إليه، ونفْي الكبرياء، وإظهار ذل العبودية، ولذلك قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]، فمن استكبر عن عبادة الله تعالى وترك الدعاء أدخله الله تعالى جهنم صاغرا حقيرا يوم القيامة.
عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، قال: "الدعاء هو العبادة"، وقرأ: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) إلى قوله: (داخرين).
وفي صحيح ابن حبان أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال (موقوفا): أعجزُ الناس مَن عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام.
وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: إذاً نُكْثِرُ. قال: "الله أكثر".
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًّا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
عباد الله: عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدْعُ بإثمٍ أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل"، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: "يقول: قد دعوتُ وقد دعوتُ فلم أرَ يَستجيب لي، فيَستحسرُ عند ذلك ويَدَعُ الدعاء" رواه البخاري ومسلم.
قال ابن حجر -رحمه الله-: ومعنى قوله: "يستحسر" ينقطع، وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو انه يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة، لما في ذلك من الانقياد، والاستسلام، وإظهار الافتقار، حتى قال بعض السلف: لَأَنا أشَدُّ خَشْيَةً أن أُحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة.
وفي صحيح ابن حبان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سأل أحدكم فلْيُكْثِرْ؛ فإنه يسأل ربه".
قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60].
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم ولِّ علينا خيارنا، واكفنا شر شرارنا، اللهمَّ أَصْلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم اللهم البطانة الصالحة الناصحة، التي تعينهم على الحق وتدلهم عليه.
اللهم لك الحمد كلُّه، ولك الشكر كلُّه، اللهم لا قابض لما بسَطتَ، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت.
اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إنا نسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إنا نسألك النعيم يوم العيلة، والأمن يوم الخوف، اللهم إنا نعوذ بك من شر ما أعطيتنا، ومن شر ما منعتنا.
اللهم حبِّبْ إلينا الإيمان، وزَيِّنْهُ في قلوبنا، وكَرِّهْ إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم توفنا مسلمين، وأحْيِنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.
اللهم قاتل الكفَرة الذين يُكَذِّبُونَ رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق.
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى، اللهم اهد شبابنا ونساءنا ووفقهم لما تحبه وترضاه، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.
اللهمَّ صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
التعليقات